البطالة مظهر من مظاهر الركود والكساد الاقتصادى ، شأنها في ذلك شأن كثر من الظواهر التي تظهر علي سطح الاقتصاد، منها عجز الموازنة ، وعجز ميزان المدفوعات ، وتراجع معدل النمو . ومن ثم يكون من الخطأ دراستها منعزلة عن المنابع التي توفر لها مناخ التراكم أو تجفف لها هذه المنابع .
وعادة يستبعد الاقتصاديون عند دراستهم لهذه الظاهرة البطالة الاختيارية ، أى التي يفضل صاحبها عدم العمل كأن يكون له دخل من ثروة مثلا . كما يستبعدون عند التحليل ظاهرة البطالة الموسمية التي تتراجع حينا وتظهر حينا آخر وفق موسم الطلب علي العمل كالحصاد مثلا .
والذى يعني الاقتصاديون في الدراسة هو البطالة الإجبارية التي يكون فيها العامل مستعدا للعمل راغبا فيه ولا يجده .
وابتداء يجب التحذير من الخلط بين ظاهرة البطالة في الدول المتقدمة ومثيلتها في البلاد المتخلفة ، فظاهرة البطالة في الدول المتقدمة ترجع إلي أسباب هيكلية ، وهذه يطول الحديث عن ظواهرها . ولكن حسبنا أن نسوق هنا علي سبيل المثال الربا . فسعر الفائدة تكلفة علي الربح تحجب التوسع في التنمية وبالتبع تشغيل قطاع معين من العمال . أيضا ظاهرة الاحتكار ، فالاحتكار يغلي الأسعار عن طريق التحكم في الإنتاج بتقليله ، لأن المحتكر لايستطيع أن يرفع الأسعار ويزيد الإنتاج في نفس الوقت . وينتج عن تخفيض الإنتاج نقص التشغيل للعمال عند الحد الأقصي . وهذا درس يجب أن يتعلمه البشر يبين فيه ربنا تبارك وتعالي كيف أن الحرام يسبب من المشاكل التي يستعصي حلها دون إزاحته . وهذه المشكلة لها تداعياتها الخطيرة في الدول المتقدمة ، لأنها أصبحت مزمنة تسبب كثير من المشاكل والتناقضات . فحيث توجد الوفرة توجد الحاجة . وإن كانت الدول المتقدمة تعالج هذه الظاهرة بنظام إعانة البطالة التي تموله من استغلال مقدرات العالم الثالث باحتكارها للتجارة العالمية واستنزافها لموارده عن طريق معامل التجارة الخارجية الظالم . وحتي هذا المسكن أفرز سلبياته ، فأستاد المالية العامة المعاصر في أمريكا ويسمي مسجريف يقول في كتابه عن المالية العامة :" هذا البرنامج يساعد علي أن لا يحفز العامل علي قبول العمل الذى يعرض عليه مرتكنا علي هذه الإعانة ، ويرى تحويل الإعانة إلي توفير فرصة عمل ."
أما البطالة في بلادنا فلها شأن آخر ، فهي ليست بطالة هيكلية تظهر في مجتمع الوفرة بارتكابه الحرام ، وإنما بطالة بنيوية تظهر في مجتمع التخلف نتيجة عديد من الظروف . منها تقليد مجتمع الوفرة واستخدام أدواته وأساليب حياته دون مراعاة للصالح منها والفاسد ، ولعل تجربتنا مع الاشتراكية أقرب مثال . كذلك عدم الإدراك الواعي لاختلاف الأزمة عندنا أزمة اختناق طاقة الإنتاج وانخفاض مستوى القدرة علي الطلب علي الاستهلاك ، والأزمة عند الدول المتقدمة أزمة اختناق الاستهلاك وتصريف السلع .
نسوق هذه المقدمة الضرورية قبل الخوض في مشكلة البطالة عندنا ، كرد فعل للتصريح المستفز من السيد رئيس الوزراء عن البطالة في بلدنا . فقد قال في تصريح في أهرام 30 ديسمبر سنة 2000 أن معدل البطالة في مصر لايتجاوز 9ر7% وفق المعايير الدولية المتفق عليها ، وهو معدل يأتي بقسمة عدد العاطلين الذى يبلغ 4ر1 مليونا علي قوة العمل القادرة ، وهو عندنا 18 مليونا . ولما كان معدل البطالة في دولة كألمانيا وفرنسامثلا 11% وإنجلترا 8% فلم القلق ؟ وهذا هو مكمن الخطر في هذا التصريح المستفز . وللحديث بقية .
