حول السوق الخليجية المشتركة
د.بدر الدين عبدالرحيم إبراهيم
أعلن المجلس الأعلى لدول التعاون إطلاق السوق الخليجية المشتركة ابتداء من يناير/كانون الثاني الجاري حسبما جاء في بيانه الختامي في دورته رقم (28) في ديسمبر/كانون الأول، وذلك تمشيا مع البرنامج الزمني الذي أقره المجلس الأعلى في دورته رقم (23) في العام 2002 في شأن استكمال متطلبات السوق الخليجية المشتركة قبل نهاية العام 2007 والمتتبع لخطوات التكامل الاقتصادي بين دول المجلس يلاحظ أن السوق المشتركة سبقتها خطوات متعددة ومتدرجة، من أهمها إقامة منطقة التجارة الحرة، ثم الاتحاد الجمركي في الأول من يناير/كانون الثاني 2003 في الحقيقة فإن السوق المشتركة نتاج لجهود كبيرة وتدابير تمت في الماضي شكلت قاعدة لقيامها وهذه الجهود عبارة عن تطبيق المتطلبات الأساسية المعروفة عالميا لقيامها.
واستفادة المواطن الخليجي من هذه الاتفاقية يكمن في التنفيذ الفعلي لمبدأ"المواطنة الاقتصادية" الذي أقرته الاتفاقيات الاقتصادية الخليجية الموحدة، حيث سيتم تحقيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في ممارسة الأنشطة الاقتصادية، وتنقل رؤوس الأموال، والاستثمار بكل أنواعه بما في ذلك التملك العقاري، والعمل، والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والضمان الاجتماعي في دول المجلس التي يقطنونها
هذه المتطلبات تتمثل في إلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية على التجارة، ووضع رسوم جمركية مشتركة وسياسات تجارية موحدة مع الدول الأخرى غير الأعضاء وإلغاء القيود والحواجز التي تحد من حرية انتقال الأفراد والخدمات ورؤوس الأموال داخل حدود السوق، وتوحيد القوانين والسياسات الاقتصادية. والسوق المشتركة اعتمدت أساسا على الاتفاقات الاقتصادية الخليجية (1981و2002) الداعية لمعاملة مواطني دول المجلس في أي دولة من الدول الأعضاء معاملة مواطنيها نفسها من دون تفريق أو تمييز في كافة المجالات الاقتصادية من بينها تملك العقار والأسهم ومزاولة الأنشطة التجارية، كما اعتمدت على اتباع الدول الأعضاء في المجلس السياسات والأنظمة الموحدة في المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية والمالية والنقدية. ومن الناحية الاقتصادية لا خلاف حول الأسباب التي تؤهل دول التعاون لتكوين سوق مشتركة بينها، حيث تدل البيانات الاقتصادية أن الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء في المجلس نحو 800 مليار دولار أمريكي، بينما تمتلك دول التعاون نحو نصف احتياطيات العالم من النفط ويقارب عدد سكانها ال 40 مليون نسمة.
وتهدف السوق الخليجية المشتركة في عمومياتها الاقتصادية إلى إيجاد سوق واحدة وتكتل خليجي في التجارة وانفتاح أكبر وتطوير للتجارة الدولية وتوحيد أكثر للسياسات الاقتصادية وتعظيم الفوائد الناجمة عن اقتصاديات الحجم الكبير وتحسين فرص الاستقرار الاقتصادي وتوثيق الروابط بين دول المجلس ورفع الكفاءة في الانتاج وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وتحسين الوضع التفاوضي لدول المجلس وتعزيز مكانتها الفاعلة والمؤثرة بين التجمعات الاقتصادية الدولية. كما تسهل الاتفاقية دخول الاتحاد الجمركي الذي انطلق في العام 2003 حيز التنفيذ الفعلي.
لاشك أن السوق الخليجية المشتركة تمثل خطوة لخلق كتلة اقتصادية موحدة يمكن أن توصف بالتاريخية.
واستفادة المواطن الخليجي من هذه الاتفاقية يكمن في التنفيذ الفعلي لمبدأ"المواطنة الاقتصادية" الذي أقرته الاتفاقيات الاقتصادية الخليجية الموحدة، حيث سيتم تحقيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في ممارسة الأنشطة الاقتصادية، وتنقل رؤوس الأموال، والاستثمار بكل أنواعه بما في ذلك التملك العقاري، والعمل، والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والضمان الاجتماعي في دول المجلس التي يقطنونها.
كما أنها خطوة مهمة وضرورية من أجل تشجيع التحركات البينية للمواطنين الخليجيين من أجل الاستقرار والعمل الأمر الذي سيؤدي الى تعزيز الوحدة النقدية الخليجية نظرا لأن التحركات البينية في أسواق العمل تعتبر آلية مهمة من آليات امتصاص الصدمات المؤثرة في قيمة العملة الموحدة عند تدني أسعار النفط ونرى أن السوق الخليجية المشتركة خطوة مهمة إلا أنها غير كافية لضمان التحركات البينية للمواطنين الخليجيين من أجل العمل والاستقرار في الدول الخليجية الأخرى نظرا لقوة الروابط الاجتماعية والأسرية لكل مواطني دول المجلس التي تحد من الانتقال، وضعف الرغبة في البحث عن فرص عمل خليجية، وفقدان المزايا والحوافز كقطع الأرض وأسعار الفائدة المدعوة وقروض الإسكان.
علما أن هذه الخطوة نحو تفعيل الاتجاه نحو التحركات البينية الخليجية تم تعزيزها بموافقة القمة الخليجية في العام 2004 بمد الحماية التأمينية (نظام التأمينات الاجتماعية وأنظمة التقاعد في الخدمة المدنية ) للمواطنين الخليجيين في أي دولة عضو في المجلس ببداية يناير/ كانون الثاني العام 2005 اختياريا وفي العام 2006 إجباريا، كما تم تعزيزها أيضا بتسهيل الإجراءات الحدودية وتطبيق نظام البطاقة الشخصية في محل الجوازات.
ولكن التحديات الكبيرة للسوق تكمن في تنسيق القوانين حيث يرى القانونيون أن هنالك حاجة ملحة لتوحيد القوانين في مجالات التملك والاستثمار. كما أن هذه الخطوة تحتاج أيضا لوضع سياسات وإجراءات كفيلة برفع رغبة الخليجيين للبحث عن فرص عمل خليجية كنظام كتطبيق قوانين أكثر مرونة في مجال الإقامة والعمل وشفافية أسواق العمل والاندماج الثقافي والاجتماعي وتوفير فرص عمل للمواطنين الخليجيين في القطاعات الحكومية وقيام مشروعات مبتكرة مشتركة تحصر التشغيل على المواطنين الخليجيين فقط.
والمطلوب أيضا متابعة هذه الخطوة الاقتصادية المهمة خطوة بخطوة وإجراء الدراسات التي تتابع تطورها خصوصاً نتائجها فيما يتعلق بجعل المنطقة قوة اقتصادية قوية والفوائد الاقتصادية التي يمكن أن تتحقق للمواطن من جراء هذه الخطوة التكاملية والتأثير السالب الذي يمكن أن يحدث لبعض القطاعات الاقتصادية بدول المجلس بعد بدء العمل بهذه الاتفاقية.
* نقلا عن جريدة "الخليج" الإماراتية