منتدى التمويل الإسلامي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى التمويل الإسلامي

يهتم هذا المنتدى بالدرجة الأولى بعرض مساهمات الباحثين في مختلف مجالات العلوم الاقتصادية، كما يركز على الاقتصاد الإسلامي، و هو موجه للباحثين في الاقتصاد و الطلبة و المبتدئين و الراغبين في التعرف على الاقتصاد و الاقتصاد الإسلامي....مرحباً بالجميع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نحو تفعيل دور الوقف الإسلامي لاعمال حقوق الإنسان الاقتصادية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسين عبد المطلب الأسرج
عضو فعال
عضو فعال



عدد الرسائل : 19
العمر : 54
تاريخ التسجيل : 13/05/2012

نحو تفعيل دور الوقف الإسلامي  لاعمال حقوق الإنسان الاقتصادية Empty
مُساهمةموضوع: نحو تفعيل دور الوقف الإسلامي لاعمال حقوق الإنسان الاقتصادية   نحو تفعيل دور الوقف الإسلامي  لاعمال حقوق الإنسان الاقتصادية Emptyالإثنين 28 مايو - 4:33

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.

مقال بعنوان
نحو تفعيل دور الوقف الإسلامي لاعمال حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية
إعداد:حسين عبد المطلب الأسرج ،باحث اقتصادى ،مصر،
E.Mail:hossien159@gmail.com



