الكفاءة الاقتصادية لنظام المشاركة الإسلامية: دراسة مقارنة مع سعر الفائدة
محمد أحمد عويس علي، "الكفاءة الاقتصادية لنظام المشاركة الإسلامية: دراسة مقارنة مع سعر الفائدة"، مجلة الوعي، العدد 493، تاريخ: 23/12/2006.
انتشرت أمراض كثيرة ومتنوعة في جسد الأمة الإسلامية نتيجة للنظم المستوردة والأفكار المعلبة والثقافات المزيفة التي أقبل عليها المجتمع المسلم محاكاة للآخر من دون تمييز بين الغث والثمين، لذا فقد أصبح موضوع العودة إلى النظم الإسلامية من خلال شريعتنا الغراء فرض عين على كل مسلم يستطيع الإسهام في أي مجال من المجالات•
فعلى الجانب الاقتصادي قلَّد المسلمون الغرب في الأخذ بنظام سعر الفائدة بكل ما فيه من أضرار ومساوئ تجعل تطبيقه في بلادنا المسلمة نوعاً من العبث والدليل هو الحال الاقتصادي الذي وصلنا إليه جراء تطبيق هذا النظام الذي وصل إلى حد عدم امتلاك بعض البلاد الإسلامية لقوت يومها، وبالتالي قرارها وحريتها، ومع ذلك مازالت تتمسك بالنظم الاقتصادية المستوردة من الآخرين•
من هذا المنطلق، كانت هذه الدراسة >الكفاءة الاقتصادية لنظام المشاركة الإسلامي<: دراسة مقارنة مع سعر الفائدة< للباحث >محمد مصيلحي عبدالرؤوف< التي نال بها درجة الماجستير من جامعة الأزهر بمرتبة >امتياز<، حيث تكونت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور >رفعت العوضي< رئيس قسم الاقتصاد في جامعة الأزهر، والدكتور >عبدالعزيز عزام< أستاذ الفقه في جامعة الأزهر، والدكتور >سامي السيد< أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة•
ولتحقيق الغرض المنشود من هذه الدراسة رأى الباحث أنه من المناسب أن تقوم على مجموعة من الفروض تكون بمثابة الإجابة على مجموعة من التساؤلات على النحو التالي: الأول: هل يمكن قيام نظام للمشاركة الإسلامية على أسس سليمة ومعايير مضبوطة يكون له سنده الشرعي وصبغته الاقتصادية حتى يستطيع تحقيق الهدف المنشود من هذا النظام•
الثاني: هل نستطيع تطبيق نظام المشاركة الإسلامي في مجتمعات إسلامية يقوم أغلبها بتطبيق النظم الوضعية•
الثالث: هل تستطيع المؤسسات المالية الكبيرة القائمة مثل البنوك وغيرها التي أصبحت تؤثر تأثيراً كبيراً وفاعلاً في عملية التنمية وفقاً لهذا النظام•
الرابع: حيث إن الدراسة تقوم على مقارنة المشاركة مع سعر الفائدة فكان من الطبيعي أن نتعرف إلى إمكانية نظام سعر الفائدة في تحقيق عملية التنمية الاقتصادية في مجتمعاتنا الإسلامية، وما الأسباب التي تدعو إلى تطبيق نظام المشاركة لتحقيق هذا الغرض؟
الخامس: هل يستطيع هذا النظام البديل >نظام المشاركة< تحقيق نتائج ملموسة في بعض الأنشطة الاقتصادية المهمة، وما الآليات التي تكفل له هذا النجاح؟!
وقد قامت الدراسة على أبعاد عدة أهمها: وضع إطار مفاهيمي من خلال تحديد تعريف كل موضوع يتم التعرض له عند أهل اللغة وكذلك أهل العلم، وبعد عرض النظامين >الفائدة، المشاركة< قام الباحث بإجراء مقارنة بينهم في موضوعات عدة، وكان مناط الدراسة هو إبراز الكفاءة الاقتصادية لكل نظام من الناحيتين التحليلية والتطبيقية حتى يتم التوصل إلى نتائج حقيقية وواقعية•
قسم الباحث دراسته إلى سبعة فصول تناول كل فصل منها مشكلة محددة على النحو التالي: الفصل الأول: >الشركة في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي<، ويبرز نظام الشركة في الفقه الإسلامي من الناحية الفنية والشرعية، وكيف عالجها القانون الوضعي وإلى أي حد يلتقى أو يختلف النظامان•
الفصل الثاني: >التمويل بالمشاركة<، ويتناول موضوع التمويل بالمشاركة كبديل لنظام سعر الفائدة، وما أهم القنوات التي قدمها هذا النظام، وكيف يمكن تخصيص الموارد في ظل هذا النظام؟!•
الفصل الثالث: >نظام المشاركة والمعاملات المصرفية<، ويبحث الدور الاقتصادي للمؤسسات التمويلية القائمة، وهل يمكنها تطبيق نظام المشاركة؟ وما أهم الأساليب المقترحة في هذا المجال؟
الفصل الرابع: >الدراسات الاقتصادية لسعر الفائدة<، ويعرض لموضوع الجدوى الاقتصادية لسعر الفائدة وآثارها على النشاط الاقتصادي، ودورها في عملية تخصيص الموارد•
