البنوك واستراتيجية التحول
لاحم الناصر
شجع نجاح تجربة المصارف الإسلامية المتمثل في إقبال المجتمع بجميع فئاته على التعامل معها إلى سعي الكثير من المصارف التقليدية إلى التحول إلى مصارف تقدم خدماتها وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ولعل من أخر السائرين في هذا الدرب بنك دبي التجاري و يظن البعض أن عملية تحويل مصرف تقليدي إلى مصرف يتعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية أمر بسيط فيكفي أن يتخذ مجلس إدارة المصرف هذا القرار فيتم التحول بين عشية وضحاها ولكن الحقيقة غير ذلك فإن عملية تحويل مصرف تقليدي إلى مصرف إسلامي تعتبر تحد يواجه صانعي القرار من حيث صياغة استراتيجية التحول ووضع خطة للتحول تأخذ في الاعتبار حجم المصرف و العاملين به والبيئة القانونية التي يعمل بها والأنظمة الحاسوبية وكلفة تعديلها و المنتجات الإسلامية البديلة و تعديل السياسات والإجراءات لتتلاءم مع طبيعة عمل المصرف الجديدة وتستغرق عملية تحويل مصرف تقليدي إلى مصرف إسلامي ما بين ثلاث سنوات إلى ثمان سنوات بناء على السابقة التاريخية و لا تعدوا الاستراتيجية التي يتبناها المصرف أن تكون واحدة من هاتين الاستراتيجيتين فهي إما أن تكون استراتيجية الإزاحة أو استراتيجية الاستبدال فأما استراتيجية الإزاحة فتقوم على إنشاء إدارة للخدمات المصرفية الإسلامية داخل المصرف تقوم بجميع الأعمال المصرفية وفق أحكام الشريعة الإسلامية ويكون رأس مالها عبارة عن قرض حسن ( أي بدون فوائد ) من المصرف وتعمل هذه الاستراتيجية وفق مبدأ الإزاحة حيث تتوسع إدارة الخدمات المصرفية الإسلامية على حساب الخدمات التقليدية وهذه الاستراتيجية رغم جاذبيتها بالنسبة للعملاء حيث تظهر إدارة الخدمات المصرفية الإسلامية في البنك التقليدي بمظهر المستقل عن المصرف إلا أنها في الحقيقة لا تصلح كإستراتيجية تحول بالنسبة للمصارف التي ترغب في تحويل أنشطتها بالكامل إلى نشاط متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية حيث تخلق منافسة ضارة بين القسم التقليدي والقسم الإسلامي في المصرف كما أنها تخلق جو منافسة عدائي يضر ببيئة العمل بين موظفي المصرف حيث يعتقد موظفو القسم التقليدي أنهم سيفقدون وظائفهم لحساب موظفي إدارة الخدمات الإسلامية كما أن هذه الاستراتيجية تؤدي إلى ضبابية الرؤية بالنسبة لمجلس إدارة المصرف وتقلل من التزامه تجاه عملائه بالتحول مما قد يؤدي في النهاية إلى تخلي المصرف عن فكرة التحول نهائيا أو على الأقل جعلها مختصة بقسم دون أخر أو منتج دون آخر ولم اطلع فيما اعلم على أي تجربة أخذت بهذه الاستراتيجية فكتب لها النجاح.
أما الاستراتيجية الأخرى وهي استراتيجية الاستبدال فتعني أن يقوم المصرف التقليدي الذي يرغب في التحول للصيرفة الإسلامية بوضع خطة زمنية وفنية لاستبدال جميع منتجاته التقليدية بمنتجات إسلامية تقوم مقامها فمثلا استبدال الوديعة بفائدة بحسابات المضاربة المطلقة والمقيدة أو استبدال القرض بفائدة بالمرابحة في التمويل قصير ومتوسط الأجل ويتم هذا الاستبدال بواسطة موظفي البنك العاملين في المنتجات التقليدية بعد منحهم التدريب الكافي على المنتجات الإسلامية تحت إشراف إدارة الخدمات المصرفية الإسلامية في المصرف والهيئة الشرعية التابعة له.
وقد شهد على نجاح هذه الاستراتيجية تحول بنك الجزيرة إلى مصرف إسلامي بالكامل والذي كان لي شرف المشاركة في تحوله وقد شهدت بنفسي كيف أدت هذه الاستراتيجية إلى نشر مفاهيم الصيرفة الإسلامية لدى جميع العاملين في البنك فأصبح جميع العاملين به يسعون إلى هدف واحد هو تحويل البنك إلى بنك إسلامي يخضع في جميع معاملاته لأحكام الشريعة الإسلامية فأصبحت المنافسة منافسة ايجابية حيث يسعى كل قسم إلى تحويل معاملاته إلى معاملات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية قبل الأقسام الأخرى وفق خطة مرسومة وباليات محددة كما أدت هذه الاستراتيجية إلى تطوير البنك لأدوات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية تحل محل الأدوات التقليدية وفي النهاية تم الهدف وتحول بنك الجزيرة من بنك تقليدي إلى بنك يمارس أعماله وفق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية بدون أن يفقد أيا من موظفيه أو عملائه مما يشهد على نجاح هذه الاستراتيجية، إن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد في المقام الأول على كفاءة وخبرة الموظفين في إدارة الخدمات المصرفية الإسلامية فيجب أن يتحلى موظف الخدمات المصرفية الإسلامية بالصبر والقدرة على التواصل مع الآخرين وتعليمهم مع سعة الأفق و القدرة على التطوير والابتكار.
