ما تمس إليه الحاجة من أحكام الزكاة
الحمد لله المنعم المتفضل، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه بعض الأحكام الفقهية مما تمس إليه حاجة الناس إليه ويكثر سؤال الناس فيه.
أولاً: زكاة الأوراق النقدية
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تجب الزكاة في الأوراق النقدية إلحاقاً لها بالذهب والفضة.
المسألة الثانية: تجب الزكاة في الأوراق النقدية إذا دخلت في الاستثمارات والأعمال التجارية بشرط: بلوغ النصاب، ومضي الحول.
أما الشرط الأول: فإن نصاب الأوراق النقدية هوالوسط الحسابي بين نصاب الذهب، ونصاب الفضة.
ونصاب الذهب يساوي (85 جراماً)، ودليله: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه: " فَإِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ يَعْنِي فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ قَالَ فَلاَ أَدْرِي أَعَلِيٌّ يَقُولُ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ أَورَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أبوداود بسند جيد وحسنه ابن حجر.
ونصاب الفضة يساوي (595جراماً)، ودليله: ما جاء في حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ " متفق عليه.
فتجب الزكاة في الأوراق النقدية بحساب كم ثمن الـ (85 جراماً من الذهب، و595 جراماً من الفضة) حسب عملة كل بلد، ثم تُجمع النتيجة وتُقْسم بالنصف، والناتج النهائي، هونصاب الزكاة في النقود الورقية.
الشرط الثاني: مضي الحول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول"، وقد رواه عدد من الصحابة وقواه ابن حجر.
المسألة الثالثة: تجب الزكاة في الأوراق النقدية إذا دخلت في ملك المسلم بدون اشتراط النصاب وحولان الحول؛ مثل: الرواتب والأجور.
المسألة الثالثة: مقدار الزكاة في الأوراق النقدية والذهب والفضة: ربع العشر. أي (2.5%)
لحديث أَنَس أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ (إلى أن قال) وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلاَ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلاَ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا" رواه البخاري.
ثانياً: زكاة الحلي من الذهب والفضة
لعل الأقرب إلى الدليل هووجوب الزكاة في الحَلْي (الذهب والفضة) المعد للاستعمال والزينة، ومن الأدلة على وجوب الزكاة في الحلي: حديث عبدالله بن عمروبن العاص: "أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتٌ لَهَا فِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَتُؤَدِّينَ زَكَاةَ هَذَا قَالَتْ لاَ قَالَ أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ قَالَ فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" رواه أبوداود والترمذي بسند حسن.
ثالثاً: زكاة عروض التجارة
من أدلة وجوب الزكاة فيها أثر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "ليس في شيء من العروض زكاة إلا للتجارة " أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح.
وعروض التجارة هي: كل ما أعد للبيع والتجارة، في العقار، أوالسيارات، أو قطع الغيار، أو المواد الغذائة، أوبهيمة الأنعام، أو غير ذلك. وبعض الناس ليس له نوع معين من التجارة، فيبدأ بالعقار، وينتقل إلى السيارات، ثم إلى المواد الغذائية. وهكذا.
فكل هذا تجب فيه الزكاة، والحول يبدأ من بداية قيامه بالتجارة، وما زاد ونمى أثناء الحول فحوله حول أصله.
فيبدأ مثلاً في أول السنة بعروض قيمتها مائة ألف، وينتهي الحول بعروض قيمتها مائتا ألف، فتجب الزكاة في نهاية الحول في جميع العروض.
مثال للتوضيح: من عند محل لبيع المواد الغذائية، أو لبيع أجهزة، أو صيدلية، فتجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول: فيحسب المعروض للبيع كله بقيمته عند إخراج الزكاة، وليس بقيمة شرائه لها.
أما غير المعد للبيع فلا يحسب كأثاث المحل، والهاتف، والثلاجات، وسيارات الشحن والتحميل، فهذا لا تجب فيه الزكاة.
فيحسب التاجر ما عنده في الرصيد، وقيمة المعد للبيع فيخرج زكاتها جميعاً (2.5 % ).
وزكاة العروض إما أن تكون من العروض نفسها، أو تكون بإخراج قيمتها، حسب حاجة مَن تُدفع له الزكاة.
رابعاً: المستحقون للزكاة
المستحقون لها ثمانية أصناف: لقوله تعالى: )إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( (التوبة 60).
الصنف الأول والثاني: الفقراء والمساكين، والواحد منهم هو من لا يجدكفايته، فيعطى الفقير أوالمسكين ما يكفيه، وعائلتَه لمدة سنة.
أما الغني، أوالقوي الذي يستطيع الاكتساب فإنها لا تحل له؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ" رواه النسائي وأحمد بسند صحيح.
الصنف الثالث: العاملون عليها، وهم الذين يعملون في مؤسسات جمع الزكاة من أهلها، وحفظها وقسمها على مستحقيها، فيعطى قدر أجرته منها، وإن كان غنياً إذا تفرَّغ للعمل في الجمع والتوزيع،وإن الأولى التعفف عن مال الزكاة من قِبَل العامل عليها إذا كان غنياً.
الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم، وهم ممن يرجى إسلامه، أويرجى بدفع الزكاة إليه قوةُ إيمانه.
الصنف الخامس: الرقاب، والتحرر من العبودية الجسدية السابقة في القرون الماضية، ويُلحق بها: التحرر من الرق الفكري والاقتصادي والسياسي، فتُعطى حركات التحرر الإسلامية من مال الزكاة كي يعيشوا في أمان، قال تعالى: ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَ عَلَى الظَّالِمِينَ([البقرة: 193]، وقال تعالى: )وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ([الأنفال: 39].