مجالات الاستثمار في البنوك الإسلاميَّة
د. علي السالوس
مقالات للكاتب
تاريخ الإضافة: 29/02/2008 ميلادي - 21/2/1429 هجري
مجالات الاستثمار في البنوك الإسلاميَّة
الحمد لله، نحمده - سبحانه وتعالى - ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِ الله فهو المهتدي، ومَنْ يُضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا.
والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وعلى آله وصحبه، ومَنِ اهتدى بهَدْيِه واتَّبع سنَّته إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد:
حديث اليوم موضوعٌ هامٌّ يشغل أذهان الكثير من المسلمين:
كيف تقوم المصارف الإسلاميَّة باستثمار أموال المسلمين؟
سؤالٌ يَرِدُ كثيرًا؛ لأنَّنا عرفنا أنَّ البنوك الربويَّة نشأت يهوديَّة ربويَّة، ثم دخلت بلادنا وقت الاستعمار بطبيعتها اليهوديَّة الربويَّة، وما كان لنا من حولٍ ولا قوَّة، فما كنَّا نستطيع أن نقول هذا حلالٌ وهذا حرامٌ، ومَنْ قال بأنَّ هذا حرامٌ لم يُسمع صوتُه، نذكر على سبيل المثال فضيلة الشيخ عبدالمجيد سليم - رحمه الله - الذي تولَّى مشيخة الأزهر مرَّتَيْن قبل الشيخ شلتوت - رحمه الله عزَّ وجلَّ -: وتولَّى الإفتاء عشرين عامًا، وله آلاف الفتاوى، عندما سُئل عن بنك التَّسليف - وبنك التَّسليف في مصر إنَّما أُنْشِئ أساسًا لمعاونة الفلاحين، يسلِّف الفلاَّحين لمساعدتهم في الزِّراعة - وعندما سئل عن هذا قال بأنَّ هذا حرامٌ؛ لأنَّه دراهمُ بفائدةٍ، والدَّراهم بفائدةٍ حرامٌ وإن كانت الدَّوْلة تأخذ فائدةً قليلة، ولكنَّه يعرف حديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنه لعن آكِل الرِّبا ومؤكِلَه وكاتبه وشاهدَيْه، وقال: ((هم سواءٌ))؛ الآخِذُ والمُعطي سواءٌ، وسواءٌ كان هذا كثيرًا أم قليلاً، إلاَّ أنَّ مثل هذا التَّحريم كان له أثره في توجيه الرَّأي العام إلى أنَّ هذا حرامٌ، فلتفكِّروا في الحلال إذًا.
ما كان هناك بديل، ثم وجدنا خطوةً هامةً سنة 1382هـ - 1962م، خطوة في مدينة تسمى مدينة ميت غمر، تجرِبة لبنوك ادِّخار تقوم على أساس النَّشاط الإسلامي، ويمكن أن نتصوَّر كيف أنَّ بنكًا واحدًا يقوم على أساسٍ إسلاميٍّ، وكلُّ العالم يقوم على أساس ربويٍّ، والذي حدث أنَّه نتج عن أعماله نجاحٌ غير متوقَّع، ومن هنا كانت الحرب. كان معنى هذا: الحكم بالفشل على كل البنوك القائمة، فحورِبَ بنك الادِّخار بميت غمر، وحوِّلَ إلى بنكٍ ربويٍّ ... شيءٌ مزعجٌ!
ثمَّ كانتِ الخطوة الرَّائدة في مجال الفكر الإسلامي في المؤتمر الثَّاني لمَجْمَع البحوث الإسلاميَّة، الذي اشترك فيه خمسٌ وثلاثون دولة إسلاميَّة، يمثِّلها عددٌ من أكبر علمائها. هؤلاء جميعًا أجمعوا على أنَّ فوائد البنوك من الرِّبا المحرَّم، ودعوا أهل الاختصاص إلى التَّفكير في إنشاء بديلٍ إسلاميٍّ.
