على عليوه - إنسان اون لاين .نت / 5-7-2006
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى تزايد أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل على مستوي العالم خاصة في العالمين العربي والإسلامي حيث يعيش أهل فلسطين والعراق والشيشان وأفغانستان وبلاد القرن الأفريقي ظروفاً صحية وتعليمية وغذائية صعبة لأسباب مختلفة أما الحصار الاقتصادي والصراع المسلح أو الجفاف والتصحر لهذا تبرز أهمية العمل الخيري باعتباره وسيلة هامة لمواجهة الفقر وتدنى الأوضاع المعيشية في ظل عودة الاستعمار العسكري للمنطقة العربية وهيمنة اقتصاد السوق الذي أدي لتراجع دور الدولة في رعاية الفقراء.
وللتعرف على أهداف ووسائل العمل التطوعي عقدت الجمعية الخيرية الإسلامية في القاهرة يوم السبت 24/ 6/2006 ندوة تحت عنوان (آليات العمل الخيري) شارك فيها نخبة من أساتذة الاقتصاد الإسلامي والعاملين في مجال العمل التطوعي وأكدوا في ختام مناقشاتهم أن الإسلام سبق النظم الوضعية في الاهتمام بالفقراء ووضع العديد من الحلول التي تكفل الحد من ظاهرة الفقر وأن وضع هذه الحلول موضع التنفيذ كفيل بانتشال الفقراء من دائرة الحاجة والعوز.
التبرعات والوقف
في مستهل الندوة أوضح المستشار الدكتور محمد شوقى الفنجرى رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية أن من أهم آليات ووسائل تمويل العمل الخيري هي التبرعات التي تتولى المؤسسات الأهلية توصيلهاإلى مستحقيها, ومن عظمة الإسلام أنه أهدي البشرية ومنذ اكثر من أربعة عشر قرناً مؤسستين أساسيتين للعمل الخيري هما مؤسسة الزكاة ومؤسسة الوقف وهكذا ارتفع الإسلام بوسيلة التبرعات إلى مرتبة الالزام والثبات والاستمرارية في صورة الزكاة والانفاق في سبيل الله.
كما ارتفع بوسيلة المؤسسات الأهلية إلى مرتبة الوقف ثم صبغ هاتين المؤسستين بصبغة العبادة وابتغاء وجه الله, بل انه اعتبر الزكاة والانفاق في سبيل الله الركن الثاني في العبادة بعد الصلاة.
ونبه إلى أنه من القصور المؤلم أن تغيب هاتين المؤسستين في العالم الإسلامي من حين تزدهر وتنشط في الغرب مما ساهم في نهوضه وتقدمه, فقد استقر لدي الشعوب المتقدمة أن تخصص تلقائياً وعلى سبيل التبرع نحو 2% أو أكثر من دخلها لصالح العمل الخيري وأن يبادر اغنياؤها ورجال الأعمال في رصد الأموال الكافية لصالح المؤسسات العاملة في هذا المجال وما جائزة نوبل ورصد الأموال لصالح الجامعات والمستشفيات الا تعبيراً عن مؤسسة الوقف الإسلامي.
إعجاز اقتصادي
وحول (كيفية استخدام الزكاة لتمويل العمل الخيري) قال الدكتور رفعت العوضى أستاذ الاقتصاد الإسلامي. بجامعة الأزهر أن تشريع الزكاة بعد اعجازاً اقتصادياً فهو قادر على استيعاب التطورات المختلفة زماناً ومكاناً ولكى يتحقق هذا الاعجاز التشريعي ينبغي أن يكون مؤسسياً أى يتم جمع وتوزيع الزكاة عبر مؤسسة تغطى كل المناطق داخل الدولة الإسلامية, لأن هناك بعض المصارف مثل (العاملين عليها) و (الغارمين), و (في سيبل الله) لا يمكن أن تصل إلى مستحقيها الا عبر مؤسسة الزكاة كما أن سهم (وفى الرقاب) يمكن أن يصرف في عصرنا الحالى على الأسري.
