الخيارات والمستقبليات من منظور شرعي
التكييف الشرعي للمستقبليات والخيارات والمبادرات
والإمكانات العلمية لابتكار بدائل مقبولة لأدوات الوقاء (التحوط) الحديثة
الدكتور علاء الدين زعتري
www.alzatari.org
مدخل:
من نتائج العولمة الاقتصادية التحرر المتسارع لأسواق المال، مما أدى إلى مزيد من التنافس المحموم بين المؤسسات المالية لابتكار منتجات متجددة لسد الخلل الحاصل نتيجة ما يحصل في الأواق المالية العالمية.
فقد أصبحت التقلبات في الأسعار؛ للسلع والفائدة، والعملات والأسهم والسندات أحد الظواهر التي اتسمت بها الاقتصادات المعاصرة.
مما أنتج تقلبات وتغيرات هيكلية شهدتها الاقتصادات، مثل: تعويم أسعار الصرف، والتغير في السياسات النقدية (من استهداف استقرار أسعار الفائدة إلى استهداف نمو القاعدة النقدية) ورفع الحواجز أمام تدفقات رأس المال عبر الحدود الجغرافية والسياسية والتطور الهائل في سرعة الاتصال والانتقال.
هذه التقلبات شكَّلت خطراً كبيراً على مؤسسات الأعمال إذا هدد وجودها وعرضها للإفلاس.
لذلك نشطت المؤسسات المالية في تطوير منتجات ومشتقات مالية بهدف حماية هذه المؤسسات في تلك الأخطار وقد أدى ذلك إلى تطوير مشتقات مالية مكن تلك المؤسسات من إدارة تلك المخاطر وذلك بالتحوط منها ولكن ذلك لم يمنع بعض المؤسسات من استغلال الفرص الاستثمارية المربحة التي خلقتها تلك المشتقات. وعلى الرغم من أن تلك المشتقات لم تستهدف خلق المخاطر لكن عدم فهم طبيعتها أو عدم القدرة بالتعامل معها يؤدي إلى سوء استغلالها وبالتالي إلى أن تكون مصدراً للأخطار، بدلاً من أن تكون وسيلة لتجنبها.
ولقد كان الأثرياء بين المستثمرين الأولين الذين شرعوا في تحويل انتباههم من الأدوات المالية ذات الدخل الثابت إلى الأسهم والمنتجات المتخصصة والاستثمارات البديلة.
وفي هذا الورقة أعرض معنى التكييف الفقهي للمستقبليات والخيارات، ثم أحاول وضع البدائل الممكنة.
ومعنى التكييف: معرفة حالة الشيء وبيان صفته.
ومعنى الفقهي: هو نسبة إلى الفقه، وهو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.
والتكييف الفقهي مصطلح حديث الاستعمال في الكتابات والأبحاث الفقهية، وهذا لا يعني أن الفقهاء لم الأولون لم يستخدموا التكييف الفقهي، بل إنهم قاموا بذلك عملياً، وإنا كان ذلك بمسميات أخرى؛ مثل: حقيقة الشيء، وماهية الشيء، وطبيعة الشيء، والقياس، والتخريج الفقهي، والأشباه الفقهية.
التكييف الفقهي في الاصطلاح: هو إلحاق عقد بعقد معين شبيه به من العقود التي عرفها الشارع، وعندئذ يُعطى العقد الملحق الحكمَ الذي رتبه الفقهاء على العقد الملحق به؛ من صحة أو بطلان وفساد؛ وذلك بالنظر في الأركان والشروط. [شهادات الاستثمار، علي الخفيف، ص 11].
أو هو تطبيق النص الشرعي على الواقعة العملية. [الفتاوى، د. يوسف القرضاوي، ص 72].
التحوط وأدواته:
تقوم البنوك بالتحوط (Hedging): وهو الاحتماء من خطر تقلبات الأسعار في: المواد الأولية والبضائع، وصرف العملات، والأوراق المالية.
وكمثال على ذلك لو أن تاجراً سورياً اشترى بضاعة من الولايات المتحدة الأمريكية بمبلغ مليون $ تُدفع بعد 3 أشهر، وكان سعر الصرف وقت العقد 50 ليرة؛ فإذا بقي سعر الدولار ثابتاً فإن عليه أن يدفع 50 مليون ليرة، أما إذا ارتفع سعر الدولار 10% فإن عليه أن يدفع 55 مليون ليرة، أي زيادة قدرها 5 مليون دولار.
وللحماية والتحوط من تقلبات الأسعار يحاول أحد الأمور الآتية:
حل أول: يشتري الآن مليون $ ويحوزها عندها ليدفعها وقت تنفيذ العقد، غير أن لهذا الأمر مساوئ اقتصادية من حيث تجميد أمواله وتقليل السيولة النقدية لديه.
حل ثاني: يمكنه استثمار المبلغ خلال المدة التي ينتظر بها دفع الالتزام.
وهذان الحلان لا إشكال فيهما من الناحية الشرعية.
حل ثالث: ابتاع أسلوب المراجحة (Arbitrage) الزمانية والمكانية، وتعني: شراء شيء لإعادة بيعه في زمان آخر أو مكان آخر.
حل رابع: يشتري من احد المصارف مليون $ بسعر صرف يتفق عليه يقبضها بعد ثلاثة أشهر، وهذا صرف مؤجل غير جائز؛ سداً للذريعة، أما إذا كان الأمر على سبيل المواعدة على الصرف فجائزة، ولكن بشرط أن تكون المواعدة غير ملزمة.
وهنا يأتي دور المصرف الذي وعد العميل بالصرف، وأمامه أحد أمرين:
أ – يشتري مليون $ ويستثمرها بعائد ثابت محدد، مع أنه بذلك يخسر عائد استثمار الليرات، فيلجأ إلى حساب الفرق بين العائدين، فإذا كان عائد استثمار الدولار أكبر من عائد استثمار الليرة فالمصرف يحط من سعر الصرف ويكون الفرق لصالح العميل، أما إذا كان عائد استثمار الدولار أقل من عائد استثمار الليرة فإن المصرف يزيد من سعر الصرف على العميل بمقدار الفرق.
وفي هذا الأمر إشكال شرعي من حيث عدم تحديد سعر الصرف بين المصرف والعميل.
ب- القروض المتبادلة بين المصارف؛ لأغراض التحوط، وهذه القروض المتبادلة جائزة من الناحية الشرعية ولو اختلف العملات بين القروض المتبادلة، ولو لم تتكافأ؛ إذ لم يعتبر ذلك صرفاً، بل هو من قبيل وضع كل مصرف مَا لَهُ من عملات أجنبية تحت تصرف الآخر؛ فهو إذن من قبيل التبرع بالإقراض من كل طرف للآخر قرضاً مؤجلاً، وهذا الحكم مخرَّج على قول فقهاء المالكية في جواز تأجيل القرض، مع ملاحظة أن لا يُصار بالمسألة إلى درجة الاشتراط: أقرضك بشرط أن تقرضني، فعندها تصبح المعاملة غير جائزة.
حل خامس: تستخدم البنوك أدوات عديدة، منها:
• عقود الآجال (Forwards).
• المستقبليات (Futures).
• الخيارات (Options).
• المقايضات (Swaps).