الوقف الإسلامي كآلية لتمويل وتنمية قطاع المشروعات الصغيرة فى الدول العربية
إعداد
حسين عبد المطلب الأسرج
ـــــــــــــــــــ
الوقف الإسلامي
كآلية لتمويل وتنمية قطاع المشروعات الصغيرة فى الدول العربية
مقدمة:
نظام الوقف من النظم الدينية التي أصبحت في ظل الإسلام مؤسسة عظمى لها أبعاد متشعبة دينية واجتماعية واقتصادية وثقافية وإنسانية،وظلت هذه المؤسسة في ظل الحضارة الإسلامية تجسيداً حياً للسماحة والعطاء والتضامن والتكافل، غطت أنشطتها سائر أوجه الحياة الاجتماعية وامتدت لتشمل المساجد والمرافق التابعة لها والدعوة والجهاد في سبيل الله، والمدارس ودور العلم والمكتبات، والمؤسسات الخيرية، وكفالة الضعفاء والفقراء والمساكين والأرامل، والمؤسسات الصحية.
ويهدف هذا البحث الى دراسة نظام الوقف الإسلامي كآلية لتمويل وتنمية قطاع المشروعات الصغيرة فى الدول العربية.
أولا: مفهوم وأهمية المشروعات الصغيرة فى الدول العربية
1-مفهوم المشروعات الصغيرة
مصطلح المشروعات الصغيرة مصطلح واسع انتشر استخدامه مؤخرا،ويشمل هذا المصطلح الأنشطة التى تتراوح بين من يعمل لحسابه الخاص أو فى منشأة صغيرة تستخدم عدد معين من العمال ،ولا يقتصر هذا المصطلح على منشآت القطاع الخاص وملاكها وأصحاب الأعمال والمستخدمين ولكنه يشمل كذلك التعاونيات ومجموعات الإنتاج الأسرية أو المنزلية.وتجمع الآراء على الأهمية المتعاظمة للمشروعات الصغيرة فى الاقتصاد القومى سواء فى البلاد المتقدمة أو النامية خاصة فى ظل الاحتياج المتزايد لتوليد فرص العمل المنتجة. وتشير بعض الإحصائيات إلى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل نحو 90% من إجمالي الشركات فى معظم اقتصاديات العالم كما أنها توفر ما بين 40% - 80% من إجمالى فرص العمل،وتساهم بنسبة كبيرة فى الناتج المحلى للعديد من الدول ،فعلى سبيل المثال تساهم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بنحو 85% ، 51% من اجمالى الناتج المحلى فى كل من انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية على الترتيب . ويختلف تعريف ومفهوم المشروعات الصغيرة والمتوسطة من دولة لأخرى وفقا لأختلاف امكانياتها وظروفها الاقتصادية والاجتماعية مثل درجة درجة التصنيع وطبيعة مكونات وعوامل الإنتاج الصناعي ونوعية الصناعات الحرفية التقليدية القائمة قبل الصناعة الحديثة ، والكثافة السكانية ،ومدى توفر القوى العاملة ودرجة تاهيلها ، والمستوى العام للاجور والدخل وغيرها من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تحدد ملامح وطبيعة الصناعات القائمة فيها. كما ويختلف التعريف وفقا للهدف منه ، وهل هو للاغراض الإحصائية أم للاغراض التمويلية أو لاية أغراض أخرى . وتتمثل أهم المعايير الكمية المرجحة فى تعريف المشروعات الصغيرة فى كل من عدد العمال ،وتكلفة رأس المال فيما عدا الأرض والمبانى(أصول ثابتة مضافا اليها رأسمال تشغيل)،وحجم الأعمال(عنصر مرجح للمشروعات التجارية والخدمية وغير الصناعية)،وحجم التكنولوجيا المستخدمة،كما يمكن أن يستخدم أكثر من معيار فى التعريف الواحد :
2- خصائص المشروعات الصغيرة:
تتميز المشروعات الصغيرة بالعديد من الخصائص لعل أهمها:-
1. انخفاض الطاقة الإنتاجية:فقد ساعد التطور التكنولوجى على إمكانية تجزئة العمليات الإنتاجية ومن ثم فقد أتاح للدول النامية الدخول فى مجالات إنتاجية ومنها مجال الصناعات الكيميائية على سبيل المثال والتى كانت قاصرة على الدول ذات الطاقة الاستيعابية الكبيرة.
2. انخفاض الأجور:تتميز المشروعات الصغيرة بانخفاض الأجور وعدم التأثر بالعوامل المؤسسية التى تؤدى الى ارتفاع الأجور فى المشروعات الكبيرة.
3. انخفاض الحجم المطلق لرأس المال:تتميز المشروعات الصغيرة بانخفاض الحجم المطلق لرأس المال وهو ما يتلاءم مع رغبة المستثمرين فى غالبية الدول النامية.
4. الاعتماد على الخامات المحلية:تعتمد غالبية المشروعات الصغيرة على الخامات المحلية ومن ثم تقل الحاجة الى الاستيراد وما لذلك من أثر ايجابي على الميزان التجارى.
5. القدرة على الانتشار الجغرافي وأثر ذلك على تخفيف الهجرة من الريف الى الحضر.
6. التخفيف من حدة التركيز الصناعى،حيث يساعد إقامة المشروعات الصغيرة فى أماكن متفرقة على التخفيف من حدة التركز الصناعى.
7. مراكز تدريب:تعتبر المشروعات الصغيرة مراكز لتدريب العمالة ومن ثم إمداد المشروعات الكبيرة بالعمالة الماهرة.
3- وضع المشروعات الصغيرة والمتوسطة الدول العربية:
تجدر الإشارة بأنه فى الدول العربية يتم استخدام أكثر من معيار فى التعريف الواحد للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ،ويجب التأكيد على:-
أولا: هناك عديد من الدول التى تعتمد معايير مختلفة لتعريف المشروعات الصغيرة من العمالة والمبيعات أو الاستثمارات وبالتالى هناك مصادر مختلفة للاحصاءات عن المشروعات الصغيرة وذلك تبعا للمعايير المستخدمة.
