عمر الكتاني
14/05/2002
مؤسسات المصارف الإسلامية وشركات التمويل مؤسسات مالية حديثة العهد، وتجربتها لا تتعدى ثلاثين سنة.. هذه المؤسسات تتكون من شركات مساهمة انطلاقا من الادخار العمومي، وثلثها ملك لمجموعات خاصة، والباقي -أي حوالي الخمس- عمومية الملكية.
وتنقسم شركات التمويل الإسلامية في الدول العربية والإسلامية إلى نوعين:
النوع الأول: شركات الاستثمار:
ويأخذ هذا النوع شكل شركات قابضة (HOLDING Companies)، وتقوم هذه الشركات بتمويل المشاريع الاستثمارية ذات الحجم الكبير من أموال المساهمين، مثل: شركات الاستثمار التابعة لمجموعة "البركة"، والشركات التابعة لدار المال الإسلامية، والشركة الإسلامية المحدودة للخدمات الإسلامية في سويسرا، وشركات الاستثمار المزمع إنشاؤها من طرف المصرف الإسلامي للتنمية في المغرب والبوسنة والهرسك وسوريا.
النوع الثاني: شركات توظيف الأموال:
وتتميز عن الأولى من حيث تعاملها بالأقساط الصغيرة على آجال قصيرة، وانفتاحها على أعداد هائلة من العملاء صغار الحجم. ونذكر من جملتها مؤسسة الهلال في إنجلترا والحجاز والريان والسعد في مصر خلال الثمانينيات. وقد عرفت بعض هذه المؤسسات أزمات كبيرة في مصر استغلت دعائيا لمحاربة الانتشار السريع للمصارف الإسلامية في هذا البلد.
ما هو المصرف الإسلامي؟
ويعرف المصرف الإسلامي على النحو التالي: "المصرف الإسلامي مؤسسة تسعى لتقديم خدمات استثمارية ومصرفية متميزة (عقائديًا) لعملائها، وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، من خلال فريق عمل ذي ولاء وكفاءة والتزام ذاتي؛ بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية والارتقاء المعاشي والتكافل الاجتماعي داخل مجتمعات الأمة الإسلامية".
أسس المصارف الإسلامية
انطلقت فكرة المصارف الإسلامية من مبدأين:
المبدأ الأول: التحريم القطعي والواضح للربا:
حيث إن فعالية المعاملات الربوية لا تُسقط المسؤولية عن الإنسان المسلم كفرد وكأمة وكدولة، ولا تبيح له التنازل عن حدود الله بحجة استئناس العالم كله بها وتبنيها. وهذا التحريم أساسه تحريم المعاملات المبنية على الغرر؛ أي مبادلة مال قار (أي قرض محدد ونسبة فائدة محددة) بمال متغير (أي قرض محدد ونسبة ربح مجهولة). فالإسلام لا يقر إلا بمعادلة القار بالقار أو المتغير بالمتغير، أي اقتسام المتغير من الربح أو المتغير من الخسارة.
والبعد الثاني لهذا التحريم هو بعد خلقي واجتماعي؛ حيث إن عملية التعاقدية التي تنفي أساسا أقسام الربح والخسارة تعني حتما وجود تمانع بين الناس، أي: تأسيس المعاملات على فردية المصالح، وبالتالي نفي مبدأ التكافل وتقاسم المصلحة لتحقيق بناء الأمة الإسلامية.
المبدأ الثاني: لا فارق بين الربا والفائدة إسلاميًا:
فالشريعة الإسلامية لا تفرق بين الفائدة والربا كما هو الشأن بالنسبة للفكر الليبرالي، أي: بين نسبة فائدة عالية ونسبة فائدة معتدلة، وذلك قياسًا على المبدأ الشرعي الذي يؤكد أن ما حرم قليله فكثيره حرام. حتى لا يفتح باب التحايل على الحدود الإسلامية. فالممنوع هو مبدأ الغرر في المعاملات الربوية وليس مستواه. والمحارب هو مبدأ التمانع في المعاملة وليس مستواه. وبالتالي فليس من مهمة المبدأ أن يتكيف مع الواقع، بل على الواقع أن يتكيف مع المبدأ. فالمبدأ ثابت بثبوت خصائص الإنسان وغرائزه ونزوعه إلى الخير والشر وبثبوت القيم الإنسانية التي تحكم سلوكه الإيجابي على المستوى الفردي والجماعي، والتي لا تخضع إلى التقادم وبالتالي إلى عملية الاجتهاد.
تطور المؤسسات المالية الإسلامية
بدأت تجربة المصارف الإسلامية في مصر سنة 1963 من خلال إنشاء صناديق ادخار دلتا النيل. وقادت هذه التجربة إلى إنشاء أول مصرف إسلامي منظم بشكل محكم في دبي سنة 1975، إلى أن تحققت حاليًا إسلامية النظم المصرفية في 3 دول، هي: باكستان وإيران والسودان، بينما عرفت 21 دولة -منها 10 دول عربية- نظاما مزدوجا من مجموع 46 دولة إسلامية، تتعايش فيها المصارف الإسلامية مع المصارف التجارية.
