غياب التأهيل الشرعي والمحاسبي "خطر" يهدد المصارف الإسلامية
طالب أحمد بن عبد العزيز الحداد كبير المفتين ومدير دار الإفتاء في دبي الهيئات واللجان الشرعية بضرورة تأهيل المصرفيين تأهيلاً لائقاً يساعد على النهوض بالصناعة المصرفية الإسلامية، معتبراً أن غياب التأهيل هو "الخطر الحقيقي على المصارف الإسلامية".
ونادى الحداد في الحوار الذي أجرته معه "الاقتصادية" بأهمية ترك المنتجات المالية التابعة للمصارف الإسلامية والتي يشوبها خلاف كبير، والاتجاه نحو التفكير في البديل الصحيح الذي لا يحمل الشبهات.
وتوقع كبير المفتين ومدير دار الإفتاء في دبي أن تواصل المصارف الإسلامية تحقيق نجاح في الصناعة المصرفية، وأن تصل إلى مرحلة التحدي، مستشهدا بالتطورات الإدارية الأخيرة التي حلت بالصناعة والتي تمكنت من سد الثغرات التي شابت العمل المصرفي الإسلامي.
وأبان الحداد أن قيام هيئات رقابية محايدة كالهيئة الشرعية للتصنيف والرقابة التابعة للمجلس العام للبنوك الإسلامية، وهيئة المعايير والمحاسبة الشرعية وغيرها من الهيئات الفاعلة، ستضيف بعداً كبيراً في تأصيل العمل المصرفي الإسلامي. إلى تفاصيل الحوار:
بعد تزايد الشكوك حول المنتجات الإسلامية، هل قطاع التمويل الإسلامي يواجه خطراً؟ وما أسباب ذلك؟
التمويل الإسلامي تجاوز مرحلة الخطر، ووصل إلى مرحلة التحدي، فقد غزى البنوك التقليدية في عقر دارها، فأضحت تلك البنوك تفتح نوافذ وصناديق وفروعا إسلامية تنافس منتجاتها التقليدية، ولو كانت غير ناجحة لما استطاعت الدخول إلى هذه البيوت المحصنة ذات الملاءة الكبيرة، فضلا عن ثباتها لمدة ثلاثة عقود متتالية ووصولها اليوم إلى نحو 390 بنكاً ومصرفا وشركة في مختلف العالم الإسلامي وغيره، وذلك برهان جلي على تجاوزها مرحلة الخطر.
وتعد المصارف الإسلامية الآن في مرحلة التحدي الأكبر للبنوك التقليدية في المنتجات المبتكرة التي تحقق الالتزام التام بالشريعة الإسلامية سلوكا ومنهجا، وتحقق الهدف الأسمى من إنشائها كبنوك تحقق الغرض كاملا للمسلم وللاقتصاد والتنمية، ولا ريب بأن التحدي ليس سهلا فهو يعني إثبات وجود متميز، بمنهج مستقل تماماً، ولا مجال للحلول الوسط في الاقتصاد الإسلامي، لأن النشأة التي قامت عليها هي نشأة تميز تحقق هدفا استراتيجيا للمسلمين، وهو اجتناب الربا جملة وتفصيلا، لما فيه من محاربة لله تعالى ومحاربة للتنمية، واستغلال لذوي الحاجة من الناس.
وعلى البنوك والمصارف الإسلامية أن تثبت وجودها بتحقيق هدفها، وجودة منتجاتها المتميزة غير التقليدية، وذلك يعني أمرين أساسين :الأول، تفعيل دور الهيئات والرقابة الشرعية، بأن تكون على مستوى عال من الفقه والحرفية والتقوى لله تعالى وحمل الهم الكبير للأمة، والأمر الثاني: يتمثل في الاستقلالية التامة عن السلطة التنفيذية في البنوك والوزارات المعنية.
فإذا تحقق ذلك كان تحديها جديرا بالثبات والفوز المظفر إن شاء الله تعالى، ولا يتحقق ذلك إلا بتوفير كادر مصرفي متأهل تأهيلاً شرعياً ومحاسبياً، وهذا يلقي بظلاله على دور الهيئات واللجان الشرعية في تأهيل المصرفيين تأهيلاً لائقاً وكبيراً، لأن غياب التأهيل هو الخطر الحقيقي على المصارف الإسلامية، إذ يترتب على ذلك ألا تطبق المعاملات الإسلامية على وجهها الصحيح وإن كان قد نظر لها تنظيراً صحيحاً، ولا ريب أن المسؤولية الكبرى في هذا المجال تقع على عاتق الهيئات واللجان الشرعية، التي أخذت بعضها هذه الصناعة كحق فكري لا تقبل تعديه من قبل الآخرين.
> من وجهة نظركم لماذا يكثر هذه الأيام اللغط حول التمويل الإسلامي على وجه التحديد ؟
ما من عمل بشري إلا ويعتريه النقص فيكون ذلك سببا للتشهير من المتربصين، وهذه طبيعة كثير من الناس، والحقيقة أن ذلك ليس عيباً، إذا تبع ذلك النقص الإصلاح وتصحيح الصورة، ولعل هذا اللغط يكون سبباً مباشراً لإصلاح الخلل والخطأ الذي يحدث، حيث تتنبه البنوك الإسلامية وتقوم بإصلاح ما يجب إصلاحه، ولولا ذلك التشهير ما تنبهت المؤسسات الإسلامية. وقد ورد في الأثر، رحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي، والواجب على البنوك الإسلامية أن تأخذ أي شائعة أو نقد مأخذ الجد فتدرسه وتصحح مسارها إذا كان يحتاج إلى تصحيح، فما نجحت الدول الديمقراطية وتقدمت إلا بفعل النقد البناء، وتلك عبرة لا بد أن يستفاد منها.
فإذا كان هناك خطأ في بعض المنتجات فيجب أن تبحث بحثا فقهياً تأصيلياً تتفق فيه الآراء أو تكاد، ثم تخرج للناس بصورة جماعية أو قريبة منها، وإذا كانت محل خلاف كبير كالتورق المنظم أو المرابحة النمطية التي لا تأخذ شكلها الحقيقي، أو نحو ذلك من الصور فيتعين أن تترك حتى يوجد البديل الصحيح، وما أكثر البدائل والمنتجات الإسلامية التي تحقق الغرض وتذهب اللبس وتريح ضمير المسلم.
> هل أصبح علماء الشريعة متساهلين بالفعل في الأحكام الشرعية فيما يخص المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي؟
التساهل نوعان : منضبط ومنفلت، ولا غضاضة على التساهل المنضبط