تمتاز أحكام الشريعة الإسلامية بالترابط الوثيق بينها،ومن ذلك ربط الشريعة بين العملية الإنتاجية والعملية التوزيعية في علاقة تبادلية وثيقة ،فالتنمية في الإسلام
تقوم على الرفع من مستوى الإنتاج،مع تحقيق العدالة الاجتماعية 0وذلك إن التوزيع العادل هدف أساس لايرتبط بمستوى النشاط الانتاجى،وإنما هو واجب التحقيق
أيا كانت الموارد المالية المتاحة في المجتمع، وان تحقيق التقدم المطرد رهن باستمرار عدالة التوزيع0واختلال التوزيع بظهور حالات الترف المنهي عنة شرعا،يهدد التقدم التنموي المطرد0والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهى من العبادات المالية التي لا يصح إسلام المرء إلا بايمانة بوجوبها ويجب علية القيام بتنفيذ مايجب علية فيها ،وهذه الصفة العبادية للزكاة يترتب عليها آثار ايجابية خاصة فيما يتعلق بالتقيد والسعي لتحقيق أهدافها والحكم التشريعية التي نلتمسها من فرضها،وكما تعطيها قوة في التنفيذ0ومن أهم أهدافها ووظائفها تضييق الفجوة بين الفقير والغنى بإعادة توزيع الثروة والدخول بين أفراد المجتمع، فالزكاة من الأدوات التي يسعى بها الإسلام إلى إعادة التوزيع وتضييق تلك الفجوة0 كما تعتبر الزكاة من أهم وسائل الإسلام في القضاء على الفقر.
وفيما يلي استعراض لأهم آثار توزيع الزكاة في المجتمع وهى:
1-اثر الزكاة في حافز العمل لدافعيها:
من المعلوم أن حصيلة الإعانات يتم الحصول عليها من الدخول الحقيقية للأغنياء،وعلية فان حجم هذه الحصيلة يعتمد على تصرفات ذو الدخول المرتفعة تجاه الأدوات والوسائل التي يتم من خلالها تحصيل تلك الإعانات،ولهذا فان من الضروري أن تتسم تلك الوسائل والأدوات بدرجة كبيرة من الوضوح والاستقرار ،لما يتركه ذلك من اثر على الأشخاص الذين يفرض عليهم دفع حصيلة الإعانات،فالأعباء الضريبية الإضافية العالية التي تفرض على أموال الأغنياء يتوقع أن يكون لها اثر سلبي على حصيلة الإعانات،خاصة إذا دفعتهم المعدلات الحدية المرتفعة للضرائب إلى أن يعملوا اقل من ذي قبل،فان قيمة ما تحصله منهم لتحويله إلى غيرهم سوف تنخفض،فرفع معدل الضريبة فوق مستوى معين سوف يهبط بالحصيلة وبالتالي تنخفض قيمة الدخل المتاح إلى الطرف الأفقر،أما أدوات أعادة التوزيع في الاقتصاد الاسلامى فإنها تتسم بالتعدد والوضوح والاستقرار في أحكامها،والجانب الأهم فيها إنها تنطلق من المبادئ الأخلاقية والإيمانية التي يتولى عليها من يمارس تلك الأدوات،فالزكاة على سبيل المثال تتميز بحافزها الاسلامى على اعتبارها ركنا من أركان الإسلام وعبادة مالية، ومعدلها المتوسط والحدي ضئيل ومن هنا لايترجح أن تؤثر تأثيرا عكسيا على دوافع العمل لدى الأغنياء،فهي ليست ضريبة دنيوية بالمفهوم الاقتصادي الوضعي للمصطلح ،،، وإنما هي عبادة والتزام تزكى النفس وتنقى الروح لدى الأغنياء، بل إن ذلك من المعاني السامية لفرض الزكاة.
2-أثر زكاة الأموال في سد حاجة المحتاجين وتحقيق الاستقرار الاجتماعي:
يقصد بالمحتاجين كل الذين يتلقون الزكاة بسبب حاجاتهم ، وهم من المصارف الثمانية للزكاة،ولا تقتصر الحاجة على الحاجات الاستهلاكية بل تشمل جميع صور الحاجة التي يتصور قيامها في المجتمع.
