بنية النقود
هناك البنيات الفيزيائية والبنيات الحية والبنيات الفكرية والبنيات الاجتماعية والبنيات التكنولوجية ......الخ, وخصائص البنيات الفيزيائية تشمل البنيات الكيميائية والفزيولوجية والعصبية, ولكنها لا تشمل البنيات الشعورية أو النفسية أو الفكرية فهذه البنيات لها خصائصها المميزة والتي تختلف عن خصائص البنيات الفيزيائية, فالبنيات الفكرية كما ذكرنا سابقاً لا تخضع للكثير من القوانين والآليات التي تخضع لها البنيات الفيزيائية.
وبنية النقود هي أيضاً بنية مختلفة عن البنيات الفيزيائية بالإضافة لاختلافها عن البنيات الفكرية, فهي لها خصائصها الخاصة بها, فهي تتشابه مع البنيات الفكرية في بعض الخصائص, وتتشابه أيضاً مع البنيات الفيزيائية في بعض الخصائص, ولكن يظل لها خصائصها المميزة والخاصة بها وحدها .
ومن أهم خصائص بنية النقود قدرتها على التحول إلى الكثير من البنيات الأخرى إن كانت فيزيائية أو فكرية أو تكنولوجية , وكذلك تسمح لبعض أنواع البنيات بالتحول إلى نقود. وآليات نشوء وتكون النقود ونموها وتطورها وموتها تختلف في بعض النواحي عن باقي البنيات.
وقد كانت النقود في تفاعلها مع بعضها ومع باقي أنواع البنيات الأخرى مثل الأفراد والبنيات الاجتماعية والتكنولوجية.. قد أنشأت البنيات التجارية والاقتصادية المتطورة مثل البنوك والشركات والأسواق والبورصات وكل ما يشمل الاقتصاد الدولي والسياسي .
ويجب أن ننتبه إلى أن بنية النقود وباقي البنيات الاقتصادية لا يمكن أن تنشأ دون البنيات المادية والبشرية وباقي البنيات الاجتماعية الأخرى , أي أن البنيات البشرية هي بنيات تحتية لبنية النقود.
ويمكن للنقود أن تكون بديلاً أو رمزاً أو رسولاً للكثير من أنواع البنيات وهذه أهم خصائص بنية النقود, والخاصية الهامة الأخرى للنقود هي طريقة نشوئها أو خلقها فيمكن أن يتم بطرق متنوعة و غريبة ومختلفة عن خلق أو تكون البنيات الفيزيائية, فيمكن خلق النقود من العدم, ويمكن أن تتكاثر وتنمو بطرق مختلفة, ويمكن أن تموت أيضاً بطرق مختلفة.
إن نشوء عملية إقراض النقود أو استئجارها لفترة زمنية سمح بتشكل الكثير من أنواع البنيات الاقتصادية المعتمدة على النقود كأساس, والتحكم بالنقود وإدارتها بتحريكها وتحويلها إلى بنيات أخرى وبالعكس خلق أغلب البنيات الاقتصادية , وكذلك نماها وطورها , فعمل التاجر والرأسمالي والمدراء.... هو إدارة النقود والموارد الأخرى ومفاعلتها مع البنيات الأخرى , لبناء أو تطوير أو نمو البنيات والمشاريع .
إن نمو وتكاثر النقود لا يمكن أن يتم دون جهد بشري يعمل على نمو البنيات التي تتحول إليها النقود,أي إنتاج زراعي أو صناعي أو فكري .. وإلاتحول إلى نمو رقمي فارغ - تضخم نقدي-
إن أهمية النقود والبنيات الاقتصادية الأخرى بالنسبة لنا هي مساهمتها الفعالة في رفع القدرات البشرية وتنظيمها , فهي تعمل على إدارة العجلات الاقتصادية, وذلك من خلال التنافس والصراع على الربح والنمو الذاتي والجماعي, ونمو البنيات المادية و الاجتماعية و الفكرية.
