الشركات متعددة الجنسيات ودورها في الاقتصاد العالمي
حلب
اقتصاد
الأربعاء 8-3-2006
عبد القادر عزوز
تمثل هذه الشركات أحد العوامل المؤثرة في حركة الاقتصاد العالمي فمنذ ظهورها في أواخر القرن التاسع عشر شكلت نقطة تحول هامة في النشاط الاقتصادي الدولي الذي كان سائداً ,
وبعد مرحلة الحرب العالمية الثانية تزايد عدد هذه الشركات , وازدادت فروعها في العالم وفي ظل عصر العولمة نحن أمام شركات عملاقة متعددة الجنسيات , تعمل على تكييف مختلف الأنظمة والسياسات الاقتصادية في العالم منذ التسعينيات مع مظاهر ومعطيات العالم الجديد , الذي تعيد تشكيله ونتناول هذه الشركات بالدراسة والتحليل من خلال عدة جوانب :
أ ¯ التمييز بين الشركات متعددة الجنسيات والاحتكارات الكبيرة في مرحلة الامبريالية
أجريت دراسة تفصيلية حول الشركات متعددة الجنسية والتميز بينها وبين الاحتكارات الكبيرة التي كانت السمة الأساسية في مرحلة الإمبريالية من عدة وجوه رئيسية
1ً¯ إن الاحتكارات السابقة كانت تهتم بشكل رئيسي على تركيز نشاطها داخل إمبراطورية استعمارية , وكانت ترفع شعار الوطنية وتحاول حماية السوق القومية من المنافسة الخارجية , وكان لبعضها فروع أساسية داخل أراضي الإمبراطورية وخارجها في بعض المجالات كالتعدين والطاقة ونشاطات مالية وتجارية في حدود طبيعية , أما الشركات متعددة الجنسية فينتشر نشاطها في عشرات الدول بهدف الاستفادة من أية ميزة نسبية توفرها أية دولة , وهي غالباً تحصل على تمويل محلي من كل بلد يمتد إليه نشاطها كما تنتقي كوادرها على أساس الكفاءة والأداء بغض النظر عن جنسية أي منها فهي تحاول محو أية صلة خاصة بين شركة وحكومة واقتصاد بلد المقر وتحاول إخفاء نسبة الشركة الى جنسية معينة ويكتفى باسمها سواء حين التعريف بها أو إنتاجها .
2¯ كانت الاحتكارات السابقة تكتفي بنشاط أساسي محدد أما الشركات متعددة الجنسية فإن أهم خصائصها تعدد النشاطات التي تشتغل ضمنها دون الالتفات إلى الروابط الفنية بين المنتجات المختلفة فنجد في سبع شركات ميتسوبيشي متفاوتة المكانة ميتسوبيشي للسيارات , ميتسوبيشي الكهرباء , بنك ميتسوبيشي - ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة , ميتسوبيشي للكمياويات , ميتسوبيشي المصرفية , ميتسوبيشي للمواد , أيضاً شركة /تايم وارنر/ تشتغل بعدد كبير من شركات النشر والملاهي والإعلام إلى استديوهات هوليود والشبكة الإخبارية CNN .
3¯ الاحتكارات السابقة لم تكن تعطي التطوير التكنولوجي العناية اللازمة أما الشركات متعددة الجنسية فإن التطور التكنولوجي هوعمودها الفقري وهي تسهم مساهمة متزايدة في تحويل عمليات البحث والتطوير الى جانب الدولة فنجد أن الإنفاق على البحث والتطوير في ألمانيا بلغ 2,8% من الناتج المحلي الإجمالي أي 2ر37مليار دولار يسهم فيها المال العام بنسبة 37% والصناعات المختلفة بنسبة 60,1% وفي اليابان 21,8% , 86,2% على التوالي وفي أميركا 39,2% و 58,7% .
4¯ لم تكن الاحتكارات السابقة ذات نشاط مالي واسع بينما الشركات متعددة الجنسية زاد نشاطها المالي والتجاري وتعددت الأساليب الجديدة للتعامل مع الشركات الصغيرة والعمال وتفضيل الشركات لعمليات المضاربة في الأسواق المالية عوضاً عن الاستثمار الانتاجي ويقدر حجم التعامل اليومي في الأسواق المالية /تريليون دولار/
ب ¯ التوزيع السياسي للشركات متعددة الجنسيات
¯ مع أن هذه الشركات موجودة بنشاطاتها وعملياتها واستثماراتها في كل أرجاء المعمورة »حسب قائمة فورشن 500 شركة« نجد أن /418/ شركة منها تتخذ مقرها الرسمي في ثلاث مناطق اقتصادية رئيسية »يتركز فيها ثروة تقدر بحوالي 20 تريليون دولاراً أي أكثر من 80% من إجمالي الانتاج القومي العالمي وتستأثر بحوالي 85% من إجمالي التجارة العالمية
هذه المناطق الثلاث هي :
1¯ منطقة الاتحاد الأوروبي التي تضم 155 شركة
2¯ منطقة الولايات المتحدة الأميركية التي تضم 153 شركة
3¯ منطقة اليابان التي تضم 141 شركة
ويتضح أن هذه الشركات تتمركز في مناطق الدول الصناعية المتقدمة الناضجة رأسمالياً لكن هناك حالة وحيدة تشذ عن هذه القاعدة وهي الشركات المتواجدة في كوريا الجنوبية والتي امتد نشاطها الى عشرات الدول حيث تضم قائمة »فورشن« 12 شركة مقرها في كوريا مثل LG الدولية و LG للإلكترونيات و DAEWO »سيارات ¯ إلكترونيات ¯ أعمال مصرفية« أما بقية المناطق مثل أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط ووسط آسيا حتى الدول النفطية في الخليج العربي , فهي في العموم مناطق اقتصادية غير أساسية بالنسبة لنشاطات هذه الشركات , فهي تشكل بالنسبة لهذه المناطق مصدر رعب لأنها تستغل هذه المناطق بسبب امتلاكها قدرات احتكارية ضخمة تهدد بها سيادة هذه الدول واقتصادها .
