العولمة المالية
تطور العولمة المالية:
إذا كانت للعولمة الاقتصادية جذور تعود إلى القرن الخامس عشر حسب العديد من الدراسات أي مع زيادة تبادل السلع بين الأمم آنذاك ، فإن العولمة المالية حديثة النشأة نسبيا، فعمرها لا يتجاوز أربعين سنة على أكثر تقدير ،حيث تتمثل العولمة المالية في ذلك التشابك و الترابط شبه الكامل للأنظمة النقدية و المالية لمختلف الدول و بدأت تتجسد أكثر فأكثر مع تطبيق إجراءات التحرير المالي ورفع الحواجز في الولايات المتحدة وبريطانيا ما بين(79-82) ،لتضم باقي الدول الصناعية الأخرى ، ومها يكن فقد مرت بالمراحل التالية :
1- مرحلة تدويل التمويل غير المباشر:
امتدت هذه المرحلة من (1960-1979) وتميزت بمايلي:
- تعايش الأنظمة النقدية و المالية الوطنية المغلقة بصورة مستقلة.
- ظهور وتوسع أسواق ( العملات الأوروبية ، الدولار ) ابتداء من لندن ثم في بقية الدول الأوروبية.
- سيطرة البنوك على تمويل الاقتصاديات الوطنية ، أي التمويل بوساطة بنكية.
- انهيار نظام الصرف الثابت بسبب عودة المضاربة على العملات القوية ( الجنيه الإسترليني، الدولار).
- انهيار نظام بريتون وودز في 15أوت 1971 ، وإنهاء ربط الدولار و العملات الأخرى بالذهب وبذلك ظهرت أسواق الصرف المعروفة اليوم.
- ظهور أسواق الأوراق المدينة مثل سندات الخزينة.
- ظهور المديونية الخارجية لدول العالم الثالث.
- إنشاء البنوك الأمريكية في كافة أنحاء العالم ، و التي منحت العديد من القروض.
2-مرحلة التحرير المالي:امتدت هذه المرحلة من (1980-1985) وتميزت بمايلي:
- المرور إلى مالية التسوق،أو اقتصاد السوق المالية وصاحب ذلك ربط الأنظمة المالية و النقدية الوطنية بعضها ببعض و تحرير القطاع المالي.
- انتشار واسع للتحرير المالي و النقدي على المستوى العالمي وذلك بعد رفع الولايات المتحدة و المملكة المتحدة للرقابة على حركة رؤوس الأموال.
- توسيع وتعميق الإبداعات المالية بصفة عامة و التي سمحت بجمع كميات ضخمة من الادخار العالمي و إجراء عمليات المراجعة الدولية في أسواق السندات .
- التوسع الكبير في أسواق السندات و صناديق المعاشات المختصة في جمع الادخار وهي تتوفر على أموال ضخمة وغايتها تعظيم إيراداتها في الأسواق العالمية.
3-مرحلة تعميم المراجعة وضمالأسواق المالية الناشئة:
امتدت هذه المرحلة من 1986إلى غاية الآن وتميزت بما يلي:- ضم العديد من الأسواق الناشئة من أوائل التسعينيات و ربطها بالأسواق المالية العالمية مما شكل الحدث الهام
و الأخير في مشوار العولمة المالية.
- تحرير أسواق المواد الأولية وزيادة حجم التعامل فيها.
- زيادة الارتباط بين الأسواق المالية العالمية بمختلف أجنحتها إلى درجة أنها أصبحت تشبه السوق الواحدة وذلك باستعمال وسائل الاتصال الحديثة و ربطها بشيكات التعامل العالمية .
- تحرير أسواق الأسهم حيث كانت الانطلاقة من بورصة لندن 1986 بعد إجراء الإصلاحات البريطانية وتبعتها بقية البورصات العالمية بعد ذلك مما سمح بربطها ببعضها البعض وعولمتها على غرار أسواق السندات .
- الانهيارات الضخمة التي شهدتها البورصات العالمية ، و التي كلفت الاقتصاد العالمي آلاف الملايير من الدولارات و إفلاس الكثير من البنوك و المؤسسات المالية .
ومها تكن مراحل العولمة المالية فإن هذه الظاهرة قد انتشرت بسرعة فائقة في كافة أنحاء العالم ومست معظم الدول لتسيطر الدائرة المالية على الاقتصاد العالمي في وقت قصير نسبيا ، وينتظر أن يصبح الاقتصاد العالمي ممولا في قسط منه بواسطة الأدوات المالية .
العوامل المفسرة للعولمة المالية.
تظافرت عوامل عديدة في توفير المناخ الملائم لتغذية زخم العولمة المالية التي بدأت في التبلور منذ ما يربو على ربع قرن من الزمان، وكان أهم العوامل المفسرة لها :
1-تنامي الرأسمالية المالية :
لقد كان للنمو المطرد الذي حققه رأس المال المستثمر في الأصول المالية دورا أساسيا في إعطاء قوة الدفع لمسيرة العولمة المالية ، فأصبحت معدلات الربح التي حققها رأس المال المستثمر في أصول مالية تزيد بعدة أضعاف عن معدلات الربح التي تحققها قطاعات الإنتاج ،وصارت الرأسمالية ذات طابع ريعي ... تعيش على توظيف رأس المال لا على استثماره . على الصعيد العالمي، لعب رأس المال المستثمر في الأصول المالية دورا مؤثرا لما يقدمه من موارد مالية (قروض، استثمارات مالية ) بشروطه الخاصة.
ولقد ارتبط هذا النمو المطرد للرأسمالية المالية أيضا بظهور (الاقتصاد الرمزي ) وهو اقتصاد تحركه رموز و مؤشرات الثروة العينية أي : الأسهم و السندات و غيرها من الأوراق المالية .
2-عجز الأسواق الوطنية عن استيعاب الفوائض المالية حدثت موجة عارمة من تدفقان رؤوس الأموال الدولية ناتجة عن أحجام ضخمة من المدخرات والفوائض المالية التي ضاقت الأسواق الوطنية عن استيعابها فاتجهت نحو الخارج بحثا عن فرص استثمار أفضل ومعدلات عائد أعلى.
3-ظهور الابتكارات المالية : ارتبطت العولمة المالية بظهوركم هائل من الأدوات المالية الجديدة التي راحت تستقطب العديد من المستثمرين ،فإلى جانب الأدوات التقليدية المتداولة (الأسهم، السندات ) ،أصبح هناك العد يدمن الأدوات الاستثمارية منها المشتقات التي تتعامل مع التوقعات المستقبلية وتشمل:المبادلات ، المستقبليات ،السقف و القاعدة ،الخيارات ، وكل هذه الأدوات تتيح للمستثمرين مساحة واسعة من الاختيارات عند اتخاذ قراراتهم الاستثمارية وقد ظهرت هذه الأدوات الجديدة تحت تأثير عاملين وهما :
أ-الاضطرابات التي سادت سوق الصرف الأجنبي بعد الاتجاه نحو تعويم أسعار صرف العملات و أسعار الفائدة بحيث باتت الضرورة ملحة إلى ظهور تلك الابتكارات لتامين الحماية للمستثمرين.
ب-المنافسة الشديدة بين المؤسسات المالية لاسيما تلك التي دخلت حديثا إلى السوق فاستخدمت هذه الأدوات الجديدة من أجل تجزئة المخاطر وتحسين السيولة .