ويؤكد هذا التعريف الجانب الإعلامي ؛ حيث لا يقتصر الباحث في بحثه على انتهاج أسلوب منظم ومضبوط في جمع المعلومات وتحليلها والوصول من خلالها إلي إثبات صحة المعلومات بل انه يسعى إلى نشر ما توصل إليه من نتائج .
أما (فان دالين ، 1977م) فيعرف البحث العلمي بأنه " المحاولة الدقيقة الناقدة للتوصل إلى حلول للمشكلة التي تؤرق البشرية"(15).
وأما (العواودة ، 2002) فتعرّف البحث العلمي – ببساطة شديدة – بأنه :" وسيلة للدراسة يمكن بواسطتها الوصول إلى حل لمشكلة محددة, وذلك عن طريق الاستقصاء الشامل و الدقيق لجميع الشواهد و الأدلة التي يمكن التحقق منها, والتي تتصل بهذه المشكلة المحددة "(16)..
ومن خلال العرض السابق لبعض تعريفات البحث العلمي يمكن القول:
إن كل تعريف منها تناوله من زاوية معينة ؛ فالبعض أبرز جانب الأهداف والبعض الثاني أبرز جانب الوظائف, والبعض الثالث أبرز جانب الأهمية أو جانب الخصائص، ولكنها في مجملها تعطي صورة واضحة لمفهوم البحث العلمي .
و يري الكاتب أنه من خلال العرض السابق لمفهوم البحث العلمي يمكن استخلاص التعريف التالي:
وهو: إن البحث العلمي حزمة من الطرائق والخطوات المنظمة والمتكاملة تستخدم في تحليل وفحص معلومات قديمة؛ بهدف التوصل إلى نتائج جديدة ، وهذه الطرائق تختلف باختلاف أهداف البحث العلمي ووظائفه وخصائصه وأساليبه.
خطوات البحث العلمي :-
وبناءً على التعريفات السابقة ؛ يتبين – بشكل بديهي – أن البحث العلمي يتألف من مجموعة خطوات تتمثل في الشعور بالمشكلة أو بسؤال يحير الباحث ، فيضع لها حلولاً محتملة ، هي الفروض ، ثم تأتي بعد ذلك الخطوة التالية : وهي اختبار صحة الفروض، والوصول إلى نتيجة محددة ، ومن الطبيعي أن يتخلل هذه الخطوات الرئيسية عدة خطوات إجرائية، مثل تحديد المشكلة ، وجمع البيانات التي تساعد في اختيار الفروض المناسبة ، وكذلك البيانات التي تستخدم في اختيار الفروض ، والوصول إلى تعميمات ، واستخدام هذه التعميمات تطبيقياً .. وهكذا يسير البحث العلمي على شكل خطوات أو مراحل ؛ لكي تزداد عملياته وضوحاً ، إلا أن هذه الخطوات لا تسير باستمرار ، بنفس التتابع ، ولا تؤخذ بطريقة جامدة ، كما أنها ليست بالضرورة ! مراحل فكرية منفصلة ، فقد يحدث كثيراً من التداخل بينها ، وقد يتردد الباحث بين هذه الخطوات عدة مرات ، كذلك قد تطلب بعض المراحل جهداً ضئيلاً ، بينما يستغرق البعض الآخر وقتاً أطول ..
وهكذا يقوم استخدام هذه الخطوات على أساس من المرونة والوظيفية ..
وتختلف مناهج البحث من حيث طريقتها ، في اختبار صحة الفروض ، ويعتمد ذلك على طبيعة وميدان المشكلة موضع البحث ؛ فقد يصلح المنهج التجريبي في دراسة مشكلة لا يصلح فيها المنهج التاريخي أو دراسة الحالة .. وهكذا ..
وكثيراً ما تفرض مشكلة البحث المنهج الذي يستخدمه الباحث.
واختلاف المنهج لا يرجع فقط إلى طبيعة وميدان المشكلة ، بل أيضاً إلى إمكانات البحث المتاحة ، فقد يصلح أكثر من منهج في دراسة بحثية معينة ؛ ومع ذلك تحدد الظروف المتاحة أو القائمة المنهج الذي يختاره الباحث (17) ..
المهم أن أي منهج من مناهج البحث يقوم على خطوات علمية متكاملة ، ومتفقة مع الأسلوب العلمي العام الذي يحكم أي منهج من مناهج البحث ..
تعدد مناهج البحث العلمي: ـ
ترجمة كلمة منهج باللغة الإنجليزية : Method و نظائرها في اللغات الأوربية ترجع إلى أصل يوناني يعني : البحث أو النظر أو المعرفة .
والمعنى الاشتقاقي لها يدل على الطريقة أو المنهج الذي يؤدي إلى الغرض المطلوب(18) ..