ثانيا:حتى التعريف المستخدم للمشروعات الصغيرة لمعيار معين ليس موحد فى الدول العربية فعلى سبيل المثال هناك دول تعرف المشروعات التى يعمل بها أقل من 50 عامل مثل مصر،بينما دول أخرى تعرفها بأنها تلك المشروعات التى يعمل بها أقل من 10 عمال مثل الأردن والعراق فى حين تعرفها اليمن بأنها المشروعات التى يعمل بها أقل من 4 عمال . أما بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي ، فإنها تستخدم معيار رأس المال المستثمر للتمييز بين الصناعات ، حيث تعرف الصناعات الصغيرة بأنها تلك المنشآت التي يبلغ متوسط رأسمالها المستثمر أقل من مليوني دولار ، أما الصناعات المتوسطة فتتمثل بالمنشآت التي يستثمر كل منها من (2) مليون وأقل من (6) ملايين دولار ، بينما تعد الصناعات كبيرة إذا بلغ راس المال المستثمر فيها (6) مليون دولار فأكثر . وصفوة القول فإن الدول العربية تختلف في تعريف المشروعات الصغيرة والمتوسطة مما يجعل من الصعوبة بمكان إجراء المقارنة بينهم فالمشروعات التي تعتبر متوسطة في دولة الأردن أو العراق أو اليمن تعد صغيرة في دولة مثل مصر وذلك تبعا لمعيار عدد العمال ، كما أن المشروعات المتوسطة في مصر تعد صغيرة في دول الخليج العربى تبعا لمعيار رأس المال .
ثالثا: أيضا لا يوجد اتفاق حول تعريف المشروعات الصغيرة بين المنظات الدولية،فالبنك الدولى يعتمد تعريفا للمشروعات الصغيرة بانها التى يعمل بها حتى 50 عامل واجمالى الأصول والمبيعات حتى 3 مليون دولار ،والمشروعات المتناهية الصغر حتى 10 عمال والمبيعات الاجمالية السنوية حتى 100 ألف دولار،واجمالى الأصول حتى 10 آلاف دولار،بينما المشروعات المتوسطة حتى 300 عامل واجمالى الأصول والمبيعات حتى 10 مليون دولار . بينما ووفقا لمصادر مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والتجارة ،يتم تعريف المشروعات الصغيرة بأنها تلك التى يعمل بها من 20-100 فرد،والمتوسطة تلك التى يعمل بها من 101 الى 500 فرد ،أيضا قسم تصنيف المشروعات الصغيرة والمتوسطة الى فئة الشركات الصغيرة وهى التى يعمل بها 100 عامل فأقل ،وفئة الشركات المتوسطة التى يعمل بها من 100 عامل وأقل من 1000 عامل . أما منظمة العمل الدولية فتعرف الصناعات الصغيرة بأنها الصناعات التي يعمل بها أقل من 10 عمال والصناعات المتوسطة التي يعمل بها مابين 10 الى 99 عامل ، وما يزيد عن 99 يعد صناعات كبيرة .
وبصفة خاصة تنبع ضرورة الاهتمام بدعم ومساندة ورفع كفاءة المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى الدول العربية من عدة حقائق تتمثل فيما يلى :
1- تعتبر المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة النمط الغالب للمشروعات فىالدول العربية، فهذه المشروعات تشكل حوالى 99% من جملة المؤسسات الاقتصادية الخاصة غير الزراعية فى مصر،ويساهم بحوالى 80% من اجمالى القيمة المضافة التى ينتجها القطاع الخاص ويعمل به حوالى ثلثى القوة العاملة وثلاثة أرباع العاملين فى الوظائف الخاصة خارج القطاع الزراعى .،أما فى الكويت فيشكل هذا القطاع ما يقرب من 90% من المؤسسات الخاصة العاملة،ويضم عمالة وافدة تقدر بنحو 45% من قوة العمل،وعمالة وطنية بنسبة تقل عن 1%،وفى لبنان تشكل هذه المؤسسات أكثر من 95% من اجمالى المؤسسات،وتساهم بنحو 90% من الوظائف.وفى دولة الامارات شكلت المشاريع الصغيرة والمتوسطة نحو 94.3% من المشاريع الاقتصادية فى الدولة،وتوظف نحو 62% من القوة العاملة،وتساهم بحوالى 75% من الناتج الاجمالى للدولة.
2- أن هذه المشروعات توفر فرص عمل لقاعدة عريضة من قوة العمل العربية تقدر بحوالى ثلث القوة العاملة أو يزيد.
3- أن هذه المشروعات تشارك فى الإضافة على الاقتصاد القومى حيث قدرت هذه المساهمة بنحو 96%،من الناتج المحلى الاجمالى فى اليمن عام 2005 ،وحوالى 77%، 59 % ،25% فى كل من الجزائر ،فلسطين،السعودية على الترتيب خلال نفس العام ، فى حين تتراوح مساهمة هذه المشروعات ما بين 25%-40% من الناتج المحلى الإجمالى المصرى .
4- أن هذه المشروعات الصغيرة تمثل وسيلة ناجحة لتعبئة المدخرات الصغيرة وإعادة ضخها فى صورة استثمارات.
5- أن هذه المشروعات تعد من الآليات الفعالة فى إنتا ج وتوفير سلع وخدمات منخفضة التكلفة والسعر خاصة لقطاعات ا لمواطنين من ذوى الدخول المنخفضة.
6- أن هذه المشروعات تمثل الركيزة الأساسية التى يعمل من خلالها القطاع الخاص فى الدول العربية وبالتالى فإن مساندة هذه المشروعات يعد مساندة وتدعيما لدور القطاع الخاص فى النشاط الاقتصادى.
7- جذب الاستثمارات الأجنبية:أشاد تقرير صدر عن منظمة الاونكتاد بالدور الريادى للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من واقع مسح ميدانى ودراسة حالات معينة تمت ما بعد الأزمة المالية الآسيوية فى سبع دول آسيوية،الى امكانية أن ترفع هذه المؤسسات حصة منطقة آسيا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لأكثر من 10%،وأن بامكانها استقطاب قدر غير قليل من الاستثمارات الأجنبية والدخول فى مشروعات مشتركة مع شركاء أجانب،مما قد يساهم فى نقل وتوطين التقنية الحديثة وتوسيع القاعدة الانتاجية وتحسين جودة المنتج وتعزيز القدرة التصديرية خاصة فى القطاعات الانتاجية الناشئة فى القطر.
