التجربة الإسلامية في المعاملات المصرفية
للأستاذ الدكتور علاء الدين الزعتري
تعدُّ المصارف عصب الاقتصاد ومحركه الرئيسي، لأنها تحفظ الأموال، وتحركها، وتنميها، وتسهّل تداولها، وتخطط في استثمارها.
ولا ينكر الدور الإيجابي الذي يلعبه النشاط المصرفي في الخدمات والتمويل والاستثمار.
ولقد نشأت المصارف بأهداف مشروعة ومحمودة، ولكنها تَستَخدم وسائل متعددة يتعارض بعضها مع أحكام الشريعة الإسلامية وأهدافها ومقاصدها.
ومن هنا أدرك العلماء والفقهاء والمفكرون في هذا العصر ضرورة الاستفادة من النشاط المصرفي ولكن بوسائل مشروعة.
وتُعَدُّ المصارف الإسلامية ثمرة من ثمار الصحوة الإسلامية التي عمت أرجاء الوطن الإسلامي، وخاصة أن البلاد الإسلامية جربت كل الحلول الغربية واتضح عدم ملاءمتها.
وتسعى المصارف الإسلامية لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع في جميع الدول العربية والإسلامية، وحتى العالمية.
التعريف بالمصارف الإسلامية
المصرف اسم مكان يتم فيه الصرف([1]).
والصرف لغة: [رَدُّ الشيء عن وجهه]([2])، ونقلُه، أو هو الزيادة([3]).
وفي الاقتصاد: [مبادلة عملة وطنية بعملة أجنبية]([4]).
وفي الشرع: [بيع النقد بالنقد جنساً بجنس، أو جنساً بغير جنس]([5])، أو هو: [بيع الأثمان بعضها ببعض]([6]).
ولما كانت أكثر المعاملات التجارية والمالية تتم عن طريق مبادلة الأثمان والنقود بعضها ببعض، سمي ذلك المكان بـ (المصرف)، وبخاصة أن التعامل التجاري الضخم يتم عن طريق مؤسسات تجارية مالية اقتصادية، وهي التي تسمى المصارف.
ولست من المشجعين على استخدام كلمة بنك /Bank/ الأجنبية، وإنْ صارت مصطلحاً عرفياً، إلا أنَّ الأفضل اختيار كلمة عربية أصيلة للدلالة على المعاني، وليس من المناسب ادعاءُ عدمِ قدرةِ كلمةٍ باللغة العربية أنْ تَحِلَّ مَحَلَّ كلمةٍ بلغة أجنبية، في الاستعمال أو في التأليف.
فالأصل اللغوي لكلمة (مصرف) يتفق مع التعريف الاصطلاحي والدلالة العرفية، أكثر من الأصل اللغوي لكلمة / بنك /([7]).
التعريف الاصطلاحي لكلمة " المصرف ":
تبعاً لظهور هذا المصطلح حديثاً، فلن يجد الباحث تعريفاً له عند الفقهاء السابقين، وإنَّما يُقْرَأ تعريف المصرف في كتب الاقتصاد الحديث، ومنها نَقَلَ فقهاءُ العصر تعريف المصرف، ودرسوه، وعدَّلوا عليه ليتوافق مع طبيعة المصرف القائم على أسس شرعية دينية إسلامية.
ومع أهمية المصرف في حياتنا اليومية – غالباً – إلا أنَّ بعض الباحثين يشير إلى عدم وجود تعريف منضبط للمصرف، وأنَّ كُلَّ ما ذُكِرَ إنَّما هو ذكر لبعض المعايير والأعمال التي يتميز بها المصرف، وليست التعاريف جامعة مانعة([8]).
ويُبَرَّر ذلك بأنَّ الأعمال المصرفية ليست مُحَدَّدَةً ثابتةً، بل هي متلونةٌ مع الحاجات والظروف، كالماء ليس له لون، ويحكي كل لون حسب الإناء الذي يوضع فيه.
ومهما يكن من أمر، فقد ذكر باحثون آخرون تعريفات للمصرف، منها:
[أي هيئة محلية يتعلق عملها بالمال، ويُخوَّل لها سلطة خصم وتداول السـندات الإذنية، والكمبيالات، وغيرهما من مستندات الديون الأخرى، ومن أعمال قبول الودائع المالية والأوراق التجارية، وإقراض النقود بالضمان العقاري أو الشخصي، وشراء وبيع السبائك الذهبية والفضية والعملة الأجنبية المعدنية، أو الكمبيالات]([9]).
وبإضافة كلمة ((المصرف)) إلى كلمة أخرى، تظهر تعريفات أخرى، فمثلاً:
المصارف التجارية، هي: [عبارة عن مؤسسات ائتمانية غير متخصصة تضطلع أساساً بتلقي ودائع الأفراد القابلة للسحب لدى الطلب، أو بعد أجل قصير، والتعامل بصفة أساسية في الائتمان القصير الأجل]([10]).
المصارف الإسلامية، هي: [المؤسسات المالية التي تقوم بعمليات الصرافة واستثمار الأموال بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء]([11]).
وبالجملة يمكن تعريفها بما يأتي: (( مكان يقوم به أشخاص هم هيئة اعتبارية يؤسسون عملاً تجارياً؛ في استثمار الأموال وصرافة العملات، وخدمياً؛ بأجرٍ في تسهيل المبادلات التجارية، وتقريب المتبايعين بضمانته وكفالته)).