ch.ch مشرف
عدد الرسائل : 2822 تاريخ التسجيل : 23/12/2007
| موضوع: منظمة التجارة العالمية-المخاض الصعب الأحد 16 مارس - 4:12 | |
| منظمة التجارة العالمية -المخاض الصعب 1-مدخل لقد اختلفت الآراء بصورة حادة تجاه ظاهرة العولمة، كما هو الحال والطبيعي في الموقف من المشكلات والظواهر الدولية الكبرى، خصوصا تلك التي تمس بصورة مباشرة مصالح الناس.هنا لا مفر من بروز الجوانب الأيديولوجية للقضية موضوع الخلاف فتزيدها تعقيدا على تعقيد.لقد ذكرنا في أكثر من موضع ومناسبة،أن العولمة هي ظاهرة موضوعية وليست مخططا سياسيا إمبرياليا للسيطرة على العالم،مع أن ذلك قد يحصل بالنتيجة.إنها تعبير عن المستوى الذي وصله تطور التشكيلة الرأسمالية في نهاية القرن العشرين من دمج للعالم والانتقال من وضعية الرأسمالية الدولية القائمة أساسا على التخصص فيما بين الفروع والدول إلى الرأسمالية الكونية القائمة على التخصص داخل الفروع والدول. ثمة حركة موضوعية عالمية الأبعاد لتشكيل فروع اقتصادية كونية تشكل نواتها الشركات العابرة للحدود والقارات، غير أبهة بالحدود الوطنية وما يرتبط بها من مفاهيم السيادة والاستقلال والدولة الوطنية الخ.عملية بهذا المستوى والعمق لا يمكن أن تجري بسلاسة وبدون مقاومة و ثمن.إن المعضلة الكبرى التي تواجه الإنسانية حسب مجلة الايكونوميست The Economist تكمن في " أن نجاحاتنا في المجال الاقتصادي تتفوق على نجاحاتنا في المجال السياسي، على نحو جعل الاقتصاد والسياسة لا يسيران بخطى موحدة.فاقتصاديا أصبح العالم يتحرك كما لو كان وحدة واحدة شاملة، أما سياسيا فإنه ظل مقسما ومجزأ. ولقد تسببت التوترات الناجمة عن هذا التطور اللامتكافئ في عدد من الهزات والانهيارات في تعايش المجتمع الإنساني"، وقد وجد البعض أن خير طريق لتجنب شرور العولمة ومخاطرها تكمن في الانعزال والعودة إلى السياسات الحمائية . وبالفعل فإن ظاهرة الانفصال والتشرزم تنتشر في دول كثيرة وتتسبب في اشتعال الحروب الأهلية والمجاعات أمام أنظار العالم دون أن تلقى اهتماما دوليا كافيا.ومما يشجع على السير في هذا الاتجاه السياسات الأمريكية الهوجاء وغير المسؤولة . فمع أن أمريكا هي الدولة المسؤولة عن إدارة النظام الرأسمالي العالمي، إلا أنها الأكثر استهتارا بمصير العالم. لقد وقفت ضد اتفاقية كيوتو بشان الاحتباس الحراري ، وشرعت في سباق تسلح جديد من خلال تطوير منظومة الدفاع الصاروخي،وحالت دون نجاح مؤتمر الحد من التجارة بالسلاح الفردي الذي دعت إليه منظمة الأمم المتحدة،ولم توقع على الاتفاقية الخاصة بمنع إنتاج الألغام واستخدامها، وسحبت توقيعها من اتفاقية إنشاء محكمة الجنايات الدولية، وهي تضغط من اجل استثناء رعاياها من المحاكمة كشرط للموافقة عليها. وأكثر من ذلك فهي تزكي نار العديد من الحروب الأهلية والإقليمية أو تقف لا مبالية تجاهها أو تعيق التوصل إلى حل لها من قبل الأطراف المعنية بالطرق السلمية. وخير مثال على ذلك موقفها الراهن من الأزمة العراقية . ففي حين ترفض دول العالم وشعوبها اللجوء إلى الحرب لحل الأزمة ،نجد أمريكا بكل عناد وإصرار اختارت الحرب مع كل ما سوف ينجم عن ذلك من مخاطر اقتصادية وسياسية وإنسانية على العراق ودول المنطقة والعالم بأسره. إن الطابع الهمجي الذي تضفيه أمريكا على العولمة هي التي تدفع الناس إلى محاولة مقاومتها.وبالفعل فقد تحولت الحركات المناوئة للعولمة إلى ظاهرة عالمية، وهي في تنامي وتصاعد مستمر.فقد وقعت 1200 منظمة عالمية من 87 بلدا بيانا ضد منظمة التجارة العالمية(4)،ولم تتخلف عن ذلك المنظمات الأمريكية،بل كانت في طليعة المعارضين واتهمت الرئيس الأمريكي بازدواجية المعايير،فمن جهة يتحدث عن"عولمة ذات بعد إنساني"وفي الوقت ذاته تساند إدارته مصالح رجال المال وتقدم الدعم للمؤسسات الأكثر عداءا للديمقراطية.ولا تقتصر عملية مقاومة العولمة وتعبيراتها التنظيمية على الناس العاديين،بل يشارك فيها نخبة من المفكرين من رجالات الاقتصاد والفكر والمال من مختلف الدول ،مثل موريس دالاس وسيزار جورج ولوري ولاش وجون زيغلر. يكاد لا يمر لقاء دولي ، وخصوصا اجتماعات منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي، أو لقاءات الدول الصناعية الثماني الكبار دون أن تذكر المنظمات والحركات المناهضة للعولمة وتنظيماتها القائمة بوجودها،بل أخذت تقدم الضحايا على هذا الدرب كما حصل خلال الاحتجاجات التي قامت بها ضد قمة الدول الصناعية الثماني الكبيرة في جنوا في إيطاليا في تموز/يوليو 2001. اللافت أيضا أن مقاومة العولمة ومنظمة التجارة العالمية يأتي من داخلها، أي من الدول المشاركة فيها ، وتأخذ هذه المقاومة أشكالا مختلفة ، تركز في مجملها على إعطاء طابع إنساني وديمقراطي للعلاقات الاقتصادية الدولية.