ويلاحظ أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى الدول العربية مازالت تعانى الكثير من العقبات التى تعترض طريق نموها،الا أن التمويل يعتبر أحد أهم العقبات الهيكلية التي ما زالت تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى الدول العربية.وعلى الرغم من أن عديد من الدول العربية قد أنشأت مصارف متخصصة للتنمية الصناعية وللاستثمار (الأردن، السعودية، لبنان، مصر)، ومؤسسات مختلفة للإقراض الميسّر مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية وجمعية رجال الأعمال في الإسكندرية وصندوق التنمية والتشغيل في الأردن وصندوق التنمية الصناعي السعودي، أو المؤسسات الرائدة والداعمة كمؤسسة محمد بن راشد في الإمارات لدعم مشاريع الشباب وبرنامج تمويل المشاريع الوطنية الناشئة (طموح) ومنتدى رواد الأعمال والغرف التجارية لتشكل رافداً للمشاريع الصغيرة، ومؤسسات متخصصة لضمان القروض (كمصر والأردن) وبعضها يقدّم ضمانات تصل إلى 50% من القرض المقدّم من المصرف.
ثانيا: الوقف : حقيقته ومشروعيته وحكمته
1- نشأة الوقف وتطوره
عرف الناس منذ القدم، على اختلاف أديانهم وأجناسهم أشكالا من المعاملات المالية الطوعية التي لاتخرج في طبيعتها وصورها عن طبيعة الوقف، وذلك في شكل عقارات تحبس لتكون أماكن للعبادة، أو لتكون منافعها وقفا على تلك الأماكن، فكان ذلك معروفاً عند المصريين القدماء وعند الرومان والإغريق وغيرهم. و لم يكن الوقف معروفاً لدى العرب قبل الإسلام، قال الامام الشافعي: لم يحبس أهل الجاهلية ـ فيما علمته داراً ولا أرضا.
ولما جاء الإسلام شرع الوقف ووسع دائرته، فلم يجعله مقصورا على المعابد والمناسك بل وسعه ليشمل كثيرًا من أنواع الصدقات ـ والتبرعات التي ترصد لأغراض دينية واجتماعية وعلمية واقتصادية. فكانت الأوقاف على المساجد وما يتعلق بصيانتها ووظائفها، وعلى المدارس ودور التعليم والمكتبات والزوايا والعلماء وطلاب العلم، وعلى الفقراء، المحتاجين، واتسعت أكثر فأكثر فشملت المستشفيات والصيدليات، ودور الرعاية الاجتماعية وتزويج المحتاجين من الفتيان والفتيات، وإجراء الأنهار وحفر الآبار، وإقامة الأربطة والحصون وإيجاد السلاح والعتاد لحماية دار الإسلام والدفاع عن مواطنيها، وتقديم المال لافتداء الأسرى وتحرير العبيد. وبهذا التوسع كان للوقف فضل كبير وتأثير حميد في بناء الحضارة الإسلامية وإرساء أسسها على التكامل والتضامن والتعاون والتآخي.والتوسع في العناية بالأوقاف أدى إلى قيام الوقف بدور كبير في التنمية الاجتماعية والاقتصادية على مر التاريخ الإسلامي .
وذكر علماء الفقه أن الوقف من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الإمام النووي: وهو مما اختص به المسلمون، ولهذا، يرى كثير من الباحثين أن أول وقف ديني في الإسلام هو مسجد قباء الذي أسسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم مهاجراً إلى المدينة المنورة، قبل أن يدخلها ويستقر فيها، ثم المسجد النبوي الذي بناه صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الأولى من الهجرة، عند مبرك ناقته حينما دخل المدينة المنورة، أما أول وقف خيري عُرف في الإسلام فهو وقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسبع حوائط "بساتين"كانت لرجل يهودي اسمه "مخيريق"، قتل على رأس اثنين وثلاثين شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يحارب مع المسلمين في موقعة أحد، وأوصى: إن أصبت "أي قتلت" فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله تعالى، فقتل يوم أحد، وهو على يهوديته، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "مخيريق خير يهود"، وقبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الحوائط السبعة، فتصدق بها، أي: وقفها، ثم تلاه عمر رضي الله عنه، ثم وقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم وقْف عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم وقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم تتابعت بعد ذلك أوقاف الصحابة، وأخذت الأوقاف الإسلامية بعد ذلك تتكاثر وتزدهر في شتى أنحاء العالم الإسلامي .
وشهدت بدايات القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر تراجعاً لدور الوقف في حياة المسلمين وذلك لأسباب عديدة من أهمها الحملات التي شنها المعارضون لنظام الوقف من الكتاب والمثقفين والزعماء السياسيين في كثير من بلاد المسلمين، بهدف إلغاء فكرة الوقف والاستيلاء على الأوقاف القائمة من قبل الدولة، ورغم مواجهة العلماء لمثل هذه الحملات ومحاولتهم التصدي لها إلا أن أوضاع الأوقاف أخذت تتدهور في عالمنا الإسلامي شيئاً فشيئاً.ولا يتسع المجال هنا لبسط القول في ذلك، إلا أنه يمكن تلخيص وضعية الأوقاف في بلاد المسلمين في الوقت الحاضر في النقاط التالية:
1 – يخضع معظمها للإشراف الحكومي من قبل وزارت الأوقاف.
2 – حظرت بعض أنواعه القوانين في بلدان كثيرة.
3 – قل بدرجة ملاحظة إقبال الناس عليه بالمقارنة بما كان عليه الوضع في الماضي.
4 – لم يعد يمارس الآثار الاقتصادية والاجتماعية بهذه القوة والاتساع الذي كان يمارسه في الماضي.
5 – في الكثير الغالب من الأوقاف التي مازالت قائمة تحت إشراف وزارات الأوقاف وإدارتها فإن استغلالها واستثمارها ليس على درجة عالية من الكفاءة. بل في بعض الحالات تنحرف تصرفات هذه الوزارات عن الضوابط الشرعية إما في عمارة الوقف وإما في استثماره أو توزيع عوائده على مستحقيه.
6 –لعل الملاحظة النهائية هو غياب نظام الوقف كظاهرة اقتصادية واجتماعية كانت لها بصماتها الإيجابية البارزة في نهضة العالم الإسلامي في ماضية الطويل.
