الجزء الثاني: الاقتصاد الكلي
الفصل التاسع
الدخل والناتج المحلي
حلقة تدفق الدخل في الاقتصاد
يقوم كل اقتصاد بإنتاج أنواع وكميات مختلفة من السلع والخدمات باستخدام الموارد الاقتصادية المتاحة، حيث تتطلب عملية الإنتاج مزج العناصر الإنتاجية المتوفرة واستخدام المستوى التقني المتاح للحصول على أكبر كمية ممكنة من السلع والخدمات. وتحصل عناصر الإنتاج على مقابل مادي نظير مساهمتها في العملية الإنتاجية. فعنصر العمل يحصل على أجر، فيما يحصل عنصر الأرض (مالك الأرض) على ريع، ويحصل عنصر رأس المال على عائد، بينما يحصل المنظم على جزء من الأرباح. إذاً، يحصل العنصر الإنتاجي على دخل نظير مساهمته في العملية الإنتاجية.
لنفترض مثلاً أنه تم إنتاج سلعة معينة، وأن سعر هذه السلعة يساوي (100) دينار. أن هذا يعني أن قيمة الناتج يساوي أيضاً (100) دينار، أو:
الناتج الكلي (أو الإجمالي) = (سعر الوحدة) x (الكمية المنتجة من السلعة)
ويكون الدخل الذي يحصل عليه المنتج من بيع هذه السلعة مساوياً أيضاً (100) دينار، أو:
الدخل الكلي (أو الإجمالي) = (سعر الوحدة) x (الكمية المباعة من السلعة)
أما عند ارتفاع حجم الناتج من وحدة واحدة فقط إلى (50) وحدة مثلاً، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع حجم الناتج الكلي في الاقتصاد إلى (5000) دينار، وكذلك ارتفاع حجم الدخل الكلي إلى نفس المستوى.
إن ارتفاع حجم الناتج الكلي في الاقتصاد يعني زيادة ما قام الاقتصاد المحلي بإنتاجه من السلع والخدمات، ويقابل هذا الارتفاع زيادة في الدخل الذي تحصل عليه عناصر الإنتاج التي ساهمت في العملية الإنتاجية. أن هذه الزيادة ستؤدي أيضاً إلى خلق فرص عمل جديدة، وإلى المزيد من استهلاك السلع والخدمات، وإلى ارتفاع معدلات استهلاك الأفراد، والمزيد من الاستثمار وزيادة الإنتاج وهكذا. أما عند انخفاض حجم الناتج الكلي في الاقتصاد فإن هذا يعني انخفاض إنتاج الاقتصاد المحلي من السلع والخدمات، ويقابل هذا الانخفاض تقلص في مستوى الدخل الذي تحصل عليه عناصر الإنتاج التي ساهمت في العملية الإنتاجية. أن هذا الانخفاض سيؤدي إلى تقلص فرص العمل المتوفرة (أو ما يسمى بمشكلة البطالة)، وإلى انخفاض معدلات استهلاك الأفراد من السلع والخدمات المتعددة وإلى تراجع مستوى الاستثمار.
قطاعات الاقتصاد: يمكن تقسيم الاقتصاد إلى أربع قطاعات كما يلي:
1- القطاع العائلي (Households Sector):
وهم المستهلكون الذين يقومون بشراء السلع والخدمات المختلفة من القطاعات الأخرى. وفي نفس الوقت، فإن القطاع العائلي هو القطاع الذي يمتلك عناصر الإنتاج المختلفة. يحصل القطاع العائلي على الدخل الذي يمكنه من شراء هذه السلع والخدمات عن طريق مساهمتهم بعناصر الإنتاج (العمل، الأرض، رأس المال، والتنظيم) في العملية الإنتاجية. ويسمى الإنفاق الذي يقوم به القطاع العائلي بالإنفاق الاستهلاكي (Consumption Expenditure).
2- قطاع الأعمال أو الإنتاج (Business Sector):
ويتألف هذا القطاع من المنتجون الذين يقومون بعملية إنتاج السلع والخدمات المختلفة، وذلك عن طريق استخدام عناصر الإنتاج المتوفرة والتي يتم الحصول عليها من القطاع العائلي. ونظير استخدام هذه العناصر، يقوم قطاع الإنتاج بدفع أجور ورواتب وفوائد إلى القطاع العائلي. ويسمى الإنفاق الذي يقوم به هذا القطاع بالإنفاق الاستثماري (Investment Expenditure).
3- القطاع الحكومي (Government Sector):
يقوم القطاع الحكومي بتوفير المشاريع والمرافق الأساسية التي لا يوفرها قطاع الأعمال، وكذلك دفع مخصصات مالية للعجزة وكبار السن (أو ما يسمى بالمدفوعات التحويلية)، بالإضافة إلى شراء السلع والخدمات من قطاع الأعمال. ويسمى الإنفاق الذي يقوم به القطاع الحكومي بالإنفاق الحكومي الاستهلاكي (Government Expenditure). ويحصل القطاع الحكومي على الموارد المالية اللازمة لتمويل الإنفاق الحكومي عن طريق فرض الضرائب (Taxes).
