إدارة المخاطر في المعاملات المالية المعاصرة
للدكتور محمد علي القري
1- مفهوم المخاطرة :
ان مفهوم المخاطرة لا يكاد يحتاج الى تعريف لأنه مفهوم واضح يستخدمه الناس حتى في محادثاتهم العادية. فإذا قال المتحدث "هناك مخاطرة في أمر ما" فهم المستمع أنه يتحدث عن وضع عدم التيقن بحدوث النتائج المطلوبة واحتمال أن يكون المآل هو إلى أمر غير محبب إلى النفس. وهذا بالضبط ما يقصد بالمخاطرة في لغة الدراسات المالية، فهي تشير الى الوضع الذي فيه إحتمالان كلاهما قابل للوقوع. لا ريب أن الحالات التي نواجه فيها إحتمالاً واحد هي حالات انعدام الخطر. عرفها أحد الكتاب بانها "الحالة التي تتضمن إحتمال الانحراف عن الطريق الذي يوصل الى نتيجة متوقعة أو مأمولة" .
ودراسة المخاطر هي موضوع عدد من العلوم الاجتماعية منها علم الإحصاء، وعلم الاقتصاد، وعلم الإدارة المالية والتأمين. ولا ريب أن نظر كل علم من هذه العلوم إلى المخاطرة له خصوصياته التي ينفرد بها عن الآخر. ومع كل التعقيدات النظرية التي تكتنفها دراسة المخاطر فإن معناها لا يخرج من جميع هذه العلوم عما ذكر أعلاه.
العلاقة بين مفهوم الخطر ومفهوم عدم اليقين :
وللمخاطرة علاقة بمفهوم عدم التيقن. ذلك أن المخاطرة هي إحتمال وقوع أمر غير متيقن الوقوع. أما الأمور اليقينية فلا يكتنفها الخطر ووجود الخطر يولد عدم التيقن. فالتعرض للخسارة في التجارة مخاطرة ولكن إذا وقعت فإنها لم تعد عندئذ مخاطرة بل صارت أمراً يقيناً. وانخفاض القيمة السوقية لأصل رأسمالي هو مخاطرة ولكن انخفاض قيمته نتيجة الاهتلاك (بسبب الاستعمال ومرور الوقت) ليس مخاطرة لأنه أمر متيقن لا محتمل. والعائد على الاستثمار مرتبط بالمخاطرة بصورة عسكية.
فالناس مستعدون لتحمل مخاطر عالية في استثماراتهم إذا قابلها إحتمال تحقق عوائد مجزية. وهو يرضون بعوائد متدنية إذا كانت المخاطر متدنية. وحتى لا يتحمل المستثمر مخاطر عالية مقابل عوائد متدنية. ولذلك احتاج الناس إلى قياس المخاطرة إذ لا يكفي معرفة وجود الخطر بل يلزم أن تعرف مقدار الخطر والتأكد أن المكافأة مساوية لمقدار ذلك الخطر.
قياس المخاطرة :
كما أن مفهوم المخاطرة بسيط وواضح في ذهن الناس، فإنهم يفرقون أيضاً بين مخاطرة عالية وأخرى متدنية. فاحتمال وقوع المكروه يكون بدرجات مختلفة، فخطر الاصابة بأمراض الرئة الذي يواجهه من يدخن ثلاثة باكتات من السجائر يومياً أكبر من ذلك الذي يواجهه من لا يدخن وكذلك فان وجود رصاصة واحدة في المسدس لدى لاعب الروليت الروسية يواجه خطر للموت يقل عن ذلك الذي يواجهه عندما يكون في المسدس رصاصتان وازود من ذلك في حال وجود ثلاثة رصاصات. وبما أن في الخطر قليل وكثير ففيه درجات بين القليل والكثير. وهكذا احتاج الأمر إلى معايير لقياس المخاطر وتصنيفها بطريقة تمكن من التعرف على درجتها بشكل واضح ومقارنة المخاطر المتضمنة في القرارات المختلفة مع بعضها البعض ثم مع العائد المتوقع من الاستثمار. وهناك طرق متعددة لتصنيف المخاطر ولقياسها تقوم بها مؤسسات متخصصة، كما تتبنى البنوك وشركات التأمين مقاييسها الخاصة للمخاطر. وعندما تكون فرص الاستثمار عالية المخاطر فإن ذلك لا يعني عدم إقبال الناس عليها إذا أمكن قياسها وقابلها عوائد مجزية بالقدر الذي يرون إنه ملائم لمستوى تلك المخاطر. لكن الناس لا يقبلون على فرص استثمارية يكتنف قياس المخاطرة فيها الغموض وعدم الوضوح فلا يعرف هل هي عالية أم متدنية المخاطرة. هذا الغموض نفسه يضحى مخاطرة ومن ثم فإن كل استثمار لا يكون قياس المخاطرة فيه واضحاً يعد ذا مخاطرة عالية.
وتعود فكرة إيجاد مقاييس كمية للمخاطر إلى ماركويتز (1959) في مقاله المشهور عن تنويع الاستثمارات ، لقد بدأ ماركويتز دراسته بفرضية ان تكوين المحفظة الاستثمارية يمكن أن يعتمد على متوسط عائد الاستثمار وعلى الانحراف المعياري لذلك العائد. وبينما ان متوسط العائد هو عبارة عن المعدل المثقل لكل أصل تحتويه المحفظة، فإن المخاطرة في المحفظة بالنسبة للمحفظة ستكون أقل كلما كان الارتباط بين الأصول التي تحتويها المحفظة أقل ما يمكن وهي الفكرة التي أطلق عليها: مبدأ التنويع، بناء على ذلك فإنه يمكن القول ان المخاطرة التي يتضمنها إمتلاك أصل من الأصول في محفظة إستثمارية تتكون من عنصرين، أحدهما يمكن جعله ينخفض إلى حد الاختفاء من خلال عملية التنويع التي سبق الإشارة ا ليها، والعنصر الثاني لا بد أ، يتحمله المستثمر. ولذلك فإن نظرية تكوين المحفظة الاستثمارية هو في الواقع الخيار بين تعظيم العائد وفي نفس الوقت تخفيض المخاطرة. ومن جهة أخرى فقد اصبح معامل الارتباط بين الأدوات الاستثمارية (صيغ الإستثمار) عنصراً مؤثراً في تكوين المحفظة لا يقل في أهميته عن الأصول المستثمرة فيها ولم يعد ممكناً النظر إلى هذه الأدوات بمعزل عن بعضها البعض. وتكتسب كل أداة أهميتها م مقدار ما تساهم به في العائد الكلي للمحفظة. ولذلك فإن تطبيق نظرية ماركويتز يحتاج إلى دراية تامة بالمتوسطات والانحرافات المعيارية وبمعدلات الارتباط لجميع الأصول التي يمكن أن تكون منها المحفظة. ثم جاءت النقلة الأخرى على يد شارب ، عندما أثبت ان المستثمر إنما يحصل على عائد مقابل عنصر المخاطرة الذي لا يمكن إلغاءه بالتنويع إذ لماذا يتوقع الانسان ان يحصل على عائد عن مخاطرة لا يحتاج الى تحملها وبإمكانه التخلص منها؟ ولذلك فإنه إذا أخفق في اعمال مبدأ التنويع كما ينبغي فإنه يحمل نفسه مخاطرة لا عائد من وراء تحملها