ففي المؤتمرات الوزارية للمنظمة أخذت تحتل مكانا هاما في المناقشات قضايا العالم النامي والبلدان المتخلفة والقضايا الاجتماعية ومشكلات الديون الخ.ففي المؤتمر الوزاري الأول للمنظمة الذي انعقد في سنغافورة عام 1996 تم التداول بالقضايا التي تخص البلدان الفقيرة والبلدان النامية والقضايا الاجتماعية ومشكلات البيئة ومعايير العمالة وضرورة الشفافية في العلاقات الاقتصادية الدولية ، إلى جانب عدد كبير من القضايا الاقتصادية الأخرى مثل النمو الاقتصادي والتجاري وتجارة المنسوجات والخدمات وقضايا الاستثمار والمنافسة..الخ. وقد صدر عن المؤتمر إعلانا يدعو إلى دعم المنظمة كمنتدى للتفاوض من أجل مواصلة تحرير التجارة و مراجعة السياسات التجارية خصوصا لجهة تقويم مدى الالتزام باتفاقيات المنظمة وقراراتها ،ومتابعة تطور الاقتصاد العالمي والتغيرات في التجارة العالمية . وركز البيان على ضرورة التوسع في المبادلات التجارية بمنتجات تكنولوجيا المعلومات بين الدول الأعضاء. وفي المؤتمر الوزاري الثاني الذي انعقد في جنيف في سويسرا عام 1998 تضمن جدول الأعمال مواضيع عديدة منها تصديق الاتفاق الخاص بعمل المنظمة، واستعراض التطورات التي حدثت في الاقتصاد العالمي وفي المبادلات التجارية العالمية والتي تضمنها تقرير المدير العام للمنظمة،واستعراض النشاطات التي قامت بها المنظمة منذ المؤتمر الوزاري الأول وتحديد تصورات لعملها في المستقبل، ومتابعة أوضاع الدول الفقيرة ..الخ.وقد صدر عن المؤتمر إعلانين تناول الأول منهما نظام التجارة بين أكثر من دولتين في حين ركز الثاني على التجارة بالمنتجات الالكترونية وضرورتها بالنسبة للدول النامية. أما المؤتمر الثالث للمنظمة والذي انعقد في مدينة سياتل في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1999 فقد شكل فشلا ذريعا للمنظمة نتيجة للخلافات الحادة بين الأقطاب الثلاث الكبار في الاقتصاد العالمي؛ أي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي واليابان بحيث بالكاد اتفقت على جدول الأعمال وأولياته.مع ذلك فقد تم التركيز ،على جملة من القضايا الخلافية مثل المناقصات الحكومية، ومعايير العمل والتجارة ،والبيئة والتجارة ،والتجارة بالكائنات المحورة وراثيا،إلى جانب قضايا الزراعة والخدمات والمسائل المتعلقة بالمنافسة وتسهيلات التجارة. وقد تم الاتفاق على تمديد فترات السماح للدول النامية والفقيرة ومعاملتها بصورة تفضيلية . في مؤتمر الدوحة الذي انعقد في دولة قطر في عام 2001 فقد حاولت المنظمة أن تتجاوز المشكلات التي أدت إلى فشل مؤتمر سياتل، والعمل بالتالي على إنجاحه.لقد تضمن برنامج عمل المؤتمر ،من بين مسائل أخرى عديدة: -تحرير تجارة السلع والخدمات -إجراء إصلاح زراعي هام -تشريع قوانين جديدة واضحة حول مكافحة الإغراق والمعونات والإجراءات التعويضية - استكمال مواضيع الملكية الفكرية والتجارة والبيئة -إصلاح نظام تسوية المنازعات لقد استغرقت المفاوضات المتعلقة بتحرير التجارة زمنا طويلا ناف على الأربعة عقود عبر جولات عديدة ، وانتهت في الجولة الأخيرة المعروفة باسم جولة الأورغواي في عام 1993. ففي لقاء مراكش لوزراء التجارة تم الإعلان عن إنشاء منظمة التجارة العالمية كإطار مؤسساتي تنظيمي لاتفاقيات الجات من قبل 117 دولة.ومنذ ذلك التاريخ تسارع انضمام الدول إليها بحيث أصبحت تضم في عضويتها 142 دولة وذلك حتى 26 تموز/يوليو 2001 ، وتجري المنظمة مفاوضات مع دول أخرى من أجل الانضمام إليها. 2-التكتلات الاقتصادية الإقليمية - من مقاومة العولمة إلى تحفيزها. ينظر عدد كبير من الباحثين والمهتمين بالشأن الاقتصادي إلى التكتلات الاقتصادية الإقليمية باعتبارها تكتلات تهدف إلى مقاومة العولمة الاقتصادية ، غير أن التجربة تبرهن عكس ذلك،فهي ليست سوى أطر إقليمية للعولمة ،تمهد الطريق أمامها من خلال دمج الاقتصاديات المتقاربة أو المترابطة تمهيدا لإنشاء قواعد متينة لانطلاقها على أسس من التكيف المتبادل بين كتل اقتصادية كبيرة. جميع دول العالم ، في الوقت الراهن، تنضوي في إطار تكتلات اقتصادية إقليمية ، فهناك إلى جانب الاتحاد الأوربي وهو التكتل الأقدم والأكثر نجاحا، تكتل رابطة دول جنوب شرق أسيا، وتكتل النافتا بين كندا وأمريكا والمكسيك، وهناك تكتلات مشابهة في أمريكا اللاتينية وفي أفريقيا وفي الوطن العربي..