خلاصة المبحث الثاني:
على غرار ما أشرنا إليه في خلاصة المبحث الأول وما آلت إليه وضعية التجارة الخارجية خلال مرحلة الانتقال إلى التحرير الكامل لانعدام وجود ضوابط تنظيمية وتقنية وإدارية المتعلقة بتحرير التجارة الخارجية، وهو ما تسبب في فوضى عارمة من قبل المتعاملين في قطاع التجارة الخارجية، من تزوير للوثائق الخاصة بالصادرات والواردات، وأعمال الغش والتحايل على الهيئات المرتبطة بتسيير التجارة الخارجية، والتي كلفت الخزينة العمومية مئات الملايير من الدينارات، وذكرنا أن تصيح هذه الوضعية يمكن أن يتم من خلال التعاون مع الدول الأوروبية المتقدمة التي تربطنا بها علاقات اقتصادية وتجارية هامة منذ القدم وهي علاقات تبادل للمنافع لا يمكن الاستغناء عنها من أي من الطرفين.
وهو الأمر الذي أدى إلى عقد للشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي وذلك على المستوى الجهوي، كما يمكن للمنظمة العالمية للتجارة أن تلعب نفس الدور الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي بالنسبة للجزائر في مجال تحولها نحو اقتصاد السوق وتحرير تجارتها الخارجية بصورة كفؤة، وذلك من خلال الاستفادة من المزايا التي تمنحها لها عملية الانضمام، خاصة وا، بقاءها خارج هذا الإطار لا يحرمها فقط من تلك المزايا، بل ستفرض عليها قيود صارمة من قبل الأعضاء تعيق تجارتها الخارجية.
وتتخذ عملية الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة أربعة مراحل حتى يتم اتخاذ القرار بشأن الانضمام إذا تم التصويت على أساس ثلثي الأعضاء، كما تكون عملية تمثيل الدول الأعضاء كأفراد أو مجموعات في تسيير المنظمة، أما تسيير المنظمة فيخضع لقرارات الأعضاء الهام منها يتخذ على مستوى الوزراء يجتمعون كل سنتين أو على مستوى الموظفين الهامين، حيث يلتقون بصورة منتظمة في جنيف وعادة ما تتخذ القرارات بالتراضي، وأما هيئات المنظمة فتتمثل في المؤتمر الوزاري ( السلطة العليا ) المجلس العام ( المستوى 2 )، مجالس لكل مجال من مجالات التبادل الكبرى ( المستوى 3 ) وهناك مجالس أخرى ( مستوى 4 )، هذا ويمكن أن نشير إلى الدور الغير الرسمي الذي يلعبه رؤساء الوفود في المفاوضات من خلال الاجتماعات غير الرسمية التي يعقدها رؤساء الوفود لطرح المشاكل الصعبة لدى مجالس مصغرة من بلدان أو أكثر على أرض تلك الدول.
وتتضمن إشكالية المفاوضات مع المنظمة، تصنيف البلدان الأعضاء في أربعة مجموعات كل مجموعة تتوفر على مجموعة من الامتيازات النوعية الخاصة بها، وعلى العضو المنضم أن يختار المجموعة المناسبة له، وتتميز مفاوضات العديد من الدول المرشحة للانضمام بضعف استراتيجيتها قد ترهن مستقبل اقتصادها في بعض الأحيان، نتيجة عدم التحكم في آلية المفاوضات، والقبول بالتزامات زائدة لا مبرر لها.
وبالنسبة للجزائر من أهم دوافع انضمامها إلى المنظمة، أنه انطلاقا من أهداف ومبادئ المنظمة التي ترى بعدم التمييز بين أعضائها في تسوية المنازعات، وإلزامية تنفيذ أحكامها فضلا على منح الدول النامية ميزة تفضيلية في علاقاتها التجارية مع الدول المتقدمة، ولها قاعدة قانونية متينة تتمتع بالسلطة التنفيذية، وكذلك لمحاولة تجاوز الأزمة الاقتصادية الحالية، ومحاولة التكيف مع المتغيرات الدولية الجديدة لا سيما وأن الجزائر لا زالت في طور الانتقال إلى نظام اقتصاد السوق الذي يقوم على حرية المنافسة وحرية تنقل السلع والخدمات بين الدول وتخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية وهو ما تسعى إليه المنظمة.
