الأحد 14 ذو الحجة 1428هـ - 23 ديسمبر2007م
نجاح الصناديق السيادية ووضوح الأهداف
د. عبد الوهاب بن سعيد أبو داهش
ما كتبه مايكل جوردون في الفايننشيال تايمز وترجمته "الاقتصادية" في عدد الجمعة 21 ديسمبر/كانون الأول الحالي عن الدور الذي تلعبه الصناديق السيادية التابعة للحكومات في آسيا ودول الخليج يأتي ضمن التطمينات التي تحاول تبديد المخاوف الغربية تجاه أهداف ونوايا تلك الصناديق.
ففي الأزمات المالية، وخصوصاً ما يحدث الآن من تبعات لأزمة الرهن العقاري التي أثرت في الشركات الأمريكية وكذلك بعض الشركات في أوروبا، تزداد الفرص الاستثمارية وتنشط التحركات الاستثمارية للصناديق السيادية. فلم يكن مستغرباً أن تقدم هيئة أبوظبي للاستثمار لشراء نحو 5% من "سيتي غروب" مقابل 7.9 مليار دولار بعد وصول خسائر الأخيرة من أزمة الرهن العقاري نحو 11 مليار دولار.
ونجحت سنغافورة عن طريق إحدى شركاتها الاستثمارية من شراء 9% من بنك يو. بي. إس بمبلغ 9.75 مليار دولار. وأخيراً باعت "مورجان ستانلي" ما قيمته خمسة مليارات دولار للصين بعد معاناتها مع أزمة الرهن العقاري.
وكانت "مورجان ستانلي" قد توقعت في منتصف العام الحالي أن تنمو الصناديق السيادية من نحو 2.5 تريليون دولار حالياً إلى نحو 28 تريليون دولار في سنة 2022.
وفي اعتقادي أن بإمكان الصناديق السيادية أن تصل إلى تلك الأرقام إذا حافظت العوامل الاقتصادية الحالية على مستوياتها الحالية، حيث إن ميزان المدفوعات أصبح يميل للدول الناشئة منذ بداية الألفية الثالثة.
فارتفاع أسعار النفط مكنت الدول المصدرة للنفط من تكوين احتياطيات هائلة، وضخت الصادرات لدول شرق آسيا مليارات الدولارات من الفوائض المالية لتعود تلك الفوائض في صورة استثمارات في الشركات الغربية، وخصوصاً تلك التي تعاني أزمات سيولة. لقد أدرجت مجلة الإيكونوميست حجم الصناديق السيادية في آذار (مارس) 2007 بحيث تصدرت دول الخليج وشرق آسيا تلك الصناديق.
فتربعت هيئة أبوظبي للاستثمار المقدمة بأصول تصل إلى 875 مليار دولار، وتلتها سنغافورة بنحو 330 مليار دولار، وأتت المملكة ثالثاُ بحجم يصل إلى 300 مليار دولار.
ورغم الحجم الكبير لأصول صناديق الاستثمار والمؤسسات العامة السعودية إلا أننا لم نسمع بأنها قامت بأنشطة استثمارية خارجية بحجم ما فعلته هيئة أبوظبي للاستثمار أو الصين أو سنغافورة. إلا أن كلمة وزير المالية في منتدى الرياض الاقتصادي وضعت الخطوط العريضة للسياسة الاستثمارية للفوائض المالية السعودية.
ولعل أهمها إنشاء شركة استثمارية برأسمال 20 مليار ريال (الدولار يعادل 3.75 ريال) نتمنى أن ترى النور قريباً. إذ إن ذلك سيساعد الحكومة السعودية على المضي قدماً نحو الاستثمار خارجياً بشكل مدروس ومقبول للغاية، ويبدد المخاوف الغربية التي نلاحظها الآن.
وفي اعتقادي أن تخصيص الشركة بحيث يطرح 50% للجمهور، وإخضاعها لأنظمة الشركات وأنظمة هيئة السوق المالية سيجعلها تتمتع بالإفصاح والشفافية وبالتالي القبول من الآخرين والترحيب بها كشركة استثمارية.
فأحد عوامل فشل "موانئ دبي" في الاستحواذ على تشغيل بعض الموانئ في أمريكا هو في كونها شركة مغلقة لا تتمتع بالإفصاح الكافي، وهو الأمر الذي سارع في طرح 20% من الشركة في سوق دبي المالي العالمي.
إن مستقبل نجاح الاستثمار للصناديق السيادية مرهون بقدرتها على الإفصاح والشفافية ونشر أهدافها واستراتيجياته الاستثمارية بوضوح، لأن ذلك يسهم في قدرتها على مواصلة الاستثمار عالمياً وتبديد مخاوف السياسيين الغربيين. فالاقتصاديون الغربيون والشركات الغربية ترحب دائماً بتلك الاستثمارات لأنها أثبتت أنها المنقذ الأصيل والحقيقي في أوقات الأزمات.
فهي لا تطلب مقاعد في مجالس الإدارات لتلك الشركات رغم حجم الاستثمارات الكبيرة. فالأمير الوليد بن طلال – كما كتب جوردون – لم يدخل مجلس إدارة "سيتي جروب" رغم أنه أكبر مستثمر فرد.
ولم تطلب هيئة أبوظبي الدخول في مجلس إدارة "سيتي جروب" أو تغيير استراتيجياتها
فهي شركات استثمارية تمد العون لإدارة الشركات لإنجاح استثماراتها.
فالصناديق السيادية تشتري في وقت قرع طبول الحرب وتبيع على أنغام الموسيقى على عكس صناديق التحوط والمضاربات الغربية التي تهرب وقت قرع طبول الحرب وتشتري على أنغام الموسيقى. الأمر الذي يضفي على الصناديق السيادية الموثوقية وروح الاستثمار طويل المدى بغض النظر عن مواقف السياسيين الضيقة.
*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.
http://www.alaswaq.net/views/2007/12/23/12898.html