ch.ch مشرف
عدد الرسائل : 2822 تاريخ التسجيل : 23/12/2007
| موضوع: كيفية كتابة بحث في الدراسات الاسلامية الجمعة 25 يناير - 18:31 | |
| كيفية كتابة بحث في الدراسات الاسلامية بسم الله الرحمن الرحيم * 1. توسع الدراسات الإسلامية في الزمان والمكان والموضوع : الدراسات الإسلامية واسعة الميدان ؛ من حيث : الزمان ، على امتداد أربعة عشر قرناً بما ضمَّته من ليالٍ وأيام وشهور وأعوام . وأما المكان ، فقد شارك في الدراسات الإسلامية عقول ونوابغ من جميع الأرجاء وكل الأنحاء ؛ من الصين شرقا إلى الأطلسي غرباً ، ومن سيبيريا شمالا إلى نهايات إفريقيا جنوباً ، والبقاع التي لم تشارك في الدراسات الإسلامية فيما مضى ، وفاتها ركب الأمس ؛ تتدارك القافلة اليوم ، وسواء أكانت الكتابات صحيحة قويمة أم سقيمة لئيمة ، لا يهم ذلك ، إلا أنها دراسات إسلامية . وأما الموضوع ، فقد تفتقت في رحاب هذا الدين علوم كثيرة جدا ، ولا زالت في نماء واطراد ، وكلها تستند إليه ، وعلى سبيل المثال قد أحصى حاجي خليفة في كتابه ( كشف الظنون ) 300 فن وعلم .
فإذا أخذا علوم القرآن الكريم المتعلقة بالنص العزيز كمثال ، وجدنا أنها تبلغ ثمانين علما ، وعلم التفسير واحدا منها ، بما ضمه أيضا من أنواع عشرة ، كما ذكره الإمام السيوطي في ( الإتقان ) . وكذلك علوم السنة التي بلغت أزيد من 90 علما ً ، كل هذا دليل على السعة زمانا ومكاناً وموضوعـاً .
2. مقاصد التأليف ، وغايته : أي أن البحث ينبغي أن يكون له غاية يرومها وهدف يصبو إليه ، وهي مجموعة في رؤوس سبعة ذكرها الإمام ابن خلدون في المقدمة : أ- استنباط العلم بموضوعه ، وتقويم أبوابه وفصوله ، واستنباط مسائل تعرض للعالم يحرص على إيصالها لغيره ؛ ومثاله كتاب ( الرسالة ) في أصول الفقه للإمام الشافعي . ب- أن يقف على تواليف الأولين ، فيجدها مستغلقة ، في حاجة للكشف والإبانة . ت- العثور على غلط أو خطأ في كلام المتقدم ـ ممن اشتهر فضله ـ فيودعه الكتاب مع الاستيثاق بالبرهان ؛ ليقف الناظر على ذلك ؛ إذ تعذر المحو . ث- نقصان مسائل أو فصول في فن ، فيقصد المطلَّع عليه إكمال ما نقص ؛ إتماماً للفن . ج- وقوع مسائل العلم غير مرتبة في أبوابها ، فيقصد المطلع ترتيبها وتهذيبها ، كما وقع في ( المدونة ) من رواية سحنون عن ابن القاسم ، فهذبها ابن أبي زيد القيرواني ؛ بنسبتها لأبوابها. ح- أن تكون مسائل العلم مفرقة من أبوابها في علوم أخرى ، فيتنبه بعض الأذكياء إلى موضوع ذلك الفن ، فيفعل ذلك ، ويظهر به فنٌّ ينظِمُه من جملة العلوم التي ينتحلها البشر ، مثل كتاب ( البيان والتبيين ) للجاحظ الذي جمع فيه كثيرا من كتابٍ مجموع للمسائل نحوية . خ- أن يكون مؤلفاً من أمهات الفنون طويلاً ، فيقصد المطلَّع إلى تلخيصه واختصاره ، أو حذف المكرر منه . وما سوى هذه الأغراض ففعل غير محتاج إليه، قال أرسطو : ( وما سوى ذلك ففضلٌ أو شَرَه ) ؛ بعد أن عدَّد مقاصد التأليف . فيجب على الباحث يضع نصب عينيه الغية والهدف من كتابته ، و يطرح على نفسه سؤالا مهمَّاً وهو : ماذا سأستفيد من عملي هذا في ديني ودنياي ؟ وماذا سأفيد القرَّاء بعد خروجه إليهم ؟ .
