المطلب الثالث: التنمية المستديمة
كانت محصلة العمل الدولي في السبعينات والثمانينات بشأن العلاقات المتبادلة بين البيئة والتنمية، هي بروز مفهوم التنمية المستديمة بشكل صريح، من خلال تقرير اللجنة العالمية للبيئة والتنمية لسنة 1987 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة( ) << المنظور البيئي لسنة 2000 وما بعدها>> في نفس السنة، ليحضى بعد ذلك باعتراف رسمي أثناء مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية ( ريودو جينيرو ) 1992.
ويرجع هذا المفهوم أساسا إلى أحد دعاة التوفيق بين البيئة والتنمية << إغناسي ساكس.ignacy sachs >> الذي عمل في سنوات السبعينات على النهوض بالتنمية الايكولوجية بشكل محسوس خاصة في دول الجنوب، حيث أسس سنة 1973 بباريس المركز الدولي للبحث في التنمية والبيئة ومنذ سنة 1977 بدأ بنشر مجلات التنمية الايكولوجية كما قام في سنة 1980 تحت عنوان <<إستراتجية التنمية الأيكولوجية >> بتناول السبل الكفيلة للتوفيق بين الأيكولوجيا والاقتصاد مع اقتراح استراتجيات لإخضاع القرارات الاقتصادية للمتطلبات المستعجلة في الحفاظ على البيئة.
والواقع أن مفهوم التنمية الأيكولوجية لم يجد صدى واسع خصوصا في الدول الأنجلو سكسونية بخلاف مفهوم التنمية المستديمة الذي لاقى رواجا أكبر( ).
*بدايات الاهتمام الدولي بالتنمية المستديمة:
من أجل تجاوز المشكلات الإنمائية والبيئية على الإقليمي والدولي انعقد أول مؤتمر وهو:
مؤتمر ستوكهولم ( 1972) بشان التنمية البشرية( )
ومن أبرز ما تضمنه إعلان ستوكهولم بأن البيئة البشرية في مجال البيئة والتنمية حيث جاء التأكيد على أن حماية البيئة تمس رفاه الشعوب والتنمية الاقتصادية في جميع أنحاء العالم.
ورغم أن مفهوم التنمية البشرية لم ترد صراحة في وثائق المؤتمر إلا أننا نستنتج ذلك ضمنيا من خلال المبادئ مثل: المبدأ (1) << للإنسان حق أساسي في الحرية والمساواة في ظروف عيش مناسبة وفي بيئة تسمح نوعيتها بالحياة في ظل الكرامة وبتحقيق الرفاه >>
المبدأ (5) << استغلال الموارد غير المتجددة للأرض على نحو يصونها من النفاذ في المستقبل ويكفل إشراك البشرية قاطبة في الاستفادة من هذا الاستغلال >>
أما المبدأ (
<< للتنمية الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية أهمية أساسية لضمان بيئة مواتية لعيش الإنسان وعمله...>>
وبالرجوع إلى ميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول المُتبنى في12 ديسمبر 1974 الذي يُعد من الخطوات الهامة للأمم المتحدة في إقامة نظام اقتصادي دولي جديد، وأوصى بتهيئة الظروف المناسبة لإقامة هذا النظام إنما يتطلب التعجيل في التنمية الاقتصادية للدول النامية وحماية البيئة والحفاظ عليها وزيادة قدرة الانتفاع بها( )
ومما تضمنه هذا المؤتمر ما يؤكد على أن البيئة والتنمية يُكملان معا واجبا ومسؤولية حماية دولية، وواحدة من المقومات الأساسية التي يقوم عليها العمل الدولي.
إذن وكما رأينا أن مفهوم التنمية المستديمة ليس حديث العهد وليس محصور في جهة معينة أو إيديولوجية معينة وإنما هو إستراتجية تنموية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وإنسانية، متبناة دوليا خاصة بعد مؤتمر الأمم المتحدة بـ << ريو دوجنيرو>> بالبرازيل سنة 1992.
وللتعمق في فكرة التنمية المستديمة أكثر يتعين معالجتها في مبحث بالكامل وهو المبحث الموالي