ج ¯ ظاهرة الإنتاج عن بعد :
تنتشر هذه الظاهرة التي تقوم بها الشركات متعددة الجنسية بإعادة رسم خريطة الإنتاج على المستوى العالمي حيث تعمد شركة معينة الى التخصص في إنتاج سلعة معينة مروراً بكل مراحل إنتاجها ولكن دون أن تستقر في بلد واحد وهذا يعني الانتقال من الاستراتيجية الانتاجية الوطنية الى استراتيجية الانتاج العالمي بعدم تمركز أو حصر الانتاج محلياً فمثلاً شركة /بيشينه/ تستخرج البوكسيت من استراليا وتحوله لالومين في أميركا وتنتج الألمنيوم في الغابون باستخدام الالومين المنتج بواسطة فروعها في غينيا .
وباعتماد هذا الاسلوب من الانتاج يصعب نسبة سلعة معينة الى بلد واحد باعتبار أن السلعة تنتج كأجزاء من آلاف المصانع المنتشرة في العديد من الدول .
... فالعالم الآن يشتري ماركات عالمية لاتحمل منشأ الصنع وبدأت تظهر عبارات صنع لدى مرسيدس أوتويوتا أو فيلبس .
د ¯ ظاهرة اندماج الشركات والمصارف :
وهي تأخذ شكل ابتلاع وامتلاك الشركات والمصارف الأضعف نسبياً وهي تعبير عملي لتمركز رأس المال والإنتاج , وقد شهد القطاع المصرفي في العقد الأخير من القرن الماضي سلسلة كاملة من حالات الاندماج والابتلاع أبرزها »بوينغ« »ماكدونال ¯ دوغلاس« وكذلك /لوكهيد/ , »مارنين ¯ مريتيا« في صناعة الطائرات »وتشيز مانهاتين« /كيميكال بنك/ في القطاع المصرفي , وهناك أكثر من /2500/ عملية اندماج وابتلاع تمت عبر الحدود خلال النصف الأول من عام /1999/ قدرت قيمتها ب¯ /411/ مليار دولار وكانت مصارف وشركات ألمانيا رائدة في هذا المجال في أوروبا الغربية وعلى رأسها العملاق »الألماني ¯ الأميريكي« »دايملر ¯ كرايزلر« وهي شركة صناعية متشعبة في صناعة السيارات والطيران والفضاء , في شهر آب /1999/ أعلنت الشركة الكندية »آلكان« والفرنسية »بتشيناي« والسويسرية »الوسويس« عن رغبتها في إنشاء أكبر مجموعة للألمنيوم في العالم من شأنها تخطي شركة /الكوا الأميركية/ في الشهر نفسه ردت الكوا بتقديم عرض لشراء شركة »رينولدز« الأميركية فتم لها ذلك وعادت لتحتل المرتبة الأولى , وكذلك ابتلعت شركة /فولكس فاكن/ شركات أودي وسيارات سكودا , واشترت »ب أم دبليو« شركة روفر التي هي أكبر منتج للسيارات في بريطانيا , استولت فورد على شركة مازدا اليابانية واشترت شركة »رولز رويس« البريطانية »فيكرز« أيضاً ارتفعت بشكل حاد قيمة عمليات اندماج الشركات عبر الحدود في دول منطقة شرق آسيا من 3 مليارات دولار عام 1996 الى /22/ مليار دولار في عام 1999 وذلك قبل أن تتراجع قليلاً الى /18/ مليار دولار عام 2000 .
وأيضاً في القطاع المصرفي نجد هناك حالات ابتلاع ودمج شديدة مثل دمج ثلاث مصارف يابانية »انداستراييل بنك أوف جابان« ومصرف »داي ¯ إبتش كانغيو بنك« ومصرف »فوجي بنك« وتشكيل مجموعة مصرفية ضخمة برأسمال قدره »142« مليار دولار , وأيضاً مشروع دمج »بنك ناسيونال دي باري« الفرنسي و »سوسيتيه جنرال« و»باريبا« برأسمال قدره /957/ مليار يورو .
وهذه الظاهرة تؤدي الى خفض تكلفة الانتاج ومضاعفة الارباح وتعزيز القدرة التنافسية للشركات العملاقة ولكنها بالجانب الآخر تدمر فرص العمل وتؤدي إلى تفاقم اللامساواة الاجتماعية وتضعف السيادة الوطنية للدولة .