تمهيد:
تقوم النظرية النقدية الكينزية على مبادئ وأسس تختلف في جوهرها عن تلك الأفكار والقوانين التي اعتمدها تحليل التقليديين في بناء النظرية النقدية.
1- الأوضاع التاريخية و الاقتصادية لميلاد النظرية النقدية الكينزية:
أ- أزمة نظام قاعدة الذهب: بدأت صعوبات تطبيق النظريات الاقتصادية التقليدية مع الحرب العالمية الأولى، وتجلى ذلك على الخصوص في عيوب نظام النقد الذهبي (نظام المسكوكات) الذي كانت تسير عليه جل دول العالم نتيـجة استنفاذ احتياطاتها من الذهب، لأغراض تمويل الحرب، ولم تشفع العودة إلى هـذا النظام(نظام السبائك) في سنة 1925 ، فنهـار هذا النظام تحت وطأت أزمة الكساد العالمي (29- 1933) .
ب_أزمة الكساد العالمية: كانت أزمة الكساد قد ألقت بثقلها على معظم الدول الرأسمالية ،خاصة الأوروبية منها ،فتوقفت الآلة الإنتاجية، نتيجة ضعف الطلب الكلي عن العرض الكلي للإنتاج، مما أدى إلى غلق معظم المؤسسات المالية والإنتاجية، وإفلاس العديد منها، نتيجة تحقيق خسائر معتبرة، فادى ذلك إلى ضعف دافع الاستثمار، فكانت النتيجة الحتمية والمباشرة لذلك، تصريح العمال، وانتشار البطالة، فبعدما كانت لا تتعدى البطالة في أوروبا سنة1926 بنسبة2%،وصلت نهاية سنة1933 إلى حوالي25%. أما الأسعار فعرفت انخفاضا محسوسا، تجاوز60% خلال سنوات الأزمة. وهو ما اثر على أرباح المستثمرين،وعلى دخل كل أفراد المجتمع من عمال ومنظمين ومستثمرين.
2- فرضيات التحليل الكينزي:
قام التحليل الكينزي على فرضيات تختلف تماما على فرضيات التقليديين، ويمكن إيجاز ذلك في النقاط التالية:
- كان لـ"كينز" الفضل في إنقـاذ النظام الرأسمالي مـن الانهيـار بسبب أزمة الكساد التي حلت به ،ومنه تخليص الفكر التقليدي من الأخطاء التي وقع فيها، بسبب الآراء التي طرحها وطريقة التحليل التي استخـدمها والوسائل التي استحدثها، فكانت نظريته بمثابة ثروة في علم الاقتصاد، وثورة على الفكر الاقتصادي التقليدي الرأسمالي والفكر الاشتراكي .
- منذ البداية كان تحليل"كينز" تحليلا نقديا بحتا، حيث عمل على الجمع بين الاقتصاد العيني والاقتصاد النقدي، بخلاف التقليديين الذين عملوا على الفصل بينهما.
- إعتبر أن سعر الفائدة ظاهرة نقدية تتحدد بعرض النقود والطلب عليها ، وهي لا ترتبط مباشرة بين الادخار والاستثمار عند مستوى التوظيف الكامل كما ترى النظرية التقليدية.
- وجه"كينز" اهتمامه إلى دراسة الطلب على النقود(نظرية تفضيل السيولة) وذهب إلى أن الأمر ليس البحث في العلاقة بين كمية النقود والمستوى العام للأسعار، وإنما البحث في العلاقة بين مستوى الإنفاق الوطني والدخل الوطني، وأوضح أن الأفراد قد يفضلون الاحتفاظ بالنقود لذاتها (تفضيل السيولة)، والسبب أن للنقود دوافع منها المعاملات والاحتياط و المضاربة.
- قام"كينز" بتحليل الطلب على النقود كمخزن للقيمة (دافع المضاربة) وتحليله هذا هو ما يميزه حقا على تحليل التقليديين.
- جاء "كينز" بنظرية عامة للتوظيف، فهي تتميز عما سبقها من نظريات العمالة ،إذ تعالج كل مستويات التشغيل، بينما تعنى النظرية الكلاسيكية بدراسة حالة خاصة هي حالة التشغيل الكامل، وتؤمن بانها هي الحالة العامة،. و أوضح "كينز" أن الحالة الغالبة من التوظيف هي تحقيق مستوى يقع دون التوظيف الكامل.
- اهتم"كينز" بالتحليل الكلي للمعطيات الاقتصادية،ولم يول اهتماما كبيرا بالجزئيات، فالظواهر العامة التي يستخدمها في تحليله تدور حول المجامع،كحجم التشغيل العام، الدخل الوطني، الإنتاج الوطني، الطلب الكلي والعرض الكلي، الاستثمار الكلي وادخار المجتمع الخ…
- رفض "كينز" في تحليله للأوضاع الاقتصادية قانون"ساي" وبين عدم وجود قوانين طبيعية تعمل على إعادة التوازن الكلي كلما حدث اختلال.كما أقر بحدوث التوازن عند أي مستوى من مستويات التشغيل، وعلى ذلك طالب بضرورة تدخل الدولة لعلاج أسباب الأزمات التي قد تعترض الاقتصاد الوطني، فعمل على تحديد معالم السياسة الاقتصادية الجديدة التي ينبغي أن تتبع حتى يصل الاقتصاد إلى التوظيف الكامل ،ويتحقق التوازن للدخل الوطني. ولعلاج ذلك يرى كينز انه من الضروري تدخل الدولة عن طريق السياسة المالية والرفع من مستوى الإنفاق العمومي والسياسة النقدية بزيادة المعروض النقدي، أو ما يسمى سياسة النقود الرخيصة والتمويل عن طريق التضخم.
- -اهتم "كينز" بفكرة الطلب الكلي الفعال (الطلب الكلي الفعال هو ذلك الطلب على مختلف السلع الإستهلاكية والسلع الإستثمارية المدعم أو المصحوب بقوة شرائية) لتفسير أسباب عـدم التوازن التي وقع فيها النظام الرأسمالي في أزمة الكساد، فهـو يرى أن حجم الدخل الوطني، إنما يتـوقف بالدرجة الأولى على حجم الطلب الكلي الفعال. وذلك كما هو مبين في المخطط التوضيحي.