2- حقيقة الوقف
أ-تعريف الوقف في اللغة: الوقف في اللغة هو الحبس والمنع عن التصرف، وهو مصدر وقف الثلاثي، يقال وقفت الدابة،أي حبستها، ولايقال أوقفت ، لأنها لغة رديئة،وهو اللفظ الشائع عند العامة، ويطلق الوقف ويراد به الموقوف،ولذا جاز جمع الوقف على أوقاف ووقوف.ويعبر عن الوقف بالحبس وقد يعبر عنه بالتسبيل وكلها بمعنى واحد.
ب- تعريف الوقف اصطلاحا : للفقهاء تعاريف مختلفة،ومرجع الاختلاف فيها الى اختلافهم فى لزوم الوقف،فلا يجوز للواقف أن يرجع عن وقفه،أو عدم لزومه،فيجوز له أن يرجع عنه .فمن رأى الأول وهو لزوم الوقف عرفه بما يقتضى ذلك،وهم الجمهور.ومن رأى الثانى عرفه بما يقتضيه من عدم لزومه،وهم الحنفية.
تعددت عبارات الفقهاء في تعريفه بناء على اختلاف آرائهم في لزومه، وتأبيده، وملكيته.
أولاً: تعريف الحنفية:
وهو "حبس العين على حكم ملك الواقف، والتصّدق بالمنفعة على جهة الخير".
وبناء عليه لا يلزم زوال الموقوف عن ملك الواقف، ويصح له الرجوع عنه، ويجوز بيعه؛ لأن الأصح عند أبي حنيفة أن الوقف جائز غير لازم كالعارية( ) أما عند الصاحبين الذَين يريان أن الموقوف يخرج عن ملك الواقف – سواء على اعتبار نظرية التبرع بالعين، أوعلى نظرية إسقاط الملكية – فالوقف هو "حبس العين على حكم ملك الله تعالى، والتصدّق بالمنفعة"
ثانياً: تعريف المالكية:
وهو "إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيه أو تقديراً".
وعليه فإن المالك يحبس العين عن أي تصرف تمليكي
ويتبرع بريعها لجهة خيرية شرعاً لازماً مع بقاء العين على ملك الواقف، فلا يشترط فيه التأبيد.
فالوقف عند المالكية لا يقطع حق الملكية في العين الموقوفة، وإنّما يقطع حق التصرف فيها.
ثالثاً: تعريف الشافعية:
وهو "حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبة من الواقف وغيره، على مصرف مباح موجود تقرّباً إلى الله".
وعليه يخرج المال عن ملك الواقف، ويصير حبيساً على حكم ملك الله تعالى ـ أي أنه لم يبق على ملك الواقف، ولا انتقل إلى ملك غيره، بل صار على حكم ملك الله تعالى الذي لا ملك فيه لأحد سواه ـ ويمتنع على الواقف تصرفه فيه، ويلزم التبرع بريعه على جهة الوقف.
رابعاً: تعريف الحنابلة:
(وهو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة على بر أو قربة).
والمراد بالأصل:عين الموقوف، ومعنى التحبيس جعله محبوساً لا يباع ولا يوهب، ومعنى تسبيل الثمرة،أو المنفعه،أن يجعل لها سبيلاً أي طريقاً لمصرفها، والمراد: إطلاق فوائد العين الموقوفة من غلة وثمرة وغيرها للجهة المعيّنة تقرّباً إلى الله بأن ينوى بها القُربة.
وبهذا تخرج العين عن ملك الواقف وتكون في سبيل الله لا يجوز بيعها ولا هبتها ولا الرجوع فيها.
وإذا نظرنا إلى هذه التعريفات وجدنا أنها متقاربة. بالنظر إلى جوهر حقيقة الوقف، وهي تحبيس العين على وجه من وجوه الخير، ومنع التصرف فيها من قبل المالك، ومن قبل الموقوف عليه معا. وإنما تستفيد الجهة أو الجهات الموقوف عليها من منافعها. وإنما اختلفت تعريفات الفقهاء تبعاً لاختلافهم في بعض الأحكام والتفريعات الجزئية.
3- أنواع الوقف:
أ-من حيث الغرض:
يقسم الفقهاء الوقف من حيث الغرض إلى قسمين :
الأول: وقف خيري، وهو الذي يقصد به الواقف التصدق على وجوه البر، سواء أكان على أشخاص معينين كالفقراء والمساكين والعجزة، أم كان على جهة من جهات البر العامة، كالمساجد والمستشفيات والمدارس وغيرها، مما ينعكس نفعه على المجتمع، أي أنه وقف يصرف فيه الريع من أولي الأمر إلى أشخاص معينين "ليسوا من ذرية الواقف"، أي لجهة خيرية، ومثال ذلك وقف علي بن أبي طالب ـ كرَّم الله وجهه ـ فقد قطع عمر بن الخطاب رضي الله عنه له ينبع، ثم اشترى علي إلى قطيعته التي قطع له عمر أشياء فحفر فيها عيناً، فبينما هم يعملون، إذ انفجر عليهم مثل عنق الجزور عن الماء، فأتى علياً فبشره بذلك، فقال علي: بشر الوارث، ثم تصدق بها على الفقراء والمساكين، وفي سبيل الله وابن السبيل القريب والبعيد في السلم والحرب ليصرف الله النار عن وجهه بها.
والثاني: وقف أهلى أوذري، وهو ما جعل استحقاق الريع فيه أولاً إلى الواقف مثلاً ثم أولاده••• إلخ، ثم لجهة بر لا تنقطع، حسب إرادة الواقف.ولقد جوز جمهور الفقهاء هذا النوع قياسا على أفعال كبار الصحابة،الا أن بعضهم منعوه خشية أن يتخذه البعض وسيلة للالتفاف حول نظام المواريث.ويرى بعض المتأخرين أن الوقف الاهلى لا يجوز ولا يمنع على اطلاقه،وانما ينظر فى كل حالة على حدة بحسب موافقتها احكام الشرع ومقاصده. ويكون الوقف باطلا غير مشروع إذا قصد به الواقف مضارة ورثته، كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم، لأن ذلك مما لم يأذن به الله سبحانه، بل إنه تعالى نهى عن الضرر والضرار، قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم ، لاضر ولاضرار.
