الفصل الأول: محاولة بناء تصور للاقتصاد الخفي ( économie informelle)
تمهيد: يغطي الاقتصاد الخفي مجالا واسعا جدا، فهو يحتوي على مفاهيم عديدة ومتنوعة وتعاريف وتصورات لوقائع مختلفة، وباستعمال هذه العبارة دون تمييز فهي تزيد من احتمالات الغموض في فهمها وكذا الإستراتجية التي ينبغي إنتاجها لهذا ينجر عنها مواقف متناقضة ذات طابع سياسي واقتصادي واجتماعي.
وعليه يقدم كل أخصائي وخبير اقتصادي، ومختص في الإحصائيات، وخبير جبائي أومالي وعلم اجتماع ورجل قانون وخبير في قانون العمل، أو في القانون الاجتماعي... تعريفه الخاص للقطاع الخفي ( غير الرسمي )، مفضلا زاوية خاصة به، مرتبا معايير التعريف حسب ميدان اختصاصه مركزا أهدافه على متطلباته الحالية والمسبقة.
وانطلاقا ن هذه الاعتبارات يظهر التعقد الشديد للمسألة في مقاربتها ومميزاتها وتقديراتها التي تشكل رهانا أساسيا للاقتصاد الوطني والمجتمع.
وانطلاقا من ذلك يتعين ن الضروري الاستعانة بأفكار وأراء وجهات نظر الفاعلين والخبراء كل في مجاله، من أجل ضبط كل فروعه وتشعباته ( القطاع الخفي، غير المراقب، العمل في السوق السوداء، الموازي، غير الشرعي، غير القانوني، الاقتصاد غير الرسمي، الاقتصاد غير المصرح به، النشاطات غير الرسمية...الخ، ولتوضيح المصطلحات المرجعية على المستويين التصوري والمنهجي من جهة، والمصادر الأساسية المغذية لهذه الآفة، وكذا عامل انتشارها في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، من جهة أُخرى.
وقد تمحورت أفكاري وانشغالاتي في هذا الفصل من البحث حول الجوانب الآتية:
توضيح التعاريف ومعايير التقويم والقياس.
تقدير أهمية الظاهرة في مختلف خصائصها ومظاهرها
كيف ولماذا انتشرت هذه الظاهرة في الجزائر وفي العالم
الأطراف الفاعلة الظاهر والخفية لهذه الآفة.
الرهانات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنها
المبحث الأول: مفهوم وأشكال ومناهج تقويم الاقتصاد الخفي
إن آفة الاقتصاد الخفي تسجل تطورا مذهلا، وعلى الرغم من الجهد المبذول حديثا للتحكم في هذا المفهوم والتوضيح المنهجي، فإن المحاولات الرامية إلى الوصول إلى تعريف دقيق للاقتصاد الخفي يقبله الجميع والتي تمت حتى الآن تبين أنها غير مثمرة، خاصة وأن هذا المصطلح يشمل تشكيلة من الوضعيات وعددا كبرا من الحقائق غالبا ما تكون متراكبة.
ولأخذ نظرة شاملة عن هذا المفهوم، يجب الوقوف عند أهم الأشكال المكونة له، وهذا ما سنتطرق غليه في المطلبين المواليين بحول الله.
المطلب الأول: مفهوم الاقتصاد الخفي
لاتزال النظرية حول الاقتصاد الخفي غير مستكملة في غياب التقبل النهائي لتعريفه، كما أن المعايير والمقاييس المستعملة لتحديد مجال نشاطه لاتزال محل نقاش.
وفي هذا الصدد ظل القطاع منذ أكثر من ثلاث عشريات يثير الدراسات والأبحاث التي شرع في جزء كبير منها مكتب العمل الدولي ومنظمة العمل الدولية( ).
وقد أفضى تعدد الدراسات وتنوع مقارباتها وكذا توجيهها إلى نتائج محتشمة، غير أن ذلك لم يساعد على بروز تعريف موحد وعملين بل على عدة تعاريف تقوم على بعض المعايير والخصائص مرتبطة أساسا بالنشاط.
ويعود التعريف الأول للاقتصاد الخفي الذي قبله مكتب العمل الدولي ودعمته منظمة العمل الدولية، إلى سنة 1972، وقد تمت صيغته على أساس نتائج تحقيق أُنجز في كينيا استنادا إلى معايير كان قد حددها سنة 1971 كيث هارات ( خبير مستقل)( )
ويعتبر كل نشاط خفي إذا توفرت فيه على الأقل المعايير السبعة الآتية:
1) سهولة دول السوق
2) استعمال الموارد المحلية
3) الملكية العائلية للمؤسسة
4) نشاطات على نطاق صغير
5) التكنولوجيا ذات الكثافة العليا في العمل
6) التكوين المكتسب خارج النظام المدرسي
7) أسواق ذات المنافسة غير المنظمة
وقد أوضح تقرير مكتب العمل الدولي لسنة 1993 خصائص الاقتصاد الخفي كالآتي:
" هو مجمل النشاطات الصغيرة المستقلة بواسطة عمال أُجراء وغير أُجراء، والتي تمارس خاصة بمستوى تنظيمي وتكنولوجي ضعيف، ويكمن هدفها في توفير مناصب شغل ومدا خيل لأولئك الذين يعملون بها، وكما أن هذه النشاطات تمارس بدون الموافقة الرسمية للسلطات ولاتخضع لمراقبة الآليات الإدارية المكلفة بفرض احترام التشريعات في مجال الضرائب، والأُجور الدنيا والأدوات المشابهة الأخرى المتعلقة بالقضايا الجبائية وضر وف العمل."
