إرادة التغيير وتغيير الإرادة
عدد القراء: 178
24/02/2008
منذ فترة وجيزة كانت قناة الجزيرة الفضائية تروج لبرنامج لقاء خاص مع توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق. وجاء في الترويج مقتطفات لعبارات على لسان بلير فحواها ان من يريد التغيير عليه ان يواجه التحديات. ولسنا هنا لنروج لشخص بلير كنموذج يحتذى به، ولكن مخرج المشهد الترويجي للقاء ابدع في اختيار المقتطفات على لسان بلير، وكأنه يريد ان يلفت انتباه الجمهور الى ارادة التغيير.
ربما نكون بأمس الحاجة الى تلك الارادة في الصناعة المالية الاسلامية.
ربما يسال سائل مستنكراً او مستفهماً عن مدى حاجة الصناعة المالية الاسلامية الى التغيير.. فالصناعة - ومن فضل الله - بخير والمركب سائر، والارباح خيالية، والعملاء في تزايد، والنمو الافقي والعمودي مهول، وطلائع المد المالي الاسلامي ربما تمتد بعد حين من نيويورك الى بكين، وفي كل اسبوع نسمع عن ندوة او مؤتمر للعمل المالي الاسلامي في عقر دار الغرب، ولقد مَنّ الله علينا ان اصبحت الجهات الاجنبية الاعلامية تبتكر لنا جوائز «غير مدفوعة الاجر» تكريماً لنا على نجاحنا الباهر.. وفي ضوء كل هذه المعطيات لا حاجة لنا بالتغيير على حد رأي المستنكرين، وما هو التغيير المطلوب على حد رأي المستفهمين؟
تبرز الحاجة للتغيير للانتقال من حال معين الى حال افضل، وترافقها الارادة عندما تصل الرغبة في التغيير الى ذروتها ثم يأتي بعدها وضع الخطط الملائمة لادارة التغيير.. وحتى نفوت الفرصة على المستنكرين، دعونا نقر بان «الصناعة بخير» ، ثم نقول لهم هناك ما هو «اخير» - بتسكين الخاء وفتح الياء، فهل تبقى بـ «الخير» ام تخطط للذهاب للـ «اخير؟» مع احتفاظك بـ «الخير»، حتى نفوت الفرصة الاخرى عليهم.
من الخير الذي فيه الصناعة انها استطاعت ان تضفي الشرعية الاسلامية على التعاملات المالية فاصبح الراغبون في التعامل وفق ما يعتقدون انه حلال سهلاً عليهم ومتاحاً لهم.. وهذا والله لخير وله مقاصد شرعية كثيرة... لكن الـ «اخير» ان تنظر في المقاصد الشرعية الكامنة خلف تحريم الربا لتكتشف روائع مفاهيم الاقتصاد الاسلامي في تحفيز الانتاجية بعدم تداول النقد بالنقد.
من الخير الذي فيه الصناعة انها استطاعت ان تثبت نفسها كرقم صعب في المعادلة المالية الدولية، لكن الـ «اخير» ان يكون لها هويتها الخاصة بعيداً عن التقليد الاعمى للصناعة المالية التقليدية..
من الخير ان تنتشر الصناعة في جميع ارجاء العالم، ومن الـ «اخير» ان تنتشر بقناعة غير المسلمين بها على انها تقدم حلولاً ناجعة للمشاكل الاقتصادية.
من الخير ان تشتمل الميزانيات العمومية للبنوك الاسلامية على ارقام بالمليارات، ومن الـ «اخير» ان تنقص نسبة عمليات التورق عن 68% من اجمالي عمليات التمويل كما هو الحال في بعض المؤسسات المالية الاسلامية.
من الخير ان توجد بعض الادوات المالية الاسلامية لتداول السيولة، ومن الـ «اخير» ان تقر بان تلك الادوات لا تكفي او ان بها بعض الاشكالات الشرعية ومن ثم تبتكر الحلول المناسبة لتطويرها.
من الخير ان نعتمد على «الليبور» كأساس تسعيري لمنتجاتنا في ظل وجود المؤسسات المالية الاسلامية ضمن نظم اقتصادية ومالية تقليدية، ومن الـ «اخير» ان تتكاتف الجهود المخلصة للبحث عن مؤشر تسعيري بديل يتناسب مع طبيعة صناعتنا، ومن الـ«اخير» ايضاً ان يصمت اولئك الذين يصرون على ان «الليبور جيد وليس به اشكالات»، وهذا اقل ما يمكن فعله من باب «فليقل خيراً او ليصمت».
من الخير ان نقلد المنتجات المالية التقليدية لتلبي احتياجات العملاء المستجدة، ومن الـ«اخير» الا نكون كسالى في تطوير منتجاتنا الاسلامية الاصيلة او على الاقل الا نجادل ونكابر لنخفي مخاطر التقليد، لا سيما في عمليات الخزينة.
ومن الخير ان يكون لنا ارادة قوية، لكن «اخير» الخير ان نقف على حقيقة الوضع ونسخر ارادتنا للتغيير نحو ما هو «اخير».
المقالة السابقة في شكل بي دي أف
http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperBackOffice/Issues/24-2-2008/35-economic.pdf
ناصر الزيادات
bein touch@bubader.com
