ملاحظات تاريخية:
يمتد تاريخ النفط في البلدان التي تعرف حالياً ببلدان العالم الثالث إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، حينما استخرج السومريون الاسفلت الصلب من حقوله الغنية قرب هيت واستخدموه لأغراض البناء في وادي الرافدين، اكتشف البابليون بعدهم أغراضاً واستخدامات وفوائد أخرى للنفط الذي طفح على سطح الأرض في العديد من المناطق الواقعة بين دجلة والفرات(1).
أصل كلمة النفط سومري، فالسومريون هم أول من استخدم كلمة النفط للتعبير عن الثروة التي تطلق عليها أحياناً في عصرنا الحالي (الذهب الأسود)، وورث البابليون المفردة، وأورثوها بدورهم من خلفهم حتى وصلت لغة الضاد(2).
فالنفط هو الذي دمر وحطم وأدى إلى تدهور حياة ملايين البشر، لكنه طور حياة ملايين آخرين(3). خلال الحرب العالمية الأولى صرح أحد الجنرالات الفرنسيين بوقاحة، قائلاً: (إن قيمة كل قطرة من النفط تعادل قطرة من الدم) (4). ملايين البشر قبروا فقط لكي تصبح كمية من النفط كانت موجودة تحت سطح الأرض، لهذه المجموعة من الناس وليس لتلك. وليس بوسع المفكرين وغيرهم من المهتمين بشؤون الطاقة أن يتصوروا الحياة العصرية خالية من النفط.. الموتى لا ينطقون!! يا لها من خسارة!! فلا شك في أن أولئك الذين خسروا حياتهم من أجل النفط يتصورون على الأقل أنفسهم في عالم خال من النفط. بعبارة أخرى لو قدر للناس أن يختاروا بين الموت أو العيش في عالم خال من النفط، لاختاروا الحياة، فالنفط نعمة وهبها الله لخدمة الإنسان وليس العكس(5).
وهكذا اكتسب النفط أهمية عظيمة في عصرنا الحالي، فعليه تعتمد التكنولوجيا الحديثة وما يعتمد على التكنولوجيا من مواصلات، اتصالات، زراعة، صناعة.. الخ. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ملاحظة ارتفاع إنتاج النفط المذهل، ففي العام 1880م بلغ إنتاج النفط في العالم 30 مليون برميل فقط، أما في العام 1900م فقد ارتفع إلى 149 مليوناً، في 1920م 688 مليوناً، في 1940م 2149 مليونا، في 1960م 7400 مليون، في 1980م 22900 مليون برميل، حالياً (إحصاء عام 2000م) 23921 مليون برميل(6).
لقد اكتسبت منطقة الشرق الأوسط أهمية عظيمة في مجال الطاقة منذ النصف الأول من القرن الماضي، عندما بدأ إنتاج النفط تجارياً في كل من العراق والمملكة العربية السعودية والكويت وإيران. إن إنتاج النفط في هذه البلدان ساهم بشكل كبير ومباشر في تنمية اقتصادات دول الغرب الصناعي المتقدم، لكنه لم ينعكس إيجاباً على اقتصادات بلدان الشرق الأوسط منذ بدء الإنتاج حتى الربع الثالث من القرن الماضي.
لقد استطاعت الشركات العملاقة متعددة الجنسية السيطرة على حوالي 90 بالمئة من النفط المنتج في العالم(7). وتعرف الشركات كذلك بالشقيقات السبع وهن:
Standard oil of New Jersey, Royal Dutch Shell, Texaco, Standard oil of California (Socal), Socony Mobil oil, Gulf Oil ,British Petroleum(
.
وتشير أدبيات الغرب بأن في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي حصلت الشقيقات المذكورة على امتيازات تؤهلها للتنقيب عن النفط في مناطقه الرئيسية واستخراجه ونقله والتجارة فيه، وتراوحت مدد صلاحيات الامتيازات بين ستين وسبعين عاماً، أما دور الدول المضيفة، وفق الامتيازات المذكورة طبعاً، فكان يقتصر على استحصال الضرائب (royalties)(9) وطبعاً إن المناطق النفطية المعنية بتلك الامتيازات تقع داخل حدود الدول الإسلامية، وبالتحديد دول الشرق الأوسط التي هي أغنى بقاع العالم بالنفط.
