تداعيات المشروع الأورومتوسطي على الاستثمار في الوطن العربي
تداعيات المشروع الأورومتوسطي على الاستثمار في الوطن العربي
من خلال التجربة الجزائرية
- مقارنة المخطط بالمحقق -
الأستاذ عبد اللطيف بلغرسة
الأستاذ رضا جاوحدو
مـقـدمـة :
يعتبر المشروع الأورومتوسطي تتويجا للانفتاح الأوروبي على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط ، و التي تضم في معظمها دولا عربية : الجزائر - مصر - الأردن - لبنان - المغرب - سوريا - تونس – ليبيا ، مما يمثل في الوقت ذاته عنوانا مجسدا للحوار الأوروعربي ، حيث يأتي موضوع الاستثمار على رأس جدول أعمال الملف الاقتصادي ، حيث يشير التقرير الاستراتيجي العربي 2001 أن الدول العربية مجتمعة لم تتجاوز حصتها نسبة 2% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول النامية أي بمبلغ 3 مليارات من الدولارات سنويا .
وباعتبار الجزائر دولة يوصف اقتصادها بانتمائه إلى الاقتصاديات الانتقالية و تأسيسا على أنها ذات الأبعاد الثلاث : البعد المغاربي ، العربي ، المتوسطي ، و على غرار البلدان المتوسطية الأخرى قد وقعت اتفاق الإطار بينها و بين الاتحاد الأوروبي و هو ما يعرف باتفاق فلنسيا للشراكة و المشاريع الاستثمارية المشتركة، لكن و الحالة هاته و على اعتبار أن الاستثمار هو المحرك للبعد التنموي و من ثم تحقيق التنمية الشاملة المستديمة كان لزاما علينا دراسة تداعيات هذا الاتفاق على الاستثمار الأوروبي في الجزائر كدراسة تجربة و تشريح حالة ،لاقتصاد عربي قياسا - استئناسا أو استدلالا - باقتصاديات الوطن العربي ككل .
ذلك ان الجزائر تعرف وتيرة متسارعة في ميدان الاستثمارات الأجنبية المباشرة إذ بلغت قيمتها 1.2 مليار $ و من المتوقع أن ترتفع بـ400مليون$ خلال 2003 حيث يحتل الاستثمار في قطاع الخدمات المرتبة الثانية بعد قطاع النفط و إذا كانت الشركات الأمريكية و الفرنسية والبريطانية هي المسيطرة على الاستثمارات النفطية فإن الشركات العربية قد رمت بكلها ثقلها الاستثماري في قطاع الخدمات و هذا حسب الأمانة العامة للاتحاد العام لغرف التجارة و الصناعة و الزراعة للوطن و التي ترى أن هذا النوع من الاستثمارات الخدماتية يشكل مكسب مهم لنمو الرأس المال الأجنبي المستثمر في الجزائر خاصة و أنها بدأت تطبق فكرة الانتعاش الاقتصاد المبني على شعار ً من يقدم خدمة أحسن يحصل على دعم أفضل .ً
ومن ثم جاءت هذه الدراسة لبحث إشكالية مدى استجابة المستثمرين الأوروبيين للاغراءات الاستثمارية التي قدمتها الجزائر في إطار اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ؟ و ذلك من خلال التعرض لأسباب ضعف الاستجابة وانحصارها في الاستثمار البترولي ؟ و ما هي أوجه الاستجداء للاستثمار وطرق الاستغناء بالاستقرار لكي يتم رفع ما تم تحقيقه بما يعادل درجة ما تم تخطيطه؟ .
1- إجراءات دعم الاستثمار الأوروبي في الجزائر :
درجت الجزائر في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي على تطبيق إصلاحات اقتصادية شاملة مست جل القطاعات وذلك من أجل تشجيع الاستثمار الأجنبي ة التوطن الإنتاجي خاص منه الأوروبي ، حيث صدر قانون الاستثمار سنة 1993 و تم تعزيزه بفكرة و إجراء الشباك الوحيد للاستثمار لتيسير العملية الاستثمارية و تسويق العملية الاغرائية بالمزايا الجبائية للاستثمارات الأجنبية في الجزائر ، فضلا عن إنشاء الوكالة الوطنية لدعم و ترقية الاستثمار 1993 تم تبعتها الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار 2001 تدعيما للشبابيك الوحيدة المفتوحة في المناطق ذات الاستقطاب الاستثماري الأجنبي ( العاصمة- عنابة - وهران - ورقلة ) .
بالرغم من كل ذلك تشير الإحصائيات المستقاة من الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار أن أكثر من 43000 مشروع استثمار وطني و أجنبي ضل حبيس الإجراءات البيروقراطية العقيمة على مستوى الوكالة الوطنية لدعم و ترقية الاستثمار مما دفع بالجهات الموكلة بملف الاستثمار إلى حلها .
و تأتي في سياق ذلك الاصطلاحات ذات الجيل الأول و الثاني على المستوى الكلي و التي تخص جدول الديون الخارجية 1994-1995 و أحداث التوازنات ألماكروية على المستوى المالي و النقدي و كذا إدخال المرونة على سوق السلع و الخدمات و الفعالية على مستوى سوق التشغيل إلى غير ذلك من الإجراءات ذات البعد الاصطلاحي للاقتصاد الجزائري .
