لقد آن الأوان للتدقيق الشرعي الخارجي
في البداية أحب ان أو أكد على ان الهدف من نقد تجربة الصيرفة الإسلامية هو الترشيد وليس التشهير، ومن هذا الباب ما سأورده هنا من صور لمخالفات شرعية تقع فيها الصيرفة الإسلامية عن عمد وقصد متجاهلة بذلك قرارات الهيئة الشرعية مستغلة في بعض الأحيان غفلة هذه الهيئات عن متابعة قراراتها أو الثقة المفرطة التي توليها الهيئات الشرعية للقائمين على هذه الصناعة والتي أرى أنها تتعارض مع الواجب الشرعي على هذه الهيئات بحفظ الشرع ورعاية مصالح المكلفين من مستثمري وعملاء هذه المصارف الذين وثقوا بالهيئات الشرعية وتقاريرها وقراراتها، ومن هذه المخالفات ما يقع في صناديق المرابحات أو ما تسمى في عرف الكثير من المصارف بصناديق المتاجرة سواء بالريال أو بالعملات الأخرى، فقد نصت قرارات الكثير من الهيئات الشرعية على وجوب ان لا تزيد الديون في هذه الصناديق عن نسبة تتراوح بين 33% إلى 51% من مجموع أصولها على اختلاف بين الهيئات الشرعية في هذه النسبة بين مقل ومكثر فإذا زادت نسبة الديون في الصندوق عن النسبة المقررة من الهيئة الشرعية فإن الهيئة الشرعية لا تجيز تداول وحدات هذا الصندوق لأنه يدخل في بيع الدين والذي تحكمه شروط ليس هذا محل ذكرها، إلا ان الناظر في أصول هذه الصناديق يجدها قائمة على الديون وبعض النقد لمقابلة عمليات الاسترداد بل ان احد المصارف قد نص على ان أصول الصندوق 50% مرابحات و50% أصول مؤجرة مع ان هذا الأمر غير صحيح وذلك بعد تثبتي من هذا الأمر من احد القائمين عليه، ومع ذلك لم نرى من الهيئات الشرعية أي تحرك لتصحيح هذه الأوضاع أو بيان يفيد بتغير اجتهادها بجواز تداول وحدات هذه الصناديق دون أي ضابط مما يعني تجويزها لشراء وبيع الدين على غير المدين وهذا أمر يخالف مقررات مجامع الفقه الإسلامي التي منعت بيع الدين على غير المدين، ولا اعتقد ان هناك هيئة شرعية تجيز ذلك إلا ما هو معروف عن الهيئات الشرعية في ماليزيا والتي عدها فقهاء المشرق العربي من المؤاخذات على الصيرفة الإسلامية الماليزية .
كما ان بعض الهيئات الشرعية قد تقوم بتغيير اجتهادها في بعض المسائل التي تهم عملاء هذه المصارف دون إشعار هؤلاء العملاء بمثل هذا التغيير مثل القول باستحقاق المصرف لغرامة التأخير التي يفرضها على عملائه في حال تأخرهم عن السداد في عمليات التمويل الإسلامي مع ان العقد ينص على أنها تصرف في الخيرات ولا يستفيد منها المصرف البتة ومثل هذه الفتوى قد تصرف الكثير من العملاء عن هذا المنتج الإسلامي حيث يصبح لا فرق لدى العميل بين المنتج الذي يزعمون بأنه إسلامي وبين المنتج الربوي فقد تحقق الربا في الحالتين فلا يقوم المصرف بإعلانها لأجل عدم انصراف الناس عنه مع تطبيقه لها عمليا.
لذا نرى الكثير من المصارف الإسلامية أو التي تقدم منتجات الصيرفة الإسلامية تحاول جاهدة إبعاد أي محاولة للتدقيق في معاملاتها الإسلامية من قبل جهات التدقيق الشرعي الخارجية المحايدة مثل الوكالة الإسلامية الدولية للتصنيف أو مكاتب التدقيق الشرعي المستقلة وجعل هذه المراجعة داخلية يقوم بها احد الموظفين حيث يتم التحكم في التقارير التي يقوم برفعها للهيئة الشرعية بحجب ما تشاء وإظهار ما تشاء بل ان الكثير من هؤلاء المراقبين يضجون بالشكوى من هول ما يرون من مخالفات لا يتسنى لهم التحدث عنها فضلا عن تغييرها، إذا أضفنا إلى ذلك سلبية بعض الهيئات الشرعية تجاه هذه المخالفات وعدم أخذها بالحزم في معالجتها، فإنني أرى انه قد آن الأوان لإلزام هذه المؤسسات المالية بالتدقيق الشرعي الخارجي لعمليتها الإسلامية وتضمين تقارير التدقيق في التقارير المالية السنوية لهذه المؤسسات وذلك من باب الإفصاح والشفافية وإلزام كل مؤسسة بما التزمت به أمام عملائها، إضافة إلى تحقيق المنافسة العادلة بين جميع المؤسسات المالية منعا لاستغلال الدين من اجل الربح المادي مع التحلل من ضوابطه.