إذاً إن أهم خصائص النقود هي قدرتها على التحول إلى أنواع كثيرة من البنيات المختلفة أو الحلول محلها أثناء حركتها وانتقالها, هذه القدرة تابعة لطرق- آليات - وظروف معينة فتستطيع النقود أن تتحول إلى بيت أو سيارة أو طعام أو أي شيء إذا كانت الأوضاع والعناصر مناسبة وتسمح بذلك, وكذلك تستطيع أنواع كثيرة من البنيات أن تتحول إلى نقود, وكذلك البنيات الفيزيائية والتكنولوجية والزراعية والحيوانية والفكرية يمكن أن تتحول إلى نقود.
إن تناول الوجبات هو وسيلة النمو والتطور وبالتالي تشكٌل البنيات الجديدة, والزراعة وتربية الحيوانات هي وسيلة لنمو وتشكل البنيات, وكذلك يستطيع الإنسان صنع أوبناء الكثير من البنيات ولكن كل هذا يحتاج إلى وقت.
ولكن يمكننا بواسطة النقود وقدرتها على التحول إلى بنيات أخرى أن نختصر الزمن ونقوم بالحصول على البنيات التي نريد بسرعة.
يقولون " شراء العبد ولا تربيتة" إي يمكننا بواسطة النقود شراء العبد فوراً ولا ننتظر تنميته وتربيته سنين طويلة, وكذلك شراء المزرعة أو المصنع أو المنزل.... , ونستطيع الآن شراء المعرفة والخبرة .... , ونحقق نقطة إنطلاق متقدمة لنا لتحققي أهدافنا, وكل ذلك بالاعتماد على خاصية النقود الهامة جداً . يمكن اعتبار النقود- الآن- سلعاً وهمية لأنها خلقت من العدم, ويمكن تشبيهها بالقيم السالبة في الجبر مقابل القيمة الموجبة التي تمثل السلع المادية والحقيقية, إن مفهوم الدين هو الذي خلق النقود بإصدارها فهي تكون على شكل دين على الذي يصدرها, فعندما نخلق نقوداً (نصدرها) نعطيها قيمة ولكن كيف تشكلت هذه القيمة؟
إنها دين يجب تسديده, ففي النهاية يجب أن تعود هذه النقود وتتحول إلى سلع أو خدمات, أي يسدد مقابلها , طبعاً هذا وضع النقود في الوقت الحالي أما في الماضي فكانت النقود موجبة وتحمل قيمتها معها فهي كانت المادة العينية تبادل سلع أو ذهباً أو فضة....الخ ولم تكن ديناً.
والنقود إذا لم يتم الاعتراف- لم تعتمد- بها من قبل الجماعة التي تتداو لها, ووجود ضمان إمكانية تسديد قيمتها تفقد قيمتها ويتوقف تداولها.
فالنقود هي بنيات خلقت من العدم والذي سمح بذلك هو وجود فائض في الموارد و الإمكانيات , بالإضافة إلى توفر المعارف المستقبلية الدقيقة ووجود ضمان قوي للصفقات المؤجلة, وإذا لم يتوفر كل ذلك تفشل عملية خلق النقود فتعود وتموت .
وعملية خلق النقود هي كما قلنا عملية دين, ودور الدين هام جداً في تسهيل وتسريع عمليات التبادل في الصفقات غير المنجزة.
والدور الأخر والهام للنقود هو أنها مرجع موحد أساسي للتقيم لدى الجماعة التي تتداولها , لقد أصبحت غالبية الأشياء تقيم بالنقود والعمل والجهد الجسمي والفكري المبذول يقيم بالنقود أيضاً, وكذلك الأحاسيس والمشاعر, وكافة الفنون تقيم بالنقود, فالنقود أصبحت مرجع أغلب التقييمات البشرية, وصار يقال لكل شيء ثمن يقاس بالنقود.
لكن تبقى بعض الأشياء خارج هذا التقييم مثل بعض السلع والخدمات الفردية والجماعية, وكذلك بعض المشاعر والأفكار والفنون .
