دور المؤسسات المالية الإسلامية د. عمر الكتاني
مقدمة
المؤسسات المالية نوعان : النوع الأول هو المؤسسات المالية التي أخذت بشرعيتها أصلا من القرآن الكريم والسنة النبوية وهي مؤسسة الزكاة والصدقات ولمؤسسة الوقف ، والنوع الثاني هي المؤسسات التي اجتهد فيها لتلبية الحاجيات المالية في المجتمع الإسلامي تمشيا مع الشريعة و سنذكر منها أربع مؤسسات : مؤسسة البنوك ، و شركات التمويل الإسلامية ، ومؤسسات التأمين ، و صندوق الحج.
وقد خلصت النظريات الاقتصادية المعاصرة إلى مجموعة من المعطيات يمكن اعتبارها منطلقا لإعادة النظر بشكل جدي في المؤسسات المالية الإسلامية ، وإعادة قراءة إمكاناتها العملية الحديثة ، في مجال التنمية ، نذكر منها :
1 ـ المشكل الأساسي الذي تعاني منه اقتصاديات دول العالم ، و خاصة منها الدول النامية ، هو مشكل إيجاد الشغل الذي يمس كل الفئات الاجتماعية المتعلمة وغير المتعلمة . و مستوى الشغل رهين بالتشخيص الاقتصادي لمستوى الاستثمار ، وطاقة تفعيل مؤسسات الادخار والاستثمار .
2 ـ بروز تفاعل كبير بين الجانب الاقتصادي والاجتماعي ، إيجابيا و سلبيا في آلية التشغيل تصبح فيه بحكم ذلك الحلول الاقتصادية ذات بعد اجتماعي مباشر مما حدى بالفكر الاقتصادي اللبرالي إلى التراجع أحيانا في أسلوبه التقليدي القاضي بالتمييز مرحليا بين الجانب الاقتصادي للتنمية والجانب الاجتماعي ، وتبنى الأولوية للاستثمار الاقتصادي على اعتبار أن الجانب الإجتماعي سيستفيد تلقائيا من نتائجه. و حيث أن الواقع أبرز عدم ثبوت هذا التلازم بدأ الاهتمام بشكل جدي بالعجز الاجتماعي . وبدأ الاقتناع بأن ظاهرة البطالة ظاهرة مركبة لا يمكن فصل كلفتها الاجتماعية عن كلفتها الاقتصادية .
3 ـ النجاح المتواضع للمؤسسات المالية الدولية في حل معضلة التنمية وفي الاستجابة لحاجياتها المالية المتنامية. خصوصا بعد أن بدأت استحقاقات خدمة الدين في هذه الدول بعد ربع قرن من سياسة اللجوء إلى القروض الخارجية ، ترتفع.
4 ـ ضعف الإدخار العام و أزمة السيولة النقدية في كثير من الدول النامية بسبب عدم الاستقرار السياسي و الصراعات الاقليمية في العقدين الأخيرين . حيث أن هذه الصراعات أدت إلى نتيجتين حتميتين في حركة رؤوس الأموال : نزوح الرأسمال الخاص من الدول العربية والإسلامية إلى المؤسسات المالية الغربية بحثا عن الاستقرار و نزوح الأموال العامة إلى الغرب في شكل صفقات أسلحة و أغذية وانخفاض تدفقات الأموال الغربية بسبب انخفاض أسعار المواد المنتجة في الدول النامية وعلى رأسها البترول.
5 ـ الاعتقاد بدور المقاولات الاقتصادية الصغيرة الحجم في ميدان التشغيل.
وهي الأكثر توفرا في الدول النامية . وبدور القروض الصغيرة في المحافظة عليها و تشجيعها.
6 ـ القناعة بأن حظوظ نجاح الاستثمار مرتبط بدرجة توجيهه في ميدان الموارد البشرية أي في مستوى التكوين والتأهيل ، و إعادة التأهيل و التأطير النوعي ، والدعم التقني والجودة.
7 ـ بروز تباين في الاقتصاد العالمي بين الاقتصاد الإنتاجي الذي يعتمد على الاستثمار وبالتالي على القروض الطويلة الأمد وبين الاقتصاد المالي الذي يعتمد على توظيفات المال القصيرة الأمد.
وقد يلتقى هذين القطاعين في علاقة إقراض عالية المخاطر كانت سببا في العديد من أزمات البورصة منها الأزمة الآسيوية .
8 ـ دخول الاقتصاد العالمي في العقد المقبل مرحلة عولمة السوق التي تعنى هيمنة المؤسسات المالية الدولية والشركات المتعددة الجنسية على حركت السلع والرأسمال والعمالة والتكنلوجيا والثقافة و أنماط الاستهلاك الغربية والأدمغة، و إلى تقنين ورقابة حركة العمالة والتكنلوجيا. وحسب توقعات الاقتصادي الأمريكي Samuelson الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد : العولمة ستسحب بشكل تدريجي الصلاحيات الاقتصادية من الدول لتقوم بها المؤسسات الدولية ولن تترك لهم سوى الصلاحيات الاجتماعية .
أمام هذه التحديات ، يحق لنا أن نتساءل : ما هي طبيعة المؤسسات المالية التي يمكنها توسيع قاعدة العمالة عن طريق دعم الاستثمار القومي والسوق الائتمانية بدون إثقال كاهل المقاولات بالمديونية، والتي لها صلاحية الاهتمام بالمقاولات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ولها توجهات هيكلية نحو الاستثمار الاجتماعي، والتي في مستطاعها توسيع قاعدة الادخار القومي والتي تستجيب في آن واحد للأسس الشرعية الثابتة عن طريق الابتعاد عن المعاملات التربوية وبالتالي تسير وفق رغبة فئات واسعة من المجتمع الإسلامي المعاصر؟
هل المؤسسات المالية الإسلامية مؤهلة للقيام بذلك ؟ للإجابة على هذا السؤال الكبير لا بد من ذكر خصائص كل مؤسسة على حدة وتأثيراتها العملية على قطاع الشغل وعلى التنمية.