دور المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية فى وضع قواعد موحدة للمعاملات
مقدمة
رغم حداثة عهد البنوك الإسلامية التى بدأت فى الخمسينات من القرن الماضي، إلا أن التقديرات الحالية تشير إلي تزايد عدد هذه البنوك ونموها بشكل كبير. وتشير بيانات المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية إلى أن عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بلغ 267خلال عام 2001بحجم أصول بلغ 262مليار دولار فقط وبمعدل نمو وصل إلى 23%([1]).
والمتابع لنشأة هذه البنوك يدرك أنها مرت بأربعة مراحل هى([2]):
المرحلة الأولى: المرحلة التمهيدية لنشأة البنوك الإسلامية وتمتد هذه المرحلة من 1950 إلى 1970
وقد تميزت هذه المرحلة بعدة ملامح فالبداية الحقيقية لتأسيس أول مصرف إسلامى تمت من خلال جهود فردية وتلقائية من قبل عدد من العلماء والمفكرين المسلمين للتخلص من سطوة البنوك التقليدية التى عمت العالم الإسلامى فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى. وبدأت دعوة للمناداة بتجنب استيراد النظام المصرفى الغربى. وبدأت أقلام الباحثين والكتاب المسلمين تكشف عن مساوئ هذا النظام المصرفى وتبين عدم مشروعيته. وقد تميزت هذه المساهمات بالدعوة إلى البحث عن البديل الإسلامى للبنوك الربوية.
وصاحب هذه الدعوة تنظيم عدد من المؤتمرات لبيان حكم الإسلام فى الربا، ومنها: أسبوع الفقه الإسلامى المنعقد لأول مرة فى باريس 1951، حلقة الدراسات الاجتماعية للدول العربية بدمشق 1952، المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة 1965، مؤتمر الفقه الإسلامى الأول بالمغرب سنة 1969، وغيرها من المؤتمرات والندوات التى أخذت على عاتقها الدعوة لإنشاء بنوك إسلامية.
وقد كانت البداية للبنوك الإسلامية فى كل من باكستان وماليزيا ومصر، ورغم أن باكستان ومصر كان لهما السبق فى هذا المجال إلا أن التجربة بهما انتهت فى وقت مبكر، على عكس الحال فى التجربة الماليزية التى مازالت مستمرة حتى الآن
المرحلة الثانية: مرحلة تأسيس البنوك الإسلامية وتمتد هذه المرحلة من 1970 إلى 1980
[b][size="4"][color:259e="Blue"]وقد تم تأسيس أول بنك إسلامى بشكله الرسمى عام 1971 بمصر وهو بنك ناصر الاجتماعى. وقد نص قانون الإنشاء على عدم تعامل البنك بالفائدة أخذاً وإعطاءً، وعلى هوية البنك الاجتماعية، وعلى استثناء معاملاته من الخضوع للقوانين المصرفية الجارى العمل بها.
ولكن هذه المحاولات الإقليمية الفردية صاحبتها دعوة دولية إسلامية ففى مؤتمر وزراء مالية الدول الإسلامية عام 1973 تم التأكيد على سلامة الجوانب النظرية و العملية لإقامة نظام للبنوك الإسلامية والاتفاق على تأسيس بنك إسلامى دولى. وبالفعل تم تأسيس البنك الإسلامى للتنمية فى جدة عام 1975م، وهو بنك دولى تشترك فيه كل الدول الإسلامية الأعضاء فى منظمة المؤتمر الإسلامى، وقد تم افتتاحه عام 1976. ويهدف البنك الإسلامى للتنمية إلى دعم التنمية الاقتصادية الاجتماعية لشعوب الدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية مجتمعة ومنفردة وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ([3])..
ثم توالى بعد ذلك تأسيس النماذج الأولى للبنوك الإسلامية حيث أنشئ بنك دبى الإسلامى بالإمارات عام 1975، وبنك فيصل الإسلامى المصرى وبنك فيصل الإسلامى السودانى وبيت التمويل الكويتى عام 1977، والبنك الإسلامى الأردنى عام 1978، وبنك البحرين الإسـلامى عام 1979، وكذلك تأسيس أول بنك إسلامى فى الغرب عام 1987 وهو المصرف الإسلامى الدولى فى الدانمرك([4]).
وصاحب هذا كله انعقاد المؤتمر العالمى الأول للاقتصاد الإسلامى عام 1976 وهو أول تجمع علمى ضم عدداً كبيرًا من الباحثين والمهتمين بقضايا الاقتصاد الإسلامى من مختلف أنحاء العالم، وقد تناول هذا المؤتمر بين موضوعاته فكرة البنوك الإسلامية.
ولا يمكن لأحد أن ينكر الدور الذى لعبته هذه البنوك الإسلامية آنذاك فى تنمية مجتمعاتها من خلال المساهمة فى تقديم التمويل الإسلامى بكافة أشكاله لدعم أوجه النشاط الاقتصادى ودعم المشروعات الاستثمارية والصناعية والتى شكلت فى مجملها نواة جيدة للدور الذى يمكن أن تلعبه البنوك الإسلامية فى عمليات التنمية.