لا شك في أن وثائق الامتيازات سليمة من الناحية القانونية، ولكن لكي تكتمل الحقيقة لا بد من الإجابة على السؤال التالي: من مثَّل بلدان الشرق الأوسط لحظة توقيع الامتيازات؟ فالبلدان المعنية في بداية القرن الماضي، أي حينما حصلت الشركات العملاقة على الامتيازات كانت مستعمرة، أو تحت انتداب دول الغرب الصناعي المتقدم، مثل بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، وفي أحسن الأحوال كانت - في البلدان المستعمرة، أو الواقعة تحت الانتداب - سلطات (وطنية) محدودة الصلاحية جداً، وبعبارة أخرى، إن القرارات المهمة كالتي يجري الحديث عنها، لم تكن بيد سلطات البلد، بل بيد الاستعمار. إن الإجابة على السؤال الذي طرح أعلاه ليست معقدة، فيمكن أن نتصور أن أحد الإنجليز، على سبيل المثال، قد سمح لإنجليزي آخر أن يستخدم حقول النفط التي تبعد آلاف الكيلومترات خارج حدود بريطانيا العظمى؛ وعليه فإن المفاوضات سارت بشكل سلس جداً، ولم يكن ثمة ما يعكر صفوها، ورجال الأعمال الإنجليز يحبون العمل الرتيب، وقطعاً لم يكن هناك ما هو أكثر رتابة!!.
رئيس تحرير صحيفة (New York Times) السيد (J.H.Carmical) كتب: (مستقبل العالم الحر مرتبط بحقول الشرق الأوسط الغنية، سهولة الحصول على النفط تشكل مفتاح الدفاع عن الغرب) (10). لم تكن الشركات العملاقة و حكومات الدول التي تنتسب إليها هذه الشركات في غفلة عن هذا الأمر، بل كانت تعيه جيداً، أما فترة امتلاكها (لمفتاح الدفاع) فقد كانت مرتبطة بظروف مجتمعات الشرق الأوسط؛ بعبارة أخرى، لم يكن من مصلحة الشركات العملاقة مساعدة شعوب المنطقة على النهوض والتقدم، بل على العكس تماماً فلكي تطيل أمد سيطرتها على منابع النفط في الشرق الأوسط، كانت الشركات العملاقة ترى أن عليها المحافظة على استمرارية الفقر، تفشي الأمراض، الأمية، الجهل... الخ في الشرق الأوسط. ومن هنا أيضاً جرى تقسيم الوطن العربي إلى دويلات، وزرع الكيان الصهيوني بيننا، أما نتائج استراتيجيتهم فليست غائبة، فمنطقة الشرق الأوسط ليست مستقرة حتى يومنا هذا(11).
لقد استمر نشاط الشقيقات السبع حتى بعد طرد الاستعمار ونيل بلدان الشرق الأوسط استقلالها السياسي، فلم يكن بوسع الدول النامية وهي متفرقة، مقاومة السياسات الظالمة التي تفرضها الشركات العملاقة عليها، وهكذا أصبح تأسيس منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) ضرورة لا مفر منها(12). ورغم أن أوبك تأسست عام 1960م، إلا أن المنظمة الفتية لم تستطع إحداث تغيرات جوهرية لصالح البلدان المنتجة للنفط إلا بعد التأميم الذي تحقق بعد مضي أكثر من عقد على تأسيس المنظمة. الجدول رقم 1 يشرح تفاصيل هذه الحقائق، فطبق حسابات أستاذ الاقتصاد الأمريكي المعروف V. Perlo بلغت عائدات الدول المستهلكة للنفط من النفط المنتج عام 1971، أي بعد مرور 12 عاماً على إنشاء المنظمة، أكثر من خمسة أضعاف ما حصلت عليه الدول المنتجة!.
