المرابحة في المصرفية "الإسلامية" من أسباب التضخم
د. محمد أل عباس - أستاذ المراجعة المساعد -جامعة الملك خالد - أبها 19/04/1429هـ - صحيفة الاقتصادية
maalabbas@kku.edu.sa
المصرفية الإسلامية ليست عملا خيريا ولا أعتقد أن البنوك العالمية تقرها كونها خالية من الربا ولا نتوقع أن نجاح تطبيقات المصرفية الإسلامية في العالم يعود إلى مرجعيتها الإسلامية بل إلى ربحيتها العالية مقارنة بالمصرفية التقليدية. المصرفية الإسلامية تختلف عن التقليدية في نوعية خدمات العمليات الائتمانية التي يقدمها البنك الإسلامي فهناك المضاربة والمرابحة والإجارة والاستصناع والسلم والقرض الحسن وغيرها. وأخيرا بدأت كثير من البنوك التقليدية تقديم خدمات المصرفية الإسلامية جنبا إلى جنب مع المصرفية التقليدية. لكن البنوك التقليدية السعودية لم تعرف من المصرفية الإسلامية إلا المرابحة فقط. تقوم هذه البنوك بشراء السلع المختلفة ثم تقوم ببيعها إلى العميل بالأجل على أن يسدد وفقا لنظام الأقساط بفائدة مركبة (مع تجاهل استخدام أسلوب القسط المتناقص إمعانا في الربحية وإن شابها أكل أموال الناس بالباطل فأكل أموال الناس بالباطل ليس بربا). ونظرا لأن عديدا من الفقهاء قد جوزوا التورق وهو شراء السلعة بالأجل (سلعة لا يحتاج إليها القائم بالشراء) ثم بيعها حاضرا بقيمة أقل للحصول على النقد. فالمشتري بحاجة إلى النقد وليس السلعة، وبدلا من الوقوع في الربا الصريح فإنه يقوم بالشراء بالأجل ثم إعادة البيع حاضرا ثم جاءت فتوى البيع للأمر بالشراء حيث يحدد العميل السلعة المشتراة بعينها ويقوم البنك بشرائها ثم بيعها للعميل بالأجل. ومع نظام "سريع" وجدت البنوك السعودية التقليدية سوقا رائجة في المملكة وأصبحت مخاطر التمويل محدودة جدا إن هي ذكرت، فتقوم البنوك بشراء السلع ثم بيعها آجلا على العملاء الذين يقومون بتوكيل البنك للبيع نيابة عنهم وإيداع الأموال في حساباتهم بالبنك. ونظرا لضمانات "سريع" والإقبال الكبير من المجتمع نحو هذا النوع من العمليات اندفعت البنوك السعودية بجنون للترويج لهذه العمليات وتسهيل الحصول عليها مستخدمة كل أنواع الدعاية التي تتراقص على وتر حاجات الناس من مسكن وأثاث إلى سيارات وسفر. هذا الاندفاع من الطرفين البنوك والعملاء عزز عمليات شراء السلع ومن ثم إعادة بيعها وخلق طلبا فعالا نحو سلع مختارة مما أسهم في رفع أسعارها بشكل جنوني.
من هنا أعتقد أن للمصرفية الإسلامية المتبعة في البنوك السعودية دورا تلعبه في التضخم وارتفاع الأسعار. فالارتفاعات الجنونية التي حدثت في أسعار السيارات قبل عدة سنوات كان يصاحبها اندفاع قوي نحو الشراء والبيع بالأقساط حتى أصبحت عادة كثير من الناس ثم عندما تضخمت أسعار الأسهم قبل الانهيار الكبير الذي أصاب السوق وكانت المرابحة بالأسهم حاضرة وبقوة. واليوم ترتفع أسعار الحديد نحو أسقف سعرية لم تتوقعها أفضل العقول الاقتصادية وطبعا المصرفية الإسلامية عن طريق المرابحة حاضرة وبقوة, فقد وجدت البنوك طريقا سهلة للوصول إلى سوق السلع, خاصة الحديد والمعادن الأخرى لذلك نشهد ارتفاعات هائلة في تلك السلع أكبر من قدرات الناس على تحملها.
أنا لا أدعي أن ارتفاع الأسعار والتضخم سببه المرابحة فهذه دعوى لا أملك عليها دليلا لكن ظاهرة ارتفاع الأسعار تصاحبها دوما عمليات مرابحة من قبل البنوك. ومرة أخرى لا أقول إن المرابحة هي السبب لكنها وضعت الزيت على النار. فلا تكاد تهدأ الأسعار حتى يأتي طلب قوي لشحذها أكثر وعند تتبع حجم المعروض نجد ادعاءات بالوفرة بل اتجاهات كبيرة لدعم المعروض ومع ذلك لا تكاد تهدأ الأسعار. أعود لأقول إن المرابحة ليست السبب الرئيس لكنها لها دور فاعل في زيادة الأسعار. بمعنى آخر فإن التضخم يبدأ صغيرا يمكن تحمله أو مجراته حتى تصله يد المرابحة عندها يخرج عن السيطرة تماما لأنها وكما قلت تضمن طلبا فعالا ولكنه وهمي.
فالبنك يشتري السلع من السوق الحاضرة ليبيعها آجلا للعميل الذي يقوم ببيعها مرة أخرى بسعر الحاضر في السوق الحاضرة. ونظرا لوجود عميل آخر في الانتظار فإن البنك أو غيره يقوم بالشراء مرة أخرى ليبيعها إلى عميل آخر فالكمية ثابتة لكنها تتحرك بسرعة هائلة في السوق محدثة طلبا وندرة على السلعة هي في الأصل مفتعلة وغير حقيقية. حتى هذه المرحلة لا تتأثر الأسعار بقوة وإنما بشكل هادئ لكنها تتجه صعودا على أية حال. حتى يحدث طلب حقيقي للسلعة محل التداول هنا لا تستطيع الكمية المتوافرة تغطية احتياجات السوق الحقيقية, التي تشكل الطلب الحقيقي وتسهم في تناقص المعروض من السلعة, الأمر الذي يجعل العروض غير قادرة على تلبية طلبات المرابحة, التي تحتاج إلى كميات كبيرة أيضا نظرا للطلبات المتزايدة على هذا النوع من التورق. ومع ارتفاع الأسعار يزداد التورق توهجا والطلب كثافة وتختل التوازنات. لاحظ أن سوق المرابحة في حاجة إلى كميات معينة من السلعة يجب أن تتوافر في السوق بشكل دائم حتى تستطيع البنوك تلبية طلبات المرابحة فإذا لم تستطع السوق الحقيقية تغطية هذه الكميات نظرا لوجود الطلب الحقيقي, الذي يسهم في تناقص المعروض بدلا من ثباته فإن الأسعار تتجه صعودا بشكل عنيف. هذا ما أعتقد أنه يحدث الآن في سوق الحديد وبقية المعادن الأساسية.
لذا أعتقد أن على مؤسسة النقد أن تتخذ إجراءات أكثر حزما تجاه البنوك التي تتعامل بالمرابحة في سوق السلع وتمنع مثل هذه العمليات, خاصة في فترات ارتفاع الأسعار حتى تهدأ الأمور وتعود السوق إلى التوازن من جديد