بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الكتاب
توصف المالية العامة بأنها فن سياسي وعلم اجتماعي . أما الفن السياسي فيكمن بفلسفة الدولة في الحكم، هل هي فلسفة تدخلية ! أم هي فلسفة قائمة على الاقتصاد الحر. وينص القانون الاساسي (الدستور الفلسطيني ) بالمادة 21 على ما يلي :
1- يقوم النظام الاقتصادي في فلسطين على اساس مبادئ الاقتصاد الحر. ويجوز للسلطة التنفيذية إنشاء شركات عامة تنظم بقانون . والفكرة السائدة اليوم في عقول الاقتصاديين هي أن الدولة خرجت عن وظيفتها التقليدية من أنها دولة حارسة تعتني بشؤون الأمن والدفاع عن حدود الوطن ، واصبحت النظرة إلى الحكومة باعتبارها السلطة التنفيذية المتابعة للتطور الاقتصادي تستطيع أن تكيف من مستويات الإنفاق العام وتحصيل الإيرادات العامة بشكل يؤثر تأثيرا مباشرا في عجلة التنمية الاقتصادية . وما أنا ذاهب إليه في هذا البحث ليس دراسة المالية العامة من منظور اقتصادي ، فهذا ليس تخصصي ، وهناك من الباحثين من هم اقدر مني على ذالك ، أما من الناحية الفنية ، وهو ما أحاوله جاهدا هو استخدام قواعد المحاسبة ومعاييرها في قياس نتائج الأعمال للوحدات الغير هادفة للربح. بعكس مايراه البعض من أن العملية المحاسبية في الوحدات الحكومية هي عملية ميكانيكية مملة نظرا لكثرة إجراءاتها وكشوفاتها .
2- ومن المعلوم أن المشاكل المحاسبية لا تقتصر على تلك التي تتعلق بالقياس المحاسبي للربح فقط، ولكنها تمتد لتشمل مجالات أخرى في نطاق الهيكل المحاسبي ، مثل المحاسبة للأغراض الضريبية ، والمحاسبة الحكومية ، والمحاسبة التي تتعلق بالنواحي القانونية forensic Audit ، أو القضائية ، والتي يمكن تعريفها (1) :
A forensic audits purpose is the detection or deterrence of a wide variety of fraudulent activities involves financial audits. Ex,
*Business or employees fraud
*Criminal investigation
*Shareholders and partnership disputes
* Business economic losses
وكذلك المحاسبة التي تتعامل مع الالتزامات وتنفيذ العقود مثل المحاسبة الحكومية ، وتدقيق الأداء التابع لإجراءاتهاPerformance Audit ، وكل التشريعات المالية التي لها أثار مباشرة على إعداد القوائم المالية في القطاعات الحكومية . ولان الوحدات الحكومية والتنظيمات الاجتماعية الاخرى تخضع لنظام المحاسبة عن الاموال، وهو نظام يعتمد على نظام محاسبي يختلف الى درجة كبيرة عن النظام المحاسبي في قطاع الاعمال ، فقد اصبح لزاما علي أن أوضح الاصول النظرية التي تحكم المحاسبة في التنظيمات التي لا تهدف الى الربح سواء اكانت حكومية أم غير حكومية . وذلك حتى يستطيع المحاسب أو الموظف المالي أن يلم بقواعد هذه العلوم حتى يستطيع متابعتها واستخلاص النتائج التي تسعى المحاسبة الحكومية إلى تحقيقها ، ويمكن تعريف تدقيق الأداء بما يلي (1):
Compliance Audit : A compliance audit determines the extent to which rules, polices, laws, covenants, or governmental regulation are followed by the entity being audited .
وقد تطور تعريف علم المحاسبة المالية من أنها فن يهتم بتفسير أحداث الدورة المحاسبية Accounting Cycle ،لتوصيل المعلومات الاقتصادية إلى المستفيدين منها لمساعدتهم في اتخاذ القرارات الاقتصادية ، إلى التعريف المتقدم الذي نادت به جمعية المحاسبين القانونيين الأميركية (AICPA ) بأنها " نشاط خدمي، يهدف إلى توفير معلومات كمية عن الوحدات الاقتصادية للمساعدة في مجال اتخاذ القرارات الاقتصادية وفي ترشيد عملية اتخاذ القرار "
Meaning of accounting : Accounting is a systematic process of three activities: identifying, recording, and communicating the economic events of an organization to interested users of the information .
وبالتالي فإنه يمكن وصف الخصائص الرئيسية للمحاسبة المالية بما يلي :
1-تحديد، وقياس، وتوصيل المعلومات المالية للمستفيدين منها سواء داخل الوحدة الاقتصادية أو خارجها .
