فمعظم الدول الأخرى قامت بوضع ضوابط على تداول الأعضاء أو المدراء لضمان عدم التلاعب أو المضاربة.
فعلى سبيل المثال، تنص اللوائح السعودية على أنه لا يجوز لأعضاء مجلس الإدارة أو لكبار التنفـيذين أو أي شخص ذي علاقة بهم (1) تداول السهم خلال 10 أيام قبل انتهاء الربع السنوي المالي وحتى تاريخ إعلان ونشر النتائج الأولية للشركة، و(2) تداول أسهم الشركة خلال 20 يوماً قبل انتهاء السنة المالية وحتى تاريخ الإعلان المبدئي للنتائج السنوية للشركة، أو الإعلان النهائي للنتائج السنوية للشركة أيهما أقصر.
فـي حين نصت القوانين الأميركية على حظر تداول الأعضاء خلال فترة 6 شهور من تاريخ آخر صفقة لمنع المضاربة بالإضافة إلى ضرورة الإفصاح عن الصفقات الخاصة بأسهم الشركة التي يحملون عضويتها للهيئة الرقابية قبل القيام بها.
بسبب صعوبة ضبط أو إثبات جرائم التداول بناء على معلومات داخلية بدأت الجهات الرقابية فـي بعض الدول إلى اللجوء إلى استخدام معايير الحوكمة للسيطرة على تلك الظاهرة بالإضافة إلى نصوص القانون.
حيث تعتمد تلك المعايير على حث الشركات على تبني ووضع الإجراءات والسياسات الداخلية الكفـيلة بتفعيل الرقابة الذاتية بدءا من تكوين مجلس الإدارة إلى كيفـية اختيار اللجان وطريقة تنظيم العلاقة مع الجهات الخارجية.. وما تحرص عليه معايير الحوكمة هو تغيير ثقافة وأخلاقيات المستثمرين تجاه هذه الظاهرة فمن الملاحظ أن عدداً كبيراً من المشاركين فـي السوق الكويتي يصرون على أن (التداول بناء على معلومات داخلية) ظاهرة متفشية ويصعب أو يستحيل التغلب عليها حتى فـي ظل وجود قوانين جيدة وعقوبات رادعة.
فلو تركت كثير من الظواهر الخاطئة فـي المجتمع دون ضبطها عن طريق القانون أو عن طريق وسائل أخرى، كأن تتم معاقبة مرتكبها، وذلك بحجة صعوبة السيطرة عليها، لأصبحت مستفحلة وتزايدت وأصبحت عواقبها وخيمة ولعمت الفوضى فـي المجتمع.
ولقد كان لتطبيق معايير الحوكمة والتشريعات والقوانين الكفـيلة بالسيطرة على الممارسات الخاطئة فـي الدول المتقدمة آثاره الإيجابية، ولم تتوان الدول المتقدمة، والتي كانت الممارسات الخاطئة بالسوق متفشية لديها فـي وقت معين، من اتخاذ كافة الإجراءات الكفـيلة بالسيطرة عليها.
أكدت دراسة علمية لأحد الباحثين فـي هذا المجال (Bhattacharya & Daouk 2002) على أن وجود قوانين وعقوبات رادعة للسيطرة على جريمة التداول بناء على معلومات داخلية يؤدي إلى رفع كفاءة السوق رفع سيولة السوق تقليل تكلفة أموال الشركات وتحقيق أسعار عادلة لأسهم الشركات.
ولقد أكدت تلك النتائج عدد كبير من الدراسات الأخرى (Beny 2006) كما أكدت انخفاض معدلات هذه الظاهرة. ودعونا نعود مرة أخرى إلى القوانين الكويتية المنظمة لهذه الظاهرة والخاصة بالعقوبات.
نصت المادة 184 من قانون الشركات على ما يلي (يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة دنانير ولا تزيد على مئتي دينار كل من خالف أحكام المواد 85 مكررا و 106 و109 والفقرة الأخيرة من المادة 77 والفقرة الأخيرة من المادة 140 ويجوز للمحكمة أن تحكم بمصادرة الأسهم موضوع المخالفة..) عند مقارنة العقوبة التي نص عليها القانون الكويتي بمعظم الدول الأخرى نجد أنها بكل ما تحمله الكلمة من معنى عقوبة غير رادعة.
إن قصور التشريعات الخاصة بجريمة التداول بناء على معلومات داخلية وعدم تجريمها فـي دولة الكويت تم انتقاده بشدة فـي تقرير البنك الدولي 2004.