ب-من حيث المحل:
ا-وقف العقار:وقد اتفق الفقهاء على جواز وقف العقار
ب- وقف المنقول:اتفق أغلب العلماء على جواز وقف المنقول،باستثناء بعض متقدمى الأحناف الذين اشترطوا أن يكون متصلا بالعقار اتصال قرار وثبات،كالبناء والشجر،أو أن يكون مخصصا لخدمة العقار كالمحاريث والبقر.
4- مشروعية الوقف
تستند مشروعية الوقف إلى الكتاب والسنة واعمال الصحابة والإجماع. أما الكتاب فيدل على مشروعيته بعموم قوله تعالى: وقوله تعالى(يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض).(البقرة:267) فالآيتان بعمومهما تفيدان الترغيب بالانفاق فى أوحه البر والخير،والوقف انفاق فى هذه الأبواب.وفيما يلى أدلة مشروعية الوقف :
أولاً: من الكتاب العزيز:
1 – قـــال الله تعــــــالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة: 110].
جاء التوجيه في هذه الآية الكريمة إلى المؤمنين ليشحنوا أنفسهم بالطاقة الهائلة المعبرة عن تعلقهم بجناب الله بأداء أنواع من العبادات من صلاة وزكاة وفعل للخيرات ولا ريب أن الوقوف الخيرية من أبرز أنواع البر والخير.
2 – قال الله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177].وقوله (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ). (آل عمران: 92)
البر هو جماع الخير, وقيمة إيتاء المال على حبه لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل هي الانعتاق من قيود الحرص والشح والأثرة، انعتاق الروح من حب المال الذي يقبض الأيدي عن الإنفاق فهي قيمة ثمينة يشير إليها ذلك النص على حب المال وقيمة شعورية أن يبسط الإنسان يده وروحه فيما يجب من مال فهي قيمة إنسانية كبرى في نظر الإسلام الذي يسعى لتحرير الإنسان من وساوس نفسه وحرصها وضعفها ويعمل على تقوية صلتها بذوي القربى لما فيها من تحقيق مروءة النفس وكرامة الأسرة وتقوية وشائج القربى والأسرة هي النواة الأولى للجماعة هي لليتامى تكافل بين الكبار والصغار وبين الأقوياء والضعفاء وتعويض لهؤلاء الصغار عن فقدان الحماية والرعاية الأبويتين وحماية للأمة من تشرد صغارها وتعرضهم للفساد، وهي للمساكين الذين لايجدون ما ينفقون, وهم مع ذلك ساكنون لا يسألون ضناً بماء وجوههم, احتفاظ لهم بكرامة نفوسهم وصيانة لهم من البوار وإشعار لهم بالتضامن والتكافل في محيط الجماعة المسلمة التي لا يهمل فيها فرد ولا يضيع فيها عضو.
3- قال الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة: 215].
هذه الآية تبين المجالات التي يشرع فيها الإنفاق فالإنفاق ضرورة لقيام الجماعة المسلمة وضرورة من ناحية التضامن والتكافل بين أفراد الجماعة بحيث يشعر كل فرد أنه عضواً في الجسد فإذا كان سد الحاجة أمر معتبر له قيمته فإن شعور الفرد المسلم بأنه جزء من هذا المجتمع أمر لابد منه للشعور بالتماسك والترابط بين أفراد الأمة.
ولهذا جاء بيان أنـواع الإنفاق في هذه الآية، فهذا الإنفاق يحقق الخير لصاحب المال وهو المعطي ويحقق الخير للآخذ وهو كذلك خير للأمة لأنه عمل مبرور ولا سيما إذا حرص المنفق على أفضل ما لديه فالإنفاق تطهير للقلب وتزكية للنفس ثم عون للآخرين لما يحقق من مصالحهم فالآية تدعو إلى تطويع النفس لبذل ما هو خير والترغيب فيه.
4 – قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: 245].
فالمال لا يذهب بالإنفاق إنما هو قرض حسن لله مضمون عنده يضاعفه أضعافاً كثيرة يضاعفه في الدنيا مالاً وبركة وسعادة وراحة ويضاعفه في الآخرة نعيماً ومتعاً ورضى وقربى من الله.
5 – وقال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 261 – 262].
نتبين في هاتين الآيتين بناء قواعد الاقتصاد الاجتماعي الذي يقوم عليها المجتمع المسلم ويتحقق بها تنظيم حياة المجتمع في التكافل والتعاون المتمثل في الصدقات والتي من أبرز أنواعها الوقف على وجه البر والخير.
ويتجلى أثر هذا البذل وهذا الإنفاق في الآداب النفسية والاجتماعية التي تجعل الصدقة عملاً تهذيبياً لنفس معطيها وعملاً نافعاً مربحاً لآخذيها وتحول المجتمع إلى أسرة واحدة يسودها التعاون والتكافل والمودة والرحمة وترفع البشرية إلى مستوى كريم يصدق فيه حديث المصطفى الكريم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)( ) وإلى جانب ذلك التشبيه الرائع لترابط المجتمع الإسلامي وتكافله.. تشبيه لا يقل عنه روعة: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) ( )، أي مثل للتكافل الاجتماعي أروع من ذلك التكافل إذا مرض المسلم وجد أخوته عنده إذا تألم المسلم وجد أخوته عنده إذا ألمت به مصيبة وجد أخوته عنده.
جسد واحد يتداعى لكل ما يصيب العضو، لأن العضو جزء منه، جزء عزيز جد عزيز ويرفع الإسلام هذا اللون من التكافل ليجعله تعاملاً مع الله (أن الله يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين: فقال أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما أنك لوعدته لوجدتني عنده) وقس على المرض كل ألم.. وقس عليه كل مصيبة من باب أولى وتكتمل الصورة بما جاء في باقي الحديث: (يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين، قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي) ( ).
وإذا عدنا إلى الآية الكريمة الأولى وجدناها تعرض صورة من صور الحياة النامية التي تفيض بالأُعطيات والهبات: الزرع هبة من الله الزرع الذي يعطي أضعاف ما يأخذه ويهب غلاته مضاعفة فهي حبة واحدة عائدها سبعمائة حبة هذه عملية حسابية وإلا ففضل الله أوسع وأوفى وأكثر استجابة للضمير وتأثير في المشاعر وشحذا للهمم واستنهاضاً للعزائم وحثا على بذل المزيد والمزيد من العطاء والهبات.
7 – ولنا أن نستدل أيضاً على مشروعية الوقف بقول الله تبارك وتعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 114].