وتسهم الزكاة في سد أنواع الحاجات ، الناشئة عن العجز الفردي والخلل الاجتماعي،أو الظروف العارضة التي تطرأ على حياة كثير من الناس، ومما يدل على ذلك ما كتبة الإمام ابن شهاب الزهري للخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز عن السنة في مواضع الزكاة ليعمل بها في خلافته ،ويعتبر ذلك الكتاب بحق من أعظم ما كتب في بيان مصارف الزكاة فلم يدع ذا حاجة من المسلمين إلا سد حاجته ، فقال في أجزاء منه (إن فيها أي الزكاة –نصيبا للزمني والمقعدين من الفقراء أصحاب العجز الأصلي ونصيبا لكل مسكين به عاهة ، لايستطيع حيلة ولا تقلبا في الأرض ،أصحاب العجز الطارئ كالعامل الذي يصاب في عملة ، والمجاهد الذي يصاب في الحرب ، ونصيبا للمساكين الذين يسألون ويستطعمون ، ومن في السجون من أهل الإسلام مما ليس له أحد ، ومن يحضر المساجد من المساكين الذين لاعطاء لهم ولا سهم ولا يسألون الناس، ومن علية دين لايجد ما يقضيه ولا مايستنفق إلا بدين ، ونصيبا لكل رجل من ابن السبيل ليس له مأوى ، ولا أهل يأوي إليهم ، فيطعم حتى يجد منزلا أو يقضي حاجته ، ويجعل في منازل معلومة على أيدي أمناء لايمر بهم إبن سبيل له حاجة إلا آووه وأطعموه وعلفوا دابته.........).
3-أثر زكاة الأموال قي تحقيق التنمية البشرية:
تتميز الزكاة ايظآ بأنها لاتعطى للأغنياء والأقوياء ذوي الأجسام السليمة غير ذوي الحاجة الماسة ، لما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله علية وسلم قال(لاتحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي) وذو المرة السوي هو الرجل السليم من العاهات، والاقويا الاسويا يمثلون القوة العاملة للمجتمع والطاقة البشرية المحركة للاقتصاد ، فهؤلاء لاتحل لهم الزكاة ولا يجوز لهم أن يطلبوها ولا أن تدفع لهم إلا في حالة كونهم غارمين أو من انقطعت بهم السبل،لان هذه الطاقة البشرية يجب أن تؤدي دورها في عملية الإنتاج فمنع الزكاة عنهم فيه توجيه لطاقات العمل حول الإنتاج.
ومن جانب آخر فإن أعطاء الفقراء والمساكين من الزكاة يسهم في تحسين مستواهم المعيشي والصحي والتعليمي مما ينعكس بدورة على قدراتهم الإنتاجية ، وبالتالي تزيد الطاقة الإنتاجية للمجتمع ويزداد عرض العمل.
وبهذا حققت الزكاة هدفها السامي في تحقيق التنمية البشرية وإغناء المجتمع ،وبذلك وفرت بيئة اجتماعية واقتصادية مستقرة يقل في ظلها عنصر المخاطرة الذي تتعرض له الاستثمارات، ومن ثم تزداد الاستثمارات الإنتاجية.
4-أثر زكاة الأموال في التشغيل الكامل للموارد الاقتصادية:
تتطلب زيادة الاستثمارات بصفة مستمرة العمل على زيادة مستوى الطلب الفعلي وهو ما تقوم الزكاة به فعلا من خلال إعادة توزيع الثروة والدخل.
ففرض الزكاة يؤدي على زيادة الاستهلاك الكلي في المجتمع ،على اعتبار أن الميل الحدي للاستهلاك عند من يستلم الزكاة أكبر من الميل الحدي للاستهلاك عند من يدفع الزكاة من الأغنياء ، وعلى اعتبار أن مستلمي الزكاة الفقراء يمثلون الجزء الأكبر من مستلمي الزكاة في ظل الظروف العادية.
وهذه الزيادة في الاستهلاك الكلي تترجم إلى طلب على المنتجات من السلع والخدمات أي زيادة في الطلب الفعلي مما يؤدي إلى زيادة حجم الاستثمارات القائمة لتلبي الزيادة في الطلب على السلع والخدمات المنتجة، وسيتبع ذلك زيادات متتابعة ومتتالية في معدلات الاستثمار والتكوين الرأسمالي للمجتمع.
وزيادة حجم الاستثمار ستزيد من التشغيل مما يتولد عنة زيادة في الإنفاق على الاستهلاك، وهذه الحركة التراكمية الناتجة عن تداخل الاستهلاك المولد والاستثمار المولد بفعل تداخل أثر المضاعف وأثر المعجل سوف تدفع الاقتصاد في طريق النمو وتحقيق التشغيل الكامل للموارد المتاحة.
بالإضافة إلى ذلك ينجم عن الزكاة أثار إيجابية على الادخار ، لان الزكاة تدفع المدخرات النقدية إلى الاستثمار ، بما تفرضه من إلزامية إخراج الزكاة على الأموال المدخرة ، وبالتالي فان الزكاة تحض المدخرات النقدية إلى الاستثمار وتسهم في تقليلها إلى أدنى مستوى.