وكان لهذه الدَّعوَة الأثر الكبير؛ عندما بدأ المسلمون ينظرون إلى أنفسهم، ويحاولون أن يتخلَّصوا من الاستعمار السِّياسي، ثم بدؤوا يتَّجهون إلى التخلُّص من الاستعمار الاقتصادي.
ووجدنا أنَّ مؤتمرَ وزراء خارجيَّة الدُّول الإسلاميَّة - المؤتمر الأوَّل - يدعو إلى البحث عن نظام اقتصادي إسلامي، ووجَدْنا المؤتمر الثَّاني يبدأ بخطوة عمليَّة، هي وضع نظام لإنشاء البديل الإسلامي، وكان من نتيجة هذا أن أُنشئ بنك التنميَّة الإسلامي في جدَّة، واشترك فيه آنذاك ستٌّ وعشرون دولة إسلاميَّة، ثم ارتفع العدد بعد هذا إلى خمسٍ وأربعين.
ووجدنا قبل إنشاء هذا البنك بأشهُرٍ قليلة إنشاءَ بنك دبي الإسلامي، ثم تتابع إنشاء بنوك إسلاميَّة كثيرة، والعدد الآن يقرُب من المائة في أنحاء العالم الإسلامي وغير الإسلامي؛ لأنَّ هناك بنوكًا إسلاميَّة في دول غير إسلاميَّة.
والسؤال هنا هو: هذه البنوك الإسلاميَّة؛ كيف تستطيع أن تستثمر أموال المسلمين بطريقةٍ إسلاميَّة؟
الأساسُ الذي انبنَى عليه البنكُ الإسلاميُّ هو شركة المضارَبة الإسلاميَّة، بأن يأخذ أموال المسلمين كمضارِب أو كعامل، ثُمَّ يُتاجر أو يصنع أو يزرع أو يعمل أيَّ عملٍ يقرُّه الإسلام، وناتج الرِّبح يقسَّم بين البنك وبين المودعين بنسبة متَّفق عليها.
وفي توجيه الاستثمار بدؤوا ينظرون إلى أعمال البنوك الربويَّة؛ لأنَّهم يريدون أن يدْعُوا المسلمين إلى ترك التَّعامل مع البنوك الربويَّة، وإلى التَّعامل مع البنوك الإسلاميَّة. وهذا يصبح فرضًا على المسلمين، فنظروا هنا إلى المعاملات التي تقوم بها البنوك الربويَّة: لماذا يلجأ المسلم إلى بنك ربويٍّ؟
إنه يلجأ إليها لفتح اعتماد – مثلاً - وتسأله: لماذا تفتح اعتمادًا هناك يا أخي المسلم؟ فيقول: أنا أريد فتح اعتماد لأنَّني أريد أن اشتري بضاعة وسلع كذا، وأتاجر في عمل كذا، وليس معي النقود الكافيَّة، وإنما هذه العمليَّة تتكلَّف مليون ريال، وليس معي إلا خمسمائة ألف. فيقول البنك الإسلامي له: نعم، يمكن أن نفتح لك اعتمادًا، ولكن ليس كالبنك الربويِّ، فتح الاعتماد في البنك الربويِّ يعني أن تقترض بفائدة، ولكن يختلف عن القرض العادي بأنَّ الفائدة فيه تبدأ من وقت الاقتراض، ولفتح الاعتماد عمولة.
البنك الإسلامي في هذه الحالة ينظر إلى المشروع ويدرسه، فإذا وجد أنَّ هذا المشروع ممَّا يَطمَئِنّ إليه، وأنه يتَّفق مع أحكام الشريعة الإسلاميَّة، يقول لهذا المسلم: أنا أدخلُ معكَ شريكًا، أنت تريد فتح اعتماد بخمسائة ألف ومعك خمسمائة ألف، المبلغ الذي معك أدفع مثلَه، ونشتري ما تريده من الأشياء، أو نفتح به هذا المصنع، أو نبني به هذا البيت، أو المشروع الذي تريده. وبعد أن يدرس المصرِف الإسلامي المشروع ويطمئنَّ له وللعميل يدخل معه شريكًا، ثم يبدأ العمل.