وقد تخطت هذه المصارف الدول الإسلامية لتنتشر في شكل شركات تمويل بالمساهمة في 8 دول غير إسلامية موزعة على 4 قارات، هي: آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا، حيث أصبحت متواجدة في بريطانيا وألمانيا والدانمارك ولكسمبورج والنمسا وسويسرا وإفريقيا الجنوبية وهولندا. وهكذا وصل عددها سنة 1997 إلى 166 مؤسسة مالية إسلامية، وصارت 186 حاليًا، منتشرة في 28 دولة برأسمال يفوق 23 مليار دولار، وباستثمار يبلغ 100 مليار موزعة على الشكل التالي:
- تمويل تجاري30%
- تمويل صناعي 19%
- تمويل فلاحي 13%
- تمويل خدمات13%
- تمويل عقار 12%
- قطاعات أخرى 11%
أما نوعية العقود التي تتعامل بها هذه المؤسسات فهي مقسمة على الشكل التالي:
- مشاركة15%
- إيجاز10%
- مضاربة9%
- مرابحة45%
- أنواع أخرى21%
بل إن سرعة انتشار المعاملات المصرفية الإسلامية أثار اهتمام 3 مؤسسات مصرفية دولية فتحت حسابات لزبائنها توظف وفق المبادئ الإسلامية، وهي:L’Union Des Banques Suisses وCity Bank وl’ABN AMRO Bank في هولندا.
كما سجل ظهور أبحاث وبرامج تكوينية أكاديمية في الاقتصاد الإسلامي في جامعات كبرى مثل هارفارد والسربون وبرمنجهام، كما قام المصرف الدولي بدراسة حول النظام المالي الإسلامي خلص فيه إلى أن النظام المبني على المشاركة أكثر استقرارًا وتوازنًا من النظام المالي المبني على سعر الفائدة.
وهكذا يمكن الإقرار بأن المصارف الإسلامية اجتازت مرحلة التجربة، ودخلت مرحلة النضج من خلال توسيع قاعدة المعاملات المصرفية اللاربوية بفضل الجهد المتواصل الذي يقوم به الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية على مستوى التنظير. وكذلك على مستوى التوسع مع ضرورة التحكم في عناصر المخاطرة.
وظائف مؤسسات التمويل الإسلامية
لكي نفهم ماهية المصارف الإسلامية لا بد من الانطلاق من المبدأ الذي تقوم عليه وهو مبدأ التمويل بالمشاركة، ثم فلسفة المصارف ومؤسسات التمويل الإسلامية بصفة عامة.
أ - نظام التمويل بالمشاركة:
انبثق هذا النظام المالي من النظام الأخلاقي الإسلامي المبني على إنشاء نظام اجتماعي أساسه المساواة في الحقوق والواجبات. وقد أعطى بدوره نظامًا اقتصاديًا إسلاميًا مبنيًا على المشاركة في الإنتاج عن طريق اقتسام الأرباح أو الخسائر.
وكان من الطبيعي للمؤسسات الاقتصادية الإسلامية أن تقوم وفق مبدأ المشاركة، بعد أن أقرت الشريعة الإسلامية تحريم مبدأ الفردية من خلال تحريم المعاملات الربوية. وبذلك تكون وحدة البناء المؤسساتي مطابقة لوحدة التصور الاقتصادي المنبثقة بدورها من وحدة التصور الاجتماعي المنبثقة من وحدة التصور الأخلاقي والسلوكي داخل المجتمع الإسلامي.
وقد أدى التباين الحاصل بين التحريم القطعي للمعاملات الربوية من جهة، والحاجة الملحة للمال من جهة ثانية إلى جعل الباحثين المسلمين يستلهمون من تقنيات نظم المضاربة الإسلامية التي تجمع بين الرأسمال وعمل نظام تمويل اقتصادي معاصر مبني على المشاركة، ومن ثم جعلوه بديلاً للنظام التقليدي المبني على التمويل بالفائدة، وابتكروا من أجل ذلك مؤسسة مالية تحمل اسم المصرف الإسلامي؛ تجاوزت في حدود صلاحياتها حدود الوساطة المالية لتصبح بالإضافة إلى ذلك شريكًا ماليًا أو شريكًا استثماريًا أو شريكًا تجاريًا من خلال استثماراتها المباشرة، أو مشاركتها المالية، أو وساطتها المالية، في مجال الاستثمار. وبذلك تجمع في مؤسسة واحدة خبرة المصرف التقليدي، وخبرة الهندسة المالية والخبرة التقنية في المجالات الاقتصادية التي يختار التخصص فيها، والخبرة الاجتماعية من حيث إدارتها لصناديق اجتماعية مثل صندوق الزكاة أو صندوق الوقف أو صندوق الحج.
ويبقى المبدأ الأساسي هو مبدأ المشاركة في الربح والخسارة التزاما بالقاعدة الشرعية "الغُنْم بالغُرم"، أي: أن رأس المال المتداول هو رأسمال مخاطرة توزع نتائجه مبدئيًا بعد عملية الإنتاج لا قبل هذه العملية مثلما يحدث في عملية التمويل بالفائدة.
ب - الوظيفة التربوية:
تساهم المصارف الإسلامية في تقليص الهوة داخل المجتمعات الإسلامية بين السلوك الاجتماعي والسلوك الاقتصادي عن طريق تخليق الحياة الاقتصادية. وقد شاع داخل الأوساط الاقتصادية الغربية أن السلوك الاقتصادي يخضع كما تصوره النظريات الاقـتصادية للمعايير العلمية فقط. وهذه المعايير تقع خارج نطاق المعايير الخلقية، ولا علاقة لها بها. وهو المبدأ الغربي الذي جعل الإنسان الاقتصادي في عزلة عن باقي عناصره الأخرى الروحية.