4- القطاع الخارجي (Foreign Sector):
يقوم الاقتصاد المحلي ببيع بعض السلع والخدمات التي تم إنتاجها محلياً إلى دول أخرى على هيئة صادرات (Exports)، ويقوم في نفس الوقت بشراء بعض السلع والخدمات من دول أخرى في صورة واردات (Imports). ويوضح صافي الصادرات (Xn)، الفرق بين قيمة الصادرات (X) وقيمة الواردات (M):
Xn = X - M
يمكن الآن التعرف على بعض المفاهيم الأساسية:
1- إجمالي الناتج المحلي (Gross Domestic Product):
وهو عبارة عن مجموع قيم السلع النهائية والخدمات التي ينتجها الاقتصاد خلال فترة زمنية معينة، تكون عادة سنة واحدة.
2- إجمالي الدخل المحلي (Gross Domestic Income):
مجموع دخول عناصر الإنتاج التي ساهمت في العملية الإنتاجية خلال فترة زمنية معينة، تكون عادة سنة واحدة.
3- الإنفاق الكلي (Total Expenditure):
ويتكون من الإنفاق الاستهلاكي الخاص (C)، الإنفاق الاستثماري (I)، الإنفاق الحكومي (G)، وصافي التعامل (الإنفاق) الخارجي (X-M).
حلقة تدفق الدخل- لناتج المحلي:
يصف الشكل رقم (8.1) حلقة تدفق (الدخل – الناتج) المحلي، والذي يوضح العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين قطاعات الاقتصاد المحلي. ويستند مفهوم حلقة التدفق إلى حقيقة مفادها أن كل دينار يتم إنفاقه لشراء سلعة أو خدمة، يعتبر في نفس الوقت دخلاً لطرف آخر في الاقتصاد المحلي. في البداية، لنفترض أن الاقتصاد المحلي يتكون من قطاعين فقط: القطاع العائلي وقطاع الإنتاج.
خدمات عناصر الإنتاج
عوائد عناصر الإنتاج = الدخل المحلي
القطاع العائلي قطاع الإنتاج
مجموع قيم السلع النهائية والخدمات
=
إجمالي الناتج المحلي
سلع نهائية وخدمات
شكل (8.1)
حلقة تدفق الدخل – الناتج في الاقتصاد المحلي
كما هو موضح في الشكل، يقوم القطاع العائلي بتقديم خدمات عناصر الإنتاج التي يملكها (عمل، أرض، رأس المال، التنظيم) إلى قطاع الإنتاج. ومن جانب آخر، يقوم قطاع الإنتاج باستخدام خدمات عناصر الإنتاج في العملية الإنتاجية. ويحصل القطاع العائلي على دخل نظير مساهمته في العملية الإنتاجية، ويسمى هذا بالدخل المحلي. أما بالنسبة لقطاع الإنتاج، فإنه يقوم ببيع السلع والخدمات المختلفة إلى القطاع العائلي. ويمثل مجموع قيم هذه السلع والخدمات الناتج المحلي، وكذلك فإن مجموع ما تم إنفاقه على إنتاج السلع والخدمات وشرائها يمثل الإنفاق الكلي. ويتضح لنا الآن أن كل دينار تم إنفاقه في سبيل الحصول على سلعة أو خدمة يمثل في نفس الوقت دخلاً لمن ساهم في العملية الإنتاجية لهذه السلعة أو الخدمة، أو:
الناتج المحلي = الدخل المحلي = الإنفاق الكلي
ننتقل الآن إلى الحديث عن حلقة التدفق في اقتصاد مكون من أربع قطاعات. وتجدر الإشارة إلى أن القطاع العائلي سيقوم الآن بتوزيع دخله كما يلي:
A- الاستهلاك: جزء المخصص من الدخل للإنفاق على استهلاك السلع والخدمات.
B- الادخار: جزء من الدخل الفائض عن الاستهلاك حيث يتم توفير مبلغ معين من الدخل بهدف إنفاقه على الاستهلاك في المستقبل.
C- الضريبة: جزء من الدخل يذهب إلى الحكومة.
ويوضح الشكل رقم (8.2) حلقة التدفق الدائري في اقتصاد مكون من أربع قطاعات.
القطاع الخارجي
واردات صادرات
القطاع الحكومي
ضرائب إنفاق حكومي
سوق مالي
ادخار استثمار
القطاع العائلي إنفاق استهلاكي قطاع الإنتاج
الدخل المحلي
شكل (9.2)
حلقة التدفق الدائري في اقتصاد مكون من أربع قطاعات
8.2) طرق قياس الناتج المحلي
يتم قياس الناتج المحلي بثلاث طرق: طريقة الناتج، طريقة الدخل، وطريقة الإنفاق.