الخ. بدأ الاتحاد الأوربي سيرورته بتوقيع اتفاقية روما لإنشاء السوق الأوربية المشتركة في 15آذار عام 1957،لينطلق فعليا بعد ذالك بعام واحد أي في عام 1958.لقد وقعت الاتفاقية في حينه ست دول أوربية هي فرنسا، ألمانيا الغربية، إيطاليا،بلجيكا،لوكسمبروغ وهولندا. وفي عام 1973 انضمت إليه بريطانيا والدنمرك وأيرلندا،والتحقت من ثم في عام 1981 اليونان وتلتها أسبانيا. وفي الوقت الراهن يسعى الاتحاد إلى ضم جميع الدول الأوربية الأخرى إليه خصوصا في شرق أوربا وجنوبها. انطلق الاتحاد الأوربي من ضرورة تحرير انتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال واليد العاملة بين الدول الأعضاء وإلغاء الرسوم الجمركية بينها وتوحيدها تجاه الدول خارج الاتحاد ، وتوصل في الوقت الراهن إلى إنشاء البنك المركزي الأوربي واعتماد عملة موحدة وإنشاء الهياكل الإدارية والسياسية المشتركة.إنه في طريقه إلى الاندماج السياسي في إطار دولة فدرالية أو كونفدرالية موحدة بعد أن نجح في دمج الاقتصاديات الأوربية. في جنوب شرق أسيا يوجد تكتل اقتصادي ناجح آخر هو رابطة دول جنوب شرق أسيا. لقد سعى هذا التكتل منذ إنشائه إلى بناء اقتصاد متكامل من الاقتصاديات الوطنية للدول الأعضاء ، وذلك من خلال تبني سياسات تشجيع الصادرات وزيادة التبادل التجاري بين دوله. أضف إلى ذلك اعتمد التكتل سياسات موجهة نحو الخارج فخلق مناخا ملائما لجذب الاستثمارات وبيئة صالحة لتوطينها.لقد استطاع التكتل خلال فترة وجيزة الارتقاء باقتصاديات الدول الأعضاء إلى مصاف الدول المتطورة، فأصبحت دولا تحتذ ومثالا يَقتد على صعيد الدول النامية،ومضرب مثل على الصعيد العالمي. وإذا كان تكتل الاتحاد الأوربي هو تكتل بين دول متقدمة وتكتل رابطة دول جنوب شرق أسيا هو تكتل بين اقتصاديات متشابهة ومترابطة،فقد ظل الشك مسيطرا في جدوى إنشاء تكتلات تضم اقتصاديات متباينة من حيث مستوى تطورها حتى أن ظهر تكتل النافتا بين كندا وأمريكا والمكسيك. وبالفعل ثمة تباين كبير بين وضعية اقتصاد كل دولة من الدول المنضوية في إطاره والأهداف التي تسعى إليها. ففي حين تطمح الولايات المتحدة الأمريكية إلى إقامة تكتل مواز للتكتل الأوربي ،فإنها ترغب في الاستفادة من اليد العاملة الرخيصة في المكسيك ، والعمل على تنشيط التجارة الدولية من خلال تقديم المكسيك كنموذج على الانفتاح لجميع الدول النامية الأخرى من أجل تشجيعها على فتح أسواقها والدخول في منظمة التجارة العالمية. أما كندى فإنها تسعى إلى الاستفادة من المزايا النسبية التي تتمتع بها خصوصا في مجالات التكنولوجيا الحديثة والنقل والاتصالات وغيرها، بالإضافة إلى إيجاد وسط اقتصادي إقليمي واسع يحميها من العزلة. بدورها المكسيك، وهي دولة نامية، فإنها تطمح إلى الاستفادة من وفرة اليد العاملة الرخيصة لديها على الصعيد الاقتصادي والسياسي لجذب الاستثمارات والتكنولوجيات الحديثة، بالإضافة إلى فتح أكبر الأسواق الاقتصادية أمام منتجاتها، كل ذلك يصب في المحصلة في صالح نموها الاقتصادي. لا يزال من السابق لأوانه الحكم على مدى نجاح تكتل النافتا بالنظر إلى حداثته فقد أنشئ في عام 1994، أضف إلى ذلك فهو يهتم بالقضايا التجارية فقط على عكس الاتحاد الأوربي الذي اهتم منذ البداية بتنسيق القضايا المالية والنقدية.مع ذلك يمكن القول بصورة أولية ومن حيث المبدأ أن التعاون بين الشمال والجنوب قد يكون مفيدا لدول الجنوب شريطة أن يشيد على أسس متكافئة . إلى جانب التكتلات الاقتصادية الناجحة ثمة تكتلات أخرى انتهت إلى فشل مثل منظمة الكوميكون التي كانت قائمة بين ما كان يسمى بالدول الاشتراكية ، أو في طريقها إلى الفشل مثل العديد من الاتفاقيات الاقتصادية العربية التي بقيت حبرا على ورق.من بين الاتفاقيات العربية الكثيرة سوف نتوقف عند الاتفاقيات التالية:
أ-اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية. لقد دخلت اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية حيز التنفيذ في 30/نيسان/1964 ، بعد فترة مناقشة استمرت من 22آب 1956 إلى حزيران 1962.لقد توخت الدول العربية من هذه الاتفاقية تحقيق الأهداف التالية: - حرية انتقال البضائع الوطنية والأشخاص ورؤوس الأموال. - حرية الإقامة والعمل وممارسة النشاط الاقتصادي. -حرية النقل واستخدام مختلف وسائط النقل والمرافئ والمطارات.. - حرية التملك والإرث والوصاية. ولتحقيق هذه الأهداف فقد لحظت الاتفاقية جملة من الوسائل منها: - توحيد سياسات الاستيراد والتصدير - توحيد أنظمة النقل والمواصلات والترانزيت. - إنشاء منطقة جمركية واحدة من البلدان العربية تخضع لإدارة واحدة وتعريفات جمركية واحدة. -الاشتراك في عقد الاتفاقيات التجارية واتفاقيات المدفوعات مع الدول الأخرى . -تنسيق السياسات الزراعية والصناعية والتجارية وتشريعات الضرائب والرسوم المختلفة المتعلقة بها. - تنسيق تشريعات العمل والضمان الاجتماعي. - تنسيق السياسات المالية والنقدية. ب- اتفاقية السوق العربية المشتركة تم الإعلان عن إنشاء السوق العربية المشتركة بالقرار رقم 17 تاريخ 13/8/1964 الصادر عن مجلس الوحدة الاقتصادية ، لتحقيق الأهداف ذاتها التي تضمنتها اتفاقية الوحدة الاقتصادية،وزادت عليها بعض التفاصيل في الفصول السبع التي تضمنتها الاتفاقية.مثلا في الفصل الثاني تم توضيح المبادئ العامة التي تحكم تبادل المنتجات الزراعية والصناعية والثروات الطبيعية ، وإلزام الأعضاء بتثبيت الرسوم والضرائب النافذة وقت توقيع الاتفاقية، ومنع الدعم عن المنتجات المتماثلة ،ومنع إعادة التصدير إلا بعد استئذان البلد المنتج إلا في حال تصنيع هذه المنتجات. في الفصل الثالث طالبت الاتفاقية بإعفاء المنتجات الزراعية والثروات الطبيعية التي تضمنها الجدول رقم 1 من الرسوم والضرائب كافة، وتخفيض تدريجي للرسوم بمعدل 30% على المنتجات، التي لم يتضمنها الجدول المذكور و10% على المنتجات الصناعية ابتداء من عام 1965،وتحرير هذه المنتجات من القيود الإدارية. وفي الفصل الخامس نصت الاتفاقية على ضرورة تقديم جداول بالمنتجات الزراعية والصناعية والطبيعية إلى مجلس الوحدة الاقتصادية قبل شهرين من بدء كل مرحلة،وكذلك تقديم عرض للقيود المفروضة على الاستيراد والتصدير والرسوم التي تستوفيها مقابل الخدمات التي تقدمها. وفي الفصل السادس تم شرح كيفية تسوية المبادلات التجارية والمدفوعات بين الدول وتحديد العملات الصعبة المستخدمة في ذلك. ج- اتفاقية إنشاء الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. أقر مجلس الوحدة الاقتصادية إنشاء هذا الصندوق في 16/5/1968 ودخلت اتفاقيته حيز التنفيذ في 18/12/1971 ، وقد كان الهدف من إنشائه المساهمة في تمويل المشروعات الحكومية والخاصة ، وذلك بتقديم القروض من أمواله الخاصة التي تكتتب عليها الدول الأعضاء ، أو من القروض التي | |
|
ch.ch مشرف
عدد الرسائل : 2822 تاريخ التسجيل : 23/12/2007
| موضوع: رد: منظمة التجارة العالمية-المخاض الصعب الأحد 16 مارس - 4:13 | |
| من الأسواق المالية العربية والأجنبية.إلى جانب ذلك يقوم الصندوق بضمان القروض التي تحصل عليها الدول الأعضاء من المؤسسات المالية الأخرى ،و يضمن الأوراق المالية التي تصدرها، ويؤمن الخبرات الفنية في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية. د- صندوق النقد العربي. أنشء هذا الصندوق من قبل المجلس الاقتصادي العربي بتاريخ14/12/1974 ودخل حيز التنفيذ في 11/2/1977، ليكون الجهة المسؤولة عن العلاقات النقدية بين البلدان العربية،وتأسيس المقومات النقدية للوحدة الاقتصادية العربية، وتسريع عملية التنمية الاقتصادية . بصورة خاصة يتولى الصندوق مهمة السهر على استقرار أسعار الصرف بين العملات العربية وتصحيح الاختلالات في موازين المدفوعات، والمساهمة في وضع السياسات النقدية العربية بما يساعد في تسريع الخطى باتجاه الوحدة الاقتصادية العربية المنشودة، والعمل على تطوير أسواق المال العربية ،وصولا إلى إنشاء عملة عربية واحدة. إلى جانب الاتفاقيات ذات الطابع الشمولي بين الدول العربية هناك بعض الاتفاقيات الخاصة والتكتلات التي عالجت جانب معين من أوجه التعاون العربي أو ضمت بعض الدول العربية ،مثل اتفاقية إنشاء منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول،واتفاقية إنشاء مجلس التعاون الخليجي، واتفاقية إنشاء الاتحاد المغربي.وكثرت في السنوات العشر الأخيرة الاتفاقات الثنائية أو المتعددة الأطراف لتحرير التجارة وإلغاء التعريفات الجمركية بين الدول العربية..الخ.