المرحلة الثالثة: مرحلة توسع نشاط البنوك الإسلامية، تمتد هذه
[color=blue]المرحلة من 1980 إلى 1990
</FONT>وقد تميزت هذه المرحلة بظهور مجموعات مالية إسلامية منظمة تتكون من عدد من البنوك الإسلامية ومن شركات الاستثمار المنتشرة حول العالم، كما تتميز بالمحاولات الرائدة لأسلمة النظام المصرفى فى بعض الدول الإسلامية مثل السودان وباكستان وإيران حيث أصبحت جميع الوحدات المصرفية لديها تعمل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ولا تتعامل بالفائدة أخذاً أو إعطاءً.
وتعتبر دار المال الإسلامى أول مجموعة مالية إسلامية ظهرت بقيادة الأمير السعودى محمد الفيصل الذى دعم مادياً ومعنوياً حركة البنوك الإسلامية عبر اهتمامه وتشجيعه ودعمه لتأسيس البنك الإسلامى للتنمية بجده. وقد كان لمجموعة دار المال العديد من البنوك (بنوك فيصل) فى مصر والسودان والبحرين وتركيا والنيجر وغينيا والسنغال وسويسرا وغيرها.
ولكن الأمر لم يتوقف عند دار المال الإسلامى فقد نشأت بجانبه المجموعة المالية الثانية التى حملت لواء البنوك الإسلامية وهى مجموعة البركة بقيادة مؤسسها الشيخ صالح عبد الله كامل، حيث أسست هذه المجموعة العديد من البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية (بنوك البركة) فى البحرين وتونس والسودان ومصر والجزائر وتركيا وجنوب إفريقيا وغيرها. وقامت بالإضافة لذلك بجهود علمية كبيرة لدعم فكرة البنوك الإسلامية من خلال تأسيسها لعدد من مراكز الأبحاث فى الاقتصاد الإسلامى، وعقدها لندوتها الفقهية الاقتصادية السنوية لمعالجة المستجدات المصرفية ونشرها العديد من الكتب والمطبوعات العلمية والرسائل الجامعية.
وبالفعل أصبحت المصارف والبنوك الإسلامية واقعاً فبنهاية عقد الثمانينات كان هناك ما يزيد عن تسعين مصرفا ومؤسسة مالية إسلامية فى العالم. ونذكر من بين هذه البنوك والمؤسسات التى تم تأسيسها خلال هذه الفترة، بنك التضامن الإسلامى السودان 1981، مصرف قطر الإسلامى 1982، بنك إسلام ماليزيا برهاد، بيت التمويل التونسى السعودى، بيت البركة التركى التمويل، بنك بنجلاديش الإسلامى 1983، بنك البركة الإسلامى البحرينى، بنك غرب السودان الإسلامى، بنك البركة السودانى 1984، بنك المؤسسة العربية المصرفية الإسلامى، بنك الوفاء الموريتانى الإسلامى 1985، شركة الراجحي 1986، بنك الأمين البحرينى 1987، بنك التمويل السعودى المصرى 1988، بنك قطر الإسلامى الدولى 1990([5])]
المرحلة الرابعة: مرحلة انتشار البنوك الإسلامية، تمتد هذه المرحلة من 1990 إلى الآن.
شهدت هذه المرحلة نوع من النمو السريع لنشاط البنوك الإسلامية، وظهور عدد كبير من الأوعية الاستثمارية المشتركة التى تدار بالطرق المشروعة، وبشكل خاص صناديق الاستثمار الإسلامية العاملة فى مجال التأجير والعقارات والأسهم والسلع، وغيرها...
وبدأت البنوك التقليدية تهتم بشكل متزايد بمجال العمل المصرفى الإسلامى، واستجابت للتعامل مع البنوك الإسلامية بالصيغ والعقود والمنتجات المقبولة شرعاً والمصممة خصيصا لهذا التعاون، والتى تم تنظيمها لهذا النشاط الجديد من خلال تكوينها لنوافذ إسلامية تدير تلك المنتجات. كما لجأت البنوك التقليدية فى الدول الإسلامية إلى توسيع دائرة نشاطها الإسلامى تلبية لرغبة العملاء لاجتناب التعامل الربوي.
وظهر ذلك فى إنشاء العديد من البنوك التقليدية أقساماً إسلامية متخصصة، وأسس البعض الآخر فروعاً إسلامية تتبعها إدارياً وتستقل عنها فى النشاط كالبنك الأهلى التجارى السعودى، واتجهت بعض البنوك الأخرى لتحويل كامل نشاطها للعمل المصرفى الإسلامى مثل بنك الشارقة الوطنى، أو العمل على تحويل البنك من خلال أسلمة منتجاتها كما فى تجربة بنك الجزيرة، وبادرت بنوك تقليدية أخرى إلى تأسيس بنوك إسلامية مستقلة تماما عنها من حيث رأس مالها وميزانيتها
ونشاطها كبنك المؤسسة العربية المصرفية الإسلامى، وسيتى بنك الإسلامى، وبنك نوريبا التابع لبنك يو بى اس السويسرى([6]).