الفصل الخامس: >الإدخار بين النظام الإسلامي والاقتصاد الوضعي<، ويدرس قدرة كل نظام على توفير المدخرات اللازمة لتمويل عملية التنمية الاقتصادية•
الفصل السادس: >الاستثمار بين النظام الإسلامي والاقتصادي الوضعي<، ويدرس قدرة كل نظام•
الفصل السابع: >التوزيع بين النظام الإسلامي والاقتصاد الوضعي<، ويبحث قدرة النظام الإسلامي، والنظام الوضعي على توافر التوزيع العادل للأفراد، وأي النظامين لديه الآليات المناسبة التي يمكنها إعادة توزيع الدخل، وما أثر المشاركة على توزيع الدخل•
ومن النتائج التي انتهت إليها الدراسة
ـ إن المجتمعات الإسلامية يمكنها في ظل نظام المشاركة استخدام الكثير من الشركات القائمة كشركات المساهمة، والمحاصة، وغيرها مع التحول لنظام التمويل بالمشاركة إضافة إلى تأسيس بعض الشركات الموجودة في النظام الإسلامي مثل: شركة العَنانِ التي تعد من أفضل الشركات تناسباً مع طبيعة العصر•
ـ التوسع في نظام المضاربة المشتركة الذي يُعد من أنسب وأفضل النظم التي يمكن أن تقوم بها البنوك لما يتضمنه من مزايا كجلب المدخرات وعدم اكتنازها نظراً لتوافر عنصر الاطمئنان الديني لبعده عن شبهة الربا المحرم، كما أنها لا تثقل كاهل المستثمرين بأعباء الفائدة التي تعوق نمو الاستثمارات•
ـ الفائدة أداة منتقدة من حيث تخصيص الموارد، حيث إنها تتحيز إلى المشروعات الكبيرة بحجة جدارتها الائتمانية حتى وإن قلت إنتاجيتها وانخفضت كفاءتها وتترك مشروعات أخرى قد تكون أكثر جدوى وأنسب لخطط التنمية بحجة ضعف ماليتها•
ـ الفائدة أحد أدوات التضخم والاستثمارات غير الإنتاجية فعند سعر منخفض يزيد الإنفاق الاستهلاكي مما يتسبب في عملية التضخم كما يعزز الاستثمارات غير الإنتاجية، فإذا ما ارتفع هذا السعر انعكس الحال وأحجم المستثمر عن استثمار الأموال نظراً لارتفاع سعر الفائدة عن معدل العائد عن رأس المال•
ـ ضعف الجدوى الاقتصادية للفائدة نظراً لعدم ارتباط العائد في نظام سعر الفائدة بالاستثمار والاعتماد في تحقيق العائد من الفروق بين سعر الفائدة الدائن والمدين، وينتج منه تعميق الاحتكارات المالية ومن ثم فإنها تزيد من التفاوت بين الدخول وعدم تحقيق العدالة في التوزيع، بل جعلها من أهم أسباب الدورة الاقتصادية•
ـ النظام الإسلامي أكثر عدالة في التوزيع، حيث يتم ذلك في توزيع الأرباح بين الممولين والمستثمرين بما يتناسب ومساهمة كل منهما في عملية الاستثمار وتحمل كل منهما نصيبه من الأخطار
ومن التوصيات التي قدمها الباحث في نهاية دراسته
ـ تطبيق نظام التمويل بالمشاركة بدلاً من نظام سعر الفائدة: عن طريق مساعدة الدول الإسلامية للبنوك والمصارف القائمة بها على الأخذ بهذا النظام بدلاً من نظام سعر الفائدة المعمول به لديها، ويمكن أن يبدأ هذا التحول في بعض الفروع ثم يتم تعميمه في حال نجاحه•
ـ الاستثمار في الأوليات: ويتم ذلك عند القيام بعملية المفاضلة التمويلية، حيث يتم ترتيب المشروعات طبقاً لمجموعة من الأوليات أهمها:
1 ـ إسهام هذه المشروعات في توافر الأشياء الضرورية لسكان البلاد الإسلامية، وبالتالي تقدم مشروعات إنتاج وإشباع الضرورات على مشروع إنتاج الحاجات وكذلك التحسينات•
2 ـ تبني سياسة تمويل المشروعات التي تساعد في تنمية البلاد الإسلامية، وكذلك المشروعات التي تتطلب كثافة في العمالة لتفادي الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية•
ـ إعداد جيل من المستثمرين يرغب في التعامل وفق النظام الإسلامي >المشاركة< عن طريق قيام الدولة بمساعدة المصارف التي تعمل وفق النظام الإسلامي التي ترغب في ذلك بالتوصل إلى أساليب علمية تتماشى مع سياستها الاستثمارية، مع وضع القواعد واللوائح التي تنظم عملية تشغيل الأموال لكي تضمن المساهمة الفاعلة والإيجابية في عملية التنمية والحفاظ على أموال وثروات المجتمع•
ـ مواجهة التكتلات الاقتصادية عن طريق قيام الدول الإسلامية بمساعدة المصارف الإسلامية في التعاون، فيما بينها لإنشاء المشروعات الاستثمارية المشتركة في مختلف البلاد الإسلامية، بما يتوافق وطبيعة ظروف كل بلد، واتخاذ كل التدابير اللازمة لسهولة حركة رأس المال، فيما بينها، لتكون خطوة على طريق التكامل الاقتصادي بين هذه الدول في مواجهة الشركات المتعددة الجنسيات والتكتلات الاقتصادية القائم