(8-2)تحدثنا في المقال السابق عن تصريح السيد رئيس الوزراء عن البطالة في مصر ، وكيف أن الأمر مطمئن للغاية ، وأن المعدل عندنا أقل عن مثيله في الدول المتقدمة . والإنسان منا يصاب بالذهول من تبسيط الأمور بهذا القدر . وليس ذلك أول تصريح مقلق ، فقد سبقه التصريح بأن معدل الدين المحلي في أمان ، رغم تجاوزه في الإحصاءات الرسمية معدل الأمان . والأمر إلي هنا مقدور عليه لو كان هناك شفافية وإحساس بالخطر وتحفيز للناس لمواجهته ، ومصارحتهم ليقدموا التضحيات عن طيب خاطر ويتخلون عن عدم المبالاة واهتزاز الثقة . ولكن المخيف أن يقال أن يكون التطمين بأسلوب مقلق ، فيقول السيد رئيس الوزراء أن عندنا من ثروات مصر ما يغطيه كقناة السويس ومؤسسة الكهرباء . فهل هذه المؤسسات للبيع ؟ وهل أنفق عليها الدين المحلي وهي تسبقه بعشرات السنين ؟ ومن ذلك علي سبيل المثال ، التهوين من أساليب التمويل المصرفي المعتمد علي الإقراض وما ترتب عليه من تعثر ، فيفاجئنا محافظ البنك المركزى أن لدى المصارف من الاحتياطيات ما يغطي هذه الانحراف والتسيب ، وذلك في وقت تفيح رائحة جرائم نواب القروض .وذلك تحت دعوى حماية النظام النقدى من الاهتزاز ، وهذا مطلوب ، ولكن هل هذا الاحتياطي الذى كان المفروض أن يخصص لمزيد من التنمية ، يصح استخدامه ليغطي هذه الجرائم أو يتجاوز به عن هذه الانحرافات وعدم البحث عن أسلوب لتحجيمها سواء من ناحية القانون أو من ناحية تغيير أدوات التمويل . إن خطورة مثل هذه التصريحات قد يحمي أشخاص أو نظام ، ولكنه شديد الخطورة علي مستقبل التنمية والتطور في بلادنا .
إن هذا يذكرني بظاهرة الإدراة التي تؤدى إلي السلبيات . فعلي سبيل المثال مدير مؤسسة تحقق عنده لسبب خارج عن إرادته خسارة ، فالمصارحة بها يفقده بعض من هالة الا المقدرة الفذة التي أحاط بها نفسه وغذتها بطانته ، وقد يفقد بذلك بعض مخصصاته وامتيازاته ، فيندفع لتغطيتها أملا في تجاوزها ، ولعدم سلامة أسلوب العلاج تتضاعف الخسارة ، فيضطر إلي استعمال أساليب أكثر خطور مقامرة في تجاوزها ، وهكذا لايترك المؤسسة ولا ينفضح أمره إلا بعد أن أوصلها إلي مرحلة لا يصلح معها علاج أو ترميم .
وكان لابد من هذه المقدمة أيضا في طرحنا لتصريح السيد رئيس الوزراء عن البطالة . فلا بد من الشفافية والمصارحة لكسب ثقة الناس وتأهيلهم للبذل والتضحية ، ولابد من الاعتماد علي أساليب علمية في البيان والاعتماد علي أهل الكفاية قبل أهل الثقة في الدراسة والفحص لتترشد الخطي وتتواصل الإنجازات ، وهذا يدعونا إلي التأكيد إلي أهمية توسيع النطاق المسموح به للمعارضة فهي قادرة علي التحرر من قيود الذاتية في الإدارة وتستطيع أن تساهم بفاعلية في كشف الانحرافات قبل استفحالها ، وفي تصحيح الأخطاء قبل تفاقهمها . وتقويتها وتغذيتها بالعناصر القادرة واجب وطني لمن يحب بلده ويتلهف إلي نهضتها
ومن المعروف في علم الإحصاء والاقتصاد ، أن أساليب الرياضة والرسوم البيانية التي يعتمد عليها في دراسة الظواهر الاقتصادية ، يغلب عليها الطابع الساكن ، وتقوم علي افتراضات إذا تغير أحدها لم تصح المعادلة ولم يصح الرسم البياني . ومن الصعوبة بمكان الاعتماد عليهما في شرح الظواهر الديناميكية أو التي تتصل بمتغيرات كثيرة كما هو الحال في الاقتصاد القومي . فهل علي سبيل المثال نستطيع أن نعزل ظاهرة العمل عن دخل العامل وعدد من يعولهم ؟ ولايمكن المقارنة بين نتائج المعدل في الدول المتقدمة التي يرتفع فيها الدخل وتصرف إعانة بطالة وتحترم فيها التخصصات ، بنفس المعدل في الدول المتخلفة التي هي علي العكس تماما . وثانيا أن آخر مسح للبطالة كان سنة 1996 والأرقام المطروحة كلها مأخوذة عن طريق أسلوب العينات،كما أوضح المسؤولون.وللحديث بقية .
