الإعجاز التشريعي في الزكاة
(أوجهه ومعاييره ودلالاته الاجتماعية )
أ.د/ رفعت السيد العوضي
أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر
المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
مقدمـــة:
يستهدف هذا البحث اكتشاف الإعجاز التشريعي في الزكاة. وسوف يقتصر على وعاء الزكاة كما تحدد في عصر النبوة.
لتحقيق هدف البحث سوف تناقش ثلاثة موضوعات. الموضوع الأول عناصر في فقه وعاء الزكاة. وهذا الموضوع يوفر المعرفة المطلوبة عن فقه الزكاة في موضوع البحث وهو وعاء الزكاة في عصر النبوة.
الموضوع الثاني التحليل الاقتصادي والمالي لوعاء الزكاة. وهذا الموضوع يوفر المعلومة الاقتصادية المطلوبة التي يمكن على أساسها تحديد الإعجاز التشريعي في الزكاة.
الموضوع الثالث أوجه الإعجاز في تشريع الزكاة من حيث الوعاء. وهذا الموضوع هو هدف البحث. ويكون قد تم الوصول إليه في سياق تسلسل مقبول.
بناء على هذا التصور لعناصر البحث فإنه سوف يعرض في مبحث تميدي ثم ثلاثة مباحث هي:
المبحث الأول: عناصر في فقه وعاء الزكاة.
المبحث الثاني: التحليل الاقتصادي والمالي لوعاء الزكاة: رؤية إعجازية كلية.
المبحث الثالث: أوجه الإعجاز في تشريع وعاء الزكاة.
مبحث تمهيدي
1- وعاء الزكاة مصطلح يقصد به الأموال التي تجب فيها الزكاة. هذا المصطلح لم يستخدمه الفقهاء الذين كتبوا عن الزكاة إلا أننا لا نجد سبباً يمنع استخدامه في كتاباتنا الحديثة عن الزكاة. هذا المصطلح (الوعاء) شائع الآن استخدامه في الفكر المالي، والزكاة هي نظام مالي، إننا نجد في مصطلح وعاء الزكاة تحديداً فنياً مما يدعم استخدامه، وذلك لأنه يسع الدخل والثروة ويسع الأنشطة الاقتصادية وهي المصطلحات المألوفة في الكتابات الاقتصادية والمالية.
2- التحليل الاقتصادي لوعاء الزكاة له أهميته، بل إنه يمكن القول إنه لا يمكن إعطاء حكم زكوي صحيح للدخول والثروات والأنشطة الجديدة إلا إذا عرف التحليل الاقتصادي للأموال التي وجبت فيها الزكاة في عصر النبوة، وكذلك طبيعة الدخول والثروات في الاقتصاد المعاصر.
3- تتأكد أهمية التعرف على التحليل الاقتصادي للزكاة إذا عرفت طبيعة التشريع في الأموال التي تجب فيها الزكاة وفي مصارف الزكاة. مصارف الزكاة تحددت تحديداً قطعياً في القرآن الكريم في قول الله عز وجل ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾[التوبة: 60].
أما بشأن الأموال التي تجب فيها الزكاة فإنها لم تتحدد في أنواعها على هذا النحو المفصل. يتفق الفقهاء على أن الأموال التي تجب فيها الزكاة تتحدد بقاعدة النماء. تحديد وعاء الزكاة على هذا النحو فيه حكمة سامية تجعل الزكاة معجزة تشريعية اقتصادية، إن الأنشطة الاقتصادية ومصادر الدخول وأشكال الثروات متجددة ومتطورة ولو تحددت الأموال التي تجب فيها الزكاة في عصر النبي عليه الصلاة والسلام تحديداً مفصلاً فإنها كانت ستتحدد بناء على الأموال الموجودة في هذا العصر وبالتالي كان سيمنع أن يدخل في وعاء الزكاة الأنشطة الاقتصادية والدخول والثروات التي تستجد بعد ذلك. لزيادة توضيح هذا المعنى نقارن بين الحياة الاقتصادية في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والحياة الاقتصادية في عصرنا، هذه المقارنة تكشف عن أنه توجد اختلافات جذرية في أشكال الأنشطة الاقتصادية وفي مصادر الدخول وفي أنواع الثروات ولم يكن متصوراً أن تذكر أنواع هذه التطورات في الحياة الاقتصادية. لنا أن نتصور ما كان يمكن أن يحدث لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «تجب الزكاة في شركات الطيران أو في شركات الاتصالات، هذه الأموال وغيرها لم يكن من الممكن تصورها للمعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم بل ولمن جاء بعدهم بقرون كثيرة حتى عصرنا الحديث.
4- لزيادة الاقتناع بأهمية التحليل الاقتصادي لوعاء الزكاة نشير إلى الآتي: لو سئل فقيه عن الحكم الشرعي لما يعرف باسم طفل الأنابيب فإنه لا يمكن أن يعطى إجابة صحيحة إلا إذا شرح له طبيب كيف تتم هذه العملية وهل هي بين زوجين أم لا. بنفس المنهج نقول إن الزكاة تشريع اقتصادي ومالي والذي يعرف ذلك هو الذي يستطيع بيان طبيعة ما يستجد من دخول وثروات وأنشطة اقتصادية، وكذلك بيان ما تناظره من الأموال التي فرضت عليها الزكاة في عصر النبي عليه الصلاة والسلام، والمناظرة في طبيعة الدخل أو الثروة وليست في نوعه.
5- التحليل الاقتصادي الذي نقدمه عن وعاء الزكاة سوف نجعله خاصاً بالأموال التي دخلت في وعاء الزكاة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ، نستهدف من ذلك تحقيق هدفين. الأول هو اكتشاف الطبيعة الاقتصادية للأموال التي فرضت عليها الزكاة في هذا العصر، الهدف الثاني هو استنباط المعايير الاقتصادية التي على أساسها تصنف هذه الأموال من حيث نوع المال (دخل أو ثروة)، ومن حيث النصاب، ومن حيث المعدل.
6- سوف نحاول أن نحقق من هذا البحث هدفاً كلياً رئيسياً هو: إثبات أن الزكاة معجزة تشريعية اقتصادية.
7- التحليل الاقتصادي لوعاء الزكاة عمل يروده هذا البحث، وهو يتأسس على فكر اقتصادي، هذا الفكر الاقتصادي يمكن وصفه بأنه ينطبق عليه القول الآتي: إنه من المعلوم بالضرورة في الدراسات الاقتصادية.
8- فيما يتعلق بالمصادر والمراجع؛ الفقرة الأولى بالبحث موضوعها عناصر في فقه الزكاة ويمكن القول عن هذا الفقه: إنه من المعلوم بالضرورة في فقه الزكاة، وقد أسند بعض ما جاء فيه إلى المصادر والمراجع الفقهية. الفقرة التي جاءت بعد ذلك تداخل فيها الفقه مع الاقتصاد، ومن حيث الفقه فقد سبقت الإشارة إليه أما الاقتصاد فإنه رؤى للباحث في الموضوع ولذلك لم تظهر فيه مراجع لهذا السبب. الفقرة الثالثة والأخيرة والتي موضوعها أوجه الإعجاز في تشريع وعاء الزكاة ومعايير هذا الإعجاز فإنها بمثابة نتائج وهي رؤى للباحث ولذلك لم تظهر فيها مراجع.