الاقتصاد والمالية في الإسلام
تشتكي الدراسات حول الاقتصاد الإسلامي من غياب مرجعيات متفق عليها، ومعاملات مكرسة إلى جانب غياب منتوج مالي واسع الاستهلاك في مجتمعاتنا•I ـ مرجعيات متضاربةيتأكد الأمر لكل من يطلع على كتاب محمد سلمان غانم "القرآن والاقتصاد السياسي"، الصادر عن دار الفرابي ببيروت والممنوع من طرف الرقابة الأصولية في الكويت• مقدمة الكتاب تشير إلى أن عددا من مؤلفات الكاتب سبق لها وأن تعرضت لمضايقات ومتابعات قضائية من طرف وزارة إعلام هذه الإمارة الصغيرة المتعسفة•من هذه الكتب "الله والجماعة"، الذي يعتبر من مواضيع الساعة، بالإضافة إلى كتاب "دراسة حول الطفيلية الاقتصادية"، وهو موضوع بديهي بالنسبة للحالة الكويتية•ما الذي يدفع الرقابة في الوطن العربي إلى متابعة كتابات لا تتنكر لانتمائها الإسلامي وإنما تسعى لتقديم وجهات نظر مستنيرة؟ هذا التساؤل كان دافعنا لقراءة الكتاب وإشباع فضولنا•يتشبث الكاتب، وهو نقابي، بانتمائه للإسلام، دون أن يمنعه ذلك من التمسك بالعدالة الاجتماعية• ذنبه الوحيد أنه يسعى لتقديم قراءة عقلانية للمفاهيم الاقتصادية الواردة في القرآن•استنادا إلى منهجية كلاسيكية، يذكرنا المؤلف أن وقت العمل هو وحدة قياس للقيمة وليس العرض أو الطلب ولا الاحتياج والندرة، هذه العوامل التي تحدد الثمن وليس القيمة، ما يجعل الكاتب يعتقد بعد قراءات متمعنة للقرآن، أن العمل هو المصدر المشروع الوحيد للقيمة والدخل، والإشارات العديدة في القرآن لمفهوم العمل المفيد والملموس تؤكد ذلك•وعلى العكس، فإن الكاتب يسجل أن الإشارة إلى العمل المجرد تشير إلى "عمل" دون تحديد منافعه•في المجمل، يضم القرآن 359 آية قرآنية ترفع من العمل لدرجة الإيمان، وذلك قبل العبادات•من جهة أخرى، فإن القرآن الكريم ينظر إلى السلع الناتجة عن عمل الإنسان أو الناتجة عن عطاء من الطبيعة من منطلق فائدتها وقابليتها لسد احتياجات الفرد، ويعتبرها في عشرات الآيات من الأعمال "الصالحات"•وعليه فإنه يعتبر أنه لا يمكن التطرق إلى مفهوم العمل الحديث بعيدا عن نظرية "السحت"، التي يرجعها إلى الفائض الاقتصادي، أو إلى القيمة المضافة، والتي هي في الأصل القانون الأساسي للتنمية الرأسمالية من حيث وجودها وإعادة إنتاجها•والمقصود "بالسحت" تلك الفئة الاقتصادية التي يستحوذ عليها الرأسمال، أما المقصود "بالعفو"، فيكون حين يتم استثمار تلك الفئة الاقتصادية للصالح العام•يعد السحت، حقيقة مضافة ناتجة عن جهد عاملين أجراء، ركيزة الملكية، وهو ما حرمته كل الديانات، على اعتبار أنه أساس كل المحرمات، أكثر من ذلك، فإن مفردة "السحت" مرادفة في القرآن للشيء المحرم، مع العلم أن القرآن استنكره ولعنه، كما أنه اعتبره مساسا لحقوق الفرد•وبالفعل فقد أورد المؤلف عددا من الآيات القرآنية ليستدل على وجهة نظره، وحتى لا يدع مجالا للشك، في ذات الوقت الذي يستنكر فيه رفض الفقهاء ورجال الدين إقامة رابط بين السحت والظلم في توزيع الثروات، مدينا من يستغل السحت كمصدر غنى•وقد عدد الكاتب أنواعا مختلفة وأشكالا غير مباشرة للسحت ومنها: انتهاك الحقوق الجماعية، والفردية في توزيع المداخيل والثروات الوطنية على غرار احتكار الأراضي، المواقع الأثرية والمواد الأولية•في حال ما إذا كان هذا وضع الفائض الاقتصادي فكيف يكون الحال مع الربح؟يرى محمد سلمان غانم أن هذا المفهوم لا أسانيد إسلامية يرتكز عليها، ولا حتى أسانيد قرآنية، حين يتعلق الأمر بمفهوم "مداخيل الملكية"•تبقى المنفعة، التي تطورت بشكل كبير ولا إنساني خلال الفترة الإقطاعية، والتي بلغت من 80% إلى 100% من المبلغ المستدان، والربا ناتج عن نزاع في دفع دين مقابل فارق، أو الناصية، لهذا لا يكتفي الإسلام باستنكاره، وإنما يطالب بمحاربته، إذ أنه نوع من أشكال الفائض الاقتصادي ومصدر ظلم اجتماعي•فيما يتعلق بمسألة الملكية وتوزيع الثروات، يرى محمد سلمان غانم أن القرآن كان المصدر الأول للاشتراكية، مستشهدا بعلي بن أبي طالب (ض): "يا ابن آدم، ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك"•من وجهة نظر المؤلف فإن السباق التاريخي