( الجدول رقم 1 )
عائدات الدول المنتجة والمستهلكة للنفط من إنتاج عام 1972 (بمليارات الدولارات)
الدول المنتجة
عائدات الحكومات (ضرائب, royalties)
أجور العمال والموظفين المحلين لدى الشركات الأجنبية
أرباح مصانع تكرير النفط وشركات بيع المنتجات النفطية
15
1
1
المجموع
17
الدول المستهلكة
أرباح شركات النفط والملاحة
عائدات الحكومة (رسوم جمركية, ضرائب)
أجور العاملين في المصانع النفطية
دخول شركات التوزيع
28
28
18
22
المجموع
96
المصدر:
Jan. Danielewski, Organizacja Panstw Eksporterow Roby naftowej, Sprawy Miedzynarodowe, PISM, Nr. 4, 1975, pp. 78.
تصنيف احتياطات النفط:
يمكن تصنيف احتياطات النفط إلى أربع مجموعات:
الأولى: الاحتياطات المؤكدة (الثابتة) Proved reserves وهي: الاحتياطات المقدرة في وقت معين، والتي تدل تحاليل المعطيات الجيولوجية والهندسية المتوفرة بدرجة عالية من التأكيد على إمكانية استخراجها في المستقبل من المكامن، ضمن الظروف الاقتصادية والفنية السائدة في نفس الوقت.
الثانية: الاحتياطات غير المكتشفة Undiscovered Potential Recovery وهي: الإمكانات الكامنة التي لم تكتشف حتى وقت معين، إلا أن كافة المعلومات الجيولوجية والهندسية تفترض إمكانية استخراجها اقتصادياً.
الثالثة: الاحتياطات المضافة نتيجة لتطبيق تقنيات الاستخلاص البترولي المدعم Reserves Additions وهي: استخراج كميات إضافية إلى الإنتاج الأولي من النفط من مكامن طبيعية وذلك عن طريق دعم الطاقة الطبيعية في المكمن أو استبدالها، وتتضمن هذه الطرق، طريقة الإضافة بالماء، والعمليات الثانوية، والثالثة، وأي وسائل أخرى تدعم عمليات الإنتاج الطبيعي من المكمن.
الرابعة: احتياطات النفط غير التقليدي، خاصة المستخرجة من حجر السجيل الزيتي iconventional oil ولا يتولد زيت السجيل في الطبيعة مباشرة، لكنه ينتج عن تحول الكيروجين الموجود في بعض الصخور الرسوبية المعروفة باسم (السجيل الزيتي).
ومصطلح (السجيل الزيتي) يشمل أي صخر موجود على عمق ضحل ويعطي بالتسخين نفطاً بكميات تجارية(13). وتتوزع الاحتياطات في البلاد الإسلامية بين المجموعات الأربع، (الإحصاءات الواردة في هذه الورقة تتناول المؤكدة فقط).
مستقبل احتياطات النفط:
إن استقرار أو اضطراب سوق النفط العالمية، بما في ذلك الأسعار، يعتمد بالدرجة الأساس على الطلب العالمي على النفط والكميات المعروضة منه في السوق، وهذه الأخيرة مرتبطة بشكل مباشر مع احتياطات النفط في مختلف دول العالم.
إن احتياطات النفط، حتى عصرنا هذا، تشير إلى ارتفاع دائم. والحقيقة هناك ثلاث نظريات بخصوص مستقبل احتياطات الثروات الطبيعية في العالم:
- احتياطات الثروات الطبيعية النافدة.
- احتياطات الثروات الطبيعية غير النافدة وغير المحدودة.
- احتياطات الثروات الطبيعة غير النافدة، والمحدودة(14).
( الجدول رقم 2)
احتياطات النفط العالمية وعمرها المتبقي وفقاً للإنتاج في الفترة 1952 - 1999م
1
2
3
4
السنوات
الاحتياطات
( مليار برميل )
الإنتاج
( مليار برميل سنوياً )
العمر المتبقي
سنة(2-3)
1952
1955
1960
1965
1970
1975
1980
1985
1990
1995
1999
115.6
184.7
288.7
324.6
544.2
612.8
648.5
721
1005.7
1046.3
1033.5
4.4