3- منظمة التجارة العالمية-انتقادات وتطمينات إن ولادة منظمة التجارة العالمية سرع كثيرا من عملية تحرير الاقتصاد العالمي وفتح الأسواق أمام السلع والخدمات ورؤؤس الأموال ،فأخذت تبرز أكثر فأكثر السمات الكونية للاقتصاد العالمي،فتغيرت بالتالي مفاهيم عدية كانت حتى حين راسخة ومستقرة. بعض هذه المفاهيم يتعلق بالدولة الوطنية واستقلالها وسيادتها، وبعضها الآخر يتعلق بالتنمية وما يرتبط بها من مفاهيم مثل الثروة والموارد والتشغيل..الخ.أضف إلى ذلك فقد شكلت منظمة التجارة العالمية سابقة في التاريخ باعتبارها منتدى دوليا للحوار وتبادل الآراء في كل ما يتعلق بالاقتصاد العالمي. غير أن هذه المنظمة قد تعرضت ولا تزال تتعرض لانتقادات عديدة من جميع الأطراف المشاركة فيها،وإن كان أغلبها قد جاء من الدول النامية.بعض هذه الانتقادات له طابع اقتصادي اجتماعي،وبعضها الأخر له طابع إجرائي،وقسم ثالث له طابع صحي وبيئي الخ. أضف إلى ذلك فإن بعض الانتقادات له طابع تكتيكي يهدف إلى تحقيق مكاسب أو التقليل من أضرار محتملة في المدى القصير، لكن بعضها ذو طابع استراتيجي يتعلق بقضايا التنمية ومستقبل الصناعة الوطنية والبيئة ..الخ. في هذا المبحث سوف نحاول إلقاء الضوء على بعض هذه الانتقادات التي وجهة لمنظمة التجارة العالمية. لقد وجهت الدول النامية ومن بينها الدول العربية انتقادات للمنظمة واتهمتها بأنها تغلب المصالح التجارية على قضايا التنمية المستدامة،وهي ترى أن تحرير التجارة قد يؤدي إلى زيادة النمو، لكن ذلك لا يعني حصول التنمية.البلدان النامية بحاجة ماسة إلى إحداث تغيرات هيكلية في اقتصادياتها تؤدي إلى تنمية طاقاتها الإنتاجية الصناعية والزراعية ، وليس إلى تحرير التجارة بلا قيود أو ضوابط.أضف إلى ذلك قد يكون النمو الذي يحصل من جراء تحرير التجارة من طبيعة مؤقتة ،ولا يعكس تغيرا هيكليا في الإنتاج أو تنميته. وفي الرد على هذا الانتقاد وكمحاولة لطمأنة الدول النامية، تؤكد منظمة التجارة العالمية أن تحرير التجارة وفتح الأسواق سوف يهيئ ظروفا ملائمة للتنمية والنمو في آن واحد.لكن ذلك سوف يتوقف إلى درجة كبيرة على كيفية استفادة الدول النامية من هذه الظروف الجديدة. أضف إلى ذلك فإن العديد من اتفاقيات المنظمة تنص صراحة على مراعاة ظروف البلدان النامية سواء لجهة إعطاء فترات سماح أطول لهذه الدول للتكيف مع متطلباتها وتطبيقها، أو إعفاء الدول الأكثر تخلفا من بعض أحكامها. من جهة أخرى رأت الدول النامية في تحرير التجارة ورفع الدعم خصوصا عن المنتجات الزراعية خطرا سوف يزيد في ثقل فاتورة البلدان المستوردة للغذاء،ويقلل من حصيلة الرسوم الجمركية مما سوف ينعكس سلبا على ميزانية الدولة فيحد من مواردها ويزيد في عجزها.بصورة عامة ترى البلدان النامية أنها في وضع غير متكافئ مع الدول المتقدمة سواء من ناحية إنتاجية العمل أو من ناحية مستوى تتطور قطاع الخدمات أو من حيث المزايا التي يوفرها الحجم الكبير للشركات.ويزيد في مخاوف البلدان النامية كون البلدان المتقدمة غير متحمسة لفتح أسواقها أمام تجارة المنسوجات التي تتمتع بمزايا نسبية فبها. غير أن منظمة التجارة العالمية في ردها على هذه المخاوف أشارت إلى أن اعتماد مبدأ حرية التجارة بالسلع والخدمات لا يعني إلزام الدول الأعضاء بتحرير جميع تجارتها بالسلع أو بالخدمات، بل تركت لكل دولة حرية التفاوض حول ما ترغب تحريره.بمعنى آخر إذا كان تحرير التبادل التجاري بالسلع والخدمات وتقليص الإجراءات الحمائية هو من مبادئ منظمة التجارة العالمية ، فإنه ترك لكل دولة أن تقرر من خلال المفاوضات درجة تحرير تجارتها، وحجم التقليص في الإجراءات الحمائية، والفترة الزمنية الضرورية لتحقيق ذلك . بعض الدول يمكن أن تلجأ إلى الانفتاح التدريجي بحيث يستطيع المنتجون المحليون التأقلم مع الوضع الجديد ، ويمكنها أيضا أن تحدد متى وكيف يتوجب عليها التدخل لحماية إنتاجها الوطني من مخاطر الإغراق أو الدعم. وتشدد منظمة التجارة العالمية على أن اعتماد مبدأ عدم التمييز والشفافية في التجارة الدولية يمكن أن يقلل من مخاوف الدول النامية خصوصا في مجال تجارة الخدمات. فقطاع الخدمات في الدول النامية لا يزال متخلفا ،و من المشكوك به أن يستطيع هذا القطاع منافسة قطاع الخدمات في الدول المتقدمة ،وإنه يحتاج لكي يتطور إلى تحفيز كبير وهذا ما تؤمنه حرية التجارة بالخدمات حسب زعم منظمة التجارة العالمية.