وحسب المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي" الاقتصاد الخفي هو مفهوم وطرح اقتصادي وسوسيولوجي يُستعمل للدلالة على جزء من الاقتصاد وكذلك نموذج ومنوال إنشاء الشركات، بحيث يعتبر شاذا مقارنة بالمؤسسات النظامية وكل ما يتطلبه إنشاءها من توفر عناصر تبدو أحيانا شبه بديهية مثل: التسجيل الجبائي، التسجيل في السجل التجاري، التوظيف الشرعي للعمال، الاشتراك في صندوق الضان الاجتماعي التمويل من القنوات المصرفية الرسمية، التسيير الرسمي والقانوني"( )
كما عرفه الأستاذ بودلا ل علي "يعرف على أنه مجموعة أو سلسلة من النشاطات اللاشرعية تنشأ على هامش الاقتصاد الرسمي، تمارس من طرف أفراد أو جماعات محترفة الميدان هدفها الأساسي الربح السهل والسريع، التهرب من الضرائب ومن المراقبة، إقبال الأفراد عن هذا النوع من النشاطات ورفضهم الانضمام إلى النظام الرسمي"( )
وعليه واستفادة من التعاريف السابقة يمكن استنتاج أو تبني التعريف التالي:
" تكتمل المعايير المذكورة آنفا بالخصائص الاقتصادية والاجتماعية التالية: تتمثل نشاطات الاقتصاد الخفي أساسا في وحدات تهدف إلى التشغيل الذاتي أو إلى إنشاء وظائف عائلية والبحث عن فرص لتحقيق المداخيل، وهي ذات تنظيم ضعيف، وتعمل على نطاق ضيق بشكل مميز مع ضعف أو انعدام التقسيم بين العمل ورأس المال بإعتبارهما عوامل إنتاج، وعلاقات العمل إن وجدت فهي تقوم بشكل خاص على التشغيل المؤقت والعلاقات العائلية أو العلاقات الشخصية والاجتماعية بدلا من أن تقوم على اتفاقات تعاقدية تتضمن ضمانات للأُصول المتبعة"
أو بعبارة أُخرى نقول "أن الاقتصاد الخفي هو قطاع إنتاج السلع والخدات كونه أكثر دينامكية ولكنه بمعزل عن الضريبة، حيث يتم من خلاله إنشاء قيمة مضافة أكثر ارتفاعا وبالتالي مدا خيل مرتفعة جدا"
وغالبا ماتم انتقاد عبارة "قطاع" فهي توحي بوجود قطاعين منفصلين تماما ولا وجود لأي علاقة بينهما، ولكن هناك العديد من الصلات ...ويمكن إدراج الجدول التالي الذي يبرز المقارنة بين الاقتصاد الخفي والحقيقي( ):
الأهداف الرئيسية للقطاع الحقيقي ( الرسمي )
تحقيق أقصى حد من الربح في السوق
دخول مقنن، وجود نقابات
تطبيق تشريع العمل
الاستفادة من القروض الوطنية والأجنبية
دفع الرسوم والضرائب
أُجور وعقود العمل
* تنظيم السوق:
حواجز عند الدخول
علامات مسجلة، منتجات معيارية
أسواق محمية ( الحصص، الرخص، الرسوم )
* التكنولوجيا:
عصرية ومستوردة
الاستعمال المكثف لرأس المال
إنتاج واسع النطاق
الأهداف الرئيسية للقطاع الخفي
تحقيق مدا خيل في السوق
سهولة الدخول ، عدم احترام القواعد
انعدام تشريع العمل
التميل الذاتي
عدم دفع أي رسوم أو ضرائب
التشغيل الذاتي، الأُجرة على الوحدة المنتجة
* تنظيم السوق:
غياب الحواجز عند الدخول
منتوجات مقلدة
أسواق غير محمية
* التكنولوجيا:
تقليدية، مكيفة، مُنشأة
الاستعمال المكثف للعمل
وحدات إنتاجية صغيرة ومتنوعة
المصدر: الاقتصاد غير الرسمي أوهام وحقائق ص: 41 ( cnes ) جوان 2004