3. خطوات البحث مضموناً وشكلاً : أولا : المضمون : أ- الأهلية والاستعداد للبحث : فالاستعداد والأهلية قائمة على الرغبة والميل لذات البحث ، وهو أساس لا بد منه ، والباحث في علوم الشريعة ؛ يجب عليه أمران : الأمر الأول : أن يكون على معرفة بأصولها ومفاهيمها الأساسية ـ الكتاب والسنة ـ وذلك في الحد الأدنى من علومهما ، فمن حُرم ذلك أو فاته فلا يتعنَّ ، والأولى له أن يسدَّ على نفسه أبواب القدح والتجريح ،وبمقدار رسوخه فيهما ؛ يكون قد اقترب من الحق والصواب . وقد ذكر المجربون من العلماء معالم هداية للوصول للمعرفة الصحيحة ، بقولهم : ( فطالب العلم في بدايته شرطه الاستماع والقبول ، ثم التصور والتفهم ، ثم التعليل والاستدلال ، ثم العمل والنشر ) فمتى قد رتبة عن محلِّها حرم الوصول لحقيقة العلم من وجهها . الأمر الثاني : أن يكون قد رسخ في العلم الذي هو بصدده ، فمن لم يكن متمكنا فيه فماذا سيبدع ؟ أو أي شيء سيستدرك ، وماذا يفهم ليشرح ؟ .. وإن من تمام الرسوخ في علم ما : 1. معرفة المصطلحات الخاصة به ، ودلالاتها بدقة . 2. التفريق بينها عند تداخلها بمصطلحات علم لآخر . 3. حسن استعمالها فيه : تعبيراً وتحبيراً .
قال الشاطبي في ( الموافقات ) : .. الطريق الثاني مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين ، وهو نافع في بابه بشرطين : 1) أن يحصل به فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ، ومعرفة اصطلاحات أهله ، ما يتم به النظر في الكتب . 2) أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد ، فإنهم أقعد من غيرهم من المتأخرين . كما أنه ليس من العلم أن ينقل مصطلحات العلوم الأخرى التي يتشابه لفظها مع مصطلحات هذا العلم ، ويكثر من تعريفها والإشارة إليها .
ب ـ معرفة ميدان البحث ، والتمكن منه : يجب على الباحث في ميدان أن يُلمَّ بأبعاد ميدانه الذي يخوضه معرفة تامة ، قبل أن يشرع ، وذلك من خلال : 1) الاطلاع على أحوال ذلك العلم ، وأمهات كتبه ، التي شهد لها أهل الاختصاص بالقبول . 2) أن يتناول كتابا جامعاً منها ، فيدرسه بإتقان . 3) ثم يطلع على ما كتبه المعاصرون من أبحاث ورسائل حوله . 4) كثرة التفتيش والمطالعة ، والتحقيق والمراجعة . 5) النظر في كلام مختلف الأئمة ؛ ليعرف المتفق والمختلف ، والواضح والمشكل . فهذا يجعله من أهل الاختصاص بحق وصدق . والتمكن هو المَلَـكة ، فمن لم تكن عنده ملكة في تخصصه ، وحذق في مسائل ذلك التخصص على العموم ، فلن يكون في التصنيف والتأليف قادراً على التصرف ، أو تقديم جديد .
ج ـ البحث العلمي ، وفائدته الإنسانية : يلزم الباحث أن يلاحظ الفائدة التي سيسديها للناس حوله ، وهل سيقدم حلاًّ لمشكلة متوقعة أو قائمة، عامة أو خاصة ، وإلا فلن يكون لعمله أثر ولا فائدة ، بل مضيعة للوقت . وإننا نسمع اليوم عن أناس يحاضرون عن السبحة ، والقميص ، ولون أصحاب الكهف ، ويبحث عن الإماء والعبيد ؛ وهذا غباء لا مثيل له . ومن هذا المنطلق كان سلفنا عندما يُسألون عن حكم ، يستفسرون : هل هذا كائن ؟ فإن أكّدوا ذلك أجابوا لهم عنه وإلا فلا ؟ . كما أن هناك مباحث لا صلة لها بالواقع ؛ لأنها مباحث ميتة لن تتحرك أبدا ، إما لأنها في غير زمانها ومكانها ، أو أنها قد قُتلت بحثاً وانتهى الناس منها .