إن التجارة وكافة أشكال الاقتصاد هي حركات لتحولات النقود إلى بنيات أخرى والعكس, وهذه الحركات والتحولات مقيدة بآليات أو قوانين معينة, فالرأسمال في الوقت الحاضر يمكن أن يتحول إلى معرفة وإعلام, ويمكن أن يتحول إلى تكنولوجيا, والذي يملك القدرة على التحكم بالرأسمال الكبير يستطيع التعامل والتحكم بخيارات كثيرة, فهو يستطيع حتى شراء الخيارات والقدرات ( يجب أن نلاحظ أن الذي يقود التحكم بالرأسمال هو في النهاية المعرفة وبالتالي الإدارة) وهذا يعقد الوضع فهناك حلقات من التأثيرات المتبادلة- تغذية عكسية- الحاصلة بين المعرفة والتحكم والإدارة من جهة, والقدرات والخيارات من جهة أخرى.
إن التحكم بالرأسمال ليس تابعاً للإرادة الشخصية فقط , فهو تابع أيضاً لأنظمة وقوانين وتأثيرات الكثير من البنيات الأخرى مثل البنيات الاجتماعية والسياسية والقانونية والعقائدية ...., فإذا كان لديك المال الكثير فأنك لا تستطيع أن تفعل به ما تشاء, فهناك الكثير من الموانع والكثير من الالتزامات التي تفرض عليك .
وإن جريان سيالات النقود ونموها وتطورها تابع أيضاً لآليات وقوى خارجة عن قدرات الأفراد الذين يقودون ويتحكمون بإدارة هذه الأموال.
علاقة السلعة بالنقود
لقد توسعت أنواع الصفقات ومجالاتها بشكل كبير نتيجة نشوء النقود - وحدات التبادل الموحدة- , ونشأ مفهوم البيع والشراء كبديل لمفهوم التبادل, وأصبح بالإمكان تحويل الكثير من الأشياء والسلع إلى نقود وهذا سهل التبادل بشكل كبير.
لقد وجدنا أن الحاجة للسلعة بالإضافة إلى الفائض منها هو الذي يحدد قيمة هذه السلعة بشكل أساسي, فكأس الماء بالنسبة لرجل مشرف على الموت عطشاً له قيمة أكبر من مليون لتر لرجل لديه نهر ماء.
إن تحديد القيمة النقدية لأي شيء تابع للجهة التي تقوم بهذا التحديد , بالإضافة إلى طبيعة وخصائص هذا الشيء, وتحديد قيمة سلعتين بالنسبة لبعضهما غير ممكن إذا لم تحدد الجهة المرجع لهذا التحديد, لذلك تتغير قيمة السلع أو الأشياء تبعاً لتغير مرجع القياس , فالذهب والدولار لهما قيمة عالية لأغلب الناس ولكن ليس بالنسبة لرجل غابات الأمازون البدائي .
وقد قال أرسطو أن التبادل لا يمكن أن يجري دون القياس المشترك للأشياء التي يتم التبادل بها وهذا هام جداً , فالقياس المشترك أو تحديد القيم للأشياء التي يتم التبادل بها هو الذي يسمح بالمقارنة والقياس بينها وبالتالي تحديد قيمة كل منها بالنسبة للأخرى , وقد كان للنقود - وهي وحدات القيمة الموحدة والعامة بين الجماعة- دوراً في تسهيل القياس المشترك للسلع التي يجري تبادلها.
دور النقود الهام في التطورات الاقتصادية والاجتماعية
هل يمكن اعتبار دور سيالات النقود في المجتمع البشري يشبه دور سيالات الدماء في الكائن الحي ؟
هناك تشابه في بعض النواحي وهناك فرق أساسي فسيالات النقود لا تغذي البنيات الاجتماعية أو الأفراد مباشرةً, فهي تقوم بهذا بطريق غير مباشر كوسيط أو مساعد, فدور النقود الأساسي هو تسهيل وتنظيم وتسريع الصفقات والتبادلات, بالإضافة إلى المساعدة والتشجيع على الإنتاج والنمو.