مقدمة:
إن بناء الإنسان الصالح وتهذيب أخلاقه وإعداده إعداداً تربوياً فاضلا من أهم مقاصد الإسلام، ومن هنا ركز الدين على بناء الفرد بناءً صحيحاً ليضمن سلامة المجتمع. كما أن الدعوة الإسلامية عالمية، موجهة للناس كافة، تقوم على الكرامة والحرية والعدل والمساواة. وفى إطار من هذه الشمولية كفل الإسلام للإنسان الحق فى الحياة، والكرامة، والعدل، وحق العمل، والأمان، وحق الهجرة. كما كفل للإنسان حرية ا لعقيدة، والتفكير، والضمير، والرأى، والمسكن، والتنقل وغير ذلك من الحقوق الأساسية.
وصرح الخالق العظيم- سبحانه- بهذا التكريم فقال تعالى: (ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ). (الإسراء: 70).
ونظام الوقف من النظم الدينية التي أصبحت في ظل الإسلام مؤسسة عظمى لها أبعاد متشعبة دينية واجتماعية واقتصادية وثقافية وإنسانية، كانت هذه المؤسسة في ظل الحضارة الإسلامية تجسيداً حياً للسماحة والعطاء والتضامن والتكافل، غطت أنشطتها سائر أوجه الحياة الاجتماعية وامتدت لتشمل المساجد والمرافق التابعة لها والدعوة والجهاد في سبيل الله، والمدارس ودور العلم والمكتبات، والمؤسسات الخيرية، وكفالة الضعفاء والفقراء والمساكين والأرامل، والمؤسسات الصحية.
ويهدف البحث الى دراسة أهم حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية وموقف الاسلام منها بصفة عامة ودور نظام الوقف الإسلامي فى اعمالها بصفة خاصة.
أولا: حقيقة الوقف
الوقف في اللغة هو الحبس والمنع عن التصرف، وهو مصدر وقف الثلاثي، يقال وقفت الدابة،أي حبستها، ولايقال أوقفت ، لأنها لغة رديئة،وهو اللفظ الشائع عند العامة، ويطلق الوقف ويراد به الموقوف،ولذا جاز جمع الوقف على أوقاف ووقوف.ويعبر عن الوقف بالحبس وقد يعبر عنه بالتسبيل وكلها بمعنى واحد.
أما تعريف الوقف اصطلاحا ، فللفقهاء تعاريف مختلفة،ومرجع الاختلاف فيها الى اختلافهم فى لزوم الوقف،فلا يجوز للواقف أن يرجع عن وقفه،أو عدم لزومه،فيجوز له أن يرجع عنه .فمن رأى الأول وهو لزوم الوقف عرفه بما يقتضى ذلك،وهم الجمهور.ومن رأى الثانى عرفه بما يقتضيه من عدم لزومه،وهم الحنفية.
والذى يمكن استخلاصه من هذه التعريفات ان جوهر حقيقة الوقف، وهو تحبيس العين على وجه من وجوه الخير، ومنع التصرف فيها من قبل المالك، ومن قبل الموقوف عليه معا. وإنما تستفيد الجهة أو الجهات الموقوف عليها من منافعها. وقد اختلفت تعريفات الفقهاء تبعاً لاختلافهم في بعض الأحكام والتفريعات الجزئية.
ويقسم الفقهاء الوقف من حيث الغرض إلى قسمين :
الأول: وقف خيري، وهو الذي يقصد به الواقف التصدق على وجوه البر، سواء أكان على أشخاص معينين كالفقراء والمساكين والعجزة، أم كان على جهة من جهات البر العامة، كالمساجد والمستشفيات والمدارس وغيرها،
والثاني: وقف أهلى أوذري، وهو ما جعل استحقاق الريع فيه أولاً إلى الواقف مثلاً ثم أولاده••• إلخ، ثم لجهة بر لا تنقطع، حسب إرادة الواقف.
أما من حيث المحل:
ا-وقف العقار:وقد اتفق الفقهاء على جواز وقف العقار
ب- وقف المنقول:اتفق أغلب العلماء على جواز وقف المنقول،باستثناء بعض متقدمى الأحناف الذين اشترطوا أن يكون متصلا بالعقار اتصال قرار وثبات،كالبناء والشجر،أو أن يكون مخصصا لخدمة العقار كالمحاريث والبقر.
وتستند مشروعية الوقف إلى الكتاب العزيز ،فكثير من الآيات تحض على بذل المال في وحوه البر والخير،ومنها:-
1 – (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ). (آل عمران: 92)
والبر هو جماع الخير, وقيمة إيتاء المال على حبه لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل هي الانعتاق من قيود الحرص والشح والأثرة، انعتاق الروح من حب المال الذي يقبض الأيدي عن الإنفاق فهي قيمة ثمينة يشير إليها ذلك النص على حب المال وقيمة شعورية أن يبسط الإنسان يده وروحه فيما يجب من مال فهي قيمة إنسانية كبرى في نظر الإسلام الذي يسعى لتحرير الإنسان من وساوس نفسه وحرصها وضعفها ويعمل على تقوية صلتها بذوي القربى لما فيها من تحقيق مروءة النفس وكرامة الأسرة وتقوية وشائج القربى والأسرة هي النواة الأولى للجماعة هي لليتامى تكافل بين الكبار والصغار وبين الأقوياء والضعفاء وتعويض لهؤلاء الصغار عن فقدان الحماية والرعاية الأبويتين وحماية للأمة من تشرد صغارها وتعرضهم للفساد، وهي للمساكين الذين لايجدون ما ينفقون, وهم مع ذلك ساكنون لا يسألون ضناً بماء وجوههم, احتفاظ لهم بكرامة نفوسهم وصيانة لهم من البوار وإشعار لهم بالتضامن والتكافل في محيط الجماعة المسلمة التي لا يهمل فيها فرد ولا يضيع فيها عضو.
2-وقال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: 245].
فالمال لا يذهب بالإنفاق إنما هو قرض حسن لله مضمون عنده يضاعفه أضعافاً كثيرة يضاعفه في الدنيا مالاً وبركة وسعادة وراحة ويضاعفه في الآخرة نعيماً ومتعاً ورضى وقربى من الله.
3 – وقال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 261 – 262].
نتبين في هاتين الآيتين بناء قواعد الاقتصاد الاجتماعي الذي يقوم عليها المجتمع المسلم ويتحقق بها تنظيم حياة المجتمع في التكافل والتعاون المتمثل في الصدقات والتي من أبرز أنواعها الوقف على وجه البر والخير.
ويتجلى أثر هذا البذل وهذا الإنفاق في الآداب النفسية والاجتماعية التي تجعل الصدقة عملاً تهذيبياً لنفس معطيها وعملاً نافعاً مربحاً لآخذيها وتحول المجتمع إلى أسرة واحدة يسودها التعاون والتكافل والمودة والرحمة وترفع البشرية إلى مستوى كريم يصدق فيه حديث المصطفى الكريم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)( ) وإلى جانب ذلك التشبيه الرائع لترابط المجتمع الإسلامي وتكافله.. تشبيه لا يقل عنه روعة: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) ( )
4– بقول الله جل وعلا: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ [التغابن: 17].
وفي هذه الآية إغراء بالبذل والترغيب في الإنفاق ويجعل هذا قرضاً لله ومن ذا الذي لا يغتنم هذه الفرصة التي يتعامل فيها المحسن مع الله ليعود له القرض أضعافاً مضاعفة ومع هذا فلهذا المقرض المغفرة من الله فتبارك الله ما أكرمه وما أعظمه وما أحلمه وهو ينشئ الإنسان ثم يرزقه ثم يسأله فضل ما أعطاه قرضاً يضاعفه ثم يشكر لعبده الذي أنشأه وأعطاه ويعامله بالحلم في تقصيره هو عن شكر مولاه.

وأما السنة النبوية فقد وردت أحاديث كثيرة تدل على مشروعية الوقف منها:
أ) مارواه أبو هريرة، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله و سلم ، قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) (رواه مسلم) والوقف صدقة جارية. ويفصل معنى الصدقة الجارية ما ورد في سنن ابن ماجة، يقول النبي صلى الله عليه وآله و سلم ، "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً نشره أو ولدًا صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته".
كما اشتهر الوقف بين الصحابة وانتشر حتى قال جابر:"ما أعلم أحداً كان له مال من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالاً من ماله صدقة مؤبدة، لاتشترى أبداً، ولا توهب، ولا تورث".