(8-3) لقد وعدنا الدكتور عاطف صدقي بالرخاء سنة 1995 بعد سنوات التقييد النقدى والمالي ، كرفع سعر الفائدة وضريبة المبيعات . وهو فعلا كان يصلح الجهاز المالي للدولة ولكنه كان يجفف عوامل النمو في الاقتصاد القومي عن طريق القطاع الخاص . وجاء الدكتور الجنزورى لييعدنا بالخير العميم عن طريق المشاريع الكبيرة والخروج من المخنق الضيق إلي الأفق الواسع ، وذلك دون دراسة جادة بالقدرات الاستراتيجية المالية والتنموية لهذا التوسع . ثم جاء الدكتور عاطف عبيد في هالة من الحديث عن الخصخصة والشراكة والتكنولوجيا ، يشكو العبء الثقيل من تراكم هذه السلبيات ، رغم أنه كان واحد من صناعي في كلتا الوزارتين السابقتين له ، وأملنا خيرا ، ولكن هذه التصريحات المتسرعة أصابتنا بالإحباط . إننا لاننكر أيها السادة صعوبة الأمر علي المسؤولين سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا ، وندعو لهم أن يعينهم الله في مهمتهم الصعبة ، ولكن من حقنا أن ننصح دون حساسيات لأن الأمر أمر مستقبل مصر الذى يعلو علي كل حساسية وعلي جميع الأشخاص
إن البطالة في العالم الثالث وفي بلدنا ليست مكشوفة كما هو الحال في العالم المتقدم ولكن يغطيها عديد من الظواهر ، منها :
1- البطالة المقنعة : فكثير من المقيدين في كشوف العمل يعتبرون عبءا علي الاقتصاد . علي سبيل المثال أسرة عندها فدان أرض أو ورشة تحتاج إلي عاملين لتشغليل كل واحد منهما . ولكن نظرا للبطالة الجاثمة ، وبقاء الروابط الإسرية ، يعمل في كل منهما أربعة بدلا من اثنين . وهي ظاهرة منتشرة عندنا فهل المعدل المذكور يعطينا دلالة حقيقية علي كفاءة الإنتاج وبالتالي معدل البطالة في بلدنا ؟
2- تشوه سوق العمل : من الواضح أنه لصعوبة الحصول علي عمل يتناسب مع الكفاءة ، فإن العامل خصوصا المؤهلين منهم يقبلون أى عمل يعرض عليهم . وبالطبع فإن هذا العامل قد أنفق عليه من الاستثمار القومي مبلغا كبيرا ، ولا مردود لهذا الاستثمار .
3- بطالة نظام التعليم : وهذا يتصل بالسبب السابق خذ ففي تصريحات وزير القوى العاملة في أهرام 22-12 و29-12 كيف أن خريجي التجارة والحقوق والآداب يمثلون أكبر قطاع من الخريجين ، وأكبر قطاع من البطالة حيث تصل في خريجي التجارة إلي أكثر من 34% . معني هذا أننا ننفق الاستثمار في التعليم ليسقط في بلوعة لا تظهر أبدا علي سطح التنمية ، ثم نقف لنتساءل عن سر هذا الجمود في التنمية ؟ وترتفع الصيحات عن إصلاح نظام التعليم ، ونتباهي بمجانيته ، ولا يتخذ إجراء معقول لعلاج هذا الخلل .
4- عمل الإناث : تبلغ أعداد الإناث في قوة العمل في أرقام الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء 5ر2 مليون تبلغ نسبة البطالة بينهن 20% ، وهي نسبة يشير الجهاز إلي خطورتها في أهرام 22-12-2000
وابتداء لانزايد عل حق المرأة في العامل ، فصاحب المقال يرى واجبا تعليمها ويرى جواز عملها عند الحاجة . ولكن المشكل هو الخلط بين طبيعة عمل المرأة وطبيعة عمل الرجل . ويذكرني هنا إحصائية نشرت بروسيا إبان قمة مصادمتها فطر البشر، حيث تبين أن الرجال الذين يعملون في المطابخ والمغاسل وحضانة الأطفال أصبح يمثل قدرا أكبر وأكثر تكلفة مما لو قامت به المرأة . وعمل المرأة كربة بيت يضاف إلي قائمة التشغيل لا قائمة البطالة ، لما لها من دور هام في تربية النشأ وتوفير محضن الرحمة التي تفرز الشخصية السوية لبناء المجتمع .