ولا ريب أن الصدقة الجارية تتمثل في الوقف الخيري الذي يمتد فيه البر والإحسان إلى العديد من مجالات الحياة.
8 – ونستدل أيضاً على مشروعية الوقف بقول الله تعالى: آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد: 7].
9 – وقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد: 11].
10– وقال تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد: 18].
في هذه الآيات تتجلى دعوة الله جل وعلا للمؤسرين ببذل المزيد من أموالهـم في البذل والعطاء إنه هتاف مؤثر عندما يقول للعباد والفقراء المحاويج ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد: 11] ومجرد تصور المسلم الفقير أنه يقرض ربه المليء الغني كفيل بأن يسارع إلى البذل والسخاء بالمال إن الناس ليتسابقون عادة إلى التعامل مع الثري منهم لأنهم على يقين في استرداد أموالهم فكيف إذا كانوا يقرضون الغني الحميد الذي لا يكتفي بإعادة رأس المال وإنما يعيد لهم أضعاف أضعاف أموالهم.
ثم يأتي قول الله تعالى إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد: 18].
فهذا حافز يشحذ الهمم ويستنهض العزائم لمزيد من بذل المال في طريق البر والخير. حيث تفيد الآية بأن المتصدقين والمتصدقات لا يتعاملون مع الناس إنما هم يقرضون الله ويتعاملون مع الملئ الغني فأي حافز للصدقة أوقع وأعمق من شعور المعطي بأنه يقرض الغني الحميد وأن ما ينفقه في سبيل البر والخير مخلوف عليه مضاعفاً وأن له بعد ذلك كله أجر كريم فلم يقل الباري جل وعلا أجر بحق أو أجر بعدل بينما قال أجر كريم، والكرم فيض فوق العدل وفوق الحق بحيث يكون تقديره من أكرم الأكرمين مالك الدنيا والدين.
ونختم هذه الآيات في الاستدلال على مشروعية الوقف.
11– بقول الله جل وعلا: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ [التغابن: 17].
وفي هذه الآية إغراء بالبذل والترغيب في الإنفاق ويجعل هذا قرضاً لله ومن ذا الذي لا يغتنم هذه الفرصة التي يتعامل فيها المحسن مع الله ليعود له القرض أضعافاً مضاعفة ومع هذا فلهذا المقرض المغفرة من الله فتبارك الله ما أكرمه وما أعظمه وما أحلمه وهو ينشئ الإنسان ثم يرزقه ثم يسأله فضل ما أعطاه قرضاً يضاعفه ثم يشكر لعبده الذي أنشأه وأعطاه ويعامله بالحلم في تقصيره هو عن شكر مولاه.
ثانياً: أدلة مشروعية الوقف من السنة.
وأما السنة النبوية فقد وردت أحاديث كثيرة تدل على مشروعية الوقف منها:
أ) مارواه أبو هريرة، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله و سلم ، قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) (مسلم 1001) والوقف صدقة جارية. ويفصل معنى الصدقة الجارية ما ورد في سنن ابن ماجة، يقول النبي صلى الله عليه وآله و سلم ، "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً نشره أو ولدًا صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته".
ب) ويقول النبي صلى الله عليه وآله و سلم ( من احتبس فرسا فى سبيل الله ايمانا واحتسابا فان شبعه وروثه وبوله فى ميزانه يوم القيامة حسنات) (البخارى:الجهاد 45)
ج) وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه و سلم ، المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: "من يشتري بئر رومة، فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة"، قال عثمان: فاشتريتها من صلب مالي، ومعنى الحديث أن عثمان اشترى البئر وجعلها وقفاً على المسلمين.
ثالثاً: أدلة مشروعية الوقف من عمل الصحابة:
اشتهر الوقف بين الصحابة وانتشر حتى قال جابر:"ما أعلم أحداً كان له مال من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالاً من ماله صدقة مؤبدة، لاتشترى أبداً، ولا توهب، ولا تورث".
وقال الشافعي في القديم: "بلغني أن ثمانين صحابياً من الأنصار تصدّقوا بصدقات محرمات، والشافعي يسمي الوقف: (الصدقات المحرمات)".
وقد روى البيهقي وقف كثير من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم
أبو بكر وعمر وعلي والزبير وسعيد وعمرو بن العاص وحكيم بن حزام،وأنس وزيد بن ثابت.
وقال الحميدي شيخ البخاري: تصدّق أبو بكر بداره على ولده، وعمر بريعه عند المروة على ولده، وعثمان برومة (البئر)، وتصدق علي بأرضه بينبع، وتصدّق الزبير بداره بمكة وداره بمصر وأمواله بالمدينة على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط وداره بمكة على ولده، وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده، قال: فذلك كله إلى اليوم – فإن الذي قدر منهم على الوقف وقف واشتهر ذلك فلم ينكره أحد فكان إجماعاً( ).
ويقول القرطبي: (.. المسألة إجماع من الصحابة، وذلك أن ابا بكر وعمر عثمان وعلياً وعائشة وفاطمة وعمرو بن العاص وابن الزبير وجابراً كلهم وقفوا الأوقاف، وأوقافهم بمكة والمدينة معروفة ومشهورة) ( ).
وإن العمل بالآيات والأحاديث الواردة بمشروعية الوقف ظاهرة جلية لا نجد بين أحد من أهل العلم في ذلك اختلافاً فقد أجمع الخلفاء الأربعة وسائر الصحابة على مشروعية الوقف
قال جابر: «لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذو مقدرة إلا وقف».
وعلى هذا فالراجح هو القول باستحباب الوقف؛ لأنه صدقة جارية يمتد نفعها وثوابها.
رابعا: أدلة مشروعية الوقف من الإجماع :
حكى الكاساني في البدائع الإجماع على جواز وقف المساجد..وفي الإفصاح: (اتفقو على جواز الوقف).
ونقل عن القرطبي قوله: (لا خلاف بين الأئمة في تحبيس القناطر والمساجد واختلفوا في غير ذلك) .
ويقول الترمذي معلقاً على حديث ابن عمر السابق في وقف عمر للأرض التي أصابها في خيبر: (.. والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم، لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافاً في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك) .فهو مجمع عليه في الجملة.