ثانيا: مفهوم حقوق الإنسان:

عادة ما يعرف الباحثون حقوق الإنسان بأنها مجموعة الحقوق التي يتمتع بها الإنسان بوصفه إنسانا. وهذه الحقوق هي بذاتها مصدر الشرعية ولا تستمد شرعيتها من أي نظام قانوني وضعي. وحقوق الإنسان في عصرنا هذا لم تعد مجرد مبادئ فاضلة تحض عليها الأخلاق القويمة أو تعاليم تحض عليها الأديان ولكنها تحولت إلى التزامات قانونية يتعرض من يخالفها لجزاءات على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية. فمصطلح حقوق الإنسان إذن يشير إلى مجموعة الحقوق اللصيقة بالشخصية الإنسانية التي نصت عليها المواثيق الدولية والتي يتمتع بها الإنسان ولا يجوز تجريده منها لأي سبب كان بصرف النظر عن كل مظاهر التمييز مثل الدين واللغة واللون والأصل والعرق والجنس وغير ذلك. فحقوق الإنسان حقوق عالمية مترابطة فيما بينها وغير قابلة للتجزئة أو الانتقاص أو التقسيم وسواء كانت حقوقاً مدنية و سياسية أو اقتصادية واجتماعية فإنها حقوق متساوية ولا تقبل إعطاء أولوية أو أفضلية لإحداها على الآخر بل إنها تترابط بعضها مع بعض بما يجعل ثمة نوعا من التفاعل والتضامن والتضام بينها باعتبار الكرامة الإنسانية هي الجوهر والمبدأ الناظم لكافة الحقوق، وحماية هذه الكرامة هي الهدف النهائي من إقرارها.
ويمكن تصنيف حقوق الانسان إلى ثلاث فئات:
1. الحقوق المدنية والسياسية (وتسمى أيضاً "الجيل الأول من الحقوق")، وهي مرتبطة بالحريات، وتشمل الحقوق التالية: الحق في الحياة والحرية والأمن؛ وعدم التعرض للتعذيب والتحرر من العبودية؛ المشاركة السياسية وحرية الرأي والتعبير والتفكير والضمير والدين؛ وحرية الاشتراك في الجمعيات والتجمع.
2. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (وتسمى أيضاً "الجيل الثاني من الحقوق")، وهي مرتبطة بالأمن وتشمل: العمل والتعليم والمستوى اللائق للمعيشة؛ والمأكل والمأوى والرعاية الصحية.
3. الحقوق البيئية والثقافية والتنموية (وتسمى أيضاً "الجيل الثالث من الحقوق")، وتشمل حق العيش في بيئة نظيفة ومصونة من التدمير؛ والحق في التنمية الثقافية والسياسية والاقتصادية.
ثالثا: دور نظام الوقف الإسلامي فى اعمال حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية
الحقيقة التى ينبغى أن يعرفها كل إنسان، هى أن الإسلام أعلن حقوق الإنسان كاملة مكتملة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، أعلنها الإسلام فى وقت كان مجرد تشوف الإنسان إلى أن يعرف بعض حقه، وأن يعتز بكيانه، وأن يصبح حرا فى مجتمعه، ولم تكن حرية العقيدة وحدها هى التى عنى الإسلام بتحقيقها، فهناك الحريات الأخرى التى أعلنها، وعلى سبيل المثال أعلن حرية العبادة، والحرية الشخصية، وحرية القول والنقد والمراقبة مما نسمية الحرية السياسية، والحرية المدنية للمتمتع بأهلية التصرف.
ولا يتسع المقام للحديث هنا عن حقوق الإنسان التى أعلنها الإسلام ولذا فإن البحث يركز على أهم حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية وموقف الاسلام منها بصفة عامة ودور نظام الوقف الإسلامي فى اعمالها بصفة خاصة.

