بحث من إعداد
د. رحيم حسين
أستاذ محاضر بكلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير
جامعة الأغواط هاتف: 029932132
فاكس (الجامعة): 029932698 فاكس (المخبر): 029920069
ب. إ: rahimho@arabia.com
دور الأسواق المالية في تنشيط الاستثمارات
حالة البلدان العربية
rahimho@arabia.com
1- مقدمة:
يعد البحث عن سبل تشجيع وتنشيط الاستثمارات من الانشغالات الكبرى للحكومات وواضعي السياسات الاقتصادية في مختلف البلدان. والسياسيين في الأمم المتحضرة إنما يسترشدون في اتخاذ قراراتهم بآراء المفكرين ونتائج الباحثين. ولذلك كانت رسالة الباحث دوما اقتراح الحلول المناسبة لمشكلات قائمة، بل واستشراف مستقبل منير لأمته.
والمشكلة التي يتناولها مؤتمرنا هذا هي مشكلة ركود الاستثمارات، ومن ثم البحث في سبل بعثها وتنشيطها. وفي هذا الإطار يجدر طرح التساؤلات الآتية: ما هي أولويات الاستثمار في اقتصاد انتقالي يطمح إلى الاندماج في اقتصاد دولي قائم على المعارف؟ وما هي الآليات والوسائل التي من شأنها أن تساهم في تحقيق التسارع في عملية الانتقال والاندماج هذه؟
ومن المعروف أن الاستثمار ليس عملية ظرفية مرتبطة بمرحلة اقتصادية معينة من حياة الأمة، بل هو عملية مستمرة. فمهما اختلفت طبيعته وأهدافه من مجتمع إلى آخر، أو من مرحلة إلى أخرى، يبقى الاستثمار هو الذي يخلق القيمة المضافة ويبعث الرقي والازدهار في المجتمعات ويمنحها الاستقلالية عن غيرها من الأمم.
إن ركود النشاط الاستثماري يمثل تهديدا للأمة من عدة أوجه: الأول هو أن الأمة ستصبح مستهلكة لما ينتج غيرها، وبالتالي تفقد استقلاليتها الاقتصادية، وهو ما سيؤدي بها إلى فقدان جزء من سيادتها؛ والثاني هو أنه يورث ثقافة الاستهلاك، إذ أن المدخرات إذا لم تجد منفذا للاستثمار فستوجه للاستهلاك؛ والثالث أن تستفحل ظاهرة البطالة وتنتشر الآفات الاجتماعية الخطيرة حتى تعم الفوضى واللااستقرار، فيصبح البلد مصنف ضمن البلدان غير الآمنة، فتستنكف الاستثمارات الأجنبية عنه؛ والرابع هروب رؤوس الأموال المحلية إلى الخارج، ما دامت فرص استثمارها غير متاحة في الداخل، فيضطر البلد إلى الاستدانة من الخارج بفوائد وشروط لا تطاق من أجل تغطية العجز التمويلي؛ والخامس أن تعصف لعنة البؤس والفقر بالمجتمع حتى يصبح مادا يديه متسولا للخارج؛ إلى غير ذلك من المآسي التي تنتهي بالمجتمع إلى الانهيار في مختلف مناحي الحياة.
وحيث إن الاقتصاديات الانتقالية عموما، والاقتصاديات العربية جزء منها، تعاني من هذه الآثار السلبية، ولو بدرجات مختلفة، أضحت مسألة جذب الاستثمار إليها من المسائل الأكثر حيوية بالنسبة للباحثين والأكثر إرباكا بالنسبة للسياسيين.
غير أن المشكلة الأكبر التي تختفي وراء جذب الاستثمار، والتي عجزت حكوماتنا عن تجاوزها، هي مشكلة توفير مناخ استثمار ملائم. فعلى الرغم من ترسانة التشريعات وتكثيف الندوات والجولات، في الداخل والخارج، لم يتحقق الهدف. والتقارير الخاصة بالاستثمار الأجنبي تدل على ذلك.
إن جذب الاستثمار يرتبط بمجموعة معقدة من العوامل، وسوف نركز في مداخلتنا هذه على عامل أساسي منها وهو الأسواق المالية. ومع أن هذه الأخيرة تندرج في إطار النظام المالي والمصرفي، وبالتالي فإن إصلاحها لا يمكن فصله عن إصلاح هذا النظام، كما أن نشاط هذه الأسواق محكوم بالنشاط الاستثماري والحركية المالية، إلا أننا نعتقد أن الأسواق المالية يمكن أن يكون لها دور إيجابي في جذب الاستثمارات، وان إصلاحها وتطويرها يمكن أن يشكل مدخلا لإنعاش الاستثمار.
وسوف نعتمد في هذا البحث على منهج الوصف والتحليل لواقع النظام المالي والمصرفي في البلدان العربية، مع التركيز على الأسواق المالية، وعلى ضوء ذلك نحاول تقديم التفسيرات والاقتراحات المناسبة. ولئن أخذنا الاقتصاديات العربية كوحدة واحدة، فإننا ندرك أن ثمة اختلافات تميزها عن بعضها البعض، ومع ذلك فإن هذه الاختلافات لا تبرز أي تقدم لإحداها عن بقية الركب. فرغم تفاوتها في درجة التخلف، وبوجه خاص في درجة جذب الاستثمار، إلا أنها اقتصاديات تشترك في الهوان والهشاشة.
