تطور مسيرة المصارف الإسلامية
ـ تمهيد .
الحمد لله الذي قيض للمصارف الإسلامية من الدعاة والعلماء ورجال المال والاقتصاد الذين جاهدوا بأنفسهم وأموالهم وعلمهم من أجل تحرير البلاد الإسلامية من الغزو الفكري الاقتصادي ، وتحرير مؤسساتنا المالية من الاستعمار الربوى ، مِنْ هؤلاء ، مَنْ قضى نحبه مثل الأستاذ الدكتور / محمود أبو السعود, والأستاذ الدكتور / عيسى عبده, والدكتور / غريب الجمال ، والأستاذ الدكتور / أحمد النجار, ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً ، ندعو الله أن يكون جهادهم هذا فى ميزان حسناتهم يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً ، وأن يثبت من ينتظر منهم على طريق الحق .
لقد بدأ الجهاد من أجل إنشاء المصارف الإسلامية منذ سنة 1928م عندما بدأ ت الحركة الإسلامية فى مصر تحارب العلمانية التي تقوم على أساس فصل الدين عن الحياة وعزله فى المسجد ، فبينت هذه الحركة بأن الإسلام نظام شامل لكل نواحي الحياة ، فيه إقتصاد وإدارة ومحاسبة وحكم وسياسة … وكان من ثمرات هذه الحركة الإسلامية أن أنشأت العديد من الوحدات الاقتصادية التي تدار فى ضوء الشريعة الإسلامية ، ثم تلي ذلك ظهور المصارف الإسلامية وشركات الاستثمار ومؤسسات التأمين الإسلامية وصناديق التكافل الاجتماعي … وما فى حكم ذلك .
فالمصارف الإسلامية لم تظهر عفوياً ولا إرتجالياً بل سبق ذلك جهود فكرية وتجارب عملية ، ساهم فيها العديد من المسلمين بفكرهم وخبرتهم ، وهذا يتطلب دراسة وتحليل وتقييم تجارب هؤلاء العلماء والخبراء حتى يمكن إستنباط معايير ومؤشرات تساعد فى تطوير وتنمية هذه التجربة فى المستقبل ، وصدق الله العظيم إذ يقول : مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( يوسف : 111 ) .
فدراسة فكر وواقع المصارف الإسلامية فيه منافع كثيرة ويحتاج إلى جهود صادقة ، وحسبي فى هذا الفصل أن أضع الخطوط الأساسية لذلك ، ليقوم الأخوة الباحثون من بعدى باستكمال ما نقص وتفصيل ما أوجز .
ـ فكرة الصيرفة فى الحضارة الإسلامية .
يقرر علماء الاقتصاد الإسلامي أن فكرة الصيرفة ترجع إلى صدر الإسلام ، عندما كان الصراف فى ولاية إسلامية ما ,ا يعطى ورقة تخول حق صرف مبلغ معين إلى صراف آخر فى ولاية أخرى متى إطمأن الآخر إلى صحة توقيع الأول ، وكان الهدف من هذه العملية تجنب حمل المال خلال رحلات برية وبحرية طويلة خشية السرقة والضياع ، وهذا ما يطلق عليه فى الفكر المصرفي المعاصر بالشيك أو الحوالة .
ففي هذا الخصوص يقول الدكتور / سامي حمودة : ( … مازال الكثيرون من الأساتذة يرددون ما نقلوه من مؤلفات الباحثين الغربيين الذين يتحدثون عن تاريخ العمل المصرفي إبتداء من بواكير عصر النهضة الأوربية فى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ، … ولكن يروى علماء التاريخ الإسلامي أن أول شيك قد جرى سحبه حقيقة كان على صراف بغداد فى منتصف القرن الرابع الهجري وأن الذي قام بسحبه علم من أعلام البطولة فى التاريخ الإسلامي أمير دولة حلب سيف الدولة الحمداني ) .
ويستنبط من هذه الواقعة ما يلي :
1 ـ كان هناك نظام للدفع عن طريق الصراف بلا موجب لحضور الآمر بالأداء ، وهو الأمر الذي لم يتطور إلاّ فى أواخر القرن السابع عشر الميلادي .
2 ـ إن الدفع فى الحالة المعروضة إما أنه كان يتم من حساب وديعة قائمة عن طريق الحساب الجاري أو على المكشوف حيث يتم السداد فى المستقبل بطريق المقاصة بين بغداد وحلب ، وفى كلا الحالتين لابد أن يكون هناك تنظيم محاسبي لإدارة الحسابات كما هو الحال فى البنوك الحديثة .
3 ـ إن الصراف قد عرف توقيع سيف الدولة دون أن يكون الاسم مكتوباً على الرقعة وهذا يعنى أن هناك ترتيباً لمضاهاة التوقيع وهذا هو المطبق فى البنوك القائمة .
ـ المفاهيم الأولى لفكرة المصارف الإسلامية .
لقد حاول الرعيل الأول من علماء الاقتصاد الإسلامي إيجاد البديل الإسلامي للبنوك الربوية ، وبذلت العديد من الجهود فى هذا الشأن وظهرت تسميات مختلفة لهذا البديل منها :
1 ـ بنك بلا فوائد .
2 ـ البنك اللاربوى .
3 ـ البنك الإسلامي .
4 ـ بيت التمويل الإسلامي .
5 ـ دار المال الإسلامي .
6 ـ المصرف الإسلامي .
ولقد وجه إلى التسميات السابقة بعض الملاحظات ولاسيما لفظ " بنك " لأنها كلمة ليست لها أصل فى اللغة العربية ، ولقد إستقر الرأي الآن على تفضيل كلمة " مصرف إسلامي " وتأسيساً على ذلك يأخذ معظم مؤسسي المصارف الإسلامية بذلك الاسم .
.