وأن عملية الانضمام هذه تتطلب مفاوضات متعددة الأطراف، والتي انطلقت ما بين 1986 و1987 حيث أبدت من خلالها الجزائر نيتها في الانضمام إلى الغات ( GATT ) كملاحظ في دورة أورغـواي ( سبتمبـر 1986 )، وفي نهايـة هـذه الدورة قامت الجزائر بتبليغ أمانة الـ ( GATT ) بنيتها في القيام بلقاءات مع الأطراف المتعاقدة من أجل الانخراط النهائي، وفي 07 / 11 / 1994 تم تحويل مجموعة العمل ذات العضوية في الجات ( GATT ) إلى مجموعة العمل ذات العضوية في المنظمة، وبعد الانتهاء من إعداد مذكرة انضمام الجزائر من قبل لجان حكومية متخصصة تتضمن اتجاه السياسة التجارية وما يرتبط بها وفي 5 جويلية 1996 تم إيداع المذكرة النهائية لدى أمانة المنظمة ( OMC ).
ومن ثم شرع في طرح ما يزيد عن 500 سؤالا منها 174 طرحه الأوروبيون، 22 سؤال من الاتحاد الأوروبي متعلقة بالنشاط الاقتصادي والتجاري، ونظم حماية الملكية وتأسيس الشركات والنظام الجمركي والجبائي والمصرفي وغيرها. سويسرا 33 سؤالا حول الأنظمة الضريبية الجزائرية، البنوك، التأمينات، تنقل رؤوس الأموال، شروط تأسيس المؤسسات وفروع البنوك الأجنبية وغيرها، بعد ذلك قامت الجزائر بالرد عليها وهو ما أثار أسئلة أخرى.
وتهدف المفاوضات المتعددة الأطراف إلى معالجة القضايا الحساسة بتنظيم التجارة الخارجية وجعلها تتوافق وأحكام اتفاقيات المنظمة، وتخص التحرير الكامل للأسعار، إتاوات الخدمات الجمركية، فرض قيود صندوق النقد الدولي التي فرضها خلال برامج التكيف الهيكلي،قضايا تتعلق ببعض الرسوم الداخلية، الحقوق ضد الإغراق والحقوق التعويضية، تطبق اتفاقيات المنظمة حول القيمة لدى الجمارك، تدعيم الصناعات المحلية، نظام المحافظة على المنتوج الوطني، حماية الملكية الفكرية، قضايا خاصة بالمؤسسات التجارية العمومية، البند الخاص بعدم التطبيق.
أما الجوانب لمتعلقة بالمفاوضات الثنائية في إطار الانضمام إلى المنظمة فهي تتعلق بالدخول إلى الأسواق للسلع والخدمات، قصد العمل على تخفيـض التعريفات الجمركية على المنتجـات الصناعيـة والزراعيـة، أما الخدمات فالأمر يتعلق بالتفاوض حول الشروط العامة ( الدخول إلى الأسواق ) أين يستطيـع العضو تقديم خدماته وأ، نتائج المفاوضات الثنائية بين عضوين سيستفيد منها جميع أعضاء المنظمة الآخرين بدون مقابل، وهي مفاوضات ليست محددة بدقة من قبل المنظمة سواء فيما يخص إجراؤها أو عقدها. وحسب إحصائيات المنظمة فإن الدول الصناعية قد حددت مستويات سقف الحقوق الجمركية ( Consolidation ) بـ 98% من تعريفاتها الصناعية في حين أن البلدان النامية في حدود 73% منها، إلا أن البلدان المنضمة مؤخرا قد أجبرت على تحديد مستويات سقف الحقوق الجمركية لكل منتجاتها الصناعية والزراعيـة.