Identification, measurement, and communication of financial information to users
2- استخراج نتائج أعمال الوحدة الاقتصادية ذات الشخصية المعنوية Economic Entities
Financial accounting is the process that culminates in the preparation of financial reports on the enterprise as a whole for use by both internal and external parties .
3- تقديم القوائم المالية إلى الجهات المستفيدة ( Interested Parties )
Presented or provided by means of financial reporting other than formal financial statements .
ولما كانت أيضا المحاسبة الحكومية تتماثل في أهدافها إلى حد ما مع المحاسبة المالية في صحة وعرض القوائم المالية وفقا لمبادئ أل GAAP ، إلا أنها تختلف معها في الهدف والمعايير، ومعايير المحاسبة الحكومية هي ألGASB ، فبينما تهتم المحاسبة المالية في المحافظة على حقوق اصحاب المشروع من خلال المحافظة على رأس المال وصيانته من الضياع ، تهتم المحاسبة الحكومية في التقيد بقانون الموازنة Budget وتنفيذ بنودها بفعالية وكفاءة لتحقيق أهداف الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فعنصر الربح هنا هو تحقيق العدالة الاجتماعية وصيانة حقوق المواطنين من خلال تنفيذ أوجه النشاط المختلفة . لهذه الأسباب وتحقيقا للأهداف السابقة أصبح لمساق المحاسبة الحكومية، ، أهمية قصوى في التدريس في الجامعات، وللمهنيين والمتخصصين في العمل المحاسبي ، لما لهذه المادة من أهمية في تحقيق ضبط الإيرادات والنفقات وخلق الالتزام بين الموظفين في الوحدات الإدارية بالتقيد بالقانون والتعليمات الوزارية. ويعلق البعض على ذلك بانه في التنظيمات الحكومية يصعب المسائلة عن العمليات، وبدلا من ذلك يركز النظام المحاسبي المسائلة عن الاموال، فوفقا لمبادئ المحاسبة الحكومية المتعارف عليها (( GASB تعطى الاولوية للقواعد القانونية ولو تعارضت مع المبادئ المحاسبية المتعارف عليها، علما أن هناك من ينادي باعداد التقارير المالية الحكومية وفقا للمبادئ المحاسبية المتعارف عليها[1]
وبالتالي فإن دراسة المحاسبة الحكومية ضمن هذا الكتاب يهدف إلى ما يلي :
1- التعريف بالمحاسبة الحكومية من حيث إجراءاتها التشريعية وقانونها الإجرائي، وإجراءاتها الإدارية.
2- التعريف بكيفية تحديد حجم الإيرادات المتوقعة والنفقات المتوقعة من الجهات المناسبة وبالمبلغ المناسب، وفي المكان المناسب باستعمال أدوات وقواعد المحاسبة المالية، والمحاسبة الادارية ، ومحاسبة التكاليف، وتدقيق الحسابات المعمول به في الدولة موضع التطبيق
3- فهم المحاور التي يقوم عليها علم المحاسبة الحكومية والمتمثلة في :
أ- المحور التشريعي
ب-المحور التنظيمي
ت-المحور الفني
4- الرد على المتقولين بأن المحاسبة الحكومية ليست إلا عملية ميكانيكية وجزء من المالية العامة تقوم بها الإدارة المالية في وزارة المالية ، وأنها ليست علما له ذاتيته ومنفصلا عن علم المحاسبة.
وبالاضافة إلى أعلاه فهذا البحث يهدف إلى :
1- النظر برؤيا مختلفة وخلاقة إلى المحاسبة بشكل عام، باعتبارها ام المحاسبات لها مبادئها ومعاييرها، والمح
2- اسبة الحكومية بشكل خاص نظرا لتأطيرها بالتشريعات المالية وخضوعها لهذه التشريعات والقوانين .