وتتخوف البلدان النامية أيضا من أن الفترة الممنوحة لها للتكيف والتأقلم مع متطلبات المنظمة غير كافية ولا تستطيع التحكم بها،بل الدول المتقدمة.أضف إلى ذلك لم تضع المنظمة أية قيود على الشركات الدولية لمنعها من اقتسام الأسواق وفرض أسعار احتكارية أو التلاعب بالأسعار وذلك من خلال الاستيراد من فروعها الخارجية.وتطالب الدول النامية بإعادة النظر في اتفاقية تحرير الاستثمار وإجراءاته بما يراعي مصالحها ويحول دون الشروط القاسية التي تفرضها الشركات متعددة الجنسيات.فهي ترى أن عولمة الأسواق المالية وتحرير الاستثمارات قد تسببت في حصول أزمات مالية في المكسيك عام 1994 وفي دول جنوب شرق أسيا في عام1997، وفي روسيا والبرازيل وبعض دول أسيا في عام1999.وبصورة أكثر تحديدا تتخوف البلدان النامية من: -تعرضها لهجمات المضاربين. -هروب رؤوس الأموال الوطنية على الخارج. -حصول تقلبات مفاجئة في رؤوس الأموال. -غسل الأموال ودخول الأموال القذرة إليها. -إضعاف دور الدولة الوطنية في مجال رسم السياسات النقدية والمالية. ومما يزيد في مخاوف الدول النامية كون البلدان الكبرى هي التي تسيطر على تدفق وحركة رأس المال الأجنبي.وقد حاولت منظمة التجارة العالمية تطمين الدول النامية والتخفيف من هواجسها ومخاوفها وذلك من خلال تركيزها على أن تحرير الاستثمارات سوف يوفر للدول النامية مصادر إضافية لتمويل التنمية،والحصول على التكنولوجيا الحديثة وزيادة أرصدتها من العملة الصعبة، وتحسين مستوى إدارة الاستثمارات ورفع كفاءتها، وفي المحصلة زيادة مداخيل الدولة وإيراداتها. ورغم هذه التطمينات إلا أن الدول النامية لا يمكنها المغامرة بفتح أسواقها واقتصادها أمام الاستثمارات القصيرة الأجل الباحثة عن الربح السريع(رؤوس الأموال الجوالة)، لما يمكن أن تسببه من اضطرابات اقتصادية واجتماعية.كما انه لا يجوز تحت عنوان حرية الاستثمار السماح بتهريب المدخرات الوطنية إلى الخارج، ولا بد من منع المضاربة سواء جاءت من المستثمرين المحليين أو الأجانب.ما يجب تشجيعه فعلا هو الاستثمار الطويل الأجل، وهو يحتاج بلا شك إلى خلق المناخات الملائمة لتشجيعه على التدفق والتوطن. وجهت الدول النامية لمنظمة التجارة العالمية انتقادات أخرى تفيد بأنها؛أي منظمة التجارة العالمية غير ديمقراطية، وتتبنى سياسات الدول المتقدمة،ولا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول الصغيرة والضعيفة،واشتكت هذه الدول بأنها أرغمت على الدخول في منظمة التجارة العالمية تحت الضغط والتهديد. وبالفعل فقد تعرضت دول كثيرة من بلدان العالم الثالث إلى ضغوطات شديدة من قبل الولايات المتحدة للدخول في منظمة التجارة العالمية.فعندما حدد الكونغرس الأمريكي تاريخ 5/2/1993 باعتباره نهاية فترة التفاوض لجولة الأورغواي،مثل ذلك بالنسبة لدول كثيرة نوعا من القوة القاهرة المسلطة فوق الجميع،خصوصا الدول النامية،التي كانت تبحث عن شروط أفضل للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.بل كانت تواجه هذه الدول في حالات عديدة بيافطة تحملها المسؤولية عن التداعيات التي يمكن أن تنجم عن عدم توقيعها على اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ،والتي يمكن أن تتسبب بنشوب صراعات اقتصادية بين الدول المتقدمة والدول النامية. وإذ تعترف منظمة التجارة العالمية في تطميناتها للدول النامية بأن هذه الدول سوف تتعرض بلا شك لمشكلات ليست قليلة من جراء انضمامها إليها،إلا أنها في مقابل ذلك سوف تجني مكاسب عديدة،وأن الايجابيات سوف تتفوق في النهاية على السلبيات.فعلى سبيل المثال سوف تخضع التجارة الدولة الدولية إلى مبدأ الشفافية وعدم التمييز،وان المزايا من تحرير التجارة سوف تشمل جميع الدول وليس الدول الكبرى فقط.أضف إلى ذلك فإن اتفاقيات منظمة التجارة العالمية تجيز،بل تشجع قيام تكتلات بين الدول الصغيرة أو الضعيفة اقتصاديا،أو بينها وبين الدول المتقدمة التي تتقاطع مصالحا معها. إن السؤال حول الخيارات المتاحة أمام الدول النامية للانخراط في العولمة، ومنها انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، هو سؤال خاطئ مبدئيا،فليس ثمة من خيارات أمام العولمة ،بل تفاوض يمكن أن يحسن من شروط الانخراط في هذه العملية الكونية.وفي هذه الحالة فإن القضية برمتها تظل خاضعة لوضعية الدولة المفاوضة من حيث قدراتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية.من هذه الناحية تشتكي الدول النامية والصغيرة منها بأن صوتها لا يسمع وان دورها ضعيفا وغير مؤثر في المفاوضات التي تجري في إطار منظمة التجارة العالمية. غير أن منظمة التجارة العالمية ترى أن وضع هذه الدول يمكن أن يكون أسوأ فيما لو فاوضت من خارج المنظمة، لأنها في هذه الحالة سوف لن تستفيد من حماية القواعد التفاوضية التي وضعتها المنظمة والتي تسري على جميع الدول المتقدمة منها والمتخلفة الكبيرة منها والصغيرة.من الناحية النظرية يبدو ذلك منطقيا وصحيحا، غير أن الواقع يقول غير ذلك.فالدول المتقدمة تهيمن على منظمة التجارة العالمية وتحول دون تنفيذ الكثير من الاتفاقيات في حال تعارضها مع مصالحها،ولا يمكن التخفيف من تأثير هذه الهيمنة إلا بتحالف الدول النامية التي تتشابه مصالحها وتشكيل تكتلات إقليمية في إطار منظمة التجارة العالمية.ويمكن أن يساعدها في ذلك إصرارها على اعتماد الآليات الديمقراطية في إدارة المنظمة وفي مجال اتخاذ القرارات فيها. إن الدول المتقدمة التي ترفع عاليا رايات الديمقراطية في خطابها الأيديولوجي تمارس أشد السلوكيات لا ديمقراطية في مجال اتخاذ القرارات في منظمة التجارة العالمية.ففي حين أصرت الدول النامية على اعتماد مبدأ التصويت لحسم القضايا الخلافية خلال مباحثات جولة الأورغواي، تمسكت الدول المتقدمة بمبدأ توافق الآراء.وتحت ضغط الخوف من فشل الجولة وافقت الدول المتقدمة أخيرا على حل وسط يفيد باللجوء إلى التصويت في حال تعزر توافق الآراء(المادة التاسعة من اتفاقية إنشاء المنظمة).غير أن الدول المتقدمة لم تتقيد بالمبدأ الجديد وظلت تصر على عدم تمرير أي قرار لا يخدم مصالحا تحت ذريعة غياب تواق الآراء. إن غياب الآليات الديمقراطية من منظمة التجارة العالمية سوف يخدم بالضرورة مصالح الدول الكبرى المهيمنة على الاقتصاد العالمي،وسوف يحرم الدول النامية من فرصة الدفاع عن مصالحا،وسوف يحد من فعالية منظمة التجارة العالمية ذاتها، وقد تجل ذلك بوضوح في مؤتمر سياتل في الولايات المتحدة الأمريكية. من الناحية الواقعية تهيمن على الاقتصاد العالمي ثلاث قوى كبرى هي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي واليابان،وإن المفاوضات التي تجري في إطار منظمة التجارة العالمية هي المفاوضات التي تجري بينها،فإذا توافقت مصالحها سارت المفاوضات إلى نهاية ناجحة،وإذا تعارضت مصالحها توقفت المفاوضات أو انتهت إلى فشل.ولقد اشتكت الدول النامية من هذه الوضعية التي حالت دون طرح قضاياها الخاصة سواء في جدول أعمال المؤتمرات التي تعقدها المنظمة أو في سياق المفاوضات التمهيدية.ففي مؤتمر سياتل على سبيل المثال فإن قضايا معايير العمل والبيئة وعلاقتها بالتجارة العالمية وكذلك قضايا مكافحة الإغراق وشفافية المشتريات الحكومية شكلت محور الاهتمام الأمريكي.من جهتها ركزت دول الاتحاد الأوربي على ضرورة توسيع نطاق المفاوضات لتشمل قضايا أخرى في مسعى منها لإحباط المسعى الأمريكي لفتح الأسواق الزراعية الأوربية أمام المنتجات الزراعية الأمريكية،وصرف الانتباه عنه.أما اليابان فقد ركزت على ضرورة مراجعة القوانين الأمريكية التي تحمي صناعتها المحلية تحت ذريعة مكافحة الإغراق.ورغم احتجاجات الدول النامية، ضد هيمنة الأقطاب المشار إليها في الاقتصاد العالمي،ورغم محاولتها تدعيم مواقفها بالاتكاء على نشاط القوى المناهضة للعولمة إلا أنها لم تنجح في تركيز الاهتمام على قضاياها الخاصة. لقد ذكرنا أن الانتقادات التي وجهت إلى منظمة التجارة العالمية لم تقتصر على المجال الاقتصادي، بل تخطته لتشمل المجالات الاجتماعية والبيئية والصحية.ففي المجال الاجتماعي ترى القوى المناهضة للعولمة وهي في غالبيتها منظمات وهيئات غير حكومية أن الهوة تزداد اتساعا بين الأغنياء والفقراء سواء على الصعيد العالمي أو في داخل الدول ذاتها.ففي بيان وقعته 1200 منظمة غير حكومية من 87 دولة أُشير إلى أن قلة من الأغنياء في العالم يتحكمون بالثروة العالمية، في حين يزداد الفقر والتهميش والبطالة في العالم.أضف إلى ذلك وعلى عكس ما هو معلن من تحرير للتجارة الدولية وتعميم الشفافية في المبادلات التجارية الدولية،فإن المنظمة ركزت اهتمامها على فتح أسواق البلدان النامية أمام الاحتكارات العالمية في الوقت الذي غضت النظر فيه عن الإجراءات الحمائية في البلدان المتقدمة،مما أدى إلى خسارة هذه البلدان نحو 700 مليار دولار.