التأمين في اللغة :
التأمين في اللغة العربية مشتق من الأمن وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف. وله معان:منها إعطاء الامان، مثل تأمين الحربي اذا نزل في بلاد المسلمين، ومنها التأمين على الدعاء وهو قول آمين أي إستجب.
وأقرب معاني التأمين في المصطلح المالي المعاصر هو "إعطاء الامن" ذلك ان التأمين هو نشاط تجاري غرضه ان يحصل تأمين الأفراد والشركات من بعض ما يخافون من المكاره مقابل عوض مالي فهو معنى جديد وان كان اشتقاقاً صحيحاً من كلمة "أمن".
تاريخ التأمين :
التأمين قديم. ويدعي بعض الكتاب إنه قد عرف بصيغته المعاصرة منذ أيام الإغريق، إذ كان المحاربون عندئذٍ يجتمعون للمساهمة بأقساط في صندوق يقوم بتعويض أسرة الجندي القتيل. وقيل ان الفينيغين عرفوا التأمين البحري بصيغة مشابهة لما سبق وقد عاشوا قبل نحو ألفي سنة قبل الميلاد.
ومن الثابت ان التأمين بالصورة التي نعرفها اليوم كان معروفاً في أوروبا منذ نحو ستة قرون وقد كان في مدينة فلاندرز الإيطالية شركة متخصصة في التأمين في اوائل القرن الرابع عشر الميلادي. وتعود أول بوليصة للتأمين البحري إلى نحو سنة 1347ميلادية. ويقال ان أول تأمين ضد الحريق ظهر في بريطانيا بعد سنة 1666م وهي السنة التي شهدت حريق لندن الذي أتي على أكثر المباني في تلك المدينة.
ولم تظهر شركة التأمين على الحياة في انجلترا إلا في سنة 1699م اي بعد الانتهاء من إعداد قوائم الوفيات في بريطانيا سنة 1693م الذي مكن من اجراء الحسابات الاكتوارية التي تمكن من إعمال قانون الاعداد الكبيرة كما سيأتي تفصيله.
وقد مارست اتحادات المهنيين في العصور الوسطى في أوروبا نشاطاً شبيهاً بالتأمين حيث كانت تجمع الاشتراكات من أعضائها من الصناع ثم تساعدهم في حال وقوع المكروه على أحدهم، وقد أشتهرت بأنها لا تساعد من وقع المكروه عليه بسبب له فيه يد (مثل أن يحرق منزله بنفسه طلباً للتعويض) بل تقتصر على ماوقع من المكروه بقوة قاهرة. وهذا شبيه بشروط التأمين المعاصرة.
ويرى بعض المؤرخين ان انتشار التأمين البحري كان له أعظم الأثر في دعم النشاط التجاري للأوربيين عبر البحار وماترتب عليه مما يسميه الأوربيون "اكتشاف" أمريكا ورأس الرجاء الصالح وكان من أهم نتائج ذلك الاستعمار الاوروبي التي شمل أكثر بقاع الأرض لقرون عديدة.
لقد ساعد التأمين البحري على "تشتيت" مخاطر التجارة الخارجية بحيث يتحملها عدد كبير من التجار غير مقتصر على الفئة التي تجوب البحار. وقد انتعشت في هذه الحقبة من الزمن "بورصة التأمين" حيث كان التجار يقومون فيها بالالتزام مقابل رسوم محددة، بالتعويض عن الضرر الذي قد يلحق بالتجار بسبب مخاطر أعالي البحار. وقد اشتهر التجار في إقليم "لمباردي" الإيطالي بامتهان ذلك حتى أن بوالص التأمين في بريطانيا في ذلك الوقت كانت تكتب باللغة الإيطالية. وأسست لويدز ذات الشهرة الذائعة في التأمين حتى يوم الناس هذا في ليفربول بانجلترا في سنة 1688م. أما أول شركة تأمين تظهر في الولايات المتحدة فكانت في سنة 1752م أسسها بنيامين فرانكلين الذي صار بعدئذٍ رئيسياً للولايات المتحدة.
أصول التأمين :
الواقع ان الفكرة الكامنة في التأمين ليست إلا التكافل والتعاون بين افراد المجتمع يجري تقنينه وترتيبه بطريقة منظمة بتصميم نظام حيث له منسجم مع التطورات المالية والاقتصادية. وخلاصته ان يقوم مجموعة من الناس يتعرضون لمخاطر متشابهة بضم تلك المخاطر الى بعضها البعض (عن طريق شركة متخصصة) والاشتراك في رصد مايكفي من المال لتعويض من يقع عليه المكروه خلال فترة معينة. ولما كان من طبيعة المخاطر التي يغطيها التأمين ان يقع المكروه على البعض فقط وليس على الكل، صار دفع كل فرد مبلغا صغيراً كافياً لتعويض البعض الذي يتعرض لذلك المكروه خلال المدة المتفق عليها. فالانسان يتعرض في حياته وأثناء ممارسته لعمله ونشاطه للعديد من المخاطر، وينتج عن ذلك وقوع المكروه الذي يسبب خسارة مادية أو معنوية.