د ـ تقسيم البحث وإحكام خُطته : بعد هذا ، يبدأ الباحث بوضع تصور شمولي عن بحثه ، فيقسمه إلى أبواب بحب كبره ، وفي الباب الواحد فصول ، وفي الفصل الواحد مباحث ، أو فقرات ؛ بهذا يقدم القضية المطروحة وحلها ، من جميع جوانبها بما لها وعليها . ويجب أن يراعي في ذلك : 1) تمهيد القضية الداعية إلى إيجاد هذا البحث ، في المقدمة . 2) أهمية الوقوف عليها، ومسوغات ذلك . 3) ثم يقسِّم موضوعه إلى أجزاء سميناها أبوابا وفصولا . ومن وسائل اكتساب المعارف الحسية ؛ التقسيم والجمع : أي التقسيم الكلي إلى جزئياته و إلى أصنافه ، وجمع الجزئيات المتفرقة في كلياتها ؛ المسماة السبر والتقسيم ؛ وما التقسيم للبحث ألا لتحقيق هذه الغاية المبنية من درس الجزئيات ، ووضعها تحت الكليات . 4) لا بد أن يكون الباب الأخير متناولاً قمة الفكرة وتمام الرأي ، ويكوِّن بذلك ثمرة كاملة لما تقدمه من أبواب وفصول ؛ لأنه خلاصة حَلهِّا ونهايةُ القول فيها . 5) الخاتمة ؛ تأتي لتبين لنا ـ بإيجاز وتركيز ـ القول الفصل والرأي المَرضِي .
ومن أهم أسباب الاهتمام بكتب الإمام الشافعي رحمه الله كما قال البيهقي : 1. حسن التنظيم والترتيب . 2. ذكر الحجج في المسائل مع مراعاة الأصول . 3. تحري الإيجاز والاختصار .
هـ ـ جمع المعلومات بوعي وبصيرة : بعد وضع المخطط الشمولي للبحث ، يبدأ بالقراءة الهادفة ، وجمع المعلومات التي تنضوي تحت بحثه ، وتتعلق بدراسته من قريب أو بعيد ، ويجب عليه أن : 1. يعرف قيمة كل كتاب على خير وجه . 2. توجهات كل مؤلف ؛ ليتأتى الاستفادة منه . 3. يعرف مواطن القوة والضعف فيه ، ليعتمد هذا ويتجنب ذاك . 4. معرفة ما زاده غيره ، أو تفرد به ، وأصالته أو عدم أصالته في ميدانه ، فإن لم يكن في الكتاب ما ذكرنا فلا يضيع الباحث الوقت فيه ؛ كما قال ابن العربي . 5. أن يجمع المادة بيقظة وحذر ووعي ، فيكتب كل ما يمكنه أن يستفيد منه في البحث ، كما قال المحدِّثون ( إذا كتبت فقمِّش ، وإذا حدَّثت ففتِّش ) ، وللجمع طرق أهمها : ضم المعلومات في بطاقات صغيرة ، ويضع لها عناوين كبرى عامة ، ثم عناوين صغرى ، أو أن يكتب على أوراق كبيرة يضمها تبعاً الأبواب والفصول ؛ كلٌّ حسب فهمه وإدراكه واستعداده.
و ـ إحكام النظر في المادة العلمية ، و صياغتها ، وترتيبها : بعد جمع المادة ، وتوثيق ما جمعه ، لا بد له من طول النظر فيه وتجوال الفكر على صفحاته ، وتقليب الرأي في جنباته ، ويدون مع كل فكرة ما يستنبطه ، وغلى جانب كل قول ما يستفيده . ثم يبدأ بصوغ مادته المتوفرة ، ويبينها بالكيفية التي تحلو له . ويتوجب عليه أن يراعي عرض الفكرة الواردة ، حسب الأقدم فالقدم ، ممن تعرض لها أو طرحها، من نشأتها إلى نموها واتساعها ، إلى بلوغها غايتها وإحكامها ، على ما اعتراها من معارضة أو مناقضة، أو تأييد أو موافقة ، وما لحق بها من تفسير وتعليل ، وبيان وتفصيل ، مقدما في ذلك أصل المسألة من آي القرآن ، وصحيح السنة النبوية ، قال الإمام النووي : ( فلهذا لا أترك قولا ، ولا وجها ، و نقلا ، ولو كان ضعيفا أ و واهيا ؛ إلا ذكرته إذا وجدته إن شاء الله تعالى ، مع بيان رجحان ما كان راجحا ، وتضعيف ما كان ضعيفا.. . ) ويجب عند نقل فكرة عن مصنف أن يستوعبها كلها ، ويدرك قائلها من ناقلها ، وصاحبها من منتحلها . ويعرض لتفسير الآية والحديث من مصادرها المعتمدة ، حسب الأقوى فالأقوى ، أو حسب ما يراه موصلا للهدف . وفائدة طريقة تقديم الأقدم والأقوى : تبيين مدى تطور الأفكار ، أقدار أهل العلم ومراتبهم منه ، إدراك أثر الزمان والمكان ، بيان موضع الخلل والنقص في الفكرة ؛ ومَن تممّها أو عدَّلها أو أصلحها ، إظهار قيمة عمله هو ، وأهمية تصنيفه ومدى الحاجة إليه .
| |
|