1- مبادىء حقوق الإنسان الاقتصادية من منظور اسلامى

وتُرْجع مبادىء حقوق الإنسان الاقتصادية إلى ما ورد بشأنها من آيات قرآنية وأحاديث نبوية فضلاً عما ورد في سيرة الخلفاء الراشدين وفقه الأئمة المعتمدين ،ويذكر منها:-
أ‌) الطبيعة ـ بثرواتها جميعاً ـ ملك الله تعالى (لله ملك السماوات والأرض وما فيهن)، وهي عطاء منه للبشر، منحهم حق الانتفاع بها: (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه). وحرَّم عليهم إفسادها وتدميرها: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين)، ولا يجوز لأحد أن يحرم آخر أو يعتدي على حقه في الانتفاع بما في الطبيعة من مصادر الرزق (وما كان عطاء ربك محظوراً).
ب‌) لكل إنسان أن يعمل وينتج، تحصيلاً للرزق من وجوهه المشروعة: (وما من دابة في الأرض إلاّ على الله رزقها)، (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه).
ج) الملكية الخاصة مشروعة ـ على انفراد ومشاركة ـ ولكل إنسان أن يقتني ما اكتسبه بجهده وعمله: (وأنه هو أغنى وأقنى)، والملكية العامة مشروعة، وتوظف لمصلحة الأمة بأسرها: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم)
د) لفقراء الأمة حق مقرر في مال الأغنياء، نظمته الزكاة: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)، وهو حق لا يحوز تعطيله، ولا منعه، ولا الترخيص فيه، من قبل الحاكم ولو أدى به الموقف إلى قتال مانعي الزكاة: "والله لو منعوني عقالاً، كانوا يؤدّونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم عليه".
ه‍( توظيف مصادر الثروة ووسائل الإنتاج لمصلحة الأمة واجب، فلا يجوز إهمالها ولا تعطيلها: "ما من عبد استرعاه الله رعيّة فلم يُحِطْها بالنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنّة"، كذلك لا يجوز استثمارها فيما حرمته الشريعة، ولا فيما يضر بمصلحة الجماعة.
و) ترشيداً للنشاط الاقتصادي، وضماناً لسلامته، حرَّم الإسلام:
الغش بكل صورة: "ليس مِنَّا مَنْ غَشّ".
الغرر والجهالة، وكل ما يفضني إلى منازعات لا يمكن إخضاعها لمعايير موضوعية: "نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر"، "نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب حتى يَسْوَدَّ وعن بيع الحَبِّ حتى يشتدّ".
الاستغلال والتغابن في عمليّات التبادل: (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون)
الاحتكار، وكل ما يؤدي إلى منافسة غير متكافئة: "لا يحتكر إلا خاطئ".
الربا، وكل كسب طفيلي يستغل ضوائق الناس: (وأحل الله البيع وحرم الربا).
الدعايات الكاذبة والخادعة: "البيعان بالخيار ما لم يتفرّفا، فإن صدَقَا وبينَّا بورك لهما في بيعهما، وإنْ غَشَّا وكذبا مُحِقت بَرَكة بيْعهما".
رعاية مصلحة الأمة، والتزام قيم الإسلام العامة، هما القيد الوحيد على النشاط الاقتصادي في مجتمع المسلمين.

2- أهم حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية ودور الوقف في اعمالها

للفرد وبالفرد" شعار التنمية الاقتصادية في أي دولة في العالم، حيث الفرد هو "الهدف" و"الوسيلة"، وإذا لم تنعكس سياسة الحكومة الاقتصادية وبرامج الإصلاح الاقتصادي بالإيجاب على مستوى معيشته ونوعية حياته تكون هذه السياسة وهذه البرامج سياسات وبرامج عقيمة.وتتمثل أهم حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية فيما يلى:-
1. الحق في التعليم:
ويعتبر التعليم قضية محورية تمس الأمن القومي، وهو الذي يرسم صورة المستقبل لأي دولة باعتباره استثمارا في المستقبل له عائد ومردود أعلى بكثير من أي استثمار آخر.ولأهمية التعليم كفلته المواثيق والعهود الدولية، المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1948، والمادتان (13، و14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
و انفرد الإسلام بجعل التعليم فرضا من الفروض، ولم يسبق فى جعل التعليم فرضا وضرورة. قال رسول الل صلى الله عليه وسلم : "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة".
يعدُّ الوقف من أهم المؤسسات التي كان لها الدور الفعال في تنمية التعليم فلقد شملت الأموال الموقوفة على التعليم كثيراً من الجوانب المختلفة التي تخدم عملية التعليم والتعلم، ومن أهم هذه الجوانب إنشاء المدارس وتجهيزها وتوفير العاملين فيها من معلمين وغيرهم، وتشجيع طلاب العلم على الانخراط في عملية التعليم من خلال التسهيلات التي وفرت لهم، بالإضافة إلى إنشاء المكتبات وتجهيزها وغير ذلك من الجوانب الأخرى،ونظراً لأن الطلب على التعليم في ازدياد مستمر، مما يعني الحاجة إلى فتح مزيد من المدارس، وتزويدها بما تقتضيه العملية التعليمية من وسائل وتجهيزات.الأمر الذي يدعو إلى النظر في إمكان الاستفادة من الأموال الوقفية في مجال العملية التعليمية، وتوجيه الموسرين إلى هذا الجانب بوصفه قربة إلى الله جل وعلا وهو من الصدقة الجارية التي يستفيد منها المسلم في حياته وبعد موته.
ولتفعيل الوقف في العملية التعليمية يجب العمل تشجيع صناديق وقفية تعمل على:
1 – نشر الوعي بين أفراد المجتمع عامة والموسرين خاصة وتعريفهم بأن الوقف على التعليم قربة إلى الله تعالى وأنه من الصدقة الجارية.وإظهار الدور الرائد الذي أسهم به الوقف في تطور وتقدم المجتمع الإسلامي عامة، وفي مجال التعليم خاصة.ويكون ذلك من خلال:
• تفعيل وسائل الإعلام المختلفة المرئي منها والمقروء والمسموع في هذا المجال.
• إصدار نشرات تعريفيه توضح المجالات التي من الممكن مساهمة الوقف فيها.
• عقد اللقاءات والمؤتمرات بين فترة وأخرى، يتولى فيها علماء الفقه الإسلامي وعلماء التربية مناقشة هذا الموضوع وما يجد فيه، وبحث الوسائل والسبل التي تسهل عملية الاستفادة من الأموال الوقفية في المجال التعليمي.