وسعت البنوك والمؤسسات الإسلامية إلى عقد المؤتمرات والندوات حول البنوك الإسلامية على مستوى العالم، وبدأت المؤسسات المصرفية الغربية تشييد بأهمية هذه التجربة وسرعة نجاحها، وقد جاء تأكيد ذلك فى تقرير صندوق النقد الدولي الذى صرح أن النظام المالى الإسلامى المرتكز على المشاركة فى الربح والخسارة دون حساب سعر الفائدة أكثر استقراراً من النظام المالى الغربى.
وما لبث أن ظهر مع نهاية التسعينات من القرن المنصرم جيل ثانى من المؤسسات المالية الإسلامية التى تميزت بالحيوية والفعالية فى مجالات الاستثمار والتمويل والإجارة، ومن المؤسسات التى تأسست فى هذه الفترة دار الاستثمار- الكويت 1994، بنك الاستثمار الإسلامى الأول – البحرين، البنك الإسلامى اليمنى 1996، مصرف أبو ظبي الإسلامى، دبنك التضامن الإسلامى – اليمن، الأولى للاستثمار – الكويت، بنك سبأ الإسلامى – اليمن 1997، بيت الاستثمار الخليجي – الكويت 1998، بيت التمويل الخليجي – البحرين، شركة أعيان للإجارة والاستثمار – الكويت، الشركة الدولية للإجارة والاستثمار – الكويت، الأولى للتمويل – قطر، شركة أصول للإجارة والتمويل – الكويت، بنك معاملات ماليزيا برهاد 1999، بنك شريعة مانديرى- إندونيسيا.
ولكن هذا التزايد الملحوظ فى عدد البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وجه بتحديات عدة منها:
1ـ عدم وجود هيئة عليا على مستوى دولى أو إقليمى تقوم بدور التنسيق بين هذه البنوك والمؤسسات المصرفية الإسلامية.
2ـ الحاجة إلى وجود معايير شرعية موحدة تصدر عن مجلس دولى معتمد تلتزم بها الهيئات الشرعية بهذه البنوك والمؤسسات المصرفية الإسلامية.
ومن هنا جاءت دعوة عدد كبير من القائمين على الصناعة المالية الإسلامية إبان الاجتماع الحادى والعشرين للبنك الإسلامى للتنمية مع البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية والذى انعقد بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 1/11/1999 لوجود هيئة تأخذ على عاتقها متابعة وتطوير الصناعة المصرفية الإسلامية والقيام برعاية شؤون المؤسسات المالية الإسلامية وتوثيق العلاقة بينها وتعمل على دعم قواعد العمل المصرفى الإسلامى وتطوير الصناعة المالية الإسلامية بما يؤكد الهوية الإسلامية لمؤسساتها ودورها التنموى وتحقق مصالح الأعضاء فى مواجهة الصعوبات والتحديات المشتركة، وكذلك القيام بنشر صورة صحيحة عن هذه الصناعة لدى الأفراد والجماعات المؤثرة مما يسهم فى توليد الانطباعات والمواقف الجيدة والايجابية نحوها.
وبالفعل وفى مايو من عام 2001 ظهر فى أفق العمل المصرفى الإسلامى المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية. وبدأ هذا المجلس يمارس دوره ويعمل على تحقيق الأهداف التى أنشئ من أجلها.
ونظراً لأن دراستنا تهتم فى المقام الأول بدور هذا المجلس فى وضع قواعد موحدة للمعاملات المصرفية. إلا أن الحديث يفرض علينا أن نعرض بداءة لنشأة المجلس وأهدافه ووسائل تحقيقها. ولهذا نجد لزاماً علينا أن نقسم ورقة العمل تلك إلى مبحثين:
المبحث الأول: نشأة المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وأهدافه
المبحث الثانى: دور المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية فى وضع قواعد موحدة للمعاملات المصرفية.
المبحث الأول
نشأة المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وأهدافه
يعد المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية هو البداية الحقيقية لوجود كيان إسلامى يُعنى بتنظيم المعاملات المصرفية الإسلامية ويهتم بدراسة كل ما يمس هذه المعاملات من قريب أو بعيد.
ولكن كيف كانت نشأة هذا المجلس ؟ وما الدوافع لإنشائه؟ وما هى أهدافه التى يسعى إلى تحقيقها؟ وما هى وسائل تحقيق هذه الأهداف؟ أسئلة كثيرة يتعين علينا الإجابة عليها بوصفها المدخل الجوهرى للبحث عن دور المجلس العام للبنوك والمؤسسات الإسلامية.
<hr align=center width="100%" color=#dce8f7 noShade SIZE=1>