ويرى ( عسيلان ، 2004) : أننا في غنى عن مثل هذه الإحالة فالكلمة شائعة ومتوفرة في معاجم اللغة العربية وتعني الطريق الواضح (19) ..
وفي ابتداء عصر النهضة الأوروبية أخذت الكلمة مدلولا اصطلاحيا ؛ يعني أنها : طائفة من القواعد العامة المصوغة من أجل الوصول إلى الحقيقة في العلم بقدر الإمكان(20) . ويحدد أصحاب المنطق الحديث "المنهج " بأنه : " فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة، إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين، وإما من أجل البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها عارفين"(21) .
وبهذا يكون هناك اتجاهان للمنهج من حيث اختلاف الهدف ، أحدهما يكشف عن الحقيقة، ويسمى منهج التحليل ، والثاني يسمى منهج التصنيف ..
وعلى العموم فتصنيف مناهج البحث ، يعتمد عادة على معيار ما ؛ حتى يتفادى الخلط والتشويش .
وعادة تختلف التقسيمات بين المصنفين لأي موضوع ، وتتنوع التصنيفات للموضوع الواحد ، فإذا نظرنا إلى مناهج البحث من حيث العمليات العقلية ، التي توجهها ، أو تسير على أسسها ، أمكننا القول إن هناك ثلاثة أنواع من المناهج :
النوع الأول : المنهج الاستدلالي أو الاستنباطي : وفيه يربط العقل بين المقدمات والنتائج ، أو بين الأشياء وعللها ، على أساس المنطق العقلي ، والتأمل الذهني ، فهو يبدأ بالكليات ليصل منها إلى الجزئيات.
والنوع الثاني : هو المنهج الاستقرائي : وهو على عكس سابقه ، يبدأ بالجزئيات ليصل منها إلى قوانين عامة ، ويعتمد على التحقق بالملاحظة المنظمة الخاضعة للتجريب والتحكم في المتغيرات المختلفة ..
والنوع الثالث : هو المنهج الاستردادي : فيعتمد على عملية استرداد ما كان في الماضي ليتحقق من مجرى الأحداث ، ولتحليل القوى والمشكلات التي صاغت الحاضر ..
فإذا أردنا تصنيف مناهج البحث استناداً إلى أسلوب الإجراء ، وأهم الوسائل التي يستخدمها الباحث ؛ نجد أن هناك المنهج التجريبي وهو الذي يعتمد على إجراء التجارب تحت شروط معينة ، ومنهج المسح الذي يعتمد على جمع البيانات ميدانياً؛ بوسائل متعددة ، ويتضمن الدراسة الكشفية والوصفية والتحليلية ، ومنهج دراسة الحالة ، وينصب على دراسة وحدة معينة ، فرداً كان أو وحدة اجتماعية ، ويرتبط باختبارات ومقاييس خاصة ، والمنهج التاريخي ، ويعتمد على الوثائق والمخلفات الحضارية المختلفة(22) ..
والجدير بالذكر أن المنهج التاريخي يعد أبسط المناهج استعمالاً كطريقة بحث إن لم يكن أساسها ، وفي نفس الوقت أهمها من حيث التطبيق (23) .
وهكذا تتعدد مناهج البحث العلمي بتعدد المشارب والمذاهب .. والإمكانيات أيضاً..
أهمية البحث العلمي :ـ
أصبحت الحاجة إلى البحث العلمي في وقتنا الحاضر أشد منها في أي وقت مضى ؛ حيث أصبح العالم في سباق محموم للوصول إلى أكبر قدر ممكن من المعرفة الدقيقة المثمرة التي تكفل الراحة والرفاهية للإنسان وتضمن له التفوق على غيره.
وبعد أن أدركت الدولُ المتقدمة أهمية البحث العلمي وعظم الدور الذي يؤيده في التقدم والتنمية - أولته الكثير من الاهتمام وقدمت له كل ما يحتاجه من متطلبات سواء كانت مادية أو معنوية ؛ حيث أن البحث العلمي يعتبر الدعامة الأساسية للاقتصاد والتطور . والبحث العلمي يعد ركنا أساسيا من أركان المعرفة الإنسانية في ميادينها كافة كما يعد أيضا السمة البارزة للعصر الحديث, فأهمية البحث العلمي ترجع إلى أن الأمم أدركت أن عظمتها وتفوقها ترجع إلى قدرات أبنائها العلمية والفكرية والسلوكية . ومع أن البحوث تحتاج إلى وسائل كثيرة معقدة وتغطي أكثر من مجال علمي وتتطلب الأموال الطائلة ؛ إلا أن الدول المدركة لقيمة البحث العلمي ترفض أي تقصير نحوه ؛ لأنها تعتبر البحوث العلمية دعائم أساسية لنموها وتطورها .