ولا يخفي علي منصف طبيعة السلبيات التي نراها في عمل المرأة أيام نظام القوى العمالة في تشغيل الجميع، وتراكمهم في الوظائف دون فاعلية ودون إضافة إنتاجية وتفويتها الفرصة علي الرجال .
أليس من الأولي في هذه الأزمة العاتية أن يعمل الرجال ، ليزداد قطاع الزواج والأسرة ، بدلا من مزاحمة الرجال وانتشار العنوسة والكآبة والانحراف .
5- جذب نمط الاستهلاك الغربي : مما أدى إلي تخريب القرية التي كانت مكتفية ذاتيا ، وبها صناعات ريفية تعتمد علي مواردها ، نسيج وسكر ومنتجات ألبان ، فبعد أن كان الفلاح حين يشترى الرغيف من المخبر يتوارى من القوم ، أصبح يعتمد علي الشراء منه . لقد أصبحنا من أكبر الدول المستوردة للغذاء . وتحول العامل من القرية إلي صناعة الخدمات بالمدينة ، وازدحمت المدينة وخربت القرية ، وتهنا عن هذه الحقيقة فأصبحنا نجرى تجارب علي ما يسمي بالقرية الذكية . ترتب علي هذا عمالة ظاهرية مع نقص إنتاجية . ومن هذا أيضا خروج عناصر العمالة الماهرة إلي الخليج ، وأصبح يقوم بعملها عدد أكبر من العمالة غير المؤهلة، ولم يتحول مردود عوائد العمالة المهاجرة إلي استثمارات إنتاجية وإنما نهم استهلاكي . فزاد عدد المشغلين كما وقل نوعا وكفاءة .
6- حجز الوظائف للمعارف : هناك قطاع من الأعمال التي يرتفع في الأجر والحوافز كالطيران والبترول مثلا ، تحجز فيها الوظايف للأبناء والأقارب وأصحاب النفوذ ، مع إعلانات وهمية بالطبع ، دون نظر إلي كفاءة العامل أو عطاؤه . وهذا بالطبع ينعكس علي القيمة المضافة للمجتمع من إزاحة أهل الكفاءة ، وعلي القيمة المخصومة من المجتمع بإهدار الاستثمار في الخبرة والتعليم .
كل هذا يدعو إلي التشكك في صحة هذه الظاهرة . بالإضافة إلي أن كثير من مؤشرات الاقتصاد القومي تبين أنالاقتصاد لم يصل إلي مرحلة العافية بعد . فعجز فوفقا للتقديرات الأولية لموازنة 1999 بلغ العجز الكلي 3ر12 مليار جنيه أى 7ر13% من الناتج القومي . يمول من مصادر محلية مصرفية وغير مصرفية .هذا بالإضافة إلي 7ر1 مليار لسداد جانب من الالتزامات الخارجية ، ونقص الاحتياطي من العملات الأجنبية بمقدار الثلث ، كما لازال عجز الميزان التجارى عاليا فقد وصل هذا العجز سنة 1998-1999 حوالي 18 مليار دولار ، والتقدم في الصادرات محدود . وقد وصلت الضرائب والدين المحلي إلي اقصي ما يمكن بحيث نقطع أنه لايمكن زيادتها . ومن هذه المؤشرات الكلية نقطع أن معدل البطالة هكذا الذى يقترب من الدول الغنية به خطأ ما لابد من مراجعته . كل هذا لانلوم عليه أحدا ونتعاون علي الخروج منه ولكن المشكل هو عدم إشراكنا في هذه الهموم ، واستثارتنا بتصريحات تفقدنا الثقة فيما يقال .