وأضاف الدكتور رفعت العوضى بأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي جعل التكافل ممثلاً في الزكاة ركن من أركانه, في حين نجد أن النظم الأخرى الوضعية تحل مشكلة الفقر بالقضاء أما على الأغنياء كما هو الحال في الاشتراكية أو القضاء على الفقراء كما هو واضح في العولمة التي تقودها الشركات عابرة القارات وهو ما عبر عنه أحد علماء الاقتصاد الغربيين في كتاب بعنوان (فخ العولمة) وأكد أنه لا ملجأ للجوعى والمرضى من المسلمين في فلسطين وافغانستان والصومال وغيرها من بلاد المسلمين بعد الله سبحانه الا بتطبيق شرع الله تعالى وإقامة مؤسسة الزكاة على مستوي كل بلد إسلامي ثم على مستوى البلدان الإسلامية وأن اعداء الأمة يعلمون قدرة التشريعات الإسلامية على انتشال المسلمين من وهدة الفقر والتخلف لذلك فهم يحاربون الإسلام ويحولون بيننا وبين تطبيقه على أرض الواقع.
تمويل العمل الخيري
وحول الوقف كآلية لتمويل العمل الخيري اشار المستشار سعيد عبد الوهاب الأمين العام للجمعية الخيرية الإسلامية إلى أن الإسلام ومنذ 15 قرناً أهدي الإنسانية مؤسستين لم تكن تعرفها وهما الزكاة والوقف وقد أخذ الغرب بهما دون أن يسميهما فكل أسرة في الغرب تتبرع بما يعادل 2% من دخلها للعمل التطوعي لمساعدة الفقراء والمحتاجين كما أن رجال الأعمال والأغنياء يوقفون بصفة مستمرة عقارات وأموال لحساب الجمعيات والمنظمات الأهلية العاملة في مجال التعليم. ودعم المحتاجين.
وأشار إلى أن الوقف هو حبس العين والتصدق بمنفعتها على الفقراء والمحتاجين, والوقف بذلك لا يباع ولا يشترى ولا يورث, وحكم الوقف أنه مندوب إليه, وقد بدأ الوقف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم استمر إلى يومنا هذا, ويعد مصدراً مهما من مصادر التمويل للعمل الخيري بكل مجالاته التعليمية والصحية والبيئية وغيرها فقد كان هناك وقف لرعاية الحيوان, ووقف آخر لرعاية النساء الذين لا مأوي لهم وتعددت مجالات الوقف حتى شملت كل مناحي الحياة, وتبرز أهمية الوقف كوسيلة للتمويل في ظل تراجع دور الدولة في الرعاية الاجتماعية بسبب الخصخصة والعولمة معاً.
ولفت الانتباه إلى أن الوقف كان سبب استمرار الجمعية الخيرية الإسلامية في أداء دورها في رعاية المرضى والمسنين والطلبة المحتاجين منذ عام 1890م حتى الآن, فقد ترك مؤسسوا الجمعية لها العديد من الوقفيات سواء كانت عمارات سكنية أو أراضى زراعية يتم الانفاق من ريعها على أعمال الجمعية والتى منها مستشفى كبير في وسط القاهرة ودور للمسنين يتم استضافة كبار السن فيها بالمجان إلى جانب عدد من المدارس يتعلم فيها الطلبة والطالبات الفقراء وجوائز لمن يحفظون القرآن الكريم وغيرها من مجالات البر والتعاون مثل مراكز تحفيظ القرآن الكريم والعيادات الطبية.
غياب العدالة الاجتماعية
وتناول الدكتور محمد عبد الحليم عمر مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر القروض الحسنة ودورها في تمويل العمل الخيري فأوضح أن العولمة ورأسمالية السوق الحرة اخفقتا في تحقيق العدالة الاجتماعية وزادا من رقعة الفقر والبطالة خاصة في البلدان النامية وذلك لعدم قدرة الطبقات الفقيرة على التعامل وفق قوانين هذه السوق التي تتطلب وجود قوة شرائية لا تتوفر لهم, ورغم وجود أعداد كبيرة من الجمعيات الخيرية في الوطن العربي إلا أن دورها ضعيف في تقديم الرعاية الاجتماعية المنوطة بها بسبب تركيزها على دفع مبالغ نقدية قليلة للانفاق الاستهلاكي مما يؤدي إلى بقائها في دائرة الحرمان والاحتياج إلى جانب ضعف مصادر التمويل المطلوب.
وأشار إلى أن التوجه العالمي في رعاية الطبقات المحرومة يقوم على العمل من أجل تحويلها إلى طاقات منتجة بدلاً من تلقيها إعانات نقدية للاستهلاك خاصة القادر منها على العمل بتقديم رأسمال أو أدوات عمل حسب الأحوال للبدء بمشروع صغير يناسب حاله يتكسب منه ويتحول تدريجياً من متلقى للإعانات إلى مكتف بنفسه خاصة وأنه من أهم أسباب الفقر والحرمان البطالة التي وصلت إلى ما يقرب من 20% من القوة العاملة في المنطقة العربية.
