رؤية نقدية لنظرية المدخل النقدى لميزان المدفوعاتد. حامد بشير باشري مقدمة:-يعتبر المدخل النقدى لميزان المدفوعات (Monetary Approach to the Balance of Payments) احد الثلاثة مداخل المتعلقة بنظرية تسوية ميزان الدفوعات. يرتبط المدخل الثانى بمدخل المرونة (Elasticity Approach)، بينما يرتبط الاخير بمفهوم الانفاق (Absorption Approach). هذه المداخل الثلاثة تطرح الاطر النظرية المختلفة للمشاكل المتعلقة بتسوية ميزان المدفوعات، فهى من ناحية تطرح المفاهيم المختلفة لهذه النظريات ومن الناحية الاخرى تقدم وتقترح الحلول لمشاكلها من منطلق مفاهيم تلك النظريات.فى هذا المقال سوف نتعرض الى ثلاثة محاور تتعلق بمفهوم المدخل النقدى لميزان المدفوعات. فالمحور الاول يختص بالجانب النظرى للمدخل ، أما المحور الثانى فهو يتناول النظرة النقدية للمدخل النقدى للميزان. واخيراً يتعرض المحور الثالث والاخير الى مدى امكانية تطابق ومواءمة هذا المدخل مع مشاكل ميزان المدفوعات السودانى.الجانب النظرى للمدخل النقدي لميزان الدفوعات:-يتعلق المدخل النقدى لمفهوم ميزان المدفوعات بناحية الميزان الكلى ( الحساب الجارى وحساب رأس المال) والذى يعنى ان عدم التوازن فى ميزان المدفوعات يساوى التغير فى مستوى الاحتياطيات العالمية. وفى هذا الاطار فان هذا المفهوم يوضح ان الاختلال فى ميزان المدفوعات يأتى نتيجة لعدم التوازن بين العرض والطلب فى كمية النقود وبأن المشاكل المتعلقة بميزان المدفوعات تعتبر ظواهر نقدية وبالتالى فان التصحيح يجب ان يتم عن طريق التسويات النقدية. اضف الى ذلك، فان السياسات المتعلقة بتسوية مشاكل ميزان المدفوعات من الممكن انجاحها عن طريق ازالة الاختلال بين العرض والطلب فى كمية النقود.لقد وضع هاهن (Hahn 1977) نموذج للمدخل النقدى لميزان المدفوعات وذلك بعد مراجعته وتطويره لنموذج " فرنكل وجونسون" (Frenkel & Johnson 1976). هذا وترتكز اهم إفتراضات هذا النموذج فى الآتى:- ثبات اسعار الصرف فى الاقتصاد.- التوازن فى العمالة المتاحة فى الاقتصاد لفترة طويلة.- التغير فى عرض النقود لا يؤثر على المتغيرات الحقيقية فى الاقتصاد.- تقارب مستوى الاسعار وسعر الفائدة المحلية مع المستوى العالمى فى المدى البعيد نسبة للاستعاضة الكبيرة فى المرونة بين البضائع فى حركة التجارة العالمية والتحركات الكبيرة فى رؤوس الاموال العالمية.- واخيراً فان التغيرات فى عرض النقود تأتى نتيجة للتغيرات فى مستوى الاحتياطى النقدى الاجنبى والذى لم يصاحبه اى تحييد (Sterilization) من قبل السلطات النقدية.المعادلة التالية تعكس الطلب المتوقع على البضائع ( ex-ante) كما وضحها " ثيروول" (1982 Thirwal):(1)<-------- Xg = A -Y + B
اما تفسير رموزها كالآتى :-A تمثل مجمل الانفاق فى الاقتصاد، Y الدخل و B ميزان المدفوعات وبالنظر الى قانون " والارس " (Walars law) والذى يفترض ان الاصول فى الاقتصاد هى فقط النقود وباعتبار ان الطلب المتزايد على النقود ( يرمز اليه ب Xm) والمصحوب بفائض فى ميزان المدفوعات سوف يؤدى الى زيادة عرض النقود عن طريق تراكم الاحتياطى النقدى الاجنبى وذلك بافتراض ان التأثير على زيادة الاحتياطى النقدى فى عرض النقود المحلى غير محايد من قبل السلطات النقدية وذلك لعدم استعمال عمليات السوق المفتوح وبيع السندات الحكومية وهذا ما جاء فى فرضية " فرانكل وجونسون" والمشار اليها سابقاً . هذه الافتراضات تقودنا الى المعادلة التالية:- .(2) <-------- Xg – B +Xm= 0
وبأفتراض ان Xg( الطلب على البضائع) يساوى صفر فان B سوف تساوى Xm، والذى يعنى ان فائض ميزان المدفوعات يدل على الطلب المتزايد على النقود وفى نفس الوقت فان العجز فى ميزان المدفوعات يدل على العرض المتزايد للنقود والذى بدوره يؤكد اشتراط التوازن والقاضى بأن الزيادة فى الطلب ( او العرض) للنقود هو نتيجة للفرق بين الطلب ( بافتراض استقرار دالة الدخل) والعرض للنقود المحلية.هذا التعريف للطلب والعرض للنقود فى شكل مخزون ( Stock ) يمكن توضيحه فى المعادلة التالية:-(3)<-------- Xm = K (y) – M
