الجمعة, 10/05/2007 - 13:42
الكاتب: أسامة أحمد عثمان
الهندسة المالية Financial Engineering وصف يطلق على اجتراح عقود مالية جديدة لتلبية حاجات تمويلية على سلع وخدمات حقيقية أو لتقليب وامتصاص سيولة طارئة عن طريق عقود مالية مشتقة مبنية على عقود أصلية. وحينما تذكر الهندسة المالية فإن أول ما يذهب إليه الذهن هو المشتقات المالية الغربية ( مستقبليات، خيارات، والمبادلات المؤقتة Options -Futures - Warranties... إلخ ). هذه المشتقات لا توجد في السوق السعودية على حد علمي لسببين: أولهما حداثة السعودية بوجود سوق مالية منظمة، والآخر أن كثيرًا من هذه المشتقات تعتريها محاذير شرعية كبرى كالربا والغرر والقمار.
إلا أنه مع تطور المصرفية الإسلامية وانتشارها فقد برزت الحاجة إلى وجود صيغ عقود إسلامية مستحدثة لم تكن معهودة لدى الصدر الأول من المسلمين كالإيجار المنتهي بالتمليك، والسلم الموازي، والمشاركة المتناقصة، والمرابحة المنظمة التي تجريها البنوك، والتأمين التكافلي. وهذه الصيغ منها صيغ بسيطة وأخرى مركبة. وقد نجد صورًا متعددة من الصيغة البسيطة الواحدة. ومثال ذلك عقد التأمين التكافلي فالعلاقة بين شركة التأمين وجمهور المؤمن لهم يمكن أن تكون مشاركة أو مضاربة أو وكالة بأجر. وهناك الخيارات في البيع، التي عرفت قديمًا كخيار الشرط، وخيار المجلس، وخيار العيب. كما أن المواعدة الجائزة في بعض العقود الإسلامية وكونها ملزمة لطرف دون طرف هي نوع آخر من الخيارات الإسلامية. ولكن الخيارات الإسلامية وإن كان يصح عليها وصف الهندسة المالية إلا أنه لا يصح عليها وصف العقود المشتقة، إذ إنها ليست عقودا مستقلة بذاتها. وبالرغم من أن هذه الخيارات تؤثر بشكل غير مباشر في قيمة العقود الإسلامية، إلا أنه لا يجوز تداولها منفصلة عن عقودها الأصلية التي هي سبب فيها وبالتالي فإنه لا يقصد الاسترباح منها بذاتها. وما دامت كذلك فإنه ليست ذات قيمة مالية مستقلة، وهذا خلاف المشتقات المالية الغربية. وربما يكون بيع العربون هو أقرب العقود الإسلامية شبهًا بمشتق مالي أجنبي، فهو شبيه بخيار الطلب call option. إلا أن الفارق بينهما كبير في أن الخيار في بيع العربون ليس مقصودًا لذاته وإنما هو أداة لإعطاء المشتري فرصة للتفكير حول إمضاء العقد بالشراء من عدمه، فضلاً عن أنه أداة لإثبات الجدية في الرغبة بالشراء. وغني عن القول إن الخيار في بيع العربون لا يمكن بيعه. وهذا كله خلاف خيار الطلب الغربي.
كما أن عقد السلم فيه مشابه من عقود المستقبليات futures contracts من ناحية تعجيل الثمن وتأجيل تسليم المثمن. ولكن تفاصيل أحكام السلم تخرجه عن الشبه الشديد بعقود المستقبليات الغربية، ما لا يتسع المقام لبسطه. على أن هناك خلافًا بين الفقهاء حول جواز بيع المسلم فيه قبل قبضه، وقد أجازه المالكية قديمًا على خلاف بقية المذاهب وأجازه من الفقهاء المعاصرين الدكتور علي محيي الدين القراداغي، والدكتور نزيه حماد. إلا أن المجامع الفقهية المعاصرة لا تجيز بيع المسلم فيه قبل قبضه، وأحسب أن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر.
وخلاصة القول إن العقود المالية الإسلامية تهدف إلى تلبية حاجات حقيقية وتنتهي هذه العقود بقبض العوضين من قبل العاقدين. أما المشتقات الغربية فإنها لا تنتهي بذلك بالضرورة، بل بمجرد المقاصة أو بعقود متعاكسة. وقد فصل المعيار الشرعي رقم 20 الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية القول في أحكام هذه العقود، فليرجع إليه.
Osama@kfupm.edu.sa
المصدر: الهيئة الإسلامية العاليمة للاقتصاد و التمويل