2 –التعريف بالمجالات التي من الممكن أن يسهم الوقف فيها في العملية التعليمية سواءً كانت مشاريع إنشائية كبناء المدارس والمصليات، أو تجهيزية كالوسائل والأثاث .
3 –وضع الإجراءات واللوائح المنظمة لعملية الوقف في مجال التعليم، بحيث تكون الصورة واضحة تماماً أمام الواقفين، مما يبصر الواقف عند إرادته الوقف في هذا المجال.
4 – دراسة وحصر الاحتياجات التعليمية التي يمكن الإنفاق عليها من الأموال الوقفية، وترتيبها وفق أولويات معينة وضوابط محددة.

2. الحق في التمتع بالصحة والرعاية الصحية:
كفلت المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية الحق في التمتع بالصحة والرعاية الصحية، وقد حددت منظمة الصحة العالمية تسعة عناصر أساسية ومتكاملة حول الحق في الرعاية الصحية، وهي: أن تكون مباحة، ومتاحة، ومقبولة، وعادلة، وبتكلفة مناسبة، وبنوعية جديدة، ومنسقة من حيث التخصص الطبي.
وعن دور الوقف في اعمال حق التمتع بالصحة والرعاية الصحية، فقد كان لنظام الوقف الإسلامي أثر كبير في دعم خدمات الرعاية الصحية للمواطنين والسكان على اختلاف مذاهبهم ونحلهم، وبلغ من عناية المسلمين بالرعاية الصحية وتطوير خدماتها، أن خصصت أوقاف لبناء أحياء طبية متكاملة و تحدث بعض الباحثين عن أنواع المراكز الصحية التي رعتها الأوقاف .
وكان للأوقاف أثر حميد في النهوض بعلوم الطب، لأن دور المستشفيات التي ينفق عليها من الأوقاف لم يقتصر على تقديم العلاج، وإنما تعدى ذلك ذلك إلى تدريس علم الطب، فكانت تخصص قاعات داخل المستشفيات الكبيرة للدروس والمحاضرات
ولقد كان للوقف أثره الواضح على تقدم البحث العلمي في الكيمياء والصيدلة، وكانت كليات الطب والمستشفيات التعليمية هي المختبرات العلمية لتطور ولتطوير علم الأقرباذين وعلم النبات وعلم الصيدلة.وكانت هذه المستشفيات التي اعتمدت على الأموال الموقوفة سبباً في تحقيق الإنجازات الرئيسية في الفروع المتصلة بعلم الكيمياء والأدوية. كماخصصت أوقافاً مقررة للإنفاق على تأليف الكتب في الصيدلة والطب .وشمل الوقف أموراً كثيرة ذات علاقة بصحة الإنسان ومنها الوقف على إنشاء وصيانة الحمامات العامة ولا يتسع المجال لسرد الأمثلة من أوقاف المسلمين على كل ما يتعلق بالصحة والرعاية الصحية عبر التاريخ الإسلامي الزاهر. وعما يمكن أن يقدمه الوقف لدعم مؤسسات الرعاية الصحية مستقبلاً :
إن التجربة الإسلامية العريقة في مجال الوقف الصحي يمكن تكرارها اليوم، ومن المجالات التي يمكن أن يسهم بها الوقف في مجال الخدمات الصحية حسب إمكانيات الواقفين، والتي سوف تخفف أعباء مالية كبيرة على ميزانية الحكومات وتحل كثيراً من المشكلات القائمة في مجال الرعاية الصحية ما يأتي:
1 – وقف المستشفيات الكبيرة والصغيرة والمستوصفات سواء العامة منها أو المتخصصة، أما بتقديم المنشآت أو الأراضي الخاصة بها أو عمارتها أو تجهيزها وفرشها أو القيام بذلك كله ثم تتولى الحكومة تشغيلها وصيانتها كما هو الحال في وقف كثير من المساجد.
2 – الوقف على تشغيل وصيانة تلك المؤسسات سواء الموقوفة أو الحكومية، وذلك بتخصيص بعض العقارات أو المزارع أو المشروعات الاستثمارية للصرف على تلك المؤسسات الصحية، من مستشفيات ومستوصفات ومراكز علاجية ووقائية عامة أو متخصصة.
3 – وقف الأجهزة الطبية التي تحتاجها المستشفيات والمراكز الصحية مثل جهاز غسيل الكلى وأجهزة الأشعة المتطورة وغيرها مما قد لا يتوفر في كثير من المستشفيات رغم الحاجة المتزايدة إليها، وكذا وقف سيارات الإسعاف وغيرها من الوسائل المساعدة التي تحتاجها المستشفيات والمراكز الطبية.
