آفاق صناعة الخدمات المصرفية الإسلامية
د. جاسم حسين - 15/03/1429هـ - صحيفة الاقتصادية
jasim.husain@gmail.com
نرسل لكم هذا المقال من العاصمة اليابانية (طوكيو)، حيث نقوم بزيارة لليابان بدعوة من الحكومة اليابانية. تهدف الزيارة إلى منحنا فرصة الاطلاع على تجربة اليابان في التنمية الاقتصادية وتطبيق مبادئ الإدارة الحديثة. في المقابل، عمدت الجهة المدعوة في إعداد برنامج متنوع يشمل زيارة بعض المؤسسات الرسمية والمعاهد المتخصصة والمهتمة بتطورات الأوضاع في دول مجلس التعاون الخليجي بغرض مناقشة الفرص الاستثمارية الواعدة في اقتصادات دول المنطقة في ضوء ارتفاع وبقاء أسعار النفط مرتفعة. كما شمل البرنامج إلقاء محاضرة في معهد اليابان للشؤون الدولية حول آفاق ومستقبل صناعة الخدمات المصرفية الإسلامية.
أرقام كبيرة
يبلغ عدد المؤسسات العاملة في مجال الخدمات المالية الإسلامية نحو 300 مؤسسة تقدم خدماتها في 75 بلدا في العالم. تدير هذه المؤسسات المالية فيما بينها نحو 500 مليار دولار. يعد هذا الرقم المذكور كبيرا جدا، حيث يساوي نحو ثلاثة أرباع قيمة الناتج المحلي الإجمالي للدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. والأهم من ذلك، فإن المبلغ مرشح للصعود إلى نحو تريليون دولار في السنوات القليلة المقبلة بسبب تسجيل نسبة نمو راوحت بين 15 و20 في المائة سنويا.
كما أكدنا من خلال المحاضرة إلى قدرة المصارف المالية الإسلامية في تحقيق أرباح متميزة. فقد حقق بيت التمويل الخليجي ربحا صافيا قدره 340 مليون دولار في عام 2007 ما يعني تسجيل نسبة نمو قدرها 61 في المائة في غضون سنة واحدة. كما تمكن بنك البركة من تحقيق أرباح صافية قدرها 144 مليون دولار في عام 2007 مسجلا نسبة نمو قدرها 79 في المائة.
منتجات مصرفية إسلامية
كما بينا للحضور عن بعض المنتجات المصرفية الإسلامية من قبيل المرابحة والمضاربة والمشاركة والإيجارة والسلام والصكوك. إضافة إلى ذلك، أشرنا إلى رغبة وقدرة المؤسسات المالية الإسلامية في طرح منتجات متميزة تهدف في نهاية المطاف إلى إعمار الأرض وبالتالي كسب رضا الخالق سبحانه.
على سبيل المثال وليس الحصر، أشرنا إلى مشروع مرفأ البحرين المالي في وسط المنامة بقيادة بيت التمويل الخليجي (ومقره البحرين). يتم تشييد المشروع بقيمة مليار ونصف المليار دولار على ثلاث مراحل. وقد حالف المؤسسات الإسلامية المستثمرة الصواب في تسمية المشروع والإيحاء أنه تابع للقطاع العام في البحرين. كما أشرنا إلى تنفيذ بنك (أركبيتا) الإسلامي لمشروع خليج البحرين بقيمة ملياري دولار.
بعض التحديات
من جهة أخرى، أشرنا في كلمتنا إلى بعض المشكلات التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية من قبيل النقص في عدد علماء الشريعة الإسلامية لمجالس الإدارات المختصين في فقه المعاملات. تكمن وظيفة أصحاب الفضيلة في التأكد من أن المنتجات المزمع طرحها تتناسب ومبادئ الشريعة السمحة.
إضافة إلى ذلك، بينا تحديا آخر مصدره قلة الأدوات الإسلامية المطروحة للمدد القصيرة. بمعنى آخر، هناك سيولة ضخمة متوافرة في حاجة إلى توظيف وسوق ثانوية للتدوال. ويشكل نقص الأدوات فراغا يؤدي في نهاية المطاف لخروج جزء من الأموال إلى بعض الأسواق الأخرى. وربما يفسر جانبا من خروج مليارات الدولارات من المؤسسات المالية الإسلامية إلى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى.
وهناك تحد آخر مصدره التأكد من توافر الثروة البشرية المؤهلة للعمل في قطاع الخدمات المالية الإسلامية, الأمر الذي يضر بمبدأ العرض والطلب. المشهور أن العرض غير قابل في توفير العدد المطلوب من المؤهلين للعمل في نطاق الخدمات المالية الإسلامية. أخيرا وليس آخرا، يوجد تحد آخر مرده عدم توحيد القوانين والأطر التي تحكم المؤسسات المالية الإسلامية. صحيح تقدم بعض المؤسسات المالية الإسلامية المنتشرة في أكثر من بلد مقترحات بخصوص طرق رصد واحتساب بعض البيانات المالية، لكنها تبقى توصيات في نهاية المطاف.
صناعة واعدة
وقد بذلنا جهدا خلال المحاضرة في إقناع الحضور بأهمية مشاركة المؤسسات اليابانية في مجال الخدمات المالية الإسلامية, نظرا للنمو المنقطع النظير الذي تشهده هذه الصناعة الواعدة. وأكدنا أن مصلحة اليابان تقتضي المشاركة في الاستفادة والمساهمة في تطوير هذا القطاع الحيوي. وبينا بشكل واضح وجلي أن اليابان هي الخاسر الأكبر من عدم فتح أبوابها أمام الصيرفة الإسلامية في الوقت الذي تتسارع خطى بعض الدول والمؤسسات المالية الغربية في الاستفادة في الحصول على جانب من كعكة هذه الصناعة.
من جملة الأمور، ذكرنا لهم دخول بريطانيا على الخط عبر تأسيس البنك الإسلامي البريطاني في عام 2004. وتبين لنا من خلال عملية الإعداد للمحاضرة أن أول زبون للبنك الإسلامي البريطاني لم يكن مسلما. كما تفكر السلطات البريطانية في استصدار سندات أو صكوك إسلامية. بدورها، تعمل فرنسا على استقطاب أنشطة متعلقة بالصيرفة الإسلامية مستفيدة في ذلك من وجود جالية إسلامية في البلاد.
كما أكدنا أن إنشاء بعض المؤسسات المالية الدولية مثل (سيتي بنك) وحدات خاصة للخدمات المالية الإسلامية يعد دليلا ملموسا على تنامي الفرص الواعدة في مجال الصيرفة الإسلامية