التكامل العربي هو خيار مشروع النهضة الاقتصادية العربية في القرن الحادي والعشرين.
إنَّ أولى اهتمامات علم الاقتصاد: العمل والدخل والإنفاق والاستثمار، ولقد تطورت الأفكار الاقتصادية مع تقدِّم الإنسان وازدياد درجة وعيه، ولكن نلاحظ عدم تمكن الاقتصاديين من إعطاء تفسير محدَّد متَّفق عليه للوقائع الاقتصادية، وعجزهم عن تقديم حل حاسم وناجح لأي مشكلة اقتصادية ملحة، فكانت مقدمة ورقة العمل التي قدمتها في المؤتمر العلمي الثالث عشر لاتحاد الصحفيين العرب في بيان أسباب قصور التحليل الاقتصادي، عل ذلك يكون موضع دراسة متعمقة للتغلب على المشكلة القائمة.
ويمكن إعادة أسباب قصور التحليل الاقتصادي عن حل المشكلات الاقتصادية حلول مناسبة، إلى الأسباب الآتية:
1. تزايد عدد السكان في العالم، مع تزايد حاجاتهم الاقتصادية.
2. التطور السريع والمتلاحق للوقائع الاقتصادية بشكل أسرع من إمكانية التحليل الاقتصادي العلمي في تنيان أسباب وملامح ومظاهر هذا التطور السريع.
3. اختلاف الحلول بسبب اختلاف المذاهب السياسية والاقتصادية.
4. تزايد التدخل الحكومي في الحياة الاقتصادية عن الحد المطلوب.
5. تطبيق القوانين الاقتصادية الغربية في البلدان النامية، مع اختلاف الظروف بينهما.
هذا وإنَّ التدخل الحكومي في أوجه النشاط الاقتصادي مهم جداً وضروري ومطلوب ولا غنى عنه، ولكن بشرط أن يكون محدوداً، لأن أي تجاوز للحد الأمثل يحول التدخل إلى عبء وقيد وعائق أمام الأنشطة الاقتصادية، والمسألة نسبية، تختلف باختلاف النشاط الاقتصادي، وباختلاف الظروف المحيطة، وأود هنا أن أشير إلى دراسة علمية متخصصة أشرف عليها مهمتها بيان الحد الأمثل للتدخل الحكومي في النشاط الاقتصادي.
والمتتبع للأنشطة الاقتصادية في الدول المتقدمة يدرك أنَّ التسلسل الواقعي التي مرت به تلك الدول كان منطقياً استتبع بعضه، فالبداية كانت مع النهضة الصناعية والزراعية والعلمية، والتي أدت إلى التنمية الاقتصادية الشاملة، والتي ولَّدت الحاجة لوجود تشريعات وقوانين تنظِّم عمل تلك النهضة من أجل وضعها في الإطار المناسب لحل المشكلات التي قد تظهر.
أما في الدول النامية التي تحررت من الاستعمار العسكري فقد نقلت القوانين الاقتصادية المطبَّقة في الدول الغربية ـ بحكم تبعيتها الاقتصادية ـ وترجمَتْها وطبَّقَتْها في بلادها قبل حدوث التنمية الاقتصادية وقل وجود أي نهضة صناعية أو زراعية أو علمية، مما جعل القوانين الصالحة في الدول المتقدمة ـ بحكم طبيعتها ـ هي نفسها العائق في وجه التنمية الاقتصادية في الدول النامية، فلكلٍ ظروفه وبيئته ونمط حياة خاص به.
وللخروج من هذا المأزق الصعب أقترح أن تقوم حكومات الدول النامية بتغيير الوضع القائم إلى عكس ما هو عليه، وذلك بنشيط الأعمال والاستثمارات دون وضع العراقيل، ومِن ثَمَّ يأتي دورها كرقيب على تلك الأنشطة لتصحيح مسارها، وكإجراء عملي يمكن أن تعلن تلك الحكومات بأن أي نشاط إنتاجي مشروع ومسموح به ومشجَّع عليه بدون أي ترخيص مسبق أو روتين قاتل ـ وذلك من أجل الاستفادة القصوى من كافة الطاقات الموجودة في البلد ـ ثم بعد ذلك تأتي أجهزة الدولة ـ وبأسلوب علمي وموضوعي؛ بعيداً عن الأنانيات والتحيزات ـ لخدمة هذا النشاط وترتيبه وتحسينه من خلال الواقع العملي التنفيذي، ومنحه مختلف التراخيص والإجازات اللازمة بدون أن يُعطِّل صاحب المشروع نفسه ووقته في مراجعات مختلفة لدوائر متعددة لمختلف الأجهزة الحكومية، وأرى أنه بذلك تصل الدول النامية إلى تحقيق التنمية الاقتصادية الصحيحة، إذاً النهضة العلمية والتنمية أولاً ثم القوانين الناظمة كما حصل للدول المتقدمة، وليس العكس كما تريد حكومات الدول النامية.
وإن أي منطقة في العالم أو أي بلد لا يمكن أن ينتج كل احتياجاته الصناعية، أو يزرع كل المحاصيل الزراعية اللازمة، ولقد بدأت ظاهرة التخصص الاقتصادي بالوضوح مع تزايد الحاجات، فانتقلت الدول إلى إنتاج السلع التي تُعرَض للبيع في الأسواق الخارجية بأسعار تقل عن تكلفة إنتاجها في بلدان أو مناطق أخرى.
وتعود أسباب هذا التخصص لأسباب جغرافية، أو لأسباب بيئة طبيعية، وأسباب تتعلق بمرحلة النمو الاقتصادي التي يمر بها كل بلد، وكذا بإطار السياسي والاجتماعي السائد فيها، وهناك أسباب تتعلق بالمعارف الفنية والمهارات المكتسَبَة من قِبَل المواطنين في كل بلد؛ من عمالة مدرَّبة، وإدارة فعالة، ورؤوس أموال منتِجَة، وكذا عدد وكثافة السكان.