توفيق حطاب **
رغم أن فكرة البنوك الإسلامية قامت في الأصل على منطق القروض الحسنة الخالية من الفوائد الربوية؛ فإن هذا الوعاء التمويلي توارى مع تطور هذه البنوك التي أضحت تركز على تجميع المدخرات واستثمارها وفق قواعد الشرعية الإسلامية، بما يحقق أفضل العوائد لمالكي هذه المصارف، وكذلك للمساهمين والمستثمرين.
وتبدو أهمية هذا الوعاء التمويلي في أنه يلعب دورا اجتماعيا مهما، خاصة على صعيد مواجهة الفقر المنتشر في المجتمعات العربية والإسلامية؛ فحينما أسس الدكتور أحمد النجار في عام 1963 أول بنك إسلامي -بنك الادخار الذي لا يتعامل بالفائدة- استهدف القيام بالإقراض الحسن لأهالي مدينة ميت غمر في الدقهلية (شمال القاهرة) لمساعدتهم على مكافحة الفقر.
والقرض الحسن هو أن يعطي شخص لآخر مالا لينتفع به على أن يرده في وقت آخر دون زيادة، وذلك على عكس القرض الربوي الذي يتضمن زيادة محددة تسمى الربا. وقد سمي هذا النوع من القروض بالحسن؛ لأنه يدخل في باب الرفق بالناس؛ فالمُقرِض يقدم منفعة ماله مدة من الزمن لغيره، ويضحي بهذه المنفعة من أجل نيل الثواب من الله.
الاستفادة من الودائع المشتقة
ويأتي تواري تقديم البنوك الإسلامية لقروض حسنة بالرغم من أن هذه المصارف تشترك مع المصارف التقليدية في الاستفادة من الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية لدى البنوك) في توليد الودائع المشتقة، وتحقيق الأرباح الطائلة نتيجة لذلك، دون أن تدفع عوائد عن هذه الودائع، مع أن الودائع تحت الطلب تعتبر من أكثر أشكال الودائع المصرفية أهمية بالنسبة للمصارف.
والودائع المشتقة يتم خلقها أو توليدها من خلال وسائل عدة، منها إعادة الإقراض؛ فمن يودعون النقود لدى البنوك التقليدية لا يسحبون في آن واحد ما أودعوا. بل يسحبون جزءًا يسيرًا منه في أي يوم معين، وهنا يكفي البنوك للوفاء بطلبات السحب أن تحتفظ باحتياطي صغير (مثلا 10%) من مجموع ما أودع لديها، وما زاد (وهو 90% من الودائع في مثالنا) تقرضه، وتنتفع بفوائده التي تتراكم ليصبح لدى البنك مال مشتق أو تم توليده من المال الأصلي.
وتختلف الودائع المشتقة في البنوك الإسلامية؛ حيث يتم اشتقاق الأموال استنادا للقواعد الشرعية، من خلال أدوات التمويل الإسلامية، مثل: المرابحة والمضاربة وغيرها (للمزيد حول أدوات التمويل الإسلامي: ألف باء تمويل إسلامي).
وقبل أكثر من عشرين عاما اقترح د.محمد عمر شابرا الخبير في الاقتصاد الإسلامي أن تكون الودائع المشتقة من اختصاص الجماعة، وأن يستغل الدخل الصافي من توليد النقود في تحقيق المصالح العامة، وبالأخص في تحسين أوضاع الفقراء.
ويستشهد شابرا لصحة رأيه بما قاله د.أنس الزرقا الأستاذ في الاقتصاد الإسلامي من أن الودائع المشتقة تشبه الفيء من حيث إنها تحصلت لجماعة المسلمين دون أن يتحمل أحد مشقة توليدها، ويجب أن توزع منافعها توزيع الفيء المبين في [سورة الحشر الآية 7] {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}.