وقد تزايدت أهمية التأمين بقدر ما تطورت الحياة وتحسنت سبل المعاش وزادت رفاهية الإنسان اذ يترتب على ذلك زيادة في المخاطر التي يتعرض لها الإنسان. والخطر ليس هو الخسارة بل هو احتمال وقوع المكروه، أي أن يكون الإنسان بين أمرين ليس يدري أيهما يقع أحدهما المكروه الذي يحذر والآخر هو السلامة منه. ولما كان ما يخشاه الإنسان هو هذه الخسارة، وجدنا ان المخاطر تتعاظم مع كثرة الغنى وتعدد الأصول المملوكة للإنسان وارتفاع مستوى المعيشة وزيادة الثراء، لأنه بقدر ما تكثر هذه الممتلكات بقدر ما تعظم الخسائر التي تترتب على وقوع المكروه وتزداد حاجته للتأمين.
ولهذه الخسائر أسباب هي المكروه الذي يحاذر الانسان منه مثل الحريق، واصطدام السيارات، والمرض الذي يصيب الانسان ويسبب له الألم او يفقده القدرة على الكسب والموت والفيضانات والزلازل التي تسبب خسارة الأموال وهلاك الحرث والنسل....الخ.
والخسارة في لغة التأمين (أي التي اذا وقعت استحق المستأمن التعويض) لها معنى محدد هو: "إنحطاط قيمة أصل من الأصول بسبب غير متعمد"، مثل تلك التي تسببها الحوداث والكوارث في المملتكات او يسببها الموت أو المرض والعوارض الأخرى في جسم الإنسان ولا يدخل في معناها الخسارة في التجارة على سبيل المثال.
ان تفادي المخاطر والحرص على السلامة طبع للانسان وهو جزء من فطرته التي يشترك فيها مع كل كائن حي. ولذلك فالتأمين تدفع اليه هذه الغريزة، ويعد جزءاً من سعي الانسان بطرق متعددة للحرص على السلامة وهذه الطرق عرفها الإنسان منذ القديم وتبناها واعتمد عليها بدرجات مختلفة حتى يوم الناس هذا، يواجه بها المخاطر التي تحدق به في حياته، منها :
أ- الحذر والحيطة، بالابتعاد عن الأماكن والأحوال التي تزيد من احتمال وقوع المكروه مثل الامتناع عن الأفعال والسلوك الذي يسبب الضرر في الحل والترحال والعمل والراحة، فمثلاً السرعة في قيادة السيارة أمر يجعل احتمال التعرض للحوادث أكبر من التأني في ذلك، كما ان المحافظة على صيانة الأجهزة يطيل عمرها ويقلل خطرها وهكذا.
ب- ومن طرق مواجهة المخاطر الترتيبات التي يتبناها الفرد لنقل هذه المخاطر الى جهة أخرى، فالمقاولة من الباطن، على سبيل المثال، هي وسيلة لنقل مخاطر العمل من العاقد الأصلي الى اطراف اخرى. وكذلك الشروط في العقود التي تحمي بعض أطرافها، والشروط الجزائية وطرق الاحتماء المختلفة في المعاملات التجارية كل ذلك من طرق تقليل المخاطر.
ج- ومنها السعي نحو تقليل الخطر بالتنويع فلا يضع الانسان "البيض كله في سلة واحدة" كما يقولون من ذلك مثلاً توسيع العمليات التي تقوم بها الشركة على رقعة جغرافية أكبر، فالخطر الذي تتعرض له الشركة التي يكون لها 50 مستودعاً أقل، للمستودع الواحد من تلك التي يكون لها مستودع واحد كبير. الى آخر ذلك مما هو معروف لايحتاج الى بيان. وكله يدل على سعي الانسان الى تفادي المخاطر.
ان التأمين بمعناه الحديث صيغة من صيغ "إدارة" المخاطر وجذوره التكافل بين أفراد المجتمع الذي هو أساس الاجتماع في كل دورات التاريخ. وقد عرفت كل المجتمعات الانسانية أنماطاً عن التكافل والتعاون، وما زال الناس يهرعون الى نجدة الملهوف ومساعدة المصاب ومد يد العون الى المحتاج. ومجتمعات الاسلام هي غرة جبين الزمان في حرصها على التكافل وعنايتها بالتعاون وحث دينها على مثل ذلك في الاخلاق وفي القوانين الفقهية التي تنظم المعاش وتحكم العلاقات بين الافراد. ومن اعظم مؤسساتها الزكاة والوقف ونظام العاقلة. فكأن التأمين قائم بينهم بالتزام كل قادر منهم بمساعدة اخوانه ممن يقع عليه المكروه دون الحاجة الى وجود جهة مركزية تنظم هذا بينهم بعقود واتفاقيات. إلا أن هذا الأمر قد اعتراه التبدل الذي وقع في حياة المجتمعات في العصور الحديثة الأمر الذي احتاجت معه صيغ التكافل والتعاون الى مؤسسات متخصصة يقتصر عملها على تنظيم وظيفة التكافل والنهوض بحاجة الناس الى مساعدة بعضهم بعضاً عند وقوع المكروه. فظهرت مؤسسات التأمين كما نعرفها اليوم.