أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي - للدكتور مصطفى العبد الله الكفري (جامعة دمشق – كلية الاقتصاد)
أحد علماء القرن السادس الهجري في طرابلس الشام، عاش أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي. وهو من أبرز من عالج القضايا الاقتصادية بين المفكرين المسلمين والعرب الذين عاصروه، وعني بالشأن الاقتصادي كشأن مستقل قائم بذاته. وفضلاً عن ذلك فأبو الفضل جعفر الدمشقي هو بحق، من أوائل العلماء الذين تلكموا في العروض التجارية وأسماء السلع فكان كلامه مرجعاً لغيره من المؤلفين والشراح وسبق ابن خلدون في تناوله لعلم الاقتصاد، وتفرد في معالجته لشؤون التجارة على نحو جعل كتابه هذا يوصف بأنه "الدراسة الوحيدة في أصول مهنة التجارة".
كان الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي تاجراً حكيماً، يعيش في طرابلس الشام. وكان تفكيره الاقتصادي والتجاري مندمجاً بنزعته الدينية لعالم مسلم، واسع الاطلاع، وهذا واضح من كثرة عودته إلى القرآن والأحاديث النبوية، واستشهاده بمأثورات القول عن الإمام علي وعن كثير من العلماء والحكماء والفلاسفة والمصلحين، وحضه على التزام الأخلاق الكريمة والقناعة والسماحة والاستقامة في مزاولة التجارة، ونصحه بالاعتدال في الإنفاق وتجنب المعصية، وذلك كله أمر يتضح بجلاء في كتابه "الإشارة إلى محاسن التجارة"
لم نقع من كتب التراجم أو الطبقات على تعيين يقين لتاريخ مولد أو وفاة الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي، لكن دائرة المعارف الإسلامية، ترى أن أبا الفضل قد عاش في القرنين الخامس والسادس الهجريين، الموافقين للقرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين. وقد ورد في نسخة مخطوطة كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة، التي وجدت في المكتبة الخديوية في مصر ما نصه: "تم كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة بفضل الله وحمده. وصلى الله على محمد نبيه، وكان الفراغ منه عند صلاة الظهر من نهار يوم الاثنين السادس من شهر رمضان سنة سبعين وخمسمائة غفر الله لكاتبها ومالكها أمين يا رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
وبذلك فإن تاريخ إنجاز كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة في عام 570 هجري يوافق عام 1175 ميلادي. الأمر الذي يؤكد ما ورد في دائرة المعارف الإسلامية من أن أبا الفضل قد عاش في القرنين الخامس والسادس الهجريين. بدأ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي كتابه الإشارة إلى محاسن التجارة بالحديث عن المال (حقيقة المال وأقسامه والحاجة إليه). في بيان حقيقة المال أوضح الدمشقي أن المال في اللغة هو القليل والكثير من المقتنيات وينقسم إلى أربعة أقسام:
• الصامت: وهو العين، ما ضرب من الدنانير، أو الورق وهو المال من الدراهم. وبذلك فالمال الصامت هو الدنانير الذهبية والدراهم وسائر المصوغ منها.
• العرض: ويشتمل على الأمتعة والبضائع والجواهر والمعادن وسائر الأشياء المصنوعة منها.
• العقار: وهو صنفان أحدهما المسقف وهو الدار والحانوت والحمامات والمعاصر والفواخير والأفران … الخ، والآخر المزدرع ويشمل البساتين والكروم والمراعي والغياض وما يحويه من العيون والحقوق في مياه الأنهار.
• الحيوان: وتسمية العرب المال الناطق وهو ثلاثة أصناف:
• الرقيق وهو العبيد والإماء.
• الكراع وهو الخيل والإبل المستعملة.
• الماشية وهي الغنم والبقر والماعز والإبل السائمة المهملة.
في مجال مدح الغنى المكتسب والموروث. ونسبية قيمة الأموال. جميع الأموال نافعة لأهلها (إذا دبرت كما يجب وبعضها أفضل من بعض وتختلف باختلاف أحوال الزمان وبحكم ما هي عليه من صفاتها المكروهة أو المحبوبة وأحوالها المحمودة أو المذمومة). ويصنف الدمشقي حاجات الإنسان إلى المال الصامت في مجموعتين:
• حاجات ضرورية طبيعية ( الغذاء والكساء أو المأوى)
• حاجات عرضية وضعية (الحاجة إلى السلاح في مواجهة العدو أو الحاجة إلى الدواء وقت السقم)