لقد ازدادت قيمة فاتورة الغذاء لدى الدول المستوردة للغذاء وهي في غالبيتها من الدول النامية بمقدار 290 مليار دولار في حين تراجعت قيمة صادراتها بمقدار يزيد عن 250 مليار دولار.ولم تنجو البلدان المتقدمة ذاتها من تلك الآثار السلبية فازدادت البطالة فيها بحيث تحولت إلى بطالة عضوية، من جراء تطور وسائل الإنتاج وزيادة إنتاجية العمل. فالرأسمالية المعاصرة لم تعد تهتم بالتشغيل في فلسفتها الاقتصادية وهذا بالتأكد سوف يؤدي إلى تنامي المشكلات الاجتماعية وإلى فقدان الاستقرار على الصعيد العالمي وفي داخل كل دولة. من جهة أخرى إن التركيز على الربح وعلى تنمية التجارة الدولية جعل التقيد بالمعايير الصحية ضعيفا خصوصا ما يتعلق منها بالمنتجات الغذائية. من المعروف أن تطبيقات الهندسة الوراثية أخذت تنتشر في الزراعة مما جعل الملف الزراعي من أعقد الملفات التي يتم التفاوض بشأنها في منظمة التجارة العالمية،وبالأخص بين دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية.وإذا كانت المنظمة قد أجازت للحكومات اتخاذ الإجراءات التي تراها ضرورية لحماية سكانها والحيوانات والمزروعات فيها في ضوء المعايير المعتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة،فإن القلق لا يزال يساور العديد من الحكومات والشعوب من جراء تدني معايير السلامة في المبادلات التجارية الزراعية.ويزيد في قلقهم هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي واستخدامها للوسائل السياسية في إدارة علاقاتها الاقتصادية الدولية.وإذا كان لا يمكن الاستغناء عن منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة في مجال الزراعة ،خصوصا وإن مستقبل تأمين الغذاء في العالم يعتمد على تطبيقاتها، إلا أن ذلك لا يجوز أن يكون على حساب معايير السلامة الصحية مهما كان الدافع للربح قويا. إن صحة الإنسان والكائنات الحية الأخرى لا تتوقف على سلامة الغذاء فقط،بل تتعداه إلى البيئة المحيطة،وفي هذا المجال توجه انتقادات حادة إلى منظمة التجارة العالمية لجهة تجاهلها الأخطار الجسيمة التي تلحقها الشركات العابرة للقارات بالبيئة في سياق سباقها المحموم من أجل الربح وتعظيمه وفتح الأسواق والسيطرة على الموارد العالمية.ومع أن اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية قد أشارت إلى ضرورة الحفاظ على البيئة وعلى الموارد العالمية واعتماد قواعد التنمية المستدامة، وإن الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية فد نصت في مادتها العشرين على ضرورة حماية صحة الكائنات الحية،إلا أن المنظمة في الغالب العم لم تتابع ذلك وأحالت الموضوع إلى المنظمات الدولية المختصة. إذا كان الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية يكاد يكون حتميا في ظل العولمة المتسارعة،وانه لا مفر من تحرير التجارة الدولية، وان منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة يمكن استيعابها بصورة تتجاوز البعد الفني التقني إلى البعد الحضاري، وهذا يتطلب ضرورة المواءمة والتوفيق بين ما هو عصري وحداثي ومقتضيات الحرية والعدالة الاجتماعية. وإذا كانت العولمة تعمق فعلا من الاستقطاب على الصعيد العالمي وفي داخل كل دولة بين الأغنياء والفقراء،وان الهوة تزداد اتساعا بين المراكز الرأسمالية المتقدة وبقية دول العالم، وان الدول النامية تدفع دفعا متسارعا باتجاه التهميش ،وأنها رضخت لمشيئة الدول المتقدمة مما ألحق بها أضرارا جسيمة لم تعمد الدول المتقدمة للتخفيف منها بوفائها بوعودها التي قطعتها على نفسها في جولة الأورغواي. فإن من الحقيقة أيضا أن منظمة التجارة العالمية تنخر بها الأزمات وهي بحاجة ماسة للإصلاح خصوصا لجهة الحد من تأثير الأقطاب الثلاثة الكبار على المنظمة وتعميم المبادئ والآليات الديمقراطية في حياة المنظمة .وان تحرير التجارة وما يمكن أن ينجم عنه من تغيرات في الهياكل الاقتصادية لكل دولة وعلى الصعيد العالمي يحتاج إلى زمن ليس بالقصير، وهو يتطلب التركيز المتوازن على تطوير وتنمية الفروع الإنتاجية وخصوصا الصناعية منها إلى جانب تطوير الفروع الخدمية من صحة وتعليم واتصالات وغيرها.ومن البديهي أن تحقيق كل ذلك يتطلب مناخا ملائما تحترم فيه حقوق الإنسان وتسود فيه الحرية والمسؤولية والديمقراطية في جميع مناحي الحياة. | |
|