لنشأة الإسلام يبرر موقفه هذا، من حيث أنه في تلك الفترة، كانت القوى المنتجة ضعيفة، والعمل قائما على الجهد الفردي أو العائلي، الذي كان يساهم فيه العبيد، إلى جانب اقتصار الملكية على الفلاحة•وقد حرم الإسلام تأجير الأراضي: "على كل من لا يمك القدرة على استغلال الأرض أن يوكلها للدولة، التي تمنحها لمن يملك القدرة"، حيث أنه لا يمكن ترك الأراضي دونما استغلال•وقد جاء في رواية لرافع بن خديج يقول: "كنا نحاقل الأرض على عهد رسول الله فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى، فجاء ذات يوم رجل من عمومتي فقال: نهانا رسول الله عن أمر كان لنا نافعا، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا، نهانا أن نحاقل بالأرض، فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمى، وأمر رب الأرض أن يزرعها (بفتح الياء) أو يزرعها (بضم الياء) وكره كراءها وما سوى ذلك"•وعليه فإن الملكية المطلقة مرفوضة، إذ أن "كل الثروات إنما هي ملك لله"، والأفراد ليسوا في الواقع إلا خلفاء الله في الأرض، حتى يتمكنوا من العيش من خيراتها•وهو ما يجعل الكاتب يستشهد بالزمخشري في قوله: "إنما يريد الله أن تكونوا مجرد وكلاء على الثروات، أو نواب، من دون أن تتحول هذه الثروات إلى ملكية خاصة"• يقول الله تعالى: "وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه"• (7 ـ الحديد)•وبالفعل فإن هذا المنع الذي أتى به رسول الإسلام يؤكده عدد من صحابته، مثل رفاعة بن خديج وجابر بن عبد الله، وبالرغم من ذلك فإن الكاتب لا ينكر وجود أغلبية ممن يدعون للملكية الخاصة في الإسلام، غير أنه لا يوافق على وجود ركائز قرآنية لهذا الطرح، عدا عدد قليل من الآيات التي تشير إلى "الدرجة والدرجات" والتي يقصد بها الطبقة• كما يعيب المؤلف على أصحاب هذا الطرح سعيهم لفرض هذا المفهوم بمثابة العقيدة، التي لا يمكن التشكيك فيها•حين يواجه الكاتب بآيات من سورة النحل المركزة على أن الله فضل عبادا عن غيرهم في الرزق، يجيب محمد سلمان غانم من خلال العودة إلى مفهوم اصطلاح "الرزق" والذي يعني من وجهة نظره، قابلية واستعداد كل فرد وتميزه، في تعامله مع الجهد المبذول في العمل، وبالتالي التفاوت في المنتوج، والفرق بين الأفراد يكمن في مصدر الرزق، من حيث النشاط والوظيفة، مما يعني أن الأفراد يتوزعون على حساب مهامهم، أساليبهم وقابليتهم وكفاءتهم في العمل، وبالتالي في خلق الرزق•المقصود من "والله فضل بعضكم على بعض في الرزق" ( 71 ـ النحل) هو المعيشة أو أسباب الرزق•ويقودنا ذلك مباشرة إلى حديث الرسول (ص) "ما تمتع غني إلا من جوع فقير"، وقوله الكريم "إذا جاع مؤمن فلا مال لأحد"•II ـ انطلاقة أكيدةفي الجزائر تستمر الحكومة في رفض منح امتيازات للبنوك الإسلامية، وقد شهد المجلس الشعبي الوطني في 11 جانفي 2007، خلال مساءلة شفهية طرح أسئلة لوزير المالية آنذاك مراد مدلسي، حول المصير المخصص لهذه البنوك• وقد كانت فرصة ليذكر الوزير أن الأمر رقم 11 ـ 03 المتعلق بالنقد والقروض، المنظم لتأسيس وسير البنوك والمؤسسات المالية بالجزائر لا يضم شروطا خاصة بالبنوك الإسلامية•وعليه فإن البنوك الراغبة في العمل بالجزائر، تخضع لهذه القوانين كما يمكنها أن تعرض منتوجا ماليا إسلاميا•وقد ذكر الوزير أنه على هذه البنوك أن تتعامل وفقا للقانون الاحترازي المعمول به، مشيرا في الوقت ذاته أنه لا يمكن إفراد أي نوع من الامتيازات لهذه البنوك، أو أي معاملة تفاضلية•هناك اعتبارات عديدة للعودة القوية للبنوك الإسلامية والمقدرة قيمتها بـ300 مليار دولار نهاية 2005•من هذه الاعتبارات عودة رؤوس أموال الشرق الأوسطي لبلدانهم الأم بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، مخافة من أن يستولي عليها الغرب في خضم الحرب ضد الإرهاب•عودة هذه الأموال حفزت نشاط البورصة في المنطقة، فقد شهدت بورصة السعودية تضاعفا بعشر مرات خلال خمس سنوات الماضية، كما أن ارتفاع أسعار البترول ساهم في هذا التضاعف المالي، الذي أوجد سيولة مالية واقتصادية في الدول البترولية الخليجية ضمن سياق يمتاز باختلال اجتماعي