5- الأوقاف من المنظور الاقتصادي الإسلامي والوضعي:
تحدث كثير من علماء الاقتصاد وأشاروا إلى مصادر حل المشكلات الاقتصادية في العالم من منظور إسلامي وبالتحديد أشاروا إلى ما شرعه الإسلام من نظم لحل تلك المشكلات في مقدمتها:
أ- نظام الزكاة. ب- نظام الصدقات المطلقة والمقيدة والكفارات. ج- نظام النفقات.
د- نظام خُمس الغنائم. هـ- نظام الركاز. و- الكفالة العامة من بيت المال لكل إنسان في الأرض الإسلامية. ز- نظام الأوقاف.
وحول دور الأوقاف في حلّ المشكلات في المجتمع المسلم ،فأن نظام الوقف أهم مساعد لنظام الزكاة لحل المشكلات الاقتصادية لأنه استخدم لحل الكثير من المشكلات التي تظهر في المجتمع المسلم ومن ذلك: ما أوقف للمرضى وللعجزة والمساكين والضعفاء والفقراء واليتامى والأرامل بل وحتى رعاية الحيوانات .. ولولا أن أوقاف المسلمين لعب بها كثيراً لكفت طبقات كثيرة من الناس .. فلابد من إعادة الأوقاف بشقيها: الأوقاف الذرية والأوقاف العامة.
وقد ينظر البعض إلى الوقف نظرة مريبة، فيرون فيه محاذير وأضراراً بالنسبة إلى المقاصد الاقتصادية العامة، لا تجعله لديهم من التدابير المستحسنة، وخلاصة تلك المحاذير في نظرهم هي:
1- أن الوقف يمنع من التصرف في الأموال، ويُخرج الثروة من التعامل والتداول فيؤدي إلى ركود النشاط الاقتصادي، ويقضي على الملكية. ويرد على ذلك بأن الوقف من مصالح البرِّ والخير التي تحيا به ، وليس يصحُّ وزنُ كلِّ شيءٍ بميزان الاقتصاد، إذ ليست غاية الأمة مادية بحتة، وهناك من المصالح العامة والخدمات الاجتماعية التي تؤديها الدولة نفسها، كالمعارف وسواها، لا سبيل إليه إلا بتجميد طائفة من الأموال والعقار، لتكون مراكز للعلم والثقافة، وينفق عليها عوضاً عن أن تستغل، لأن المحذور الاقتصادي في تجميدها، يقابله نفعٌ أعظم منه في الأغراض العامة التي تجمد، أو تنفق الأموال في سبيلها.
2- إنه غير ملائم لحُسن إدارة الأموال، لانتفاء المصلحة الشخصية في نُظَّار الأوقاف، فلا يهتمون في إصلاح العقارات الموقوفة فتخرب. ويرد مثل هذا المحزور في أعمال الدولة وعمالها، وفي الوصاية على الأيتام. فكلٌّ من عمال الدولة، وكذا الأوصياء، لا يعملون لمصلحةٍ شخصية، تحفزهم على الإتقان والإصلاح. والقائمون على إدارة أملاك الدولة ليس لهم في حسن إدارتها وإصلاحها منفعة شخصية مادية، تنقص بتقصيرهم وتزداد بعنايتهم. ومع ذلك لا يصح الاستغناء عن أن تقني الدولة أملاكاً، وتوظف في أعمالها المالية وغيرها عمالاً، وكذا لا يستغني عن نصبِ الأوصياء. ولكن يجب حُسْنُ الانتقاء في هؤلاء جميعاً، بحيث ينتخب للعمل القويُّ الأمين الذي يشعر ضميره بالواجب والتبعة. ومن وراءِ ذلك إشرافٌ وحسابٌ وقضاء. وهذا ما أوجبه الشرع في إدارة شؤون الأوقاف ومن يتولّونها.
3- إنه يُورثُ التواكل في المستحقين الموقوف عليهم، فيقعد بهم عن العمل المنتج اعتماداً على موارده الثابتة. وهذا مخالف لمصلحة المجتمع. فيقال مثل ذلك في الميراث فإن كثيراً ممن يرِثُون أموالاً جمَّة، يتواكلون عن الأعمال التي أفاد بها مورثوهم ما خلَّفوه لهم من ثروة، وينصرفون إلى الصرف والتبذير، عن الجد المنتج والتوفير، ولم يصلح هذا سبباً لعدم الإرث. ولو لم يكن المال الموقوف وقفاً، لأصبح إرثاً وداهمنا فيه المحذورُ نفسه.
ولا يخفى ما لنظام الوقف في الإسلام من منافع علمية وخيرية ما يجلُّ عن التقدير. كما أن هناك مصالح عامة أخرى غير مادية، لها شأن كبير في الوزن التشريعي.
6- حكمة مشروعيته
أما الحكمة من مشروعيته فهي، بعبارة مجملة، إيجاد موارد مالية ثابتة ودائمة لتلبية حاجات المجتمع الدينية والتربوية والغذائية والاقتصادية والصحية والأمنية، ولتقوية شبكة العلاقات الاجتماعية، وترسيخ قيم التضامن والتكافل، والإحساس بالأخوة والمحبة بين طبقات المجتمع وأبنائه، كل ذلك لنيل مرضاة الله.
وإذا أمعنا النظر في صور الوقف التي تمت ، أمكن أن نتبين جلياً مقاصد الوقف ومراميه الإنسانية والاجتماعية على النحو الآتي:
أ) تحقيق الأمن الغذائي للمجتمع المسلم. ويتضح ذلك في تصدق أبي طلحة بنخيله وجعل ثمارها للفقراء من أهل قرابته، وفي البئر التي وقفها عثمان رضي الله عنه على عامة المسلمين.
ب) إعداد القوة والوسائل الضرورية لجعل الأمة قادرة على حماية نفسها والدفاع عن دينها وعقيدتها. ويتضح هذا من وقف خالد بن الوليد سلاحه في سبيل الله.
ج) نشر الدعوة إلى الله وإقامة المساجد لتيسير إقامة شعائر الدين وتعليم أبناء المسلمين. ويتضح هذا من تأسيس مسجد قباء والمسجد النبوي وجعلهما مركزين للعبادة والتعليم وتنظيم العمل الاجتماعي.
د) توفير السكن لأفراد المجتمع. ويتضح ذلك من أوقاف عدد من الصحابة التي تمثلت في الدور والمساكن التي حبست على الضيف وابن السبيل أو على الذرية.