فالرمزان xmو y كما هما فى المعادلتين (1) و (2) . الرمز Mيوضح مكون عرض النقود والمحدد داخلياً من قبل السلطات النقدية. ان هذه المعادلة تقودنا مرة اخرى الى الافتراض السابق والذى يفترض عدم التحييد (no sterilization) من قبل السلطات النقدية عن طريق عمليات السوق المفتوح . ففى هذه الحالة فان عرض النقود سوف يزيد وبالتالى فان الطلب المتزايد للنقود سيقل وعليه فان الفائض فى ميزان المدفوعات سوف يصبح صفراً . اضافة الى ذلك فان الزيادة فى عرض النقود والمصاحب للعجز فى ميزان المدفوعات سوف يؤدى الى الانخفاض فى مستوى عرض النقود والى الانخفاض فى مستوى الاحتياطى العالمى نتيجة للعجز فى ميزان المدفوعات اضافة للتدفقات الخارجية للاحتياطيات الاجنبية . عليه ، فان التغيرات فى الاحتياطيات النقدية اذا لم يصاحبها التحييد من قبل السلطات النقدية قد يعكس ظاهرة مؤقته فى اختلال المخزون فى سوق النقد ( العرض والطلب) والذى يمكن تصحيحه ذاتياً بالتوابع النقدية، جونسون (Johnson 1972). هنا نلاحظ ان "جونسون " افترض ان التدفقات النقدية والمرتبطة بالفائض او العجز غير المحايد – من قبل السلطات النقدية – لها تأثيراتها الواضحة على عرض النقود المحلى فى فترة معينة.هذا وفى اطار المدخل النقدى ، فان مستوى الاحتياطيات يعتبر المتغير الوحيد والذى يمكن التأثير عليه عن طريق الزيادة فى عرض النقود وذلك بافتراض التوازن فى سوق البضائع فى المدى البعيد اضافة الى اعتبار ان سعر الفائدة معروف وبان الاستقرار فى الطلب على النقود معلوم.بالنظر الى توسيع النموذج الى اكثر من بند واحد للاصول ( النقود) كما سبق ان اشرنا اليه فى المعادلة (2) ، وبتطوير هذه المعادلة وذلك باضافة الطلب على السندات (Xb) نصل الى المعادلة التالية :-(4) <-------- O= Xg – B + Xm + Xb
وبافتراض ان O = Xm= Xgفان Xb = B والذى يعنى ان الفائض فى ميزان المدفوعات يؤدى الى زيادة الطلب على السندات وبأن العجز فى ميزان الدفوعات يؤدى الى زيادة العرض فى السندات. وفى هذه الحالة فان الفائض يتطلب خروج رؤوس الاموال (Capital outflows) وبالتالى عدم الحوجة الى تخفيض مستوى الاحتياطيات العالمية. هذا وفى كلتا الحالتين فان التسويات القائمة لا تتطلب اى تغيرات فى الارصدة النقدية.المعادلة (2) توضح ايضاً ان الاختلال فى ميزان المدفوعات قد يعكس عدم التوازن فى سوق رأس المال والذى يتوافق كلياً مع التوازن فى سوق النقود وذلك فى حالة التوقع (ex-ante). هذه المعادلة توضح لنا كذلك ان بيع السندات لربما يؤدى الى العجز فى ميزان الدفوعات ( زيادة العرض فى السندات) والذى يمكن تمويله عن طريق تدفقات رأس المال ( الى الداخل) نسبة لارتفاع سعر الفائدة المتوقع.اذا نظرنا الى بعض افتراضات المدخل النقدى نجد ان الا فتراض الاساسى لهذه النظرية يرتكز على فرضية استقرار الطلب على النقود . هذه الفرضية تجعل من الصعب التنبؤ بشأن ميزان المدفوعات من منطلق احادى الا وهو التغيرات فى عرض النقود. فالزيادة فى عرض النقود لربما تؤدى الى الزيادة فى الطلب على النقود خاصة فى جانب العملات الاجنبية ( فى حالة انخفاض مستوى الاحتياطيات الاجنبية) ، اما الانخفاض فى عرض النقود فقد يؤدى الى عدم امكانية تخزين النقود. اضف الى ذلك ، فقد اثبتت التجارب العملية ان هنالك عدم استقرار فى دالة الطلب على النقود والمكونات العامة لدالة الطلب الكلى ولذلك من الصعب تمييز او تفضيل السياسة النقدية على السياسة المالية ، ومن هنا تبرز الحوجة الى التنسيق بين السياستين النقدية والمالية لانجاح سياسات الاقتصاد الكلى.هذا الحديث يقودنا ايضاً الى ان قواعد عرض النقود (السياسة النقدية) وتحت الاوضاع المختلفة سوف تقود حتماً الى متغيرات كبيرة وغير متوقعة فى امتلاك الافراد للنقود وبالتالى يقود ذلك تباعاً الى متغيرات كبيرة وغير متوقعة فى نفقات الافراد.