ونتيجة لهذا الانتقاد تم إصدار مرسوم رقم 158 فـي 2005 بشأن تعديل بعض أحكام المرسوم بتنظيم سوق الكويت للأوراق المالية حيث تم تعديل المادة 6 لتنص على ما يلي (تتولى لجنة السوق وضع القواعد والسياسات العامة لسوق الكويت بما فـيها.. ضوابط منع التداول بناء على معلومات داخلية أو غير معلنة أو لتضارب مصالح.).
ما يمكن عمله للسيطرة على هذه الظاهرة بالقوانين أو باستخدام مبادئ الحوكمة العامة:
1. تعديل القوانين والتشريعات الحالية المنظمة لتلك الظاهرة.
2. فرض عقوبات رادعة على مرتكبها.
3. تعيين مدير للالتزام القانوني داخل كل شركة يراقب مدى التزام الشركة بالقوانين واللوائح.
4. تعديل السياسات والإجراءات المنظمة للإفصاح للحد أو التقليل من احتمال استغلال المعلومات الداخلية. فعلى سبيل المثال، لابد من إعادة النظر فـي آلية وخطوات الإفصاح لتقليل عدد الجهات المطلعة والتي قد تسرب أي معلومات جوهرية.
5. يجب التفرقة بين تداول المطلع القانوني وغير القانوني والسماح لأعضاء مجلس الإدارة والمدراء بالتداول مع وضع الضوابط والقيود المنظمة لذلك بما فـيها فترة محددة بعد انتهاء مدة العضوية أو فترة العمل لدى الشركة. كأن يُمنع تداول الأعضاء والمدراء خلال فترات محددة خاصة قبل مواعيد إعلان الأخبار الجوهرية. يتم استخدام آلية تسمى (Trading Window) نافذة التداول لأسهم الشركة للأعضاء وللتنفـيذين بحيث تكون مغلقة فـي مدد محددة قبل وبعد إعلانات الشركات الرئيسية كإعلانات الاستحواذات والتخارج وتوزيعات الأرباح وزيادات رؤوس الأموال.
6. وضع الضوابط التي تحد من وجود أي تضارب فـي المصالح.
7. توفـير الإفصاح والشفافـية والحد من الإفصاح المنتقى لنخبة من المستثمرين.
8. مراقبة الصفقات عن طريق وضع آلية وأنظمة وأشخاص مؤهلين قادرين على ضبط الصفقات المشبوهة.
9. فرض لوائح للسلوك الأخلاقي والمهني وإلزام الأشخاص باتباعها.
الخلاصة والتوصيات:
تعديل قانون الشركات الحالي والذي أصبح يمثل عائقا أمام تطبيق معايير الحوكمة العالمية. فعلى سبيل المثال، لا بد من إلغاء الفقرة المتعلقة بمنع أعضاء مجلس الإدارة من التداول طوال فترة عضويتهم وكبديل لذلك يتم وضع القيود المنظمة لتداولهم لضمان عدم تلاعبهم واستغلالهم للمعلومات.
تبني معايير الحوكمة العامة فـي التشريعات الحالية لفوائدها الكبيرة وخلق آلية لتشجيع الشركات على وضع قواعد حوكمة خاصة بها لتطبيقها والعمل فـيها.
الإسراع فـي إنشاء هيئة أسواق المال المتخصصة فـي رقابة السوق حيث أثبتت الدراسات وتجارب الدول الأخرى أن معايير الحوكمة تكون كفاءتها أعلى فـي تحقق أهدافها فـي ظل الدول ذات التشريعات القوية.
خلق آليات داخل الشركات تعتمد على معايير الحوكمة لمنع جريمة التداول على معلومات داخلية.
عن طريق حث الشركات على تبني مبادئ الحوكمة فـي أنظمتها لضمان حماية حقوق أقلية المساهمين من منطلق المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية.
التمييز ما بين تداول أعضاء مجلس الإدارة والمدراء التنفـيذيين القانوني وغير القانوني.
تطبيق مبدأ المساواة ما بين المساهمين من حيث توزيع المعلومات والإفصاح والمعاملة.
(1) الحوكمة هي مجموعة من القرارات والإجراءات والسياسات والقوانين التي تؤثر فـي الطريقة التي تدار وتراقب بها الشركات بطريقة تعزز وتضمن كفاءة أعلى وأداء ماليا أفضل ويقلل الحاجة لرقابتها.