4 – الوقف على الأدوية حيث يمكن تخصيص بعض الأوقاف
لتوفير الأدوية وخاصة أدوية الأمراض المزمنة والتي يحتاجها المريض فترات طويلة أو مدى الحياة مثل أدوية الضغط والسكر والقلب وغيرها.
5 – الوقف على كليات الطب والمعاهد الصحية، سواء وقف المنشآت أو تخصيص بعض الأوقاف للصرف على تلك الكليات والمعاهد ودعمها، وتوفير احتياجات طلابها وأساتذتها من الكتب والأجهزة وغير ذلك.
6 – الوقف على مراكز البحوث وهيئات البحث العلمي وتخصيص أوقاف للصرف على المنح الدراسية في مجال الطب والصيدلة والتمريض.
وهذه فقط أمثلة يمكن أن يضاف إليها الكثير مما يمكن أن يقدمه الوقف في مجال دعم مؤسسات الرعاية الصحية في البلاد الإسلامية.
ويمكن أن يتم ذلك عن طريق إنشاء لجان أو هيئات تخصص لتنظيم وتنسيق هذه الجهود واستقبال التبرعات واستثمارها، كما يمكن الاستفادة من تجربة بعض الدول الإسلامية في إنشاء صناديق وقفية تستقبل التبرعات الصغيرة وتنميها وتصرف من ريعها لدعم المؤسسات الصحية. كما يمكن أن يتم ذلك أيضا عن طريق التعاون المباشر والمستمر بين وزارة أو إدارة الأوقاف في كل بلد إسلامي وبين وزارة الصحة لتنسيق الجهود وتلبية الحاجات وترتيب الأولويات للاستفادة مما تقدمه الأوقاف لخدمة المجتمع في
مجال الصحة.
ولكي يتم ذلك لا بد أولاً من عدة أمور تعتبر هامة في إحياء وتنشيط دور الوقف في كافة المجالات وفي المجال الصحي خاصة ومنها على
سبيل المثال:
1 – إثارة الوعي لدى أبناء المجتمع بأهمية الوقف في خدمة المجتمع وفائدته في تقديم الخدمات الصحية وغيرها، وأنه سنة حسنة يثاب عليها فاعلها في الدنيا والآخرة وأنه هو الصدقة الجارية التي لا ينقطع أجرها بعد موت صاحبها. والاستفادة من وسائل الإعلام وخطباء المساجد والدعاة في هذا المجال، لإحياء السنة التي
كادت تندثر.
2 – تشجيع الجمعيات القائمة على الأوقاف، وتسهيل مهامها، ودعم أنشطتها التأسيسية، ومتابعة أعمالها من قبل الجهات الحكومية ومحاولة تحديث نظم إدارتها والرقابة عليها.
3 – طمأنة الواقفين والمساهمين في المشروعات الوقفية إلى شرعية وسلامة تعامل الهيئات القائمة على الوقف وكفاءة القائمين عليها، ويمكن أن يتم ذلك بالحصول على التزكية من العلماء ونشر التقارير الخاصة بتلك الهيئات وأنشطتها وما إلى ذلك، مما يدفع إلى تعزيز الثقة في تلك الهيئات والمؤسسات الوقفية ويزيد من إقبال الموسرين على التعامل معها.
4 – تسهيل مشاركة المواطن العادي في تكوين أوقاف جديدة أياً كان قدرها وذلك بتيسير الإجراءات الإدارية الخاصة بذلك مع التركيز على دعم وتشجيع المشاريع ذات العائد الاجتماعي العالي.
5 – تنمية ربع الأموال الموقوفة من خلال إدارة استثمارية محترفة مع الالتزام بشروط الواقفين والمقاصد الشرعية للوقف.
6 – توسيع مفهوم الوقف لدى عامة الناس لكي لا ينحصر في بعض الأوجه التقليدية وبيان ما قدمه الوقف قديماً وما يمكن أن يقدمه مستقبلاً في كافة مجالات الحياة الاجتماعية للمسلمين في أمور دينهم ودنياهم.
7 – إجراء الدراسات والأبحاث المستمرة وتقويم التجارب التي تقدم في هذا المجال سواء في البلاد الإسلامية أو غيرها. للاستفادة منها وتلافي ما قد يحدث من سلبيات. مع مراعاة الخصوصية الإسلامية لمجتمعاتنا، حيث أن مشروعات الوقف والأعمال الخيرية في بلادنا يجب أن تنطلق من المفهوم الإسلامي للتنمية الذي لا يقتصر على الجانب المادي الدنيوي فقط.