2- دور الأسواق المالية في الاقتصاد:
لقد ساد الاعتقاد بأن التمويل بنظام الوساطة المالية، أي من خلال الجهاز المصرفي، هو أساس قيام اقتصاد السوق، خاصة مع التطور الكبير الذي شهده عالم الصيرفة في الآليات وفي التقنيات. وقد امتد هذا الاعتقاد إلى غاية منتصف السبعينيات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وإلى غاية بداية الثمانينيات بالنسبة للدول الأوروبية. غير أنه، وبفعل التكاليف المرتفعة نسبيا للنظام السابق (أي نظام الوساطة) بالنسبة للمؤسسات، والسعي نحو توظيفات أكثر مردودية بالنسبة للمدخرين، تم التحول إلى الأسواق المالية في تمويل الاقتصاد، حيث أصبحت عمليات التمويل تتم أكثر فأكثر عن طريق إصدار الأوراق المالية، فقل نصيب البنوك في التمويل وانتشرت اللاوساطة أو ما يعرف باقتصاد الأسواق المالية1.
وتندرج الأسواق المالية في إطار سوق رؤوس الأموال الطويلة الأجل، والتي تعتبر قاعدة التكوين الرأسمالي في أي مجتمع. ولذلك فإن قيام الأسواق المالية ظلت لازمة من لوازم تنشيط الاستثمار وتحقيق النمو الاقتصادي. وتنقسم السوق المالية إلى سوق أسهم وسوق سندات، ومن خلالهما تتمكن المؤسسات من التمويل بالأموال الدائمة. ونميز بين مستويين من الأسواق المالية: أولية وثانوية.
وعليه، فالسوق المالية تعبر عن شبكة من القنوات التي يتم من خلالها تدفق رؤوس الأموال. وبسبب الانفتاح الواسع النطاق الذي عرفته الأسواق المالية، والتطور الذي عرفته تكنولوجيات الإعلام والاتصال، أعطيا الأسواق المالية بعدا عالميا، حيث أصبحت التدفقات المالية تتم عبر مختلف نقاط العالم في زمن حقيقي.
إن الهدف من السوق المالية هو استقطاب الموارد المالية وتقليص الفجوة بين الادخار والاستثمار. ومن البديهي أن المدخرات إذا لم تجد منفذا إلى قطاع الاستثمار ستتحول إلى قطاع الاستهلاك، إن لم تبق في صورة سيولة جامدة.
ويعد ضعف الأسواق المالية، أو غيابها أحيانا، من الأسباب الأساسية لتدني حجم الادخار وتدفق رؤوس الأموال نحو الخارج. وبالتعدي، فإن هذا العجز يمثل سببا جوهريا في تفاقم أزمة المديونية الخارجية، والتي طالما بررت بعجز الادخار المحلي2.
وفي هذا الصدد تشير إحدى الدراسات (1999) إلى أن معدل الادخار في البلدان العربية بلغ نحو 18.6% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنحو 23.3% على مستوى العالم، وبنحو 26.5% على مستوى الدول النامية. وتستحوذ الدول الخليجية على أكبر جزء منه، إذ بلغ معدل الادخار فيها نحو 27.5%، بينما لا يتعدى 15.2% في باقي الدول العربية. أما بالمبالغ فقد بلغ حجم الادخار المحلي للأقطار العربية مجتمعة نحو 115.7 مليار دولار، في الوقت الذي كان فيه الناتج المحلي قد بلغ 622 مليار دولار. وبالمقابل تشير الدراسة أن حجم إجمالي استثمارات الدول العربية (لنفس السنة) قد بلغت نحو 134.4 مليار دولار، وهو ما يمثل حوالي 21.6% من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية التسع عشرة المتاح عنها بيانات. وبذلك تكون فجوة ادخار-استثمار سالبة بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وبنحو 18.7 مليار دولار أمريكي باعتبار المبالغ3.
وإلى جانب الدور الذي تلعبه السوق المالية في تجميع المدخرات، تؤدي أيضا دور المنظم (régulateur) في توزيع هذه الأموال. فمن خلال الأسواق المالية يتم التعبير عن احتياجات الاقتصاد من الموارد المالية (الاستثمارية). بل ومن خلال حركية الأسواق المالية (في الحالة العادية) يتم التعرف على الوضع الاقتصادي وتوجهاته المستقبلية في أي بلد. ذلك أن قرارات الاستثمار قائمة أساسا على التوقعات (anticipations) .
ومن هذا المنطلق يأتي دور الدولة، وذلك من ناحيتين: فمن ناحية، يتعين عليها صنع سياسات اقتصادية قادرة على توجيه هذه التدفقات المالية فيما يخدم التنمية الاقتصادية، وذلك باعتماد أساليب شتى كمنح الامتيازات والتفضيلات والإعفاءات الضريبية..، ومن ناحية أخرى، يتوجب على الدولة توفير مناخ استثماري ملائم، والذي يعد بمثابة العمود الفقري لكل نشاط استثماري.