الصيرفة الاسلامية في ماليزيا والخلاف الفقهي
لاحم الناصر
ماليزيا دولة اسلامية صغيرة تبلغ مساحتها 127000 ميل مربع اي ما يعادل (17% من مساحة المملكة العربية السعودية ) ويبلغ عدد سكانها 23،300 مليون نسمة تبلغ نسبة المسلمين 57% كما ان نسبة التعليم عالية حيث تبلغ نسبة القادرين على الكتابة والقراءة بين البالغين 83% ولكن هذه الدولة الصغيرة بهرت العالم بنجاح تجربتها في التحول من بلد زراعي فقير الى بلد صناعي غني حيث تسجل التجربة الماليزية النجاح تلو النجاح في جميع المجالات ومن هذه المجالات التي نجحت فيها ماليزيا باقتدار بل اصبحت من الدول الرائدة فيها الصيرفة الاسلامية حيث قامت بتوفير كل اسباب النجاح لها من حيث مراعاة خصوصية نشاطها القائم على احكام الشريعة الاسلامية فسنت القوانين التي تتفق وطبيعة هذا النشاط تحت مظلة البنك المركزي المعروف بأسمBANK NEGARA MALAYSIA في 7 ابريل 1983م و انشئ اول بنك اسلامي بموجب هذه القوانين في 1 يوليو 1983م هوبنك BANK ISLAM MALAYSIA BERHAD (BIMB) و في عام 1997م عينت الحكومة هيئة شرعية عليا مستقلة تعمل تحت مظلة البنك للنظرفي القوانين والانظمة التي يرغب البنك المركزي في اصدارها لتنظيم هذه الصناعة والتأكد من مطابقتها لاحكام الشريعة الاسلامية ومساعدة البنك المركزي في مراقبة اعمال البنوك والمؤسسات المالية الاسلامية ويتم اعادة تشكيل هذه الهيئة كل ثلاث سنوات ، كما ان لكل بنك اسلامي في ماليزيا هيئة شرعية مستقلة تشرف على اعماله وتجيز منتجاته ويبلغ عدد البنوك الاسلامية في ماليزيا عشرة بنوك لها 1161 فرعا كما ان هناك العديد من المؤسسات التقليدية التي تقدم الخدمات الاسلامية ، وقد فطنت الحكومة الماليزية الى ان من اهم عوامل نجاح هذه التجربة هو قدرة هذه المؤسسات الاسلامية على ادارة سيولتها ادارة فعالة فأنشئت اول سوق مالية اسلامية لاستثمار السيولة لدى المؤسسات المالية الاسلامية كما ابتكرت نظاماً لما يعرف بـ (inter-bank ) للمصارف الاسلامية يتم بموجبه الايداع بين البنوك الاسلامية وبينها وبين البنك المركزي ويتم هذا الايداع بطريقتين الاولى عن طريق المتاجرة في الاوراق المالية والثانية عن طريق المضاربة، ،وتعتبرماليزيا الدولة الاولى من حيث اصدار الصكوك الاسلامية حيث اصدرت العديد من الصكوك لتمويل البنى التحتية للدولة والشركات التابعة لها في سبيل تعزيز هذه الاداة في الاسواق المالية كما ان ماليزيا عضوا مؤسسا في الكثير من المؤسسات والمراكز التي تخدم هذه الصناعة ومنها على سبيل المثال مجلس الخدمات المالية الاسلامية ومقرة كولالمبور وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الاسلامية ومقرها البحرين ، ولعل من المفارقات في التجربة الماليزية هو الاقبال على الايداع والاستثمار في المصارف الاسلامية من قبل غير المسلمين من المواطنين الماليزيين حيث تبلغ نسبة ايداعاتهم 25% من مجمل الايداعات في البنوك الاسلامية والحقيقة انني من المعجبين بهذه الجهود الجبارة التي تبذلها الحكومة الماليزية في سبيل تطوير هذه التجربة والارتقاء بها وسعيها الدؤوب للريادة فيها واعادة النظر في انظمتها وقوانينها وتحديثها كل ما دعت الحاجة لذلك ولكن هذه التجربة خالفت في بعض ادوتها المالية ما استقر عليه رأي جمهور علماء المسلمين ممثلا فيما صدر عن المجامع الفقهية من قررات مثل بيع العينة وبيع الوفاء وبيع الديون وغرامات التأخير مما جعلها غير مقبولة عند عامة المسلمين خارج ماليزيا وبالتالي حال بينها وبين الاستفادة من العمق التاريخي لهذه الصناعة وهو العالم العربي وسوف اتحدث بمشيئة الله تعالى في الاسبوع القادم عن هذه الادوات وبيان الحكم الشرعي لها.