فالنقود يمكن اعتبارها سلعاً وهمية أو سلعاً وسيطة تقوم بإنتاج أو المساعدة على إنتاج السلع الحقيقية
مثال : عندما يستدين شخص أو جماعة نقوداً لإقامة مشروع يحقق ربحاً - أي إنتاج سلع أو خدمات قيمتها أكبر من مقدار النقود التي استدانوها- هم في الواقع يكونون في وضع غير كاف لإنجاز مشروعهم قبل الاستدانة , ولكن بعد الاستدانة يصبح وضعهم مناسب أي يملكون فائضاً من الموارد يسمح لهم بإنجاز مشروعهم و بدونه يستحيل عليهم ذلك , صحيح أنهم سيدفعون فوائد أو أكثر مما استدانوا ولكن يظلوا في وضع أفضل, هذا إذا استطاعوا تحقيق مشروعهم الرابح وإلا سوف يدفعون خسارة أكبر.
مثال أخر الدولة عندما تصدر أو تسك نقوداً فهذا يعني استدانة, فهذا يساعد على إنجاز المشاريع وعلى النمو بشرط نجاح هذه المشاريع و تحقيق الفائدة, وإلا فالأضرار أو الخسائر ستكون أكبر , مع ملاحظة أن إصدار النقود يمكن أن يؤدي إلى التضخم ونتائجه السلبية, فالفائض من النقود مثل أي سلعة أخرى يخفض من قيمتها إذا لم يكن هناك حاجات لها تغطي هذا الفائض, وهذا معناه أن إصدار النقود - وكذلك الدين- مفيد أو ضار حسب من يقوم باستثمارها أوالاستفادة منها.
ولكن بشكل عام إصدار النقود هو أهم من عدم إصدارها, والشيء الهام عند اصدار النقود هو عدم إنفاقها على الاستهلاك, بل فقط تحريكها وتحويلها في مجالات تسمح بعودتها مقرونة بالأرباح الناجمة عن زيادة في الانتاج بمختلف أشكاله.
لقد شاركت بنية النقود وباقي البنيات الاقتصادية في التفاعلات التي تشكل البنيات الاجتماعية, فلم يعد إنتاج السلعة واستهلاكها هو المؤثر الأساسي في البنيات الاجتماعية فقد دخلت تأثيرات النقود وباقي البنيات الاقتصادية في التفاعلات التي تشكل وتطور وتنمي البنيات الاجتماعية, فالتجارة والأسواق والاستثمار والبنوك والشركات والبورصات....الخ صارت تؤثر على البنيات الاجتماعية بالإضافة لتأثيرها علىالأفراد.
وهذا ولد بنيات وعلاقات اجتماعية واقتصادية جديدة- تعتبر البنيات السياسية بنيات اجتماعية متطورة جديدة- وكذلك ولدت أو تشكلت بنيات اقتصادية جديدة متطورة ومعقدة , ثم عادت كل هذه البنيات ودخلت في التفاعل , لتشكل بنيات جديدة, ومازال هذا التفاعل جارياً.
لقد كان يفسر نشوء الرأسمالية بالنسبة الكثير من الغربيين أنه راجع لأخلاق وأسلوب ومنهج حياة المسيحيين البروتستانت المعتمدة على الادخار والعمل, وأن الحضارة الغربية مميزة وفريدة , هذه وجهة نظر.
ويمكن اعتماد وجهة نظر أخرى وهي أن الرأسمالية هي بنية معقدة ومتطورة نشأت بشكل أساسي من تفاعل بنية النقود التي تملك الخاصية المميزة عن باقي البنيات الفيزيائي وهي القدرة على التحول إلى أغلب الأشياء, وشراء العمل وشراء حتى المعرفة, مع البنيات الاقتصادية المتطورة مثل البنوك- الاقراض بفائدة- والمصانع والشركات ..., والرأسمالية كانت ستنشأ حتماً فهي تنيجة تطور بنية النقود التي تملك الخاصية المميزة .
