الصيرفة الإسلامية في الميزان
يربو عمر الصيرفة الإسلامية منذ أنشئ أول مصرف إسلامي خاص على ربع قرن مما يوجب علينا الوقوف والتأمل في هذه التجربة لنرى ما الذي نجحت الصيرفة الإسلامية في تحقيقه وما الذي قصرت عن تحقيقه في مسيرتها الحافلة بالنجاحات.
لا شك أن أعظم نجاح يمكن أن يسجل للصيرفة الإسلامية هو في إيجادها سبيلا مباحا للمؤمنين للاستثمار والتمويل بعيدا عن الربا الذي حرمه الله ورسوله وهذا أدى بدوره إلى تعبئة موارد المجتمع المحيدة سابقا بسبب المحظور الشرعي في التعامل بالفائدة ومن ثم الاستفادة من هذه الموارد في تنمية المجتمع، كما أن نجاح الصيرفة الإسلامية كان ردا ماديا على كل المشككين في صلاحية الشريعة الإسلامية وقدرتها على مواكبة متغيرات هذا العصر.
أما الذي قصرت عن تحقيقه فهو إيجاد نموذج مصرفي قائم على المشاركة بعيدا عن النموذج المصرفي التقليدي القائم على المداينة حيث إن الواقع اليوم يقول بأن الخدمات المصرفية الإسلامية المقدمة تتماهى مع نظيرتها التقليدية حيث أصبحت الكثير من أدوات التمويل والاستثمار الإسلامي قائمة على المرابحة التي تنتج في النهاية مديونية إما على العميل أو المصرف وندر أن تجد الأدوات الإسلامية القائمة على المشاركة في الربح والخسارة حتى أن مجال الودائع الاستثمارية والتي كانت قائمة فيما سبق على المضاربة قد استعيض عنها في الآونة الأخيرة بالمرابحة حيث يقوم العميل الراغب في الإيداع لدى المصرف بشراء سلعة من السوق الدولية ثم يقوم ببيعها على المصرف لأجل بربح محدد ومن ثم يقوم المصرف بإعادة بيع السلعة في السوق الدولية مرة أخرى للاستفادة من ثمنها في عمليات التمويل ونتيجة لذلك أصبحت الخدمات المصرفية الإسلامية أسيرة سعر الفائدة فكل من التمويل والاستثمار المباشر مقوم بسعر الفائدة فتم إلغاء أهم ميزة للصيرفة الإسلامية كان من الممكن أن تقدمها للعالم بديلا عن الفائدة التي يعاني العالم من وطئتها، ولعل ذلك ناتج عن عدم وجود كوادر وظيفية مؤهلة في مجال الصيرفة الإسلامية حيث إن غالبية التنفيذيين القائمين على الصيرفة الإسلامية قدموا من بيئة مصرفية تقليدية تحمل الفكر الائتماني التقليدي والقائم على البعد عن المخاطرة.
لقد فطن الكثير من رواد الصيرفة الإسلامية إلى هذا الانحراف الذي أصاب مسيرة الصيرفة الإسلامية فدعوا إلى عقد المؤتمرات والندوات لتصحيح هذا الانحراف والتحذير من أثاره الخطيرة على الصيرفة الإسلامية وما جلبة من ثقافة البحث عن الحيل في الفقه الإسلامي والبعد عن مقاصد الشرع الحنيف .
كتبها لاحم حمد الناصر