1- طريقة الناتج:
يمكن تعريف إجمالي الناتج المحلي بأنه مجموع قيم السلع النهائية والخدمات التي ينتجها الاقتصاد خلال فترة زمنية معينة تكون عادة سنة واحدة. من التعريف السابق لمفهوم الناتج المحلي، يجب ملاحظة التالي:
a- يتضمن الناتج القيمة السوقية للسلع النهائية والخدمات، حيث لا يتم احتساب قيم السلع الأولية (كالمواد الخام)، أو قيم السلع الوسيطة (التي يتم استخدامها في إنتاج سلعة أخرى)، وذلك من أجل تجنب الوقوع في مشكلة ازدواجية الحساب (Double-Counting). فعلى سبيل المثال، يوضح الجدول رقم (1) مراحل الإنتاج الخاصة لإنتاج سلعة معينة.
جدول (9.1)
مرحلة الإنتاج التصنيع قيمة البيع القيمة المضافة
المصنع الأول مادة خام 10 10
المصنع الثاني تقطيع وتجهيز للتصنيع 18 8
المصنع الثالث تصنيع السلعة 25 7
بائع التجزئة 53 25
نلاحظ من الجدول أن المصنع الأول، قام ببيع المادة الخام (سلعة أولية) بمبلغ (10) دنانير إلى المصنع الثاني، وتعتبر هذه المرحلة الأولى من مراحل الإنتاج. أما المصنع الثاني فقد قام بتجهيز وإعداد المادة الخام التي حصل عليها (سلعة وسيطة)، والتي ستستخدم في عملية إنتاج سلعة أخرى ومن ثم بيعها إلى المصنع الثالث بسعر (18) دينار، أي أن المصنع الثاني قد أضاف إلى قيمة الإنتاج (
دنانير. أما بالنسبة للمصنع الثالث، فقد بدأ بعملية تصنيع السلعة وذلك باستخدام المواد التي حصل عليها من المصنع الثاني. وعندما تصبح هذه السلعة جاهزة فإن المصنع الثالث يقوم ببيعها بمبلغ (30) دينار، أي أن المصنع الثالث قد قام بإضافة ما يعادل (5) دنانير إلى قيمة الناتج.
السؤال الآن هو ما هو سعر بيع هذه السلعة في السوق؟ أو ما هي قيمة السلعة النهائية؟ عند احتساب قيمة البيع لكل مصنع سيصبح سعر البيع (53) دينار، بينما لو احتسبنا القيمة المضافة (Value Added) لكل مرحلة من مراحل الإنتاج يصبح سعر السلعة (25) دينار. لذلك، فإن احتساب سعر السلعة بناء على جمع قيمة البيع في كل مرحلة من مراحل الإنتاج، فإننا سنحصل على قيمة غير حقيقية للسلعة. ففي هذه الحالة، يتم احتساب قيمة السلعة أكثر من مرة. ولذلك يتم استخدام القيمة المضافة (أو القيمة النهائية لسعر السلعة في السوق)، من أجل احتساب قيمة الناتج المحلي. ويتم احتساب القيمة المضافة كما يلي:
القيمة المضافة = قيمة الإنتاج – قيمة مستلزمات الإنتاج
b- يمثل الناتج تدفقاً (Flow)، حيث يتم احتساب السلع والخدمات التي تم إنتاجها خلال السنة فقط. فإذا كنا نريد احتساب الناتج المحلي لسنة (2005) مثلاً، فيتم احتساب القيمة السوقية (سعر السلعة في السوق)، وذلك لجميع السلع النهائية والخدمات التي تم إنتاجها في عام (2005) فقط.
2- طريقة الدخل:
يمكن تعريف إجمالي الدخل المحلي بأنه مجموع دخول عناصر الإنتاج التي ساهمت في العملية الإنتاجية خلال فترة زمنية معينة تكون عادة سنة واحدة. وبالتالي فلا بد وأن يساهم كل عنصر إنتاجي في العملية الإنتاجية، حتى يتم احتساب ما يحصل عليه ضمن الدخل المحلي. ويتم احتساب إجمالي الدخل المحلي (GNI) كما يلي:
إجمالي الدخل المحلي =
صافي الدخل المحلي
+ ضرائب غير مباشرة
+ اهتلاك رأس المال
- إعانات إنتاجية
ويتكون صافي الدخل المحلي (Net National Income (NNI)) من الدخول التالية:
A- أجور ومرتبات: وهي الدخول التي يحصل عليها العناصر الإنتاجية نظير مساهمتها بدنياً وذهنياً في العملية الإنتاجية.
B- أرباح وفوائد: وهي أرباح الشركات والمنشات بينما الفوائد تمثل العائد الذي يحصل عليه العنصر الإنتاجي مقابل قيامه بإقراض مبالغ نقدية إلى المستثمرون.
C- إيجارات وريع: وهي الدخول التي يحصل عليها العنصر الإنتاجي نظير استخدام مباني أو أراضي أو حقوق أخرى