وهي مثلاً لم تنشأ في الصين مع أن حضارتها متطورة بشكل كبير ومتقدمة على الحضارة الغريية في نواحي كثيرة , وذلك بسبب اختلاف نوع وكمية الصفقات التي تجري في كل مهما, فالصفقات غير المنجزة الكثيرة والمتنوعة التي وجدت في الغرب والتي لم تكن موجودة في الصين هي التي طورت البنيات الاقتصادية المتطورة- البنوك وغيرها- اللازمة لنشوء الرأسمالية, فالصفقات التي كانت تجري في الكثير من المدن والمراكز الغربية في مجال التجارة والصناعة والاكتشافات الجغرافية والمجالات الأخرى , كانت أغلبها صفقات غير منجزة وكانت مع أطراف متنوعة كثيرة , وهذا لم يوجد في الصين, فهذا أدى لنشوء وتطور البنيات الاقتصادية اللازمة لنشوء الرأسمالية.
دور اللغة والنقود الهام في إجراء الصفقات, وخصائص البنيات اللغوية
هناك البنيات الفكرية اللغوية الموجودة داخل العقل على شكل بنيات فزيولوجية عصبية كهر بائية , و تمثل هذه البنيات برموز ومدلولات لغوية سواء كانت أصواتاً أوإشارات أو صوراً...- رموز على شكل بنيات فيزيائية- عندما تخرج من العقل, ولهذه البنيات اللغوية قدرات وتأثيرات كثيرة وكبيرة فلها تأثيرات مادية ونفسية وفكرية, وبالتالي يكون لها قيمة مادية ونفسية وفكرية, فبواسطة اللغة نستطيع خلق الكثير من التأثيرات المادية والنفسية والفكرية لدى الآخرين, فطالما أن للغة قوى وتأثيرات فإن لها قيمة, وقيمة البنيات اللغوية ناتجة عن عدة عوامل أهمها:
مضمونها أو مدلولها الفكري والنفسي الذي يتضمن المعرفة والثقافة والعقائد....الخ , وهو ناتج أيضاً عن تأثيراتها الفيزيائية من حيث النغمات والإيقاع والانسجام .....الخ , وكذلك ناتج عن تأثيراتها النفسية في نقل الأحاسيس والسماح بالمشاركة الوجدانية, وأخيراً ناتج عن قدرتها على تمثيل كافة أنواع البنيات مهما كان نوعها , وهذاأعقد دور للغة , وهذا راجع إلى بعض خصائص اللغة المختلفة بشكل واضح عن خصائص البنيات الفيزيائية وباقي البنيات الأخرى , حيث تستطيع البنيات الفكرية اللغوية تمثيل أية بنية من أي نوع كان حتى أنها تمثل البنيات الفكرية ذاتها, وهذا يخلق الكثير من الأوضاع المختلفة بشكل جذري عن أوضاع وخصائص البنيات الفيزيائية, فتستطيع بنية فكرية أن تمثل ذاتها وبعدة أشكال وطرق, وتستطيع البنية الفكرية اللغوية أن تمثل أعقد وأوسع وأكبر البنيات مهما كان نوعها, وهذا يسمح للأصغر أن يشمل الأكبر أي يوضع الكبير داخل الصغير وهذا مستحيل مادياً ولكنه ممكن فكرياً , وكذلك تستطيع البنيات الفكرية اللغوية التحرك أو الانتقال عبر المكان وعبر الزمان - من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل دون العكس- .
فيمكن لبنية فكرية لغوية تكونت في عقل إنسان أن تخرج وتتوضع في رمز أو كتابة وتبقى مئات أو آلاف السنين , ثم تعود وتدخل أحد العقول, ومنه تنتشر إلى عقول كثيرة أخرى.
وكذلك توالد وانتشار البنيات الفكرية اللغوية يختلف في بعض طرقه عن توالد وانتشار البنيات الأخرى, وهناك الكثير من الاختلافات الهامة الأخرى.
