صدرت مؤخرا دراسة قدمت إلى منظمة المؤتمر الإسلامي تقول أن النشاط الاستثماري في الدول غير الإسلامية يترتب عليه مخاطر صعبة وخصوصا إذا أغلقت الحكومات الباب أمام شركات الاستثمار في ساحة الاستثمار.
أظهرت السنوات القليلة الماضية حقيقة المخاطر التعاقدية وعدم استقرار الجو المناسب للاستثمار الخارجي، خاصة إذا كان الاستثمار في المجالات التي تتملك الحكومات فيها نصيب الأسد.
تكمن المخاطر في أن الحكومة الأجنبية قد تخل بواجباتها العقدية تجاه المستثمر أو تتدخل في العلاقات التعاقدية بين المستثمر والشركات المحلية أو تضع إجراءات استثمارية جديدة - مثل زيادة الضرائب وتقييد تحركات العمالة- تضر بمصلحة المستثمر بدعوى مصلحة الاستثمار المحلي. حينها تكون فرص النجاح قضائياً في المحاكم الأجنبية ضد الحكومات ضئيلة جدا. وهذه الأمثلة وغيرها من المخاطر تدل على أهمية إدارة مخاطر الاستثمارات الأجنبية.
هذه الدراسة المنشورة محررة من أصل ورقة مقدمة لمؤتمر الاقتصاد الإسلامي العالمي برعاية غرفة التجارة والصناعة بالكويت في أبريل ,2007 قدمها محمد أربونا عضو هيئة الرقابة الشر عية والمراقب الشرعي للبنك الدولي المتحد بالبحرين.
ركزت الدراسة على المخاطر القانونية والقضائية التي قد تواجهها رؤوس أموال الدول الإسلامية، وخصوصا البنوك الإسلامية عند الاستثمار خارج حدود الدولة الإسلامية، علما أن هذه المخاطر قد تكون موجودة أيضا في الدول الإسلامية نتيجة تطبيق قوانين مستمدة من قوانين الدول غير الإسلامية.
وتحوم حول الاستثمار الخارجي مجموعة من المخاطر، وخصوصاً إذا نظر إليها من منظور الصيرفة الإسلامية، وذلك من متطلبات تملك أصول ثابتة في دول غير إسلامية، ومن هذه المخاطر:
(1) التعريفات الجمركية.
(2) الرقابة: مثل تقييد التصرف عن تحويل العائدات أو الأرباح التي حققها مشروع معين أو التصرف فيها بأي وسيلة.
(3) حصص الاستيراد.
(4) الضرائب والإعانات.
(5) التقلبات السياسية المفاجئة.
(6) المصادرة ونزع الملكية.
(7) عدم الالتزام بالشريعة.
(
التحاكم إلى القوانين الوضعية.
(9) رعاية المستهلك وأصحاب الودائع: حيث احتمال التعرض إلى قوانين حماية المستهلك الصارمة أو قوانين ضمان الودائع لأصحابها بغض النظر عن الصيغة المستخدمة في الاستثمار مما يعرضها لمخاطر شرعية.
ألقت هذه المسائل وغيرها بظلالها على أهمية دراسة مخاطر الاستثمار في الدول غير الإسلامية، وبالأخص استثمارات البنوك الإسلامية، وأصبحت دراستها ضرورية أكثر من أي وقت مضى، وخصوصاً مع بروز قضية موانئ دبي مع بعض أعضاء الكونجرس الأميركي.
فقد مُنعت شركة موانئ دبي من إدارة ستة موانئ رئيسة في الولايات المتحدة بعد دراسة الجدوى وإثر مناقشات اقتصادية وأمنية ونحوها بحجة أن موانئ دبي تثير مخاوف أمنية - كما قال بعض أعضاء الكونغرس الأميركي - على رغم أن هذه الموانئ كانت تدار قبْل هذه الحادثة من قبل شركات بريطانيا لسنوات عدة.
ويبين هذا أن المستثمر قد يصرف مبالغ هائلة قبل أن يدرك أن للسياسيين نظرة أخرى بشأن استثماراته. كما تؤكد القضية أن النظرة إلى استثمارات الدول الإسلامية في الغرب تختلف عن النظرة لاستثمارات الدول الغربية في الغرب مما يعكس مدى المخاطر التي تواجهها رؤوس الأموال الدول الإسلامية في الاستثمارات الخارجية.
ولهذا كله، أصبح من الضروري إلقاء الضوء على تلك المخاطر ليكون المستثمرون في الدول غير الإسلامية من أبناء المسلمين والشركات الإسلامية على دراية كافية بهذه المخاطر من أجل اتخاذ الإجراءات المناسبة لتقليلها أو تلافيها حتى يكون الاستثمار في الدول غير الإسلامية ذا جدوى اقتصادية.
من الملاحظ أن الشركات أو المصارف في الدول الإسلامية، سواء الإسلامية منها أو الربوية، تستثمر نسبة كبيرة من أموالها في الخارج، ولم يقتصر ذلك على المؤسسات المالية بل تعداه إلى الأفراد حيث يلجأ كثير من مواطني الدول الإسلامية إلى توظيف أموالهم في الخارج، ولهذه الظاهرة أسباب عديدة منها ما يلي:
(1) عدم الاستقرار السياسي في الدول الإسلامية إذ أصبحت هناك صراعات في هذه الدول مما يجعل أصحاب رؤوس الأموال في خوف مستمر على أموالهم، بل إن تدفقات الاستثمار الأجنبي في الدول الإسلامية مع توافر الموارد الطبيعية كالنفط كانت دون المستوى المطلوب بسبب عدم الاستقرار السياسي.
(2) تحقيق أرباح مجزية عند الاستثمار في الخارج نتيجة وجود التنويع في الاستثمار، حيث توجد بدائل استثمارية عديدة، وهكذا فالمردود المالي للاستثمار في الدول الإسلامية أقل بكثير من مردود الاستثمارات في الدول الغربية بسبب صغر حجم السوق.
(3) المشاكل الإدارية والقانونية، حيث توجد في الدول الإسلامية فطرة حب تعظيم الإجراءات البيروقراطية المعرقلة للمستثمرين، بالإضافة إلى عدم وضوح قوانين وأنظمة الاستثمار المحلي أو عدم وجودها أصلا مما يدفع المستثمر نحو الإحجام عن استثمار أمواله لما فيه من المخاطرة ولعدم وجود ضوابط وإجراءات تكون أكثر قدرة على معالجة هذه السلبيات.
(4) قلة المؤسسات المالية المتطورة، وكذلك عدم وجود مؤسسات مالية متخصصة في الدول الإسلامية تعنى بإدارة مخاطر الاستثمار وتوجيه رؤوس الأموال.
إذا نُظر إلى الاستثمارات الخارجية نجد أن هناك موافقة ضمنية من قبل المستثمرين بتقليب أموالهم بما يحقق أهداف الاستثمار، ومنها السفر بالمال، وهو هنا الاستثمار في الدول غير الإسلامية. فباستقراء أقوال الفقهاء، نجد أن الفقهاء لا يعترضون من حيث المبدأ على الاستثمار في بلاد الكفار بيد أن لديهم تحفظات من حيث كون هذه الاستثمارات تقويهم بطريقة تضر بمصالح المسلمين. وهذا الخوف غير موجود في هذا الوقت حيث إن الدول الإسلامية تستفيد كذلك بالاستثمار في الدول غير الإسلامية.
فإذا تحقق جواز الاستثمار في أي مكان على وجه الأرض مع الأخذ في الاعتبار مصالح المسلمين، فإنه لا بد إذا من النظر إلى المخاطر التي تنتظر هذه الاستثمارات.
توجد مجموعة من المخاطر التي تقف في وجه الاستثمار في الدول غير الإسلامية، منها مخاطر اقتصادية ومخاطر سياسية ومخاطر اجتماعية ومخاطر أمنية، كما أنه إذا فكرت المؤسسات المالية، وخاصة المصارف الإسلامية في الاستثمار في الخارج فلا بد لها أن تضع في الاعتبار الانعكاسات القانونية والقضائية؛ لأنها ملزمة بالالتزام بالقوانين والنظم القضائية المطبقة في بلد الاستثمار، وقد تختلف قوانين الاستثمار والنظرة إلى الصيرفة الإسلامية بحسب الدول الغربية التي توجد بها المعاملات المالية الإسلامية.
المخاطر القانونية أو القضائية هي الخسائر التي تقع نتيجة عدم التنبؤ عما سيكون وجهة نظر القانون أو نظام الاستثمار في عقود الاستثمار، أو بسبب عدم إمكانية تنفيذ العقد الذي ينظم العلاقات التعاقدية في بلد الاستثمار، وتشمل المخاطر عدم وضوح بنود العقد مما قد يؤدي إلى نتائج وخيمة إضافة إلى خطر تفسير العقد بما لا يخدم مصلحة المستثمر.
إن المخاطر القانونية لا تشكل خطر تفسير أو فهم مضمون العقد فقط بل تشمل مخاطر تتعلق بتعدد القوانين المنظمة للعلاقات التعاقدية في العقد الواحد، حيث لا يقدر المستثمر على التنبؤ بالقانون الذي سينفرد بالنظر في النزاع عند نشوئه، حيث قد يكون قانون بلد المستثمر أو العكس. كما أن عدم وضوح القانون المختار يشكل كذلك مخاطر قانونية أو قضائية.
وتختص المخاطر القضائية بعدم إمكانية التنبؤ بوجهة نظر المحاكم الغربية للمعاملات المالية الإسلامية قبل وقوع النزاع حتى لو أن العقد تضمن بعض البنود ذات الطابع الشرعي حيث إن الطرف الآخر قد يدافع بأن هذه البنود مع الاتفاق عليها من قبل أطراف العقد فهي تعارض نصا قانونيا آمرا لا يمكن للقاضي التغاضي عنه.
يمكن تقسيم الإطارات القانونية التي تستثمر في ظلها المؤسسات المالية الإسلامية إلى الآتي:
أولا: الإطار القانوني والقضائي التقليدي البحت الذي لا ينظم ولا يقنن ولا يسمح بأي نظام استثماري إسلامي.
ثانيا: الإطار القانوني والقضائي التقليدي الذي بدأ بالسماح لسن بعض الأنظمة الاستثمارية تخدم صيغا استثمارية إسلامية.
ثالثا: الإطار القانوني والقضائي الذي ينظر إلى التطبيقات الاستثمارية من الناحية الشرعية ويتعامل معها على هذا الأساس.
وتطرح هذه الإطارات الثلاثة مخاطر قانونية وقضائية لا بد من الوقوف عندها عند الاستثمار بحسب مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، ويهمنا هنا الإطاران الأول والثاني؛ لأن الثالث لا يشكل مخاطر قانونية تُذْكر للمؤسسات المالية الإسلامية.
* الإطار القانوني والقضائي التقليدي البحت الذي لا ينظم ولا يقنن ولا يسمح بأي نظام استثماري إسلامي:
يشكل هذا الإطار مخاطر استثمارية عديدة للمصارف الإسلامية وهي:
(1) أن القانون في هذا الإطار لا يعترف أن المصارف الإسلامية تستحق أن توصف ببنوك ومؤسسات مصرفية؛ لأن القضاء في هذا الإطار معتمد على القانون الوضعي الإنجليزي أو القانون المدني الفرنسي. وهذه القوانين ترى أن العمل الأساسي للبنوك هو الوساطة المالية عن طريق الادخار والإقراض والاقتراض مع فوائد ربوية. إذا في هذا الإطار لا توصف المصارف الإسلامية بأنها بنوك؛ لأنها تقوم على التجارة والاستثمار، وهذا يعني أنها لا تقوم بعمليات مصرفية معروفة لدى القانون بالإضافة إلى أنها تتقيد من الناحية التطبيقية والعملية بمبادئ الصيرفة التقليدية على رغم عدم الاعتراف بها بأنها تأخذ طابع البنوك.
(2) تتفرع من الخطر المذكور أعلاه، مخاطر القوانين الضريبية التي تثقل كاهل المصارف الإسلامية بأعباء مالية كبيرة نتيجة عملياتها التجارية والاستثمارية مما يقلل من جدوى الاستثمار في الدول غير الإسلامية بسبب غلاء المصروفات التشغيلية والتمويلية إذا ما قورنت بالمصارف التقليدية. وهذا يشكل خطر الإحجام عن الاستثمار في المؤسسات المالية الإسلامية التي تعمل في الدول غير الإسلامية.
ولو أخذنا -على سبيل المثال - نظام الضرائب في الولايات المتحدة الأميركية لأدركنا مدى المخاطر التي تشكلها القوانين الضريبية على أداء وقوة المؤسسات المالية. فقد اعتمدت الولايات المتحدة الأميركية على مبدأين أساسيين في سن قوانينها الضريبية، وهما المبدأ الوطني والمبدأ الإقليمي أو الحدودي. فالأول يرى أن كل مواطن اكتسب منفعة مالية فهو ملزم قانونا بدفع ضريبة على هذه المكاسب، ويشمل ذلك المقيمين والشركات المسجلة في الولايات المتحدة. أما المبدأ الثاني فيعني أن أي مكسب مالي في الحدود الإقليمية للولايات المتحدة خاضع للضرائب بغض النظر عن موطن المكتسب أو دولته.
وعليه، فإن الأشخاص والشركات الأجنبية التي تقوم بالتجارة أو الاستثمار في الولايات المتحدة الأميركية تلتزم بدفع الضرائب ولو لم يكن الشخص من مواطني الولايات المتحدة، وكذلك الحال بالنسبة للشركات.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مبدأ ضريبي آخر في الولايات المتحدة يسمى مبدأ ‘'أصل المكسب'' والذي يعني أنه إذا كان المكسب قد تم في الولايات المتحدة فهو خاضع لضريبة الدخل ولو لم يكن صاحبه من مواطني أو مقيمي أو شركته من الشركات الأميركية.
وإذا كانت الشركات التي تعمل وفق أحكام الشريعة ترغب في الاستثمار في أميركا فلا بد أن تأخذ في الاعتبار ضريبة الدخل التي قد تفوق 30% من الأرباح المكتسبة. كما أنه لا بد من دفع الضرائب على الأرباح المنقولة من فرع أجنبي إلى الشركة الأم خارج الولايات المتحدة، وهذا يطبق تماما على الأفراد غير المواطنين إذا استثمروا أموالهم أو قاموا بالتجارة في الولايات المتحدة الأميركية.
وعليه، فإنه يجب أخذ المبادئ المذكورة أعلاه في الاعتبار عند الرغبة في الاستثمار بالمضاربة أو المشاركة مثلا بأميركا وإلا ستتأثر استثمارات المؤسسات المالية الإسلامية سلبا وبدون جدوى اقتصادي تساعد على نموها، إذ إن أية أرباح ناتجة عن الاستثمار بالمضاربة أو المشاركة تكون خاضعة لضريبة الدخل المطبقة على الشركات، كما يكون نقلها خاضع للضريبة كذلك.
وبسبب ما ذكر أعلاه لجأت المؤسسات المالية إلى تقليل مخاطر الضرائب بإنشاء فروع أو المساهمة في شركات أو مؤسسات مالية وطنية تتولى هي الاستثمار نيابة عن المؤسسة الأم. وبذلك تقلل المؤسسة الأم من مخاطر وأعباء الضرائب بشكل كبير وتجعل مصروفاتها التشغيلية والتمويلية في حدود المعقول اقتصاديا؛ لأنه بإنشاء الفروع الوطنية في الولايات المتحدة للتجارة والاستثمار تتفادى المؤسسة المالية دفع ضرائب الدخل التي -كما سبق ذكره- تصل إلى 30 % بسبب كون الفرع شركة وطنية، أي مسجلة بأنها شركة أو مؤسسة مالية أميركية.
ولذلك ينصح خبراء الضرائب بالاستثمار بأميركا عن طريق فروع محلية لتفادي الأعباء المالية التي تتسبب فيها الضرائب، خاصة إذا اعتمدنا على الرأي القائل بأنه لا ربا بين العبد وسيده والذي إذا طبق على الفروع الوطنية تقلل من عبء الضرائب. فتستطيع المؤسسة الأم الاستثمار في فرعها في الولايات المتحدة الأميركية على اساس إظهار الاستثمار في صفة القرض بفائدة بدلا من المساهمة التي تفرض عليها القوانين ضرائب كبيرة دون القرض.