ونبه إلى أن القرض الحسن أى القرض الذي يتم تقديمه لمن يريد إقامة مشروع انتاجي صغير وبدون فوائد ربوية يعد أحد المصادر الهامة لتمويل العمل الخيري, والقرض في الإسلام يعد باباً من أبواب البر ولذا سمح بالقرض الحسن ويظهر وجه الإحساس في أن المقرض يقدم منفعة ماله مدة من الزمن لغيره ويضحى بها من أجل نيل الثواب في الدنيا والآخرة من الله عز وجل, وهذا ما يشير إليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه (رأيت ليلة أسرى بي على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر, فقلت يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة) سنن ابن ماجه. حديث رقم 2431.
وهذا ما جعل الفقهاء يستدلون على مشروعية القرض الحسن بقوله تعالى: "وافعلوا الخير" سورة الحج الآية 77, على أساس أن القرض باب من أبواب الخير كما أن القرض تنفيس للكرب وتيسير على المعسرين, ولذا يستدل الفقهاء أيضاً على مشروعية القروض الحسنة من السنة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة, ومن يسر على معسر يسر الله يسر عليه في الدنيا والآخرة, والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه) سنن ابن ماجة الحديث 225.
الكفارات مصدر للتمويل
وتطرق الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر السابق وعضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا إلى آلية أخرى من آليات تمويل العمل الخيري وهى (الكفارات) فقال أن الأحكام الشرعية كلها ترتكز على مقاصد يراد تحقيقها في المجتمع سواء كانت ضرورية وهى حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال أم مقاصد خاصة أو كانت مقاصد تحسينية ومن هنا فإن كل الأحكام الشرعية مقصود بها تحقيق منفعة الإنسان بواسطة حفظ هذه المقاصد الثلاث.
ونبه إلى أن الكفارات وهى العقوبات الشرعية على أنواع من الذنوب مثل الحنث في اليمين والذى كفارته إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة والكفارة في الظهار وهى صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً والإطعام هنا أو الكسوة تعود منفعتها على الفقير, ومصرف الكفارات هو المساكين والعبيد, وفى قتل صيد الحرم فكفارته تعود على المساكين أيضاً ولهذا فإن كل باب من أبواب الخير التي تعمل فيها الجمعيات الخيرية الأهلية إذا كانت موجهه للمساكين كانت بابا مشروعاً يصح أن تنفق فيه الأموال التي تقوّم بها الكفارات من أًصحابها بناء على أن القيمة النقدية تجرى في الزكوات والكفارات وهو ما يراه أبو حنيفة رضى الله عنه.
وتناول الدكتور يوسف إبراهيم المستشار العلمي لمركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر آلية أخرى من آليات التمويل (وهى (العفو) فأكد أن القرآن الكريم دعا إلى انفاق العفو وهو ما زاد عن حاجة الإنسانية, والسنة النبوية المطهرة عبرت عنه بالفضل فكل ما زاد عن حاجة الفرد وأسرته فهو فضل وهو من حق الفقير والمسكين والمعسر وانفاق العفو أو الفضل فرض كفاية ويشمل المال والاشياء العينية والوقت الفائض لدي الإنسان فينفقه في الأمور التطوعية وهناك الفضل في الأدوات مثل أدوات المنزل والصناعة. ويمكن أعطاؤها للعاطلين عن العمل أو الجيران لسد حاجاتهم.
وتحدث الدكتور نجاح عبد العليم الأستاذ بجامعة الأزهر عن الجهود التطوعية باعتباره وسيلة من وسائل تمويل العمل الخيري واستمراره فأوضح أن الجهد البشري وسيلة مهمة من الوسائل التي يحتاج إليها العمل الخيري وهى تحتاج للتنسيق والتخطيط لتوظيفها بشكل جيد حتى لا تتكرر الأعمال أو يحدث فيها نوعاً من الازدواجية فتضيع جهود العاملين وهذه الجهود البشرية يمكن توظيفها في أعمال كثيرة منها جمع الزكاة وتوزيعها في مصارفها وعمل دورات تعليمية للطلبة والطالبات إذا كان من يملك الجهد معلماً أو علاج المرضى الفقراء من جانب الأطباء أو تدريب العاطلين عن العمل على المهن والصناعات مما يمكنهم من إقامة مشروعات انتاجية صغيرة.
المصدر: موقع فقه المصارف لأحمد بدلة.