وهنا يستدعي الأمر أن نذكر الصندوق الاجتماعي الذى قام أساسا بهدف محاربة البطالة ، كمؤسسة مساعدة لعملية التنمية في إيجاد فرص عمل . ويتعامل الصندوق بأسلوب الضمانات والفوائد شأنه شأن مؤسسات البنوك ، وعندما سئل مدير الصندوق عن موقف الصندوق من المتعثر في السداد والموقف من العامل ، أجاب مدير الصندوق ، لا فض فوه ، أن هذه مؤسسة استثمارية لا مؤسسة خيرية . ومن ثم فإننا لا يمكن أن نعتبر هذه المؤسسة ذات خصيصة متفردة كعامل مساعد في تلطيف البطالة ، من وجهة نظرنا التي ستطرح بعد ، وإنما مؤسسة استثمارية شأنها شأن بقية مؤسسات التمويل
(8-4)ومن طبيعة كاتب المقال أن يذكر بعد طرحه للسلبيات أسلوب العلاج ، فهذا أمر ضرورى لنخرج من الدائرة المرذولة التي تقوم علي إجادة تحليل الأزمات دون تقديم العلاجات وطرح أساليب استمرارية العافية ، والقدرة علي النبؤ بالأزمة لتلافيها .
بالطبع كما قلنا أولا أن علاج هذه الأزمة لايمكن إنجازه دون الرجوع إلي أصله وهو التنمية ، فالعمالة والتنمية ، والركود والبطالة ، وجهان لعملة واحدة . وقد سبق لنا الحديث عن هذا في مقال سابق عن الأزمة أنها أزمة ركود لا أزمة سيولة وطرحنا فيها ما وفقنا الله إليه من علاجات .
ولكننا هننا نكمل هذه المسيرة التي تعتمد علي قاعدة أن الإسلام هو الحل ، في أدوار مساعدة لعلاج مشكلة البطالة ، سواء كان ذلك كمشكلة في حال التقدم أو في حال التخلف .
وعلاج مسألة البطالة من منظور إسلامي تعتمد علي ثوابت مشروعه الحضارى ، الذى يقوم علي عنصرين : صوت التضمير من الداخل ، وهذا يحققه بالعقيدة التي تعمر القلب وتولد الحافز.وسلامة المنهج في التطبيق وهذا يضمنه حكم الله العليم الخبير الذى رحم به العباد من التخبط في ظلمات الأيدولوجيات الشقية .
أما بالنسبة للعامل الداخلي فذلك يحققه الإسلام باعتباره العمل الصالح قنطرة العبور إلي نعيم الدنيا والآخرة . يقول الله تعالي : ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة . ويقول رسول الله صلي الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة : إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه * حير الكسب كسب العامل إذا نصح .
والإسلام يقدم بشريعته العلاجات المساعدة لمسألة البطالة ، عن طريق التحكم في أساليب إعطاء الزكاة ومصارفها0. فقد رأى الفقهاء أن من ضمن مصارف الزكاة الهامة ، توفير أداة الاحتراف للعامل عن طريق الإعانة لا الاسثمار ، وإعانة الغارم الذى أحاط به الدين في غير معصية عن طريق المساعدة أيضا لا عن طريق القرض .
أما بالنسبة للعامل المتعطل فيقول النووى في المجموع ج6 ص 192 :" إن كان من عادة العامل الاحتراف ، أعطي ما يشترى به أداة حرفته . أو آلات حرفته ، قلت قيمة ذلك أم كثر ت ، ويكون قدره بحيث ما تحصل له من ربحه ما يفي بكفايته غالبا تقريبا…. ويختلف ذلك باختلاف الحرف والأزمان والأشخاص ."
وأما بالنسبة للتعثر فيقول الباجي في كتابه المنتقي ج2 ص 54 :" يجب أن يكون الغارم علي هذا الوجه من تنجزه حاله بأخذ الزكاة ، ويتغير بتركها . وذلك أن يكون له أصول يستغلها ويعتمد عليها ، فيرى دين يلجئه إلي بيعها ، ويعلم أنه إذا باعها يخرج عهن حاله ، فهذا يءؤدى دينه من الزكاة ."
ويحرص الإسلام علي قيام العدالة في سوق العمل ، مما يحقق العوض للدولة عن استثمار أموال شعبها في تجهيز القوى العمالة ، سواء بالعلم والتكنولوجيا أو بالخبرة والتدريب . واجتثاث أساليب المحسوبية وخيانة أمانة المسؤولية في التشغيل . فمن صلاح الأمم وضع العامل المناسب في المكان المناسب . يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة : مامن وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة * وما من عبد استرعاه رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة
يقول ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية ص 13 : " يجب علي ولي الأمر أن يولي علي كل عمل من عمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من ولي من أمر المسلمين شيئا فولي رجلا لمودة أو قرابة بينهما ، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين
المصدر: مقال للدكتور كمال يوسف رحمه الله
http://www.yusufkamal.com/art3.htm