غياب آليات التطبيق
غير أن هذه الاقتراحات لم يكن من الممكن تنفيذها بسبب غياب آليات واضحة للتطبيق، وكذلك عدم وجود جهات يمكن أن تتبنى مثل هذه الاقتراحات.
ومن جهة أخرى فقد رأى العديد من المتخصصين أن المصارف الإسلامية ينبغي أن توجه جميع طاقاتها نحو زيادة كفاءتها وخبرتها الفنية؛ بحيث تستطيع استثمار أموال المودعين بأفضل الأساليب المشروعة، وهذا يقتضي أن تستفيد من كل الموارد المتاحة لديها -بما فيها الودائع المشتقة- بما يمكنها من النجاح والاستمرار والتفوق على المصارف التقليدية الربوية، وبما يمكنها في النهاية من كسب المصارف التقليدية إلى جانبها، وتحويلها إلى مصارف إسلامية.
وبناء على ذلك فإن العديد من المتخصصين في المصارف الإسلامية يرفضون إقحام المصارف الإسلامية في العمل الخيري التطوعي، ويقولون بأنه ينبغي عدم توريط المصارف الإسلامية في العمل الخيري، خاصة أنها مؤتمنة على أموال المودعين والمستثمرين، ولا تستطيع استخدام هذه الأموال لأغراض خيرية دون موافقة أصحاب هذه الأموال.
اقتراح جديد
وللخروج من هذا المأزق اقترح د.الزرقا في أحد مؤتمرات الاقتصاد الإسلامي في عام 2004 أن تقوم جمعية خيرية بإنشاء صندوق للقروض الحسنة داخل المصارف الإسلامية يسمى "صندوق مفاتيح الخير". ويقوم هذا الصندوق بتقديم القروض الحسنة للمحتاجين،\ وخاصة ذوي المشروعات الصغيرة، وبدون ضمانات مالية (لصغار المستفيدين)، حرصا على كفالة الحد الأدنى لكل إنسان في المجتمع.
ويعتمد الاقتراح على توفر أربعة عناصر هم: "مشاركون بقرض حسن تحت الطلب، كفلاء بقروض متوسطة الأجل (سنة فأكثر)، كفلاء بالتبرع، إدارة للصندوق. ولا تستخدم قروض كفلاء الصندوق لتقديم التمويل؛ بل تستخدم حصرا لضمان السيولة الفورية للمشاركين، وهذا ما يشجع كثيرا من الناس على المشاركة، كما يمكن أن يقوم كفلاء بالتبرع بمبالغ محدودة كلما وقع الصندوق في خسارة.
وتكون طريقة عمل هذا الصندوق كما يلي:
- يصمم البنك الإسلامي بالتعاون مع الجمعية الخيرية نظاما خاصا للصندوق، ويعرضه على المودعين لينضم إليه من شاء منهم.
- يصدر المشاركون أوامر صريحة إلى البنك الإسلامي الذي لهم فيه حسابات تحت الطلب أو حسابات استثمارية، بتحويل مبلغ معين للصندوق بصفة قرض تحت الطلب، يسترد تلقائيا إذا انكشف حسابهم أو عندما يطلبون ذلك متى شاءوا.
- يمكن أن يكون التحويل بواسطة أمر مشروط "كلما زاد حسابي عن مبلغ كذا أفوضكم أن تقرضوا الصندوق مبلغ أو نسبة كذا".
- ما يتجمع في الصندوق من هذه القروض الحسنة يشكل موارد الصندوق التي ستوجه لتقديم القروض الحسنة للمحتاجين.
- يقوم المصرف الإسلامي بتقديم القروض الحسنة للمتمولين من هذا الصندوق، ويمكن أن يطلب من طالبي التمويل لأغراض إنتاجية فتح حساب لدى المصرف الإسلامي.
- إذا احتاج الصندوق لتغطية طلبات سحب من المشاركين تتجاوز ما لديه من موارد؛ فإنه يطلب هذه القروض من الكفلاء.