3- عدم النظر إلى التشريعات المالية والقوانين الملزمة للموازنة ، والتعليمات المنبثقة عن وزير المالية ومدير دائرة الموازنة على أنه قواعد قانونية جامدة ، مثل من ينادي بأن الموازنة ما هي إلا امتداد لقوانين سابقة وبالتالي يجب التعامل معها على أنها خطة اقتصادية مأطرة بقوانين مالية ملزمة
4- عدم النظر إلى القوانين المالية بأنها قوانين ميكانيكية تشبه أعمال اللعب على ماكينة الروبوت ، بل هي قوانين لها تأثيراتها السلبية والإيجابية على تطبيق التشريعات المالية ، وبالتالي يجب خلق روح تشجيعية للموظفين الماليين للابداع
5- تسليط الضوء على مدى ملائمة وتأثيرات القوانين على النشاطات الاقتصادية والمالية في إعداد الموازنات العامة وفق المتغيرات الاقتصادية الحديثة
6- شرح القوانين التي تنظم العمل المالي والحكومي من منظور المحاسبة المالية ومبادئها ومعاييرها
وقد تم الاعتماد في كتابة هذا الكتاب على المراجع العربية والإنجليزية التي كتبت في هذا الموضوع ، بالإضافة إلى قانون الموازنة الفلسطيني وقواعد التدقيق الواردة في الكتاب الاصفر، وكتاب المعايير الدولية للمحاسبة عن القطاع العام ، ومعظم المراجع التي عالجت موضوع المحاسبة الحكومية، وخاصة الانجليزية منها، بل حاولت أن أجعله مشابها ألى حد ما مع بعض هذه الكتب سواء بالترجمة بمفاهيمي أنا الكاتب للمحاسبة الحكومية ، أو بالاقتباس بصفحات من هذه الكتب الانجليزية، لمساعدة الطالب أو القارئ وحتى يتسنى لطلاب الجامعات وخاصة التي تدرس باللغة الانجليزية أن يندمجوا بالمصطلحات المحاسبية الحكومية التي تختلف شيئا ما عن ما إعتادوا عليه في المحاسبة المالية. وكذلك فقد عمدت إلى إجابة بعض الاسئلة النظرية بقصد تعميق مفهوم القارئ، سواء أكان طالبا أو مهنيا. وبالاضافة فقد عمدت إلى وضع حالات عملية مقتبسة أحيانا من الواقع وأحيانا اخرى مترجمة من المصادر الانجليزية لهذه المادة، ووضعت الاجابات النموذجية لها حتى أدفع القارئ الى الاجتهاد والتنقيب عن إجابة أفضل أو أقرب الى واقع الحال .
ولما كان العنصر البشري هو اهم الموارد المتاحة في التطبيقات الحكومية وهو الممارس في الاعداد والتبويب وعمل الجداول الاحصائية الكثيرة والمتنوعة ، فقد ركزت على الموظف المالي الحكومي بغرض مساعدته باستخدام المعايير والقواعد المتعارف عليها في علمي المحاسبة والتدقيق للوصول الى تحقيق هدفه المالي في إيصال المعلومات الى المستفيدين منها وخاصة الادارة الداخلية. ونقله من عملية اللعب على الرموت الى استخدامه الاستخدام الامثل في تحقيق الكفاءة والفعالية في استخدام البيانات المالية .
وهذا الكتاب ليس بحثا محاسبيا متخصصا في علوم المحاسبة وإن كان قد استخدم أسس القياس الخاصة بها، وكذلك ليس بحثا متخصصا في الرقابة المالية وإن تم الكتابة فيها بشكل واف وانما هو :
1- تذكيرا للمهتمين والدارسين بأهمية تطبيقات المحاسبة الحكومية في أعداد الموازنة باعتبارها المرآة التي تظهر سياسة القائمين على إدارة المال العام في السلطة الفلسطينية، وفقا للقول الشائع، قل لي كيف تفكر إقتصاديا لاقول لك ما هو إتجاهك السياسي .
2- أنه دعوة للموظفين الماليين باعتماد أسلوب المنهجية لانها الطريق الصحيح في تحقيق أهداف المحاسبة الحكومية وخاصة الشفافية والمساءلة
3- أن قراءة هذا الكتاب يجب أن تتزامن مع دراسة التشريعات المالية المطبقة في فلسطين وكل القوانين التي تحكم إعداد الموازنة المالية ، بالاضافة الى معرفة جيدة في مبادئ المحاسبة المالية ، وإى تصبح القراءة فيه بدون هدف.
واخيرا ارجو من الاخوة المتخصصين في هذا المجال أن لا يبخلوا علي بملاحظاتهم لهذا الكتاب الجديد في نوعه و موضوعه، والا يكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، فحقدوا على العلم والباحثين لانهم فشلوا في البحث والتنقيب وإظهار أنفسهم من خلال أبحاثهم وليس من خلال مغالاتهم في الجهل والتهور . فرب كلمة نقد بناءة تكون مفتاحا لمغاليق تسعد صاحبها، واجدها أنا الباحث نقطة دفع وليس عامل إحباط ، وذلك للاستمرار في البحث والتنقيب والإضافة إلى المكتبة العربية ما هو فعلا ينقصها في هذا المجال .