هـ) نشر روح التعاون والتكافل والتآخي التي تجعل المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
و) إيجاد مصادر قارة لتمويل حاجات المجتمع، و إمداد المصالح العامة والمؤسسات الاجتماعية بما يلزمها من الوسائل للاستمرار في أداء رسالتها. وذلك لأن الموارد التي قد تأتي من الزكاة أو الهبات ليست قارة، أما الوقف فإن أصوله وأعيانه تبقى أبدا،إلا في حالات خاصة، ولذلك فمنافعه لاتنقطع.
ثالثا: الدور التنموى الذى لعبه الوقف تاريخيا وكيفية تفعيله حاضرا:
لا يخفى ما لنظام الوقف في الإسلام من منافع علمية وخيرية ما يجلُّ عن التقدير. كما أن هناك مصالح عامة أخرى غير مادية، لها شأن كبير في الوزن التشريعي.فالوقف في الإسلام لم يبق مقصوراً على أماكن العبادة ووسائلها، بل ابتغى به منذ عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مقاصد الخير في المجتمع، وبذلك توسع النطاق في المال الموقوف، بتوسع الغرض في الوقف.ومن أمثلة ذلك ما يلى:- (27)
1- الوقف على التعليم
يعدُّ الوقف من أهم المؤسسات التي كان لها الدور الفعال في تنمية التعليم سواء داخل المساجد أو في المدارس أو في المكتبات أو غيرها من المؤسسات الخيرية الأخرى. ومن أهم هذه الجوانب إنشاء المدارس وتجهيزها وتوفير العاملين فيها من معلمين وغيرهم، وتشجيع طلاب العلم على الانخراط في عملية التعليم من خلال التسهيلات التي وفرت لهم، بالإضافة إلى إنشاء المكتبات وتجهيزها وغير ذلك من الجوانب الأخرى (28). كما شمل الوقف نسخ المخطوطات في عصور ما قبل الطباعة ،و شمل في معظم الحالات عمارتها والإنفاق على العاملين فيها وتوفير الكتب وغير ذلك.
ويمكن ان تستفيد المشروعات الصغيرة فى وقتنا الحاضر ومستقبلا بتخصيص اوقاف لنشر التعليم المهنى والتدريب على كثيراً من الجوانب المختلفة التي تخدم انشاء المشروعات الصغيرة، ومن أهم هذه الجوانب إنشاء المدارس ومعاهد التدريب وتجهيزها وتوفير بعض الأدوات التى يمكن البدء بها فى عمل مشروع صغير ، وتشجيع الراغبين على الانخراط في عملية التعليم من خلال التسهيلات التي يتم توفيرها لهم، بالإضافة إلى إنشاء المكتبات وتجهيزها وغير ذلك من الجوانب الأخرى،التى يمكن ان تساعد فى تسويق منتجات هذه المشروعات وتنميتها.
2-الوقف على دعم خدمات الرعاية الصحية
فقد كان لنظام الوقف الإسلامي أثر كبير في دعم خدمات الرعاية الصحية للمواطنين والسكان على اختلاف مذاهبهم ونحلهم، وتحدث بعض الباحثين عن أنواع المراكز الصحية التي رعتها الأوقاف.(29)
وبلغ من عناية المسلمين بالرعاية الصحية وتطوير خدماتها، أن خصصت أوقاف لبناء أحياء طبية متكاملة. وكانت الخدمات الصحية التي تقدمها هذه المراكز الطبية، من علاج وعمليات وأدوية وطعام، مجاناً بفضل الأوقاف التي كان المسلمون يرصدونها لهذه الأغراض الإنسانية، إذ كانت الرعاية الصحية في سائر البلاد الإسلامية إلى وقت قريب من أعمال البر والخير، ولم تكن هناك وزارات للصحة العمومية كما في العصر الحاضر.
ويمكن ان تستفيد المشروعات الصغيرة فى وقتنا الحاضر ومستقبلا بتخصيص اوقاف لتوفير للرعاية الصحية لاصحاب المشروعات الصغيرة وذويهم ، وتوفير الضمان الصحى لمن يتعرض لمكروه بسبب حرفة معينة او عدم المقدرة الصحية فى الاستمرار فى نشاط معين .
3 – الوقف على بعض الجوانب الاجتماعية:(30)
ساهم الوقف الإسلامي عبر التاريخ في تقديم الخدمات العامة للإنسان في مختلف جوانب الحياة، فقد استغلت أموال الأوقاف في إيواء اليتامى واللقطاء ورعايتهم، وكانت هناك أوقاف مخصصة لرعاية المقعدين والعميان والشيوخ، وأوقاف لإمدادهم بمن يقودهم ويخدمهم، وأوقاف لتزويج الشباب والفتيات ممن تضيق أيديهم وأيدي أوليائهم عن نفقاتهم، وأنشئت في بعض المدن دور خاصة حبست على الفقراء لإقامة أعراسهم، كما أنشئت دور لإيواء العجزة المسنين، والقيام على خدمتهم.
ويمكن ان تستفيد المشروعات الصغيرة فى وقتنا الحاضر ومستقبلا بتخصيص اوقاف لدفع رواتب تقاعد ورعاية الصناع واصحاب الحرف وذويهم. والمساهمة فى تكوين شبكات للضمان الاجتماعى لهذه الفئات .
4- الدور الاقتصادى للوقف.(31)
كان للوقف ولا زال دورا اقتصاديا عظيما ،فمن خلاله يتم توفير الحاجات الاساسية للفقراء من ملبس وغذاء ومأوى وتوفير عدد من السلع والخدمات العامة مثل التعليم والصحة كما سبقت الاشارة وهذا ينعكس بصورة مباشرة فى تنمية القوى البشرية ويطور قدراتها بحيث تزيد انتاجيتها مما يحقق زيادة كمية ونوعية فى عوامل الانتاج.من ناحية اخرى يؤدى ذلك الى التخفيف عن كاهل الموازنة العامة للدولة بحيث تخصص الأموال التى كان يجب ان تنفق على هذه المجالات الى مجالات اخرى.ويعنى ذلك ايضا ضمان كفاءة توزيع الموارد المتاحة بحيث لا تتركز الثروة فى ايدى فئة بعينها مما يعنى تضييق الفروق بين