و تبعا لتلك المجهودات جاء اتفاق فلنسيا للشراكة و المشروعات الاستثمارية المشتركة بين الجزائر و الاتحاد الأوروبي, لكن ، يطرح السؤال بإلحاح : هل استجاب الاستثمار الأجنبي و الأوروبي خصوصا لتلك الإجراءات و انجلب لتلك التشجيعات و اجدب لتك التحفيزات ؟.
إن الإجابة عن كل ذلك تكمن في إجراء تقييم موضوعي و تحليل أكاديمي و تدليل ميداني لتجربة الاستثمار الأوروبي من خلال مقارنة المخطط بالمحقق .
2- اتفاق فلنسيا بين الجزائر و الاتحاد الأوروبي :
بعد طرح المشروع الأورومتوسطي سعى الاتحاد الأوروبي إلى عقد اتفاقات شراكة مع دول جنوب المتوسط كل على حدى حيث بعد الإعلان عن المشروع في قمة برشلونة سنة 1995 بدأت المفاوضات الثنائية بين اللجنة الأوروبية و ممثلي عن بعض دول المغرب العربي ،حيث أسفرت هذه المفاوضات عن توقيع اتفاق بين الاتحاد الأوروبي و تونس في12/أبريل/1995 لمدة 12 سنة يتوج بخلق منطقة تبادل حر بين الطرفين و هو الاتفاق ذاته الذي تم توقيعه بين الآحاد الأوروبي و دول أخرى مثل الأردن و المغرب ،و بما أن المبادرة موجهة لكل دول جنوب البحر الأبيض المتوسط فقد التحقت الجزائر بهذا الاتفاق و هو ما يعرف باتفاق فلنسيا لشراكة و المشروعات المشتركة .
2-1 اتفاق الشراكة :
بعد اتفاق الإطار الذي تم توقيعه بالأحرف الأولى في 19/ديسمبر/2001 في بوركسل تم اتخاذ سلسلة من الإجراءات و التدابير و التي من شأنها تدعيم المبادلات التجارية بين الاتحاد الأوروبي و الجزائر ذلك أن59.39 % من واردات الجزائر تأتي من الاتحاد الأوروبي أي ما قيمته 5.9 مليار $ من مجموع 9.94 مليار $ سنويا مما أهل الاتحاد الأوروبي أن يتصدر قائمة شركاء الجزائر في إطار ما يسمى بالدولة الصغرى ( كروجمان 1998 ) ، حيث تشير إحصائيات 2001
-فضلا عن الواردات- أن 64.52 % من صادرات الجزائر تتجه إلى الاتحاد الأوروبي أي ما قيمته 12.4 مليار $ من مجموع 19.13 مليار $ سنويا à ( الديوان الوطني للإحصاء الجزائر ).
لذلك فإن نسبة 3/2 من مبادلات الجزائر تتم مع الاتحاد الأوروبي حيث تتمثل وارداتها منه في المواد الاستهلاكية النهائية فضلا عن بعض المواد الأولية و القطاع الغيار ،أما صادرات الجزائر للاتحاد الأوروبي فتتجسد أساسا في البترول و الغاز و الموجه خصيصا إلى كل من فرنسا ، إيطاليا و إسبانيا .
و تتويجا لما سبق تم توقيع اتفاق الشراكة رسميا بين الاتحاد الأوروبي و الجزائر بفلنسيا في 22/أبريل/2002 بعد جملة المفاوضات المراطونية و التي استمرت تارة و انقطعت تارة أخرى بين الطرفين مما شكل نقطة تحول في مسار خروج الجزائر من بوتقة العزلة التي كانت تعانيها .
و يهدف اتفاق فلنسيا إلى تأكيد دخول معظم السلع و الخدمات من الجزائر إلى الاتحاد الأوروبي مع إلغاء الحواجز الجمركية و غير الجمركية أمام صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الجزائر فضلا عن الإلغاء التدريجي لمدة 12 سنة لجميع التعريفات على واردات السلع الصناعية القادمة من الاتحاد الأوروبي ، كما الامتناع عن استعمال الحصص المفروضة عل السلع ، زيادة عن تنسيق السياسات المتعلقة بالمنافسة و المعايير و الملكية الفكرية و الحق المتبادل بطريقة متكافئة لمستثمري الطرفين في إقامة و خلق المؤسسات و تأهيل البنية التحتية اقتصاديا و اجتماعيا ،بالإضافة إلى إعطاء ديناميكية خاصة للقطاع الخاص و عصرنة القطاع الصناعي و تأهيل القطاع الزراعي في إطار وضع نظام قانوني مشجع و محفز لذلك يتلاءم مع شروط و ظروف الاتفاق و خصوصيات كل طرف ، و قبل كل ذلك و بعده يأتي موضوع إنشاء المشروعات الاستثمارية المشتركة بين الطرفين في الجزائر في صدارة اتفاق الشراكة .