وتشبيه البنيات الفكرية اللغوية بالنقود أو بالسلع يحد من صفاتها وقدراتها, مع أنها تشبهها في بعض الخصائص, فالبنيات الفكرية اللغوية هي أوسع وأقوى من ذلك, فكما أن تشبيه البنيات الحية بالسلع وتقييمها بالنقود يحط من قيمتها وقدرتها كذلك البنيات الفكرية اللغوية , يمكننا تشبيه البنيات الفكرية اللغوية بالبنيات الحية فكلتاهما تتوالد وتتكاثر وتنتشر وتتطور وتموت...., ولكن تبقى البنيات الفكرية اللغوية متطورة أكثر فهي من مستوى أعلى من البنيات الحية , مع أن البنيات الحية هي التي كونت البنيات الفكرية وبالتالي البنيات الفكرية اللغوية التي هي نوع من البنيات الفكرية الفزيولوجية .
أن قوة وفاعلية أي لغة تابع لكمية بنياتها- مفرداتها ونحوها وقواعدها....- , وقدرات هذه البنيات وفاعليتها في تمثيل البنيات الأخرى, وفي نقل الأحاسيس والأفكار والمعاني بدقة وفاعلية, وأيضاً في فاعليتها في توليد وتطوير البنيات الفكرية وتطوير نفسها.
أما دور اللغة في إجراء الصفقات البشرية فهو أساسي فهي وسيلة المفاوضات لإجراء المبادلات , سواء كانت مبادلات مادية أو مبادلات فكرية, فاللغة تمكن الإنسان من إجراء الصفقات الفكرية والمادية مع الآخرين.
وقد أتت النقود كمساعد ومسهل في إجراء الصفقات بفاعلية ودقة أكبر, وتم التعاون بين الفكر و اللغة والنقود لإجراء الصفقات المادية وغير المادية.
الدور الهام للتاجر والوسيط في النمو الاقتصادي.
لقد كان رأي البعض وأنا منهم , أن التاجر أو الوسيط غير منتج وهو دخيل وعالة على المنتجين الفعليين, وقد تبين لي أن هذا غير دقيق, سابقاً اعترفت بفضل التاجر فقط عندما يكون عمله الاستيراد والتصدير(أي نقل البضائع من الأماكن البعيدة فقط) والحصول على الربح لقاء إفادة المتعاملين معه وهو في هذه الحالة يستحق ربحه بجدارة, أما دور تاجر المفرق والوسيط,إذا كانا غير مستوردين فيكون عالة وغير ضروري , وهنا لم أنتبه إلى أن دورهما مازال نفسه ولكنه صغر من ناحية المسافة أوالحجم, فدورهما الأساسي هو نقل وتوزيع السلع من تجار الجملة إلى المستهلكين, أي وصل البائع بالمشتري , بالإضافة إلى المساعدة في أتمام الصفقة وهذا يتم عن طريق القيام بالضامن للبائع والشاري, فهما يتحملان مسؤولية إن كانت مادية أو معنوية, فهم يقومان بتسهيل وتسريع إتمام الصفقات فهما ينقلان السلع من الأماكن التي يصعب التبادل فها إلى الأماكن التي يسهل التبادل فيها, وهنا يظهر الدورالهام للتاجر والوسيط في إجراء الصفقات بسهولة وسرعة - وذلك بتسهيل الاتصال والنقل المادي للسلع- , وهذا يؤدي إلى تسريع دوران العجلات الاقتصادية, وبالتالي النمو الاقتصادي بكافة أشكاله.
فكما أن النقود ساهمت كثيراً في تسريع ونمو الصفقات وبالتالي الاقتصاد كذلك التجار والوسطاء يقومون بنفس الدور ولكن وفق آليات مختلفة, والكثير من البنيات الاقتصادية مثل البنوك والبورصات وغيرها تقوم بهذا الدور, وقد ظهر دورهم بوضوح لكافة الاقتصاديبن