3. الحق والحرية في العمل:
تكفل المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان الحق في العمل، ومن بينها المادة (23) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسانوهناك ارتباط وثيق بين النمو الاقتصادى وخلق فرص العمل،حيث يمثلان معا حلقة مهمة فى أية استراتيجية تستهدف الحد من مشكلة البطالة المستمرة.ويهتم الإسلام اهتماما بالغا بقيمة العمل، ويدعو الناس إلى أن يعملوا بكل جهدهم لتعمير الأرض، واستغلالها إلى أقصى مدى لمصلحة الإنسان، يقول سبحانه وتعالى: ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) (هود: 61)، وقوله: استعمركم فيها. أى جعلكم عمارها وسكانها تنتفعون بخيراتها أو فوض إليكم عمارتها كما يقول سبحانه وتعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) (التوبة: 105).
وقال تعالىSad ولقد مكناكم فى الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون)(الأعراف: 10).
وقال رسول الله الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها ).
وواضح أن الحديث يدعو إلى العمل الدائب المستمر والذى لا يتوقف حتى فى حالة انتهاء عمر الأرض وقيام الساعة. وحتى لا يكون فى الإسلام مكان لمتخلف أو مهمل أو كسلان. فهذا كله يتعارض مع الإسلام.
كما نجد فى العديد من النصوص التى وردت فى مصادر الشريعة ما يفيد أن العمل حق لكل شخص، ويضمن الإسلام لكل أفراد المجتمع: العدالة فى ممارسة العمل الشريف، والأجر المناسب، لأن ذلك كله من أداء الأمانات، والوفاء بالحقوق، والقيام بالعدل والإحسان كما فى قوله تعالى: ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) (النساء: 58)، وقوله عز وجل: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)(النحل الآية 90)، ثم إن العمل فى الإسلام ضرورى لسد حاجة المجتمع، وعمران الكون، وفى حماية الشريعة الإسلامية للعاملين وضمان الأجر العادل لهم، ورد قوله الله صلى الله عليه وسلم : (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ). رواه ابن ماجه.
والدارس للأثر الاجتماعي للوقف لابد أن تستوقفه نوعية الطبقة الاجتماعية التي استفادت بشكل كبير من الوقف وكيف استطاع تغييرها وتحقيق ما يسمى بظاهرة (الحراك الاجتماعي) في بنية المجتمع. والحراك الاجتماعي يقصد به: انتقال الأفراد من مركز إلى آخر في نفسي الطبقة.. وقد يكون رأسياً وهو انتقال الأفراد من طبقة اجتماعية إلى طبقة اجتماعية أعلى ولقد مكن التعليم الوقفي و الرعاية الاجتماعية والوقفية من تغير طبقات المستفيدين منه أفقياً رأسيا وفق مفهوم الحراك الاجتماعي، فساعد نظام الوقف على تحسين المستويات الاقتصادية، والعلمية والثقافية لكثير من أفراد المجتمع، فالتعليم الجيد الذي قد يحمله شخص موهوب قد ينقله ليس! لأن يتسلم مرتبة الإفتاء والقضاء فحسب، بل يتمرس في العمل الإداري وتيسير أمور الدولة أو في أي مهنة متخصصة كالطب أو الإدارة أو غيرها والتي قد لا تتاح له لولا أن أموالا موقوفة قد سهلت له سبيل التعليم.

4. الحق في السكن:
تمس مشكلة الإسكان كل أسرة ؛ فالمسكن أحد الاحتياجات الأساسية للإنسان، شأنه في ذلك شأن الغذاء والكساء، وهو أحد الحقوق الأساسية للإنسان، وليس أدل على أهمية المسكن من ارتباطه بالسكينة والأمان والخصوصية، ومن ثم فهو قضية تؤثر على أمن واستقرار ورفاهية وصحة وسلامة الفرد والأسرة والمجتمع. وتعد مشكلة الإسكان من أهم القضايا التي تواجه الدول النامية ، نظرًا لما لها من آثار اجتماعية واقتصادية على الدولة وعلى فئات كثيرة من المواطنين خاصة الشباب ومحدودي الدخل. كما تزداد أهميتها في ضوء ما لها من آثار سياسية مهمة، فهي تؤثر على علاقة المواطن بالدولة، فتوفير المسكن الآمن والملائم للمواطن يمثل له الاستقرار والانتماء للدولة ويعزز ثقته فيها.
و مشكلة الإسكان متراكمة ومتعددة الأبعاد، فلا تقتصر على عدم وفرة المعروض من الوحدات السكنية لمقابلة نوعية الطلب عليها، بل تشمل أبعادًا أخرى كالإسكان العشوائي، والوحدات المغلقة واختلال العلاقة بين المالك والمستأجر، وإهمال صيانة الثروة العقارية، وسوء توزيع السكان وارتفاع الكثافة السكانية، وعدم كفاية بعض المرافق فى بعض المناطق والامتداد العمراني على الأراضي الزراعية، وغيرها.
ولقد أدت الأوقاف دورا مهماً في تحقيق هذا الحق بشكل عام، فما من مدرسة ينشئها الواقفون إلا ويوضع بجوارها بيت خاص للطلاب المغتربين ويجري عليهم فيها ما يحتاجونه من غذاء. لذا لا عجب أن نجد تلك الحركة البشرية المتواصلة بين المدن والقرى في العالم الإسلامي، طلباً للعلم في المدارس الوقفية، فلا يوجد ما يعوق طلب العلم فالطرق قد أمنت بالأسكنة الوقفية، والمدارس قد تم تجهيزها بالغرف الخاصة بالغرباء، وقد تزايدت تلك الظاهرة بشكل ملفت للنظر، وقد أبدى ابن جبير إعجابه الشديد لما لمسه في بلاد المشرق الإسلامي من عناية بالغرباء، فقال: (إن الوافد من الأقطار النائية يجد مسكناً يأوي إليه ومدرساً يعلمه الفن الذي يريد تعلمه، واتسع عناية السلطان بالغرباء حتى أمر بتعيين حمامات يستحمون فيها ونصب لهم مارستاناً لعلاج من مرض منهم، ولقد عين لهم السطان خبزتين لكل إنسان في كل يوم وزكاة العيد لهم) وحسبك من هذا أن صلاح الدين قد خصص للغرباء من المغاربة جامع ابن طولون في مصر يسكنونه وأجرى عليهم الأرزاق في كل شهر. ناهيك عن الحانات والتكايا والزاويا وهى أماكن للمتفرغين للعبادة من الجنسين، فكان ينقطع فيها من يرغب التفرغ للعبادة، ويجري عليها الواقفون الجرايات اليومية من غذاء وكساء، وهذا النوع من الأوقاف ينتشر بشكل كبير جدا في مدن وقرى العالم الإسلامي فمن يطلع على رحلة ابن بطوطة فسيجد العجب فما مر على قرية أو مدينة في البلدان الإسلامية التي زارها في رحلته إلا ويذكر مثل هذه الأماكن بل كان من المستفيدين منها وسكن في بعضها، ومع تطور الوقت تحولت بعض هذه الأماكن إلى ملاجئ مستديمة للذين يستحقون الرعاية، وخاصة أصحاب العاهات وكبار السن والعميان والمطلقات وهذا التحول أدى بها إلى تحقيق رسالة اجتماعية، ذلك أنها غدت مأوى للغرباء والعجزة وضعفاء المجتمع، وجميع هذه المنشآت وجدت في نظام الوقف أكبر رافداً مكنها من مواصلة رسالتها. ولازالت بعض هذه الأربطة تؤدي هذه الرسالة في العالم الإسلامي ويمكن رؤية العديد منها في كل من مدينة مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث أصبحت مأوى للعديد من العجزة، والمرضى، والمعاقين، وكبار السن وأحياناً العاطلين، وهذا ما أظهرته الدراسة التي قامت بها وزارة العمل والشئون الاجتماعية عام 1419 هـ عن الأربطة في منطقة مكة المكرمة (مكة المكرمة، جدة الطائف) ومنطقة المدينة المنورة.

5-حق الإنسان فى التكافل الاجتماعى وضمان الرعاية الاجتماعية

أما موقف الإسلام من التكافل الاجتماعى وحق الإنسان فى أن يعيش فى مستوى لائق فإنه يعتبر بحق ثورة محطمة للأنظمة الاجتماعية التى سبقته، ومهما تقدم الإنسان وتطور فى مختلف العصور فلن يجد خيرا مما أعلنه الإسلام فى هذا الشأن.
فقد جعل على الدولة رعاية كل فرد فيها، وفى سبيل ذلك جعل للفقراء والمساكين ريعا مما تحصله الدولة من أموال الزكاة.
ليس هذا فحسب بل إن هذا النصيب إذا لم يف بحاجة الفقراء والمساكين فيجعل حقا آخر على الأغنياء يستوفى منهم لحاجة هؤلاء، وفى هذا يقول عليه الصلاة والسلام ( إن الله فرض على الأغنياء من أموالهم بقدر ما يسع فقراءهم) ويقول: "إن فى المال حقا سوى الزكاة ).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نحو تفعيل دور الوقف الإسلامي لاعمال حقوق الإنسان الاقتصادية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التمويل الإسلامي